Труха⚡️Україна
Труха⚡️Україна
Николаевский Ванёк
Николаевский Ванёк
Инсайдер UA
Инсайдер UA
Труха⚡️Україна
Труха⚡️Україна
Николаевский Ванёк
Николаевский Ванёк
Инсайдер UA
Инсайдер UA
بسام بن خليل الصفدي avatar

بسام بن خليل الصفدي

قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://t.me/drosdrBbot
رابط مجموعة الواتساب https://chat.whatsapp.com/ChJRf2EAlsQ22vzZtLEzy2
TGlist 评分
0
0
类型公开
验证
未验证
可信度
不可靠
位置
语言其他
频道创建日期Жовт 01, 2019
添加到 TGlist 的日期
Січ 15, 2025

"بسام بن خليل الصفدي" 群组最新帖子

من مقروءاتي في الحرب [69]
("قانون التأسيس العَقَدي" لسلطان العُمَيري)
افتنَّ أهلُ كل علم في تصنيف مقدمات ومداخلَ إلى علومهم: تعين الدارسَ على فهم مباحثها وفصولها وموضوعاتها، وترسم له خرائطها ومساراتها ومسالك تحصيلها، وتبين له مفاهيمها الكلية ومعالمها الإجمالية وأدلتها المعتمدة، ويقف من خلالها على تاريخها ومناهجها ومدارسها، إلى غير ذلك مما تتكفل به هذه المعالم المرشدة الهادية.
وهذا الكتاب الذي بين يديك صُنِّف ليكون مدخلا إلى علم الاعتقاد، وكان الباعثَ على تصنيفه العَوَزُ الحاصل في الكتب المصنفة لهذا الغرض:
إنْ من جهة إغفال عدد من المباحث المهمة المتعلقة بهذا العلم.
أو من جهة التقصير والاختصار في عرضها؛ فلا يجد الدارس عمقا يعينه على الارتقاء في مدارج العلم.
أو من جهة الخلط بين مسائل الاعتقاد وعلم الاعتقاد؛ فكثير منها مداخل إلى الاعتقاد نفسه لا إلى علم الاعتقاد، وهذا شيء وذاك شيء آخر كما سيأتي معنا.
فحرَص المصنف على تجاوز هذه الإشكالات، وبنى كتابه بناء متينا محكما -قدر الوسع والطاقة-، وصَمَد إلى العلم لا إلى مسائله، وأسس مباحثه لتكون قانونا يسري على عامة علوم الشريعة؛ فجعلها أشبه بالقواعد الجامعة والنُّظُم الحاكمة. ولَعَمْرُ الله إن هذا لمن ضروب الإبداع.
وأنشأ قانونه على أحد عشر مبحثا:
الأول: مفهوم علم العقيدة.
والثاني: منزلة علم العقيدة.
والثالث: حكم علم العقيدة وفائدته.
والرابع: علاقة علم العقيدة بالعلوم الأخرى.
والخامس: أسماء علم العقيدة وألقابه.
والسادس: مدارس علم العقيدة.
والسابع: موضوع علم العقيدة وخرائطه.
والثامن: المصنفات في علم العقيدة.
والتاسع: مناهج التصنيف في علم العقيدة.
والعاشر: أحكام مسائل علم العقيدة.
والحادي عشر: مسالك البناء والتأصيل العقدي.
وقد بقيت جملة من المباحث المهمة أشار إليها ولم يتهيأ له أن يكتب فيها، فعسى أن يُلحقها بالطبعات القادمة إن شاء الله.
وهذه المباحث وغيرها -مما ذكر ولم يذكر- مردُّها إلى ستة محاور تنتظم التعريف بهذا العلم الشريف:
التعريفي، والتكويني، والمنهجي، والتاريخي، والتحصيلي، والتطويري.
وفاتحة الإبداع في الكتاب تفريقه بين الاعتقاد وعلم الاعتقاد.
فالاعتقاد: موضوعات التوحيد، والإيمان، والمغيَّبات، والنبوات، والقدر، والأصول التي خالف فيها المبتدعة.
وعلم الاعتقاد: هو السِّلك الذي ينتظم هذه الأصول، ويدرس أحوالها وقوانينها وما يحتفُّ بها. فهو يحوم حول المسائل ولا يدرسها، إذ ليس هذا من شأنه وغرضه.
وهذا المعنى لم أر أحدا ممن صنَّف في مداخل العلوم أشار إليه أو نبه عليه على هذا النحو الذي تراه في هذا الكتاب.
وأطول مباحث الكتاب وأنفسها: المبحث السادس (مدارس علم العقيدة)، والعاشر (أحكام مسائل علم العقيدة)، فقد استغرقا أكثر من نصف الكتاب، وفيهما من الدَّرس والتحرير والإفادة ما لا يُستغنى عنه.
والمدارس قسمها إلى أربع: المدرسة السُّنية، والمدرسة الكلامية، والمدرسة الفلسفية، والمدرسة الكَشْفية.
وفصَّل في أصولها وفرقها ومناهجها، وطوَّل في تقرير أصول المدرسة السنية وأدلة صحتها.
أما المبحث المتعلق بالأحكام: فقد ذَكر فيه عشرة أحكام يكثر الغلط والخلط فيها، ويقل تناولها في كتب الاعتقاد ومداخلها، فأحسن في جمعها، ثم أحسن ثانية في دَرْسها والكلام عنها.
وعامة مباحث الكتاب ترى فيها جِدة وعمقا، وتحريرا ونقدا. ولا يتسع المقام هنا لتفصيل الكلام فيها واحدا واحدا؛ إذ يسهل وقوف القارئ عليها إن شاء الله.
والكتاب فيه عناية ظاهرة بالأصول والقواعد والكليات، والوقوف على مداخل وأصول الغلط في المسائل والموضوعات.
وفيه جرأة وتجديد وانتحالُ أقوال يجبُن عنها من لم ترسخ قدمه، وبقي أسيرا للذائع المشهور.
وفيه احتفاء ظاهر بالتراث التَّيمي المبارك، واتكاء على تقريراته في كثير من المسائل، وإنه والله بهذا لجدير.
وفي الجملة: هذا كتاب عظيم نافع كُتب على طريقة مبتدَعة مبتكرة، يستفيد منه طالب العلم أيا كان تخصصه، ويستفيد منه طالب الاعتقاد على وجه أخص.
وقد دخلت علينا الحرب ونحن ندرِّسه في أكاديمية (المرقاة) مع أخينا الحبيب الدكتور أبي مالك حسن بن سليمان حِلِّس نفع الله به وبإخوانه وزادهم توفيقا وسدادا.
والشيخ سلطان وفقه الله له جهود مباركة في التأليف والتدريس، وقد قرأت شرحه على الواسطية "العقود الذهبية" فانتفعت به جدا، وما استبانت لي بعض المسائل والدقائق إلا من خلاله، وكنت قد طالعت غالب شروحها بحمد الله تعالى، فما رأيت أنفس منه.
بسام بن خليل الصفدي
السبت 19 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
#نفثة


لئن رخُصَتْ في العالمين دماؤهم
لَذِمّةُ مَن خان الأمانةَ أرخصُ

أرى الأرض تستسقي دماءًا زكيَّةً
ليُسقى بها غَرْسٌ على الثأر يَحرِصُ

يكون جَنَاهُ نِقْمةً مستمرَّةً
عليهمْ فما ينجو من الكفر مَفْحَصُ

ألَا فلْيَزِدْ ما شاء في البغْي ضَلَّةً
فما زاد إلا في الذي منه ينقُصُ

توارثَ أهلُ البغْي أسبابَ هُلْكهم
وهُلْكهمُ في مُلكهمْ لو تفحَّصوا

فلا تحسبنَّ اللهَ مخلفَ وعدِهِ
فما النصرُ قولٌ يُّفترى وتخرُّصُ

رويدًا، ستهوي صخرةُ البَغْيِ صَفْصفًا
ويرسو ثبيرُ الحقِّ فليتربّصوا
• غَزّة سَهل سَاحِلي خَصب بأرضٍ مُنبَسِطَة مع بعضِ التِّلَال الرَّملِيّة ، ومُناخُها مُتوسطِي : حارّ وجَاف صيفًا ، مُعتدِل ومُمطِر شِتاءً ، لكنّها تُعانِي مِن نقصٍ حَادٍّ في المَوارِدِ المَائيّة ، وأزمَاتٍ في الأدويةِ والكهرباء وباقِي مُقوّمَات الحَياة ، ويُعانِي سُكانُها مِن ظُروفٍ مَعِيشيَةٍ صَعبَة ، فنِسبَة البَطالَة فيها مِن أعلى النِّسَب عالَمِيًّا إذْ إنّها وصلَت قبل الحَربِ الأخيرَة إلى أكثرَ مِن 50% ، إلّا أنّ البَركةَ ظَاهِرةٌ بَيِّنَة ولن يموتَ أهلُها جُوعًا بمَدَدِ اللهِ وعَونِه .
• سُكّان غَزّة مُسلِمُون سُنَّة مع وجودِ عدَدٍ قلِيلٍ جدًّا مِن الكَافِرِين المُسالِمِين مِن طوائفِ النَّصارَى الذِين لا يَصِلُونَ مُجتَمِعِين إلى 1% ، ولا يُوجَد فيها شِيعَة ولا طوائِف أُخرى -وللهِ الحمْد- مع وجودٍ ضعِيفٍ لبعضِ فِرَق الصُّوفيَّة ، وفيها العدِيد مِن الأحزابِ الوطنِيّة والعَلمَانِيّة والشُيوعيّة التي لا تأثيرَ لها بل عِبارَة عن مَجموعةِ دَكَاكِين يَتبعها مَن يَرتَزِق مِنها ، والأحزابُ والتَّجمُّعاتُ والجَمعِيّاتُ الإسلَامِيّة مُتوافِرَة على خِلافٍ بَينها ، وأكثرُ النّاسِ مِن العامّةِ وعلى الفِطرَة ، فغَزّة مَعروفَة بالتَّديُّن ، وتنتَشِر فيها المَساجِد والمَدارِس الشَرعِيّة ، ولُغةُ أهلِها العَرَبِيّة ولَهجتُهم فِلسطِينيّة .
• غزّة جُزءٌ مِن الأُمّةِ الإسلاميّةِ السُنيّة ، وهي صُورة مُصغّرَة عن الأُمّة ، فيها مِن كُلِّ الأصنافِ والنَّوعِيات : المُسلِم والكَافِر ، المُؤمِن والمُنافِق ، المُوالِي والمُعادِي ، المُتَّبِع والمُبتدِع ، المُصلِّي والتَّارِك ، الأُخرَوي والدُّنيَوي ، المُطِيع والفَاسِق ، الصَّالِح والطَّالِح ، العالِم والجاهِل ، الصَّادِق والكَاذِب ، المُجاهِد والمُخَذِّل ، النَّاصِر والخَاذِل ، البَاذِل والمُمسِك ، المُضَحِّي والمُتَسلِّق ، الصَّابِر والمُتَأفِّف ، الإيجَابِي والسَّلبِي ، المُهتَم بِقضَايا الأُمّة ومَن لا يَعنِيه إلَّا نفسَه ودُنياه .. إلى آخرِ الأصنافِ المُتَناقِضَة التي تَعُجُّ بها الأُمّة ، والعِبرَةُ بِمَن يُمسِك بالدَّفَّة .
• غزّة رَغم صِغَر مَساحَتها وقِلّة عدَد سُكانها وضَعَف إمكانَاتها وتَنوّع مَن فيها إلّا أنَّ دورَها مِحورِي وأساسِي إنْ لم يكنْ الوحِيد في الصِّراعِ مع اليهودِ المُحتَلِّين ، وهي تُمثِّلُ رمزًا للمُقاومةِ والتَّحدِّي والصُّمود ، ويُتَوقَّع -بإذنِ الله- أنْ تَكونَ سَببًا في إحياءِ الأُمّةِ التي غابَت طويلًا وتأخّرَت كثيرًا ولِكُلِّ شَيءٍ سَبَب واللهُ على كُلِّ شَيءٍ قدِير والعاقِبةُ للمُتقِين .

مِن غزّةَ المُحاصَرَة المُرابِطَة المُجاهِدَة ، أَخُوكُم : أبو البَراء ، ياسِر بن عبد الرحمن
ليلة الخميس
١٧ ذو القعدة/١٤٤٦ ه‍
المُوافِق ١٥ مايو/٢٠٢٥ م
غَزَّة الحَبِيبَة
الحَمدُ للهِ وحدَه والصّلاةُ والسّلامُ على مَن لا نَبيَّ بعدَه ، أمّا بعد :
فإنَّ غزّةَ اليومَ مَحِل أنظَار العالَم ؛ لِصُمودِها وثَباتِها وصَبرِها ورِباطِها وجِهادِها لأعدائِها المُحتَلِّين ومَن خلْفَهم ومَن ساندَهم ووَقفَ في صَفِّهم ، وللمُنافِقِين والمُخذِّلِين والخَاذِلِين ... إلخ والقائمةُ تَطُول ، ثُمّ إنّ صُمودَها الأُسطُورِي وثَباتَها اللافِت وصَبرَها العَجِيب ورِبَاطَها المُستَمِر وجِهادَها المُتواصِل جاءَ رَغم طُول مُدَّةِ حِصارها والحُروب المُتَتابِعة عليها وصِغَر حجمِها وقِلّة عدَد سُكانِها وشِبه انْعدَام إمكاناتِها وتركها في المُواجَهةِ بمُفردِها ...
فكان لا بُد مِن نُبذَةٍ عنها ؛ ليتعرَّفَ عليها مَن أحبَّها أو أبْغَضَها ، فجَاءتْ هذه النُّبذَةُ المُختَصَرَةُ -لَعلَّ اللهَ ينفَع بِها- في النّقِاطِ العَشْر الآتِية :

• غزّة جُزءٌ مِن بِلادِ الشَّام التي هي عُقْر دار المُؤمِنين في آخِرِ الزّمَان ومَهوى أفئدتِهم ، أرض المَحشَر والمَنشَر ، ومَهبط عيسى عليه السلام ، ومَوطِن الطائفَة المَنصورَة ، وقد جاءَ في فضلِ الشّامِ وأهلِها أحادِيث نَبويّة كثيرَة ، الخيرُ مِنها نابِع والحَقُّ مِنها صادِع والبُشرياتُ مِنها قادِمة بإذنِ الله تعالَى .
• غزّة مِن فِلسطِين الأرض المُباركَة ، مَسكَن ومُهاجَر الأنبياء عليهم السلام ، ومَسرَى نَبينا محمّد ﷺ ، وهي التي تَحتضِن المسجِد الأقْصى أولَى القِبلتَين وثالِث المَسجِدَين الذي يُدنّسه إخوان القِردَة والخَنازِير مِنذ ثَمانيةِ عقود رَغم التِّعدَاد الهائِل للمُسلمِين ، وللهِ نشْكُو هوانَ الأُمّةِ على النّاس .
• تعَاقَبَت على غَزّةَ الحَضَارَات : الكَنْعانِيّة ، الفرعُونِيّة ، اليُونانِيّة ، الرُّومَانِيّة .. وغيرَها حتى جاءَها الفَتح الإسلَامِي المُبارَك ، فمَوقِعها استراتِيجِي حيث إنّها تَربِط بين قارَّتَي آسيا وأفريقيا ، فهي نُقطَة تَواصُل تِجارِي وثَقافِي بين القارَّتَيْن ؛ لِذا تعَاقَبَت عليها جُيوشُ المُحتَلِّين فكانَت شَوكةً في حُلوقِهم إذْ إنَّها غَزّة !
• كانت غَزّة قِطعَة مِن الخِلافةِ الإسلامِيّةِ العُثمَانِيّة إلى سُقوطِها ، ثُمّ تحتَ الاحتِلال البِريطانِي حتى عام 1948م ، ثُمَّ تَحتَ الإدارةِ المِصريّة حتى عام 1967م ، إذْ احتَلَّها اليهودُ في هذا العَام بعدَمَا هُزِمَ العَربُ هزِيمةً نَكْرَاء في سِتةِ أيّام ، وبَقِيتْ تَحتَ الاحتِلال اليَهودِي حتى عام 2005م ، ومُحَرَّرَة مِن حِينِه إلَّا أنَّ الحِصارَ لَم يَنفَكْ عنها بل ازدَادَت شِدتُه مع مُرورِ الوقت حتى وصلَ إلى حِصَارٍ خَانِقٍ اشتركَ في تَنفيذِه الجِيرَان ! كمَا تَعرَّضَت لِحُروبٍ مُتَتابِعَةٍ كان آخِرَها الحَربُ المُدَمِّرَة المُستَمِرّة إلى الآن ولِكُلِّ شَيءٍ أوَان .
• غَزّة شَرِيط سَاحِلي تقَع على السَّاحِل الشَّرقِي للبحرِ الأبيض المُتوسِط ، لا تزِيد مَساحَتها عن 365كم² ، بطولٍ نحو 41كم ، وعَرضٍ يَتراوح بين 6 إلى 12كم ، وتُقسَّم إدارِيًّا إلى خمسِ مُحافَظَات : الشَّمال ، غزّة المَدِينَة ، الوُسطَى ، خَانْ يُونُس ، ورفَح الواقِعَة على الحُدودِ مع مصر ، فغَزّة يحُدُّها مِن الغَربِ البَحر ، ووَفْق الحُدودِ المُصطَنَعَة : مِن الشَّرقِ والشَّمَال السِّياج الفاصِل -الزَّائِل بإذنِ الله- الذي ضَربَه يهود لِفصلِ غَزّة عن باقِي فِلسطين ، ومِن الجَنوبِ مِصر الدولَة العربيّة الشَّقِيقَة الكَبِيرَة مَساحةً وعددًا ! وغَزّة مُحاصَرَة حِصارًا شَديدًا مِن الجِهاتِ الأربَع بَرًّا وبَحرًا وجَوًّا ، لكِنّها عَصِيّة على الانْكِسَارِ بعونِ اللهِ تعالَى .
• عدَد سُكّان غَزّة في هذه البُقعَةِ الصغِيرَة 2 مليون و 300 ألف إنْسَان ، فغَزّةُ هي البُقعَة الأكثَر ازدِحامًا وكَثافَةً سُكّانِيّة في العَالَم إذا مَا قُورِنَ العدَدُ بالمسَاحَة ، فكَثافَتُها السُّكانِيّة نَحو : 6,500نَسمة/كم² ، ومُعظَم هؤلاء السُّكَّان مِن المُهاجِرِين حيثُ إنَّهم يَنتَمُونَ إلى فِلسطِين المُحتلَّة التي هجّرَهم اليهودُ مِنها فهم مِن لَاجِئِي حرَب 1948م ، والمُهاجِرُ عائِدٌ إلى مَوطِنِه ولو بعدَ حِين بتوفيقِ رَبِّ العالَمِين ..
وإحصَائيةُ السُكّان المَذكُورَة سابِقًا ليستْ جدِيدَة فيدخُلُ فيها الذِين أكَلتْهُم الحُروبُ المُتتابِعَة وأعدَاد الوفِيات ، إلَّا أنَّ أعدَادَ المُوالِيد -وللهِ الحمْد- في ازدِيادٍ مُطّرِد وهذا مِن الصِّراعِ الدِّيمُوغْرَافِي ، كما أنَّ الفِئةَ العُمْرِيّةَ السَّائِدَةَ مِن الشَّبابِ دُونَ سِن ال25 ، وللهِ في كُلِّ شَيءٍ حِكْمَة .
حرب غزة يوميات ومشاهدات [84]
(الجزاء من جنس العمل)
من قواعد الشرع العظيمة: أن الجزاء من جنس العمل، وأن العبد كما يدين يدان، "فمن صَفَّى صُفِّي له، ومن كَدَّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يُكال للعبد ما كال" [الشيخ عبد الرحيم الطَّحَّان].
وكثيرا ما كنت أتأمل في نفسي ومن حولي في هذه الحرب فأرى مشاهد وتجليات هذه القاعدة العظيمة الشريفة، والتي إنما يعتبر ويتعظ بها أولو الألباب، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، وإليكم بعض ما يتسع له المقام.
فمن هذه المشاهد والتجليات: ما تراه على وجوه الصابرين الراضين من نضرة النعيم، وطيب العيش، وانشراح الصدر مع ما نزل بهم من البلاء، وهو تصديق لقول ربنا جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11].
ومَن يجعلِ الرحمنُ في قلبه الرضا يكن في طيِّب من العيش واسعِ
وترى حياة الساخطين نَكِدة منغَّصة مع ما هم فيه من النعيم الظاهر (ومن سخط فله السُّخط).
ومن مشاهد ذلك: أن من تعفَّف عن سؤال الناس، والتمس المال الحلال الطيب أعزه الله وأغناه، وقنَّعه بما آتاه. وإنه للذي قال صلى الله عليه وسلم: (... وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) [أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
ومَن فتح على نفسه باب السؤال فتح الله عليه أبواب الذل والفقر، (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) [أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما].
ومنها: ما تسمعه عن المجاهدين الباذلين أرواحهم ونفوسهم لربهم سبحانه، فإنهم مع ما هم فيه من التعب والنصب والخِذلان واجتماع الأعداء= قد أنزل الله عليهم السكينة والأمَنة؛ فلا يعتريهم ما يعتري الجالسَ في بيته وبين أهله من الخوف والرعب، وقد رآهم الناس وهم في أحضان الموت يبتسمون ويضحكون ويمتشطون كأن الواحد منهم يزف إلى عروسه، والجزاء من جنس العمل، ولا والله ما على وجه الأرض أحد أولى بهذا منهم.
ومنها: ما رأيناه من عقوبة الله تعالى للسُّرَّاق واللصوص الذين عاثوا في الأرض فسادا، وجرى على أيديهم من الشر ما تضاعف وتعاظم به البلاء على الناس. فمنهم من قصفته الطائرات، ومنهم من أمسك به الشرط أو الناس فباء بالخزي والهوان، ومنهم من أفلت في الدنيا وينتظره -إن لم يتب ويرد الحقوق- عذاب الآخرة، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127].
ومنها: ما عرفناه من أحوال كثير من الناس الساعين في الخير، والميسرين على الخلق، فإن الله تعالى رفع ذكرهم، ونَشر لهم أعلام القبول، وحفظهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: 41].
ومن تتبع ذلك واستقراْه لم ينقض عجبه، ورأى آثار أسماء الله الحَكَم العَدْل الذي {لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].
وقد جعل الله تعالى هذه الدار التي نحن فيها دار عمل واختبار، والآخرةَ دار حساب وجزاء. ومع ذلك لا تخلو الدنيا من العقوبة والجزاء، وإنا لننتظر عقاب الله للظالمين والخونة والخاذلين، فإن متنا بغيظنا فكم من مؤمن مات بغيظه.
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77].
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 16 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
8- غالب الناقمين على الجماعات هو الذين خُلعوا منها؛ فهم يفرغون أحقادهم.
9- قواعد فهم النصوص: فهمها في ضوء اللسان العربي، فهمها في ضوء المقاصد، ضمُّ بعضها إلى بعض.
10- الشيخ عبد الرزاق عفيفي لم يؤلِّف، والسبب: إما أنه لم يُفتَح له فيه، أو أنه لا يرى في التأليف فائدة.
وذَكر (ص237) قصة طريفة في دفاع الشيخ عبد الرزاق عن الشيخ حسن البنا يوم وقع فيه الشيخ حامد الفقي، رحم الله الجميع.
ونقل في موضع ثالث عن الشيخ ابن عقيل قوله فيه: الشيخ عبد الرزاق عفيفي عنده علمُ نفسه، وغيره عنده علم غيره.
وهي كلمة عميقة تدل على مبلغ علم الشيخ عبد الرزاق رحمه الله.
11- فقه الدليل أصحابه يمشُّون في العبادات، ولكن في المعاملات سيقف الواحد منهم كما يقف حمار الشيخ في العقبة.
12- السياسة مثل جبل الثلج: يظهر ثلثه، ويختفي ثلثاه. وأعلم الناس بها أجهلهم بها. وكثيرا ما يؤكد السياسيون أمرا ويكون خاطئا.
ثم مثل بأحد كبارهم ومشاهيرهم يوم جزم بعد فوز أوباما في الانتخابات، ففاز بفترتين.
13- أكثر الناس ذما للناس أقلهم عطاءً ونفعا لهم.
14- علماء نجد: ابن سِعدي: طفرة في اختياراته وخروجه عن المذهب، وابن باز: طفرة في عنايته بالحديث والتصحيح والتضعيف، وبكر أبو زيد: طفرة في بلغته وحسن بيانه، وابن غديَّان: طفرة في العناية بالمنطق والأصول.
15- في الجامعة: احرص على تعليم الطلاب مهارة البحث وفن الصنعة أكثر من آحاد المسائل.
16- قال في سياق الحديث عن الدراسات العليا: "تلقينا عن شيخنا المحقق عبد الفتاح أبو غدة، وكان لي به خصوصية ومعرفة سابقة... وكان الجو العلمي مربدا عليه بسبب ردود الشيخ بكر أبو زيد، والتي كانت بليغة القول بالغة الشدة، وما كانت في ظني صائبة، فأشد ما فيها الإلزامات بما لا يلزم، ولذا سمعت عن الشيخ عبد الكريم الخضر قوله: إن كان المرء لا يؤاخذ إلا بما قاله هو -لا بما قاله غيره- فليس فيما قاله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ما يؤاخذ عليه" [ص319].
وللعلم: الشيخ عبد الفتاح مشرف الشيخ الخضير في (الدكتوراة).
17- الحسد: الشيخ محمد رفعت كانت له عينان جميلتان، رأته امرأة وهو صبي فقالت: يا لَهْهوي، دا رِمْشُه على كرسي خدُّه، فذهب نورهما وبقيت أهدابه وعيناه منظرا لا بصرا.
18- حدثنا الشيخ أبو العينين شعيشع عن الشيخ عبد الباسط أنه سجل المصحف المرتَّل على غير رغبة، ولكن مسايرة لصنيع الشيخ المنشاوي والحصري؛ ولذا لم يَحْضر فيه إبداعه.
19- لفتة في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: 2].
هذه الآية تعلم العدل والإنصاف، نزلت بعد صلح الحديبية، وما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من العداوة.
20- الإمام العيني شرح "الهداية" في الفقه الحنفي وهو في التسعين، وحمد الجاسر حقق مخطوطة وهو في هذه السن، ومحمد عوَّامة شرع في تحقيق "نصب الراية" في الثمانين.
21- طالب العلم يحتاج إلى الشيوخ في مرحلة الطلب، وإلى الأقران في مسيرة التحصيل، وإلى التلاميذ في مرحلة النُّضج والعطاء.
ومن سار في العلم من غير أقران يسددونه وينصحونه جاء منه الشذوذ. الشيخ الألباني مثالا.
22- السيرة تُجتلَى من السنة.
قلت: وهي كلمة عظيمة تدل على فهم ومعرفة، والشيخ له عناية عظيمة بهذا الباب دَرسا وتأليفا، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك.
23- الشيخ الشعراوي جعل البلاغة ثقافة شعبية.
قلت: للطَّنَاحي في "مقالاته" مقالة رائعة عن الشعراوي أفاض فيها في هذا المعنى.
24- ركِّز على دائرة تأثيرك لا اهتمامك.
25- أسرع طريقة للنمو: العطاء. العلم مثالا.
26- الفرص سريعة المجيء بطيئة العَود، فإذا سنحت فاغتنمها.
27- مهما كنت لاعبا بشيء فلا تلعب بدينك.
28- الطنطاوي: كل نعيم الدنيا ونعمها أصفار والصحة واحد أمامها.
29- السياحة: أن تسافر وحقيبتك مملوءة نقودا، وترجع وحقيبتك مملوءة ذكريات.
وهذا آخر الكلام على هذا الكتاب، والحمد لله رب العالمين.
30- مجلة الرسالة: خِزانة الأدب في القرن العشرين.
31- مصطلح (الصحوة): أول من استعملة غازي القُصيبي.
32- كتاب وسنة بفهم سلف الأمة: هذه العبارة أول من صكَّها الشيخ الألباني.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 15 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
من مقروءاتي في الحرب [68]
("سماء الذاكرة.. من عرفت وما عرفت" لعبد الوهاب الطريري)
هذه أول تجربة لي مع الكتب المصورة في الحرب. نفد ما معي من الكتب الورقية، فكانت البداية مع هذه السيرة الرائعة.
قليلون هم الذين يستهوونك كُتَّابا ومتحدثين، وأحسَب أن منهم الشيخ الطريري.
أول مرة سمعت له قبل نحو ست وعشرين سنة، وكنت أبيت عند جدتي في منزلنا القديم، وكانت خطبته أو محاضرته عن اليهود، عَنونها (أشد الناس عداوة).
يهدر كالسيل، ويقصف كالرعد، ويأخذ بتلابيبك فلا تملك أن تفر أو تَشرد.
هذه السيرة والمذكرات زاخرة بالتجارب، نابضة بالحياة، تأخذك إلى صميم نجد وحياة أهلها العتيقة، وتسافر بك إلى بلد العجائب (الهند)، وبلاد العُلوج والثلوج (أوروبا)، وتركيا، ومصر، واليمن، وسوريا، وليبيا، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا...
أُولع صاحبنا بالأسفار، ووجد فيها "تجديدا لرتابة الحياة، وإجماما للنفس، وتوسيعا لآفاق المعرفة، وتعميقا للتفكر والنظر" [ص278].
وأنا حين أكتب أو أقرأ عن الأسفار والرحلات والتَّطواف في بلاد الله يغشاني من الهم والحزن ما يغشاني؛ فإن السفر في بلادنا -إن سُمح لنا به- تركيبة عجيبة من الذل والتعب والنصب والتعقيد والتشديد لا أظنك تجد مثله في أيِّ بلد من بلاد الله، وإنا لنرجو -في ذلك- الأجر والعقبى من الله.
وهذه الفصول المعقودة في الأسفار من أجمل ما في المذكرات، وحديثه عن الأعلام الذين لقيهم لا يقل متعة عن ذلك.
والجزء الثاني الموعود من "سماء الذاكرة" مخصوص بمن عرفهم الكاتب من رجالات العلم والأدب، ومن لقيهم من أهل المروءة والفضل (من عرفت). وهذا الجزء مخصوص بما عرفه الكاتب من أحوال، وما عاشه من أحداث (ما عرفت).
في هذه السيرة: تجارب وأحاديث وذكريات في العلم والقراءة، والسياسة والخطابة، والكتب والمكتبات.
ستون سنة: بهزْلها وجدها، وظَعْنها وإقامتها، وحُلوها ومرها تزف إليك في هذه الصفحات الناضرة، بسرد ممتع، وبيان بديع.
وقد وَقَفَتني في رحلتي مع هذه الصفحات حِكَما ودروسا وتجارِب وإفادات يعِزُّ عليَّ أن تفوت من لم يقرأ الكتاب. فأنا أنقلها لك هنا: مع تصرف يسير، مرتبةً حسَب ورودها في الكتاب، من غير عزو= على التغليب في كلٍّ. فإليكها وفقنا الله وإياك:
1- كثير من كتب التنمية البشرية تقدِّم الفكرة في كتاب، ويمكن أن تُختصَر في صفحات.
2- كتاب كارنيجي "دع القلق وابدأ الحياة" سار على منواله جماعة (مع صَبغه صبغةً إسلامية)، منهم: الغزالي في "جدد حياتك"، والسعدي في "الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة"، والبراء الأميري في "اللياقات الست"، وعائض القرني في "لا تحزن"، ويحيى اليحيى في "أليس في أخلاقنا كفاية؟!".
3- أحد الغربيين: قوانين النجاح: الرغبة، والقدرة، والإرادة.
فالرغبة عند كل الناس، والقدرة عند غالب الناس، والإرادة عند أقل الناس.
4- لا حياة زوجية بدون مشاكل، وإن وُجدت فمعنى ذلك: أن أحدهما سحق الآخر.
5- "وكان المشهد الخالد في ذاكرتي قيام الشيخ عبد المحسن بن مُفَيريج مؤذن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بعد صلاة الجمعة ينادي في مكبر الصوت: صلُّوا على سيد قطب ورفاقه، فصلينا عليهم صلاة الغائب، وكان هذا توجيها رسميا في جميع مساجد المملكة.
ثم صرنا نستمع لفصول من كتابه "في ظلال القرآن" يبث من إذاعة القرآن بصوت المذيع المتميز زهير الأيوبي...
وتوثقت علاقتي بالظلال بعد ذلك من خلال القراءة على شيخنا عبد العزيز آل الشيخ [المفتي الآن] خطيب الجامع الكبير، والذي كان يطالع كلامه على جميع الآيات التي يستشهد بها في خطبه، وهي الخطة التي سرت عليها عندما صرت خطيبا ..." [ص173-174].
قلت: الاحتفاء بسيد وكتبه في تلك الفترة وبعدها كان ذائعا معروفا، ثم خَلفت خُلوف.
6- "حدثني الفنان الأستاذ عبد العزيز الهزَّاع أنه اتفق مع الفنان سعد التمامي على إقامة حفل ترفيهي في إجازة عيد الفطر، وكان منصة تقام في حديقة البلدية يقدمان عليها فقرات فكاهية تعتمد الحكاية وتقليد الأصوات، وكان الحفل رجاليا فقط، وأُعلن عن الحفل وبيعت التذاكر، فجاء الأمر من الملك فيصل بإيقاف الحفل، فذهب الأستاذ الهزاع ورفيقه التمامي لمقابلة الملك وشكاية الحال إليه، وأنهم قد تكلفوا في الإعداد وتحملوا الخسارة، فلما ذهبوا إلى الملك وطلبوا منه هذا الطلب كان رده غاضبا ومحذرا ومنذرا، ورجعا وكأنما أفلتا من عقاب شديد، ورضيا من الغنيمة بالإياب" [ص205].
وآثرتُ نقل هذا الكلام بنصه وتمامه ليُعلم كيف يتدرج الناس والمجتمعات في الانحراف، وقارن بين حال البلاد في تلك الأيام وحالها اليوم، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
7- الشيخ عبد الله بن حميد للملك فيصل: الشعوب فيها خير، لكن البلاء في القادة.
قناة شيخنا الحبيب على منصة اليوتيوب
لطفا الاشتراك
https://youtube.com/@d.bassam_khalil?si=NAniY0q5Ym_VZKIz
ودلت الأحاديث على أن اليهود مهما علَوا وطغَوا وبغَوا فسيأتي اليوم الذي يتبِّر فيه عبادُ الله ما علوا تتبيرا، وسيأتي اليوم الذي ينتهي فيه إفسادهم، ويفرون خلف الأحجار والأشجار طمعا في نجاة، وأملا في حياة، أيِّ حياة، ولكن هيهات هيهات.
ودلت الأحاديث كذلك على تأييد الله لعباده ونصره لهم، وأن كل شيء مما خلقه الله يكون معهم في حربهم مع اليهود، إلا الغرقدَ الذين يكثرون من زراعته في بلادنا ظانين أنه يحميهم، وسيُجتثُّ ويُجتثُّون بحول الله وقوته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بسام بن خليل الصفدي
الأحد 13 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
حرب غزة.. يوميات ومشاهدات [83]
(وقفات مع الأحاديث الواردة في قتال اليهود آخر الزمان)
إن مما أخبر وبشر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في آخر الزمان: قتالَ المسلمين اليهود.
أخرج الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولُ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ).
وأخرجا -واللفظ لمسلم- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ).
وجاء الإخبار كذلك عن قتال اليهود آخر الزمان في أحاديث جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كأبي أمامة وحذيفة بن اليمان وحذيفة بن أَسِيد وسَمُرة بن جندَب رضي الله عنهم.
وجميعهم أخبروا عن قتال المسلمين لليهود حال كونهم مع الدجال، ومن جنده وحزبه.
وأقتصر لضيق المقام على حديث سمرة بن جندَب رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد من طريق ثعلبة بنِ عِبَاد العَبْدي قال: شهدت يوما خطبة لسَمُرة بن جُنْدَب، فذكر في خطبته حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (... وَإِنَّهُ [الدجال] يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ يُهْلِكُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجُنُودَهُ، حَتَّى إِنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ -أَوْ قَالَ: أَصْلَ الْحَائِطِ- لَيُنَادِي -أَوْ قَالَ: يَقُولُ-: يَا مُؤْمِنُ هَذَا يَهُودِيٌّ -أَوْ قَالَ: هَذَا كَافِرٌ- تَعَالَ فَاقْتُلْهُ...) الحديث.
والناظر في مجموع الأحاديث الواردة في الباب يرى أنها جاءت على ضَربين:
الأول: الأحاديث التي أخبرت عن قتالهم منفردين، وهي متمثلة في حديثي أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما.
الثاني: الأحاديث التي دلت على قتالهم حال كونهم من أتباع الدجال وجنده، وهي متمثلة في حديث سمرة بن جندب وغيره ممن أشرنا إليه.
وعليه: فإن قتال المسلمين لليهود يقع مرتين:
الأولى قبل الدجال، والثانية بعده.
أما قتالهم قبل الدجال: فهو الذي يتم فيه تدميرُ كِيانهم، وإزالة إفسادهم، وتفرقهم وتشرذمهم في بقاع الأرض.
وهذا القتال له تعلق بآيات الإسراء التي ذَكرت إفسادي بني إسرائيل، فالذي يظهر أن الإفساد الأول زال على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما الإفساد والعلو الثاني فهو الحاصل في هذه الأيام، وسينتهي على أيدي عباد الله المخلصين المجاهدين الذين جاء ذكرهم في الأحاديث، نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه.
وأما قتالهم بعد الدجال: فظواهر النصوص تشير إلى أن اليهود يتفرقون في البلاد بعد القتال الأول، ويذهب طائفة منهم إلى أصبهان (مدينة معروفة من مدن بلاد فارس)، فإذا خرج الدجال من جهة المشرق كان أولَ من يتبعه شيعتُه من اليهود، فَيَرِدُ كلَّ منهل، ثم يأتي بيت المقدس حيث الطائفة المنصورة، ويحاصر المسلمين هناك، وحينها ينزل عيسى عليه السلام في دمشق، ويلتقي المهدي، ثم يسير كلاهما مع جنودهما إلى بيت المقدس لنصرة المسلمين هناك، ويَقتل عيسى الدجالَ، ويُقضى على اليهود قضاء تاما لا تقوم لهم بعده قائمة، ويريح الله الناس من مكرهم وشرورهم.
وهذا التفصيل رأيُ جماعة من أهل العلم المعاصرين، واستدلوا عليه بأشياء لا يحتمل المقامُ ذكرها. وغالب الشراح ذهبوا إلى أن مَجرى الأحاديث كلِّها واحد، وأن القتال إنما يقع بعد خروج الدجال. والذي ترجح لي بعد النظر والدراسة ما ذكرته أعلاه.
وقد دل مجموع الأحاديث المتقدمة على أن حل قضية فلسطينَ وبيتِ المقدس لا يكون إلا بالقتال والجهاد في سبيل الله، وهذا ظاهر جدا من الأحاديث على اختلاف ألفاظها ورواياتها؛ إذ جاء فيها: تقاتلون اليهود، تقاتلكم اليهود، لتقاتلُن اليهود، تقتتلون أنتم ويهود.
ودلت الأحاديث على أن معركتنا مع اليهود معركةٌ إسلامية عقدية يقاتل فيها المسلمون عبادُ الله وعباد الرحمن الذين أخلصوا دينهم لله وصدقوا في الانتماء لشرعه.
فليست المعركة بين العرب والصهاينة، ولا بين الفلسطينيين واليهود، بل هي بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، وعِباد الله وعُبَّاد الأهواء والشهوات. وقد أدرك الحجر والشجر هذه الحقيقة، ولم يدركها كثير من أصحاب الولاءات والانتماءات القومية والوطنية.
#جديد
#مجموع_عزام
#ينشر_لأول_مرة
#نسخة_تجريبية

🛡🛡 المجلد الأول من: الأعمال الكاملة لشيخ المجاهدين الشهيد القائد، الدكتور الإمام
"عبد الله بن يوسف عزام"

✨ ويتضمن المواد الآتية:
🗣️ الفهرس الكامل للمجموع.
🗣️ مقدمة الأعمال الكاملة ومنهجية عمل المحقق فيها.
🗣️ سيرة الشيخ عزام المفصلة (قرابة 200 صفحة تضمنت سيرة الشيخ).
🗣️ الكتاب الأهم للشيخ عزام: "في ظلال سورة التوبة" محققا مدققا.
🗣️ تتمة القسم الأول: محاضرات "في السيرة عبرة" وفيهما ذكر غزوة بدر وغزوة أحد.

🔔 يُعتبر هذا المجلد نموذجًا للعمل في مشروع "الأعمال الكاملة للشيخ الشهيد عبد الله عزام" تقبله الله، ونرجو من الإخوة الباحثين وأهل العلم الأفاضل ان يتكرموا بإعطائنا ملحوظاتهم العلمية والفنية حول العمل.. لتلافيها فيما مضى أو ما سيستقبل من العمل في المشروع.

والله ولي التوفيق
وقد نشر المجلد الأول منه، ويتضمن:
-الفهرس الكامل للمجموع.
-ومقدمة الأعمال الكاملة، ومنهجية عمل المحقق فيها.
-وسيرة الشيخ عزام مفصلة.
وقد كان عزمه على جمع سيرة متكاملة، وفي بداية عمله وقف على كتابنا هذا "القافلة" ووجده وافيا بالمقصود، فآثر اختصاره مع زيادات وتصحيحات متفرقة مهمة.
-وكتاب "في ظلال سورة التوبة"، وهو أهم كتاب له.
-وكتاب "في السيرة عبرة"، تضمن الحديث عن غزوتي بدر وأحد.
  وقد قرأت غالب هذا المجلد فوجدته عملا عظيما يستحق الشكر والتنويه، فجزى الله أبا عبد الرحمن خيرا وأعانه على إتمامه.
وأختم بكلمة صادقة قالها الكاتب في الشيخ رحمه الله في خاتمة كتابه تحت عنوان: "ما الذي قدَّمه عزام؟"، قال: "... لم يكن -تحديدا- مديرا جيدا، أو رجلا عسكريا موهوبا، لكنه كان يملك خليطا نادرا من السمات الأخرى التي جعلته رائدا انتقاليا جيدا على المستوى الشخصي.
كان لديه كاريزما وقدرة نادرة على التواصل مع الشباب.
وكلاجئ فلسطيني: فقد جسَّد معاناة الأمة المسلمة.
وكعضو مخضرم من الإخوان المسلمين: كان لديه شهادات اعتماد إسلامية لا تَشُوبها شائبة، وشبكة واسعة من الصِّلات الدولية.
وكمقاتل حرب عصابات سابق: لم يكن من الممكن اتهامُه بأنه كان منظِّرا بعيدا عن الميدان.
وكناشط رحَّالة: كان مواطنا من العالم الإسلامي وفي المكان المناسب ليدعو الآخرين إلى تبني الوحدة الإسلامية.
ولكن الأهم كانت دراسته كعالم ديني، لقد أعطته قيمة اجتماعية وشرعية، إضافة إلى القدرة على تشكيل حجج فقهية مقنعة.
[والكاتب يرى في تضاعيف كتابه أن هذا من أهم ما يتميز به عزام؛ ففتواه في أن الجهاد فرض عين (إشارة إلى كتابه "الدفاع عن أراضي المسلمين..") أول محاجَجة فقهية مفصلة لقتال الأجنبي في العصر الحاضر].
أكثر ما يقدِّره محبُّو عزام فيه -كما يبدو- هو أنه كان عالما تجرأ على قولِ ما يقتنع به، وشارك في الجهاد.
بالنسبة إلى كثيرين من الشباب كان عزام -بكلمات فجَّة- شيخا فَحْلا، وبلغة أكثر أكاديمية، وبكلمات هارورو إنغرام: "قوة جاذبية عزام الكاريزمية متجذِّرة في الدمج الذي لا فكاك منه بين القول والعمل" [ص٧٥٩]. انتهى.
بسام بن خليل الصفدي
الأحد 13 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
من مقروءاتي في الحرب [67]
("القافلة.. عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي" لتُوماس هيغهامر- ترجمة عبيدة عامر)
"هذه قصة حقيقية أغرب من الخيال، إنها قصة فلسطيني كرَّس حياته للقتال في آسيا الوسطى، وقصة مزارع أصبح مجندَ حربٍ رحَّالة، وبروفيسور أحب الحياة العسكرية...
ستأخذنا قصته إلى أماكن لم نكن نتوقعها، مثل كاليفورنيا وجنوب إيطاليا وفنزويلا، وستحملنا إلى شقق تحت الأرض، وقصور باذخة، وكهوف مظلمة في أعماق الجبال.
وستنتهي هذه القصة حرفيا بانفجار (اغتيال بقنبلة)، هذا الاغتيال الذي ما زال أكبر جريمة غامضة في تاريخ الجهادية" [ص30].
توماس هيغهامر باحث نرويجي جادٌّ متخصص في الأدبيات الجهادية، وسيأتينا كتاب آخر له إن شاء الله.
عشر سنوات قضاها في كتابة هذه الملحمة، معتمدا على: المدوَّنة والـمَعْلمة الجهادية لبطلها الشيخ عبد الله عزام، والكتبِ التي ترجمتْه وأرَّخَته وتناولت جوانب من حياته (حتى رجع إلى الرسائل التي كُتبت في جامعتنا الإسلامية عنه)، والمقابلات -المباشرة وغير المباشرة- مع أشخاص عرفوا الشيخ أو كان لهم تأثير في الحرب الأفغانية، بلغوا نحو سبعين في شرق العالم وغربه، وتمت المقابلات المباشرة في سبع عشرة مدينة موزعة على أكثر من عشر دول.
الكتاب موزَّع على ستة عشر فصلا مرتبة ترتيبا زمنيا تغطي مسيرة الشيخ من ميلاده إلى استشهاده، ويمكن تقسيم هذه الفصول -وفق خطة الباحث- إلى قسمين:
الأول: يغطي حياته قبل هجرته إلى أفغانستان، وينتظم الفصولَ من الأول إلى السادس، كل واحد منها يستوعب جانبا من حياته يساعد في فهم تأثيره اللاحق، وهي:
فلسطيني، أخ، مقاتل، ابن سبيل، ابن سبيل، كاتب.
[تنبيه: التزمت في عناوين الفصول هنا وفيما يأتي تعبيرات وألفاظ الكاتب].
الثاني: يغطي حياته في أفغانستان، وينتظم الفصول من السابع إلى الخامس عشر، كل واحد منها يستوعب دورا من أدواره في الجهاد الأفغاني، والتي كان لها أثر في التحشيد للجهاد، واللحاق بقافلته التي يمثل هذا الكتاب قصةَ انطلاقتها، والفصول:
رائد، دبلوماسي، مدير، مجنِّد، منظِّر، مجاهد، مقيم، عدو، شهيد.
والفصل السادس عشر: رمز (خاتمة حول إرثه المتنازَع عليه).
والكتاب وإن كان كُتب أصالة في ترجمة عبد الله عزام، لكنه تناول مباحث تاريخية وفكرية ومنهجية واجتماعية مهمة تتصل بحياته وتقلباته رحمه الله.
خذ مثلا الفصل الثالث: مقاتل، وانظر حديثه المستفيض عما عُرف فيما بعد بــ (معسكرات الشيوخ)، فإنك تجد فيه من الأخبار ما لا تجده في بعض الكتب المفردة لهذا الغرض.
وهكذا في أكثر فصول الكتاب، فإنه يتمهَّد ويتوسل إلى أعماقها بمحطات تاريخية مهمة ليست من صلب بحثه، لكنها تعين على فهم أعمق، وإحاطة أشمل.
ومما يتميز به عن أكثر الكتب المصنفة في سيرة وترجمة الشيخ أنه كتبه بلغة موضوعية مجردة بعيدة عن اللغة التَّبجيلية الـمَناقِبية، وقد أشار إلى ذلك في المقدمة -في سياق شكره وامتنانه لعائلة عزام- فقال: "لقد علموا أنني لن أكتب سيرة تبجيلية، لكنهم فتحوا بيوتهم مع ذلك. لقد حاولت أن أستحق ثقتهم ببقائي دقيقا وموضوعيا قدر المستطاع، إلا أنني أعلم أنهم قد لا يوافقونني في كل ما وصلت إليه".
ونحن الغالب علينا في تراجم العلماء والدعاة والقادة والمجاهدين أنها تكتب بهذه اللغة التبجيلية، وهو شيء حسن ما لم ينتهِ إلى التعصب والمبالغة المذمومة، وما لم يُعْمنا عن الاستفادة من سيرهم وتجاربهم، وهذا لا يتحقق إلا بالتوسط والاعتدال من غير وكس ولا شطط.
وفي الكتاب تصحيح لكثير من السَّرْديات المشهورة الخاطئة، ومناقشتها بطريقة علمية منهجية لا تراها في كثير من كتب الأقربين.
وفيه تفاصيل تاريخية مهمة لمن يريد دراسة الحالة الجهادية: كحديثه عن الأفغان العرب ونشأتهم وبداياتهم وما يتصل بهم، وحديثه عن الفصائل الأفغانية المجاهدة وتركيبة المجتمع الأفغاني وأثر ذلك في التعامل مع المجاهدين الأجانب، وحديثه عن نشأة القاعدة والصلة بينها وبين الشيخ عزام، وغير ذلك مما زخر به الكتاب.
إنه دراسة حفرية عميقة عن عزام وحياته وفكره وأثره وجهاده، هذا الرجل الفريد المتفرِّد في هذه السبيل التي اختارها، وأمْهرها دمَه، ووهبها حياته. بذل فيها الغالي والنفيس، وركِب الصعب والذَّلول، واستعذب المشاقَّ والأخطار، وذَرَع الأرض وطوَّف الدِّيار.
لقد كان الكاتب منصفا متجردا، جَلْدا على البحث، أمينا في العزو والنقل، فجزاه الله خيرا وشكر له، وشكر للمترجِم حُسن ترجمته، وتجشُّمه عناءها.
وأشير قبل الختام إلى أن أخانا الفاضل المبارك أبا عبد الرحمن الغزي يعمل على تراث الشيخ من زمن، وقد قطع فيه شوطا حسنا، ووقف على أشياء كثيرة لم تنشر من قبل، وصحح أشياء كثيرة منشورة، ويتوقع أن يتم العمل في عشْر مجلدات إن شاء الله، وأحسب أنها -إن تمت- أوثق وأتم عمل على هذا التراث العظيم المبارك.
من مقروءاتي في الحرب [66]
("النظائر" لبكر أبو زيد)
"ومن ينظر في مصنفات شيخنا يعلم طول باعه في القراءة: من تعدُّد مراجعه، واختلاف فنونها، وطبقات مؤلفيها، وطول باعه في اقتناص الفوائد، وتقييد الأوابد والشوارد، وحسن توظيفها، حتى يسري إلى القارئ شعور أن الفوائد والنوادر تساق إليه سوقا متى ما احتاج إليها لاستدلال أو استشهاد. وما كان ذلك ليكون لولا ما ذكرنا من عكوف الشيخ الساعات الطوال بحثا وقراءة ونظرا وتدوينا للفوائد، وجمعا لها من بطون الأسفار، وتدوينها في أعطاف الدفاتر وعلى أغلفة الكتب" [مِن نِثَار السيرة وثمار الصحبة (مع العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد)] لعلي العمران].
عرفت الشيخ بكرا في أواخر الثانوية وأوائل الجامعة، وكان لبعض إخواننا القادمين من السعودية في تلك الفترة للدراسة في الجامعة دورٌ في نشر كتبه وإذاعتها، وكان لبعض كتبه سطوة وانتشار بين الشباب وطلبة العلم عندنا، من ذلك: "الحلية"، و"التعالم"، و"حراسة الفضيلة"، و"الإبطال"، و"المدارس العالمية"، و"درء الفتنة"، و"تصنيف الناس"... إلخ.
والشيخ رحمه الله حُببت إليه الكتب والقراءة، ورزقه الله جلدا وصبرا على التتبع والاستقراء وضم النظير إلى نظيره -كما تراه أعلاه في كلام تلميذه الشيخ العمران، وكل من عرفه ذكر ذلك عنه-، حتى تولَّدت عنده مشاريعُ علمية كثيرة من وراء ذلك، طبع بعضها، وتوفي رحمه الله عن عدد منها لم يطبع، يسر الله إخراجه.
وأوتي الشيخ بيانا عذبا، ولغة عالية يسامي بها الأدباء الكبار في عصرنا، وقد ذكر عن نفسه في بعض كتبه أنه تأثر بالشيخ الأمين الشنقيطي، والبشير الإبراهيمي، ومحمد الخضر حسين، وأحمد شاكر. وهم من أئمة الشريعة والبيان رحمهم الله جميعا.
ومما اجتمع له من التنقيب والتتبع وضم النظير إلى النظير هذه النظائر التي بين يديك، وهي أربع:
1- التراجم الذاتية: جمع فيها من ترجم لنفسه من العلماء والأدباء، وغيرهم على سبيل النُّدرة، سواء أكانت الترجمة مستقلة أو ضمن كتاب، مبتدِئا من القرن الرابع إلى عصرنا هذا، ورتَّب المذكورين على الوفيات، مقتصرا على ترجمة معتصرة لهم، ومُحيلا على بعض المصادر.
وبلَّغ المترجمين نحو مائة. ومعلوم أن ما ذكره يحتمل الزيادة والتضعيف، وقد صنف بعض المشتغلين بالعلم والأدب في ذلك، فليُنظر.
2- التحول المذهبي: جمع فيه من تحول من مذهب إلى آخر من المذاهب الأربعة أو غيرها، وقد يذكر التحول في المعتقد.
وذكر في مقدمته فوائد وأصولا مهمة في الباب، ورتب المذكورين على الوفيات، ذاكرا خبر التحول، وسببه إن وُجد، مع الإحالة على المصادر.
3- العُزَّاب من العلماء وغيرهم: ذكر فيه العلماء الذين ورد في تراجمهم الإفادةُ بعدم زواجهم، كقولهم: لم يتزوج، لم يتأهَّل، لم يتزوج ولم يتسرَّ، كان أعزب، وغير ذلك.
وكان عُظْم مقصوده الرد على الشيخ (عبد الفتاح أبو غدة) في كتابه الذي عرضنا له في حلقة تقدمت، وهو "العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج"، والتنبيه على فساد تسبيب العزوبة من هذه البابة (إيثار العلم)، وأن هذا تفعُّل وتحكُّم وخطوة واسعة لمنابذة الشرع في سنة النكاح، وأنه يُمرض الفكر، ويخدم -بقصد أو بغير قصد- نزعة صوفية (بل القضية الكَنَسية)، ويُذكي جَذوة التبتل والرهبانية... إلخ.
والذي أراه أن الشيخ بكرا أغلظ على الشيخ عبد الفتاح، وحمَّل كلامه ما لا يحتمل، وما أظنه خطرت في باله هذه المذكورات فضلا عن أن يكون قاصدا لها، مبتغيا ما وراءها.
وقد نبَّه في مقدمة طبعتَي الكتاب الأولى والثانية على سنية النكاح، وتعظيم أمر الزواج، وأورد أخبارا وآثارا وكلاما مهما في بيان المسوِّغ الذي بسببه عَزَب هؤلاء العلماء عن الزواج إلى العُزُوبة، فليُنظَر.
ثم إن هذا التسبيب أمر ظهر له من التراجم التي ساقها، فيمكن لمن ظهر له خطؤه وفساده أن ينبه عليه من غير دخول في النيات، وخروج عما يقتضيه العلم والبحث.
ولا أريد الإطالة في هذا، ومن شاء فليرجع إلى الكتابين.
والله يغفر للشيخين ويتولانا وإياهما، فإني لا أشك في صدقهما وإخلاصهما، وأن باعث كلٍّ منهما نصرة الشرع، وقد كان بينهما في هذا وغيره ما يكون بين أهل العلم. وكلاهما أوتي بسطة في العلم، وسعة في الاطلاع، وجمالا في اللغة والبيان. وإن كان الشيخ بكرٌ أحدَّ من الشيخ عبد الفتاح.
4- لطائف الكلم في العلم: وهي رسالة في الكلمات اللطيفة الجامعة التي يكثر تداول أهل العلم لها، وتطريزُ الحديث بها من عزو ولا إسناد.
فجمَع ما تناثر منها، وأسندها إلى قائلها: مُفْترعا لها، أو حاكيا حسَب ما وقع له.
وهذا من مُلَح العلم ولطائفه التي يجمِّل بها أهل العم كتبهم وحديثهم، وهو باب يحتمل الزيادة بالتفتيش والتتبع.
هذا ما تيسر باختصار حول هذه النظائر وصاحبها، والله الموفق والمعين، والحمد لله رب العالمين.
بسام بن خليل الصفدي
السبت 12 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam

记录

17.05.202505:27
17.5K订阅者
29.03.202501:43
700引用指数
22.03.202503:43
20K每帖平均覆盖率
21.03.202523:59
20K广告帖子的平均覆盖率
25.01.202523:59
35.69%ER
21.03.202523:59
225.25%ERR
订阅者
引用指数
每篇帖子的浏览量
每个广告帖子的浏览量
ER
ERR
ЖОВТ '24СІЧ '25КВІТ '25

بسام بن خليل الصفدي 热门帖子

16.05.202508:12
• غَزّة سَهل سَاحِلي خَصب بأرضٍ مُنبَسِطَة مع بعضِ التِّلَال الرَّملِيّة ، ومُناخُها مُتوسطِي : حارّ وجَاف صيفًا ، مُعتدِل ومُمطِر شِتاءً ، لكنّها تُعانِي مِن نقصٍ حَادٍّ في المَوارِدِ المَائيّة ، وأزمَاتٍ في الأدويةِ والكهرباء وباقِي مُقوّمَات الحَياة ، ويُعانِي سُكانُها مِن ظُروفٍ مَعِيشيَةٍ صَعبَة ، فنِسبَة البَطالَة فيها مِن أعلى النِّسَب عالَمِيًّا إذْ إنّها وصلَت قبل الحَربِ الأخيرَة إلى أكثرَ مِن 50% ، إلّا أنّ البَركةَ ظَاهِرةٌ بَيِّنَة ولن يموتَ أهلُها جُوعًا بمَدَدِ اللهِ وعَونِه .
• سُكّان غَزّة مُسلِمُون سُنَّة مع وجودِ عدَدٍ قلِيلٍ جدًّا مِن الكَافِرِين المُسالِمِين مِن طوائفِ النَّصارَى الذِين لا يَصِلُونَ مُجتَمِعِين إلى 1% ، ولا يُوجَد فيها شِيعَة ولا طوائِف أُخرى -وللهِ الحمْد- مع وجودٍ ضعِيفٍ لبعضِ فِرَق الصُّوفيَّة ، وفيها العدِيد مِن الأحزابِ الوطنِيّة والعَلمَانِيّة والشُيوعيّة التي لا تأثيرَ لها بل عِبارَة عن مَجموعةِ دَكَاكِين يَتبعها مَن يَرتَزِق مِنها ، والأحزابُ والتَّجمُّعاتُ والجَمعِيّاتُ الإسلَامِيّة مُتوافِرَة على خِلافٍ بَينها ، وأكثرُ النّاسِ مِن العامّةِ وعلى الفِطرَة ، فغَزّة مَعروفَة بالتَّديُّن ، وتنتَشِر فيها المَساجِد والمَدارِس الشَرعِيّة ، ولُغةُ أهلِها العَرَبِيّة ولَهجتُهم فِلسطِينيّة .
• غزّة جُزءٌ مِن الأُمّةِ الإسلاميّةِ السُنيّة ، وهي صُورة مُصغّرَة عن الأُمّة ، فيها مِن كُلِّ الأصنافِ والنَّوعِيات : المُسلِم والكَافِر ، المُؤمِن والمُنافِق ، المُوالِي والمُعادِي ، المُتَّبِع والمُبتدِع ، المُصلِّي والتَّارِك ، الأُخرَوي والدُّنيَوي ، المُطِيع والفَاسِق ، الصَّالِح والطَّالِح ، العالِم والجاهِل ، الصَّادِق والكَاذِب ، المُجاهِد والمُخَذِّل ، النَّاصِر والخَاذِل ، البَاذِل والمُمسِك ، المُضَحِّي والمُتَسلِّق ، الصَّابِر والمُتَأفِّف ، الإيجَابِي والسَّلبِي ، المُهتَم بِقضَايا الأُمّة ومَن لا يَعنِيه إلَّا نفسَه ودُنياه .. إلى آخرِ الأصنافِ المُتَناقِضَة التي تَعُجُّ بها الأُمّة ، والعِبرَةُ بِمَن يُمسِك بالدَّفَّة .
• غزّة رَغم صِغَر مَساحَتها وقِلّة عدَد سُكانها وضَعَف إمكانَاتها وتَنوّع مَن فيها إلّا أنَّ دورَها مِحورِي وأساسِي إنْ لم يكنْ الوحِيد في الصِّراعِ مع اليهودِ المُحتَلِّين ، وهي تُمثِّلُ رمزًا للمُقاومةِ والتَّحدِّي والصُّمود ، ويُتَوقَّع -بإذنِ الله- أنْ تَكونَ سَببًا في إحياءِ الأُمّةِ التي غابَت طويلًا وتأخّرَت كثيرًا ولِكُلِّ شَيءٍ سَبَب واللهُ على كُلِّ شَيءٍ قدِير والعاقِبةُ للمُتقِين .

مِن غزّةَ المُحاصَرَة المُرابِطَة المُجاهِدَة ، أَخُوكُم : أبو البَراء ، ياسِر بن عبد الرحمن
ليلة الخميس
١٧ ذو القعدة/١٤٤٦ ه‍
المُوافِق ١٥ مايو/٢٠٢٥ م
17.05.202504:27
#نفثة


لئن رخُصَتْ في العالمين دماؤهم
لَذِمّةُ مَن خان الأمانةَ أرخصُ

أرى الأرض تستسقي دماءًا زكيَّةً
ليُسقى بها غَرْسٌ على الثأر يَحرِصُ

يكون جَنَاهُ نِقْمةً مستمرَّةً
عليهمْ فما ينجو من الكفر مَفْحَصُ

ألَا فلْيَزِدْ ما شاء في البغْي ضَلَّةً
فما زاد إلا في الذي منه ينقُصُ

توارثَ أهلُ البغْي أسبابَ هُلْكهم
وهُلْكهمُ في مُلكهمْ لو تفحَّصوا

فلا تحسبنَّ اللهَ مخلفَ وعدِهِ
فما النصرُ قولٌ يُّفترى وتخرُّصُ

رويدًا، ستهوي صخرةُ البَغْيِ صَفْصفًا
ويرسو ثبيرُ الحقِّ فليتربّصوا
06.05.202507:12
حرب غزة يوميات ومشاهدات [80]
(قيراطان)
بدأت قصتهم من شهود الجنائز، كانوا يتواصَون على حضورها وتشييعها طمعا في الأجر والثواب، ثم اجتمع نفر قليل منهم وفكروا في عمل يساعدون فيه الأسر الفقيرة، فهُدُوا إلى تقديم الأكفان لهم مجانا، والكفن يومها يصل ثمنه إلى خمسين دولارا.
ثم رأوا أن بعض الجَشِعين يستغلون حاجة الناس في التغسيل والتجهيز فشَدَّ هذا من عزمهم على توسيع دائرة عملهم ليشمل التغسيل والتكفين، وكانوا أول الأمر يذهبون إلى الناس في بيوتهم، فأراحوا الناس من عناء كبير كانوا يتكبدونه في تجهيز موتاهم.
ولما ضاقت البيوت، وكان أكثرها يفتقر إلى مكان مناسب للتغسيل والتكفين هداهم الله إلى تهيئة مكان ثابت يأتي الناس إليه، ووقع الاختيار على المستشفيات، وكان نعم الاختيار؛ ففيه تيسير على الناس؛ وذلك أن غالب الموتى يؤتَى بهم إليها كما هو معلوم.
تم رفع الأمر إلى وزارة الصحة، وبعد أخذ ورد جاءت الموافقة بحمد الله على تخصيص أماكن في بعض المستشفيات لهذا الغرض.
كانت البذرة الأولى في المستشفى (الأوروبي) بخانيونس، ثم امتدت لتشمل:
- مستشفى (ناصر): خانيونس.
- مستشفى (أبو يوسف النجار): رفح.
- مستشفى (الشفاء): غزة (قلب ووسط قطاع غزة).
- مستشفى (شهداء الأقصى): دير البلح.
- المستشفى (الإندونيسي): بيت لاهيا.
- مستشفى (بيت حانون): بيت حانون.
وهذه المستشفيات تغطي القطاع من شماله إلى جنوبه.
ثم أسس الإخوة جمعيةَ (قيراطان) لمتابعة المغاسل وتجهيزها وتشغيلها.
كانوا في بداية الأمر لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، ثم تقاطر الشباب والأخيار للتطوع في هذا العمل العظيم حتى وصل عددهم اليوم إلى مائة موزعين على المغاسل آنفة الذكر.
بدأ عملهم سنة 2010 تقريبا، وعاصروا كل الحروب التي كانت بعد ذاك التاريخ، وأبلَوا فيها أحسن البلاء، وجاهدوا أعظم الجهاد في هذا الأمر الذي انتَدَبوا له.
لا يعرف عظمة هذا المشروع وهذا العمل إلا من عرف حاجة الناس وحَيرتهم وقلة حيلتهم في تجهيز موتاهم قبل قيام هؤلاء الأفاضل وانتهاضهم له.
يعمل في هذه المغاسل الرجال والنساء، والشِّيب والشبان.
وفيهم طلبة علم ودعاة وعامة وأصحاب أعمال، لا ينتمون إلى حزب ولا جمعية ولا مؤسسة (والجمعية التي أسسوها بغرض تسيير بعض الأعمال التي لا تتم إلا بها)، إنما يجمعهم وصف الصلاح والقيام على هذا العمل المبارك، ولا نزكيهم على الله.
وكلهم محتسبون لا يطلبون من الناس أجرا ولا ثوابا، إنما أجرهم على الله رب العالمين.
لما جاءت الحرب لم يكن الأمر سهلا، الموتى (نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء) بالمئات، والمستشفيات غاصَّة بهم، ويحتاجون إلى أن يُتَعرَّف عليهم، وتُضبط أماناتهم وأغراضهم، ويكفنوا... وهذه أمور ليست سهلة في ظل حرب طاحنة، ومع ذلك نذروا أنفسهم لهذه المشاقِّ، وتعاهدوا على إعانة الناس وغوثهم، فكانوا يخرجون إلى المستشفيات تحت وابل النيران، فحوصر عدد منهم في المستشفيات، واستُشهد وأُسر آخرون نسأل الله أن يتقبلهم ويفرج عنهم.
ولما بدأ الناس ينزحون من الشمال إلى الجنوب تواصوا بالثبات والبقاء لأجل رعاية هذا الأمر، وحدثني أحدهم (وهو من رؤوس القائمين على المشروع) أنهم ما شعروا بمعية الله تعالى وحفظه ورعايتهم كما شعروا بها في هذه الأوقات، فحفظهم الله وأهلَهم وأموالهم ومصالحهم، وهكذا من يحفظِ الله يحفظْه.
وحدث أحدهم أن واحدة من النساء العاملات في إحدى المستشفيات جلبت أسرتها لمكان العمل حتى يتيسر عليها الأمر مع صعوبة التنقل وغلاء المواصلات.
وعدد غير قليل منهم لم ينقطع يوما عن المغاسل ولم يتأخر، يواصل من الصباح إلى الليل.
ومنهم من جاء ولده أو زوجته أو أحد أهله ميتا بعد قصف فكفنه مع من يكفن من الموتى.
قصص عجيبة من الإخلاص والتفاني في إعانة الناس.
وهم يسعون إن شاء الله لإنشاء مبانٍ خاصة بهذا المشروع مجهزة بأحدث المعدات والتجهيزات، ويسعون كذلك لبناء مقابر مجانية، وتهيئة سيارات مجانية كذلك لنقل الأموات.
فلله ما أعظم همتهم، وأحسن أثرهم.
وإنما آثرت الكتابة عنهم لتعريف الناس بهم، وإظهار عملهم، والدعاء لهم، ودعمهم وتشجيعهم، فهم والله يستحقون ذلك جزاهم الله خير الجزاء وأحسنه.
وهكذا كل من توافر على عمل، واحتشد له، وأخلص فيه لربه= يبارَك له في عمله، ويبوء بأجر الدنيا والآخرة.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 8 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
06.05.202519:12
14.05.202518:12
حرب غزة يوميات ومشاهدات [84]
(الجزاء من جنس العمل)
من قواعد الشرع العظيمة: أن الجزاء من جنس العمل، وأن العبد كما يدين يدان، "فمن صَفَّى صُفِّي له، ومن كَدَّر كُدِّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يُكال للعبد ما كال" [الشيخ عبد الرحيم الطَّحَّان].
وكثيرا ما كنت أتأمل في نفسي ومن حولي في هذه الحرب فأرى مشاهد وتجليات هذه القاعدة العظيمة الشريفة، والتي إنما يعتبر ويتعظ بها أولو الألباب، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه، وإليكم بعض ما يتسع له المقام.
فمن هذه المشاهد والتجليات: ما تراه على وجوه الصابرين الراضين من نضرة النعيم، وطيب العيش، وانشراح الصدر مع ما نزل بهم من البلاء، وهو تصديق لقول ربنا جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11].
ومَن يجعلِ الرحمنُ في قلبه الرضا يكن في طيِّب من العيش واسعِ
وترى حياة الساخطين نَكِدة منغَّصة مع ما هم فيه من النعيم الظاهر (ومن سخط فله السُّخط).
ومن مشاهد ذلك: أن من تعفَّف عن سؤال الناس، والتمس المال الحلال الطيب أعزه الله وأغناه، وقنَّعه بما آتاه. وإنه للذي قال صلى الله عليه وسلم: (... وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) [أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
ومَن فتح على نفسه باب السؤال فتح الله عليه أبواب الذل والفقر، (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) [أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما].
ومنها: ما تسمعه عن المجاهدين الباذلين أرواحهم ونفوسهم لربهم سبحانه، فإنهم مع ما هم فيه من التعب والنصب والخِذلان واجتماع الأعداء= قد أنزل الله عليهم السكينة والأمَنة؛ فلا يعتريهم ما يعتري الجالسَ في بيته وبين أهله من الخوف والرعب، وقد رآهم الناس وهم في أحضان الموت يبتسمون ويضحكون ويمتشطون كأن الواحد منهم يزف إلى عروسه، والجزاء من جنس العمل، ولا والله ما على وجه الأرض أحد أولى بهذا منهم.
ومنها: ما رأيناه من عقوبة الله تعالى للسُّرَّاق واللصوص الذين عاثوا في الأرض فسادا، وجرى على أيديهم من الشر ما تضاعف وتعاظم به البلاء على الناس. فمنهم من قصفته الطائرات، ومنهم من أمسك به الشرط أو الناس فباء بالخزي والهوان، ومنهم من أفلت في الدنيا وينتظره -إن لم يتب ويرد الحقوق- عذاب الآخرة، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127].
ومنها: ما عرفناه من أحوال كثير من الناس الساعين في الخير، والميسرين على الخلق، فإن الله تعالى رفع ذكرهم، ونَشر لهم أعلام القبول، وحفظهم في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: 41].
ومن تتبع ذلك واستقراْه لم ينقض عجبه، ورأى آثار أسماء الله الحَكَم العَدْل الذي {لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].
وقد جعل الله تعالى هذه الدار التي نحن فيها دار عمل واختبار، والآخرةَ دار حساب وجزاء. ومع ذلك لا تخلو الدنيا من العقوبة والجزاء، وإنا لننتظر عقاب الله للظالمين والخونة والخاذلين، فإن متنا بغيظنا فكم من مؤمن مات بغيظه.
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77].
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 16 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
16.05.202508:11
غَزَّة الحَبِيبَة
الحَمدُ للهِ وحدَه والصّلاةُ والسّلامُ على مَن لا نَبيَّ بعدَه ، أمّا بعد :
فإنَّ غزّةَ اليومَ مَحِل أنظَار العالَم ؛ لِصُمودِها وثَباتِها وصَبرِها ورِباطِها وجِهادِها لأعدائِها المُحتَلِّين ومَن خلْفَهم ومَن ساندَهم ووَقفَ في صَفِّهم ، وللمُنافِقِين والمُخذِّلِين والخَاذِلِين ... إلخ والقائمةُ تَطُول ، ثُمّ إنّ صُمودَها الأُسطُورِي وثَباتَها اللافِت وصَبرَها العَجِيب ورِبَاطَها المُستَمِر وجِهادَها المُتواصِل جاءَ رَغم طُول مُدَّةِ حِصارها والحُروب المُتَتابِعة عليها وصِغَر حجمِها وقِلّة عدَد سُكانِها وشِبه انْعدَام إمكاناتِها وتركها في المُواجَهةِ بمُفردِها ...
فكان لا بُد مِن نُبذَةٍ عنها ؛ ليتعرَّفَ عليها مَن أحبَّها أو أبْغَضَها ، فجَاءتْ هذه النُّبذَةُ المُختَصَرَةُ -لَعلَّ اللهَ ينفَع بِها- في النّقِاطِ العَشْر الآتِية :

• غزّة جُزءٌ مِن بِلادِ الشَّام التي هي عُقْر دار المُؤمِنين في آخِرِ الزّمَان ومَهوى أفئدتِهم ، أرض المَحشَر والمَنشَر ، ومَهبط عيسى عليه السلام ، ومَوطِن الطائفَة المَنصورَة ، وقد جاءَ في فضلِ الشّامِ وأهلِها أحادِيث نَبويّة كثيرَة ، الخيرُ مِنها نابِع والحَقُّ مِنها صادِع والبُشرياتُ مِنها قادِمة بإذنِ الله تعالَى .
• غزّة مِن فِلسطِين الأرض المُباركَة ، مَسكَن ومُهاجَر الأنبياء عليهم السلام ، ومَسرَى نَبينا محمّد ﷺ ، وهي التي تَحتضِن المسجِد الأقْصى أولَى القِبلتَين وثالِث المَسجِدَين الذي يُدنّسه إخوان القِردَة والخَنازِير مِنذ ثَمانيةِ عقود رَغم التِّعدَاد الهائِل للمُسلمِين ، وللهِ نشْكُو هوانَ الأُمّةِ على النّاس .
• تعَاقَبَت على غَزّةَ الحَضَارَات : الكَنْعانِيّة ، الفرعُونِيّة ، اليُونانِيّة ، الرُّومَانِيّة .. وغيرَها حتى جاءَها الفَتح الإسلَامِي المُبارَك ، فمَوقِعها استراتِيجِي حيث إنّها تَربِط بين قارَّتَي آسيا وأفريقيا ، فهي نُقطَة تَواصُل تِجارِي وثَقافِي بين القارَّتَيْن ؛ لِذا تعَاقَبَت عليها جُيوشُ المُحتَلِّين فكانَت شَوكةً في حُلوقِهم إذْ إنَّها غَزّة !
• كانت غَزّة قِطعَة مِن الخِلافةِ الإسلامِيّةِ العُثمَانِيّة إلى سُقوطِها ، ثُمّ تحتَ الاحتِلال البِريطانِي حتى عام 1948م ، ثُمَّ تَحتَ الإدارةِ المِصريّة حتى عام 1967م ، إذْ احتَلَّها اليهودُ في هذا العَام بعدَمَا هُزِمَ العَربُ هزِيمةً نَكْرَاء في سِتةِ أيّام ، وبَقِيتْ تَحتَ الاحتِلال اليَهودِي حتى عام 2005م ، ومُحَرَّرَة مِن حِينِه إلَّا أنَّ الحِصارَ لَم يَنفَكْ عنها بل ازدَادَت شِدتُه مع مُرورِ الوقت حتى وصلَ إلى حِصَارٍ خَانِقٍ اشتركَ في تَنفيذِه الجِيرَان ! كمَا تَعرَّضَت لِحُروبٍ مُتَتابِعَةٍ كان آخِرَها الحَربُ المُدَمِّرَة المُستَمِرّة إلى الآن ولِكُلِّ شَيءٍ أوَان .
• غَزّة شَرِيط سَاحِلي تقَع على السَّاحِل الشَّرقِي للبحرِ الأبيض المُتوسِط ، لا تزِيد مَساحَتها عن 365كم² ، بطولٍ نحو 41كم ، وعَرضٍ يَتراوح بين 6 إلى 12كم ، وتُقسَّم إدارِيًّا إلى خمسِ مُحافَظَات : الشَّمال ، غزّة المَدِينَة ، الوُسطَى ، خَانْ يُونُس ، ورفَح الواقِعَة على الحُدودِ مع مصر ، فغَزّة يحُدُّها مِن الغَربِ البَحر ، ووَفْق الحُدودِ المُصطَنَعَة : مِن الشَّرقِ والشَّمَال السِّياج الفاصِل -الزَّائِل بإذنِ الله- الذي ضَربَه يهود لِفصلِ غَزّة عن باقِي فِلسطين ، ومِن الجَنوبِ مِصر الدولَة العربيّة الشَّقِيقَة الكَبِيرَة مَساحةً وعددًا ! وغَزّة مُحاصَرَة حِصارًا شَديدًا مِن الجِهاتِ الأربَع بَرًّا وبَحرًا وجَوًّا ، لكِنّها عَصِيّة على الانْكِسَارِ بعونِ اللهِ تعالَى .
• عدَد سُكّان غَزّة في هذه البُقعَةِ الصغِيرَة 2 مليون و 300 ألف إنْسَان ، فغَزّةُ هي البُقعَة الأكثَر ازدِحامًا وكَثافَةً سُكّانِيّة في العَالَم إذا مَا قُورِنَ العدَدُ بالمسَاحَة ، فكَثافَتُها السُّكانِيّة نَحو : 6,500نَسمة/كم² ، ومُعظَم هؤلاء السُّكَّان مِن المُهاجِرِين حيثُ إنَّهم يَنتَمُونَ إلى فِلسطِين المُحتلَّة التي هجّرَهم اليهودُ مِنها فهم مِن لَاجِئِي حرَب 1948م ، والمُهاجِرُ عائِدٌ إلى مَوطِنِه ولو بعدَ حِين بتوفيقِ رَبِّ العالَمِين ..
وإحصَائيةُ السُكّان المَذكُورَة سابِقًا ليستْ جدِيدَة فيدخُلُ فيها الذِين أكَلتْهُم الحُروبُ المُتتابِعَة وأعدَاد الوفِيات ، إلَّا أنَّ أعدَادَ المُوالِيد -وللهِ الحمْد- في ازدِيادٍ مُطّرِد وهذا مِن الصِّراعِ الدِّيمُوغْرَافِي ، كما أنَّ الفِئةَ العُمْرِيّةَ السَّائِدَةَ مِن الشَّبابِ دُونَ سِن ال25 ، وللهِ في كُلِّ شَيءٍ حِكْمَة .
17.05.202518:54
من مقروءاتي في الحرب [69]
("قانون التأسيس العَقَدي" لسلطان العُمَيري)
افتنَّ أهلُ كل علم في تصنيف مقدمات ومداخلَ إلى علومهم: تعين الدارسَ على فهم مباحثها وفصولها وموضوعاتها، وترسم له خرائطها ومساراتها ومسالك تحصيلها، وتبين له مفاهيمها الكلية ومعالمها الإجمالية وأدلتها المعتمدة، ويقف من خلالها على تاريخها ومناهجها ومدارسها، إلى غير ذلك مما تتكفل به هذه المعالم المرشدة الهادية.
وهذا الكتاب الذي بين يديك صُنِّف ليكون مدخلا إلى علم الاعتقاد، وكان الباعثَ على تصنيفه العَوَزُ الحاصل في الكتب المصنفة لهذا الغرض:
إنْ من جهة إغفال عدد من المباحث المهمة المتعلقة بهذا العلم.
أو من جهة التقصير والاختصار في عرضها؛ فلا يجد الدارس عمقا يعينه على الارتقاء في مدارج العلم.
أو من جهة الخلط بين مسائل الاعتقاد وعلم الاعتقاد؛ فكثير منها مداخل إلى الاعتقاد نفسه لا إلى علم الاعتقاد، وهذا شيء وذاك شيء آخر كما سيأتي معنا.
فحرَص المصنف على تجاوز هذه الإشكالات، وبنى كتابه بناء متينا محكما -قدر الوسع والطاقة-، وصَمَد إلى العلم لا إلى مسائله، وأسس مباحثه لتكون قانونا يسري على عامة علوم الشريعة؛ فجعلها أشبه بالقواعد الجامعة والنُّظُم الحاكمة. ولَعَمْرُ الله إن هذا لمن ضروب الإبداع.
وأنشأ قانونه على أحد عشر مبحثا:
الأول: مفهوم علم العقيدة.
والثاني: منزلة علم العقيدة.
والثالث: حكم علم العقيدة وفائدته.
والرابع: علاقة علم العقيدة بالعلوم الأخرى.
والخامس: أسماء علم العقيدة وألقابه.
والسادس: مدارس علم العقيدة.
والسابع: موضوع علم العقيدة وخرائطه.
والثامن: المصنفات في علم العقيدة.
والتاسع: مناهج التصنيف في علم العقيدة.
والعاشر: أحكام مسائل علم العقيدة.
والحادي عشر: مسالك البناء والتأصيل العقدي.
وقد بقيت جملة من المباحث المهمة أشار إليها ولم يتهيأ له أن يكتب فيها، فعسى أن يُلحقها بالطبعات القادمة إن شاء الله.
وهذه المباحث وغيرها -مما ذكر ولم يذكر- مردُّها إلى ستة محاور تنتظم التعريف بهذا العلم الشريف:
التعريفي، والتكويني، والمنهجي، والتاريخي، والتحصيلي، والتطويري.
وفاتحة الإبداع في الكتاب تفريقه بين الاعتقاد وعلم الاعتقاد.
فالاعتقاد: موضوعات التوحيد، والإيمان، والمغيَّبات، والنبوات، والقدر، والأصول التي خالف فيها المبتدعة.
وعلم الاعتقاد: هو السِّلك الذي ينتظم هذه الأصول، ويدرس أحوالها وقوانينها وما يحتفُّ بها. فهو يحوم حول المسائل ولا يدرسها، إذ ليس هذا من شأنه وغرضه.
وهذا المعنى لم أر أحدا ممن صنَّف في مداخل العلوم أشار إليه أو نبه عليه على هذا النحو الذي تراه في هذا الكتاب.
وأطول مباحث الكتاب وأنفسها: المبحث السادس (مدارس علم العقيدة)، والعاشر (أحكام مسائل علم العقيدة)، فقد استغرقا أكثر من نصف الكتاب، وفيهما من الدَّرس والتحرير والإفادة ما لا يُستغنى عنه.
والمدارس قسمها إلى أربع: المدرسة السُّنية، والمدرسة الكلامية، والمدرسة الفلسفية، والمدرسة الكَشْفية.
وفصَّل في أصولها وفرقها ومناهجها، وطوَّل في تقرير أصول المدرسة السنية وأدلة صحتها.
أما المبحث المتعلق بالأحكام: فقد ذَكر فيه عشرة أحكام يكثر الغلط والخلط فيها، ويقل تناولها في كتب الاعتقاد ومداخلها، فأحسن في جمعها، ثم أحسن ثانية في دَرْسها والكلام عنها.
وعامة مباحث الكتاب ترى فيها جِدة وعمقا، وتحريرا ونقدا. ولا يتسع المقام هنا لتفصيل الكلام فيها واحدا واحدا؛ إذ يسهل وقوف القارئ عليها إن شاء الله.
والكتاب فيه عناية ظاهرة بالأصول والقواعد والكليات، والوقوف على مداخل وأصول الغلط في المسائل والموضوعات.
وفيه جرأة وتجديد وانتحالُ أقوال يجبُن عنها من لم ترسخ قدمه، وبقي أسيرا للذائع المشهور.
وفيه احتفاء ظاهر بالتراث التَّيمي المبارك، واتكاء على تقريراته في كثير من المسائل، وإنه والله بهذا لجدير.
وفي الجملة: هذا كتاب عظيم نافع كُتب على طريقة مبتدَعة مبتكرة، يستفيد منه طالب العلم أيا كان تخصصه، ويستفيد منه طالب الاعتقاد على وجه أخص.
وقد دخلت علينا الحرب ونحن ندرِّسه في أكاديمية (المرقاة) مع أخينا الحبيب الدكتور أبي مالك حسن بن سليمان حِلِّس نفع الله به وبإخوانه وزادهم توفيقا وسدادا.
والشيخ سلطان وفقه الله له جهود مباركة في التأليف والتدريس، وقد قرأت شرحه على الواسطية "العقود الذهبية" فانتفعت به جدا، وما استبانت لي بعض المسائل والدقائق إلا من خلاله، وكنت قد طالعت غالب شروحها بحمد الله تعالى، فما رأيت أنفس منه.
بسام بن خليل الصفدي
السبت 19 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
04.05.202506:47
الذي أقصده من هذا معاشر الإخوة: أننا ينبغي أن نتعاضد في هذا الأمر، فلا خير فينا والله إن جاهر الناس بالمعاصي ونحن ساكتون متبلدون، ولو نوزع أحدنا في شيء يخصه لأقام الدنيا ولم يقعدها، ولو سُبَّ هو أو والده أو أحد قرابته لحارب الدنيا غيرَ وَجِلٍ ولا هَيَّاب.
﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 116].
فواجب على كلٍّ منا أن يقوم بما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلٌّ بحسَبه، الحاكم بيده، والعالم والداعية بدعوته ونصحه وتوجيهه، وعامة الناس بما يستطيعون، وأضعف ذلك الإنكار بالقلب، وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبةُ خردل.
وكل ذلك على ما توجبه الشريعة من غير إفراط ولا تفريط، والله الموفق والمعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بسام بن خليل الصفدي
الأحد 6 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
26.04.202517:17
04.05.202506:47
حرب غزة يوميات ومشاهدات [79]
(أُولُو بَقِيَّة)
لا ينقضي عجبُك وأنت تقرأ في سورة آل عمران عتاب الله لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 155]، ثم قال في السياق نفسه: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165].
وهذه المخالفة وقعت في أمرٍ واحد، ولم يشفع للصحابة رضي الله عنهم فضلُهم ومنزلتهم وسابقتهم؛ فأصابهم ما أصابهم.
والمصيبة تعظم وتشتد إذا ظهرت المعاصي واستُعلن بها. ولقد جرت سنة الله تعالى بحُلول غضبه وعقوبته على الأمم إن فشَت فيها المنكرات وظهرت من غير صوت يعلو بالنكير والإصلاح.
قال جل وعلا: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 25].
ولنا في بني إسرائيل عبرة: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 163-165].
المصلحون والآمرون والناهون في الأمم أمان من العذاب.
قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].
والعبد أحوج ما يكون إلى الطاعة وقت الشدة؛ فإن الله يدفع عن عباده بطاعتهم وضراعتهم وإنابتهم ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 43].
إذا عُلم هذا فالواجب علينا اليوم أن نقوم على أمر الله فرادى وجماعات، ونقوم ثانية في وجه الظلمة العصاة الذين يفسدون علينا أمر ديننا ودنيانا، ويخرقون سفينتنا ويسيرون بها إلى الهاوية.
وليست مسؤوليةُ الأمر متوجهة إلى فئة دون أخرى، بل هذا واجب الجميع كلٌّ بحسبه.
كنت قبل أيام جالسا في البيت فسمعت صوت شاب يسب سبا قبيحا، فنزلت وأغلظت عليه، ونظرت حوله فإذا الشارع ملآن بالناس ولا أحد ينكر أو يتكلم.
وكذلك سمعت قبل أيام طفلا صغيرا يقول كلاما قبيحا فنزلت إليه وعنفته، والناس حوله كأن الأمر لا يَعنيهم.
كثير من هؤلاء الناس من أهل الخير والصلاح، لكن دخل عليهم الداخل من جهةِ ظنِّهم أن الإنكار لا يتعين عليهم، وأنهم إذا كانوا صالحين في أنفسهم لا يضرهم أن يُعاقر غيرهم الذنوب، وهذا خطأ بين ينبغي أن يُنبَّه الناس عليه، وتُعظَّم الشريعة في قلوبهم، ويبيَّن لهم عاقبة السكوت على المنكرات.
قال سبحانه في سورة العصر: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3].
وفيها أن المرء مطالب بالسعي في صلاح نفس وصلاح غيره، ولا يكفيه في النجاة عند الله أن يسعى في صلاح نفسه دون إخوانه.
فمن حصَّل شيئا من العلم والعمل وجب عليه أن يدعو غيره إليه بما يستطيع، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾، ثم هو إن فعل ذلك قد يصيبه شيء من الأذى، فهو مطالب بالصبر، وهذا معنى قوله سبحانه: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
وأضعف الإيمان أن ينكر المرء ما يرى ويسمع من المناكر بقلبه. وأكثر الناس بحمد الله قادر على الإنكار باللسان من غير ترتب ضرر على ذلك، بل التغيير باليد كذلك متيسر لمن كانت له خصوصية، فلا ينبغي للمرء أن يكون خَوَّارا في أمر الله وشرعه، بل ينبغي أن تأخذه الغيرة والغضب والحمية سيما إن كان المنكر عظيما فاحشا.
والناس يقوِّي بعضهم بعضا، ويشد بعضهم من أزر بعض.
ذاك الشاب المتطاول الذي ذكرت خبره، نزلت إليه وعنَّفته تعنيفا شديدا وضربته والناس جميعا وقفوا معي وسبوه وعنفوه، وكانوا من قبلُ ساكتين.
كذلك الولد الصغير الذي كان منه ما كان، تبين لي أنه نازح من منطقة بعيدة، وقال لي بعض جيرانهم إنه يفعل ذلك كل يوم وأهله لا يصنعون له شيئا، وفي اليوم التالي رآني الصغار الذين كانوا معه، فقالوا لي: والله يا شيخ والده ضربه ضربا شديدا وعنفه.
07.05.202518:43
ومن أعظم المثبتات القرآنية: أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا ينصر أولياءه بحسَب ولايتهم بنوع رعب يلقيه فيه قلوب أعدائهم، كما قال الله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12]، ولكن ما سبب هذا الرعب؟ الحقيقة أنه كما أنَّ إفراد الله بالتعلق والتوكل عليه وتفويض الأمور إليه سبب لقوة القلب، فإن الشرك الذي مادته وينبوعه التعلقُ بغير الله هو سبب الرعب الذي يقع في قلوب الكفار، كما قال الله: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران:151] ...
فكلما شمخ المؤمن في أفلاك التعلق بالله زادت طمأنينته وسكينته وقوة قلبه، وكلما شَرِكَ الكفارَ وشاطرهم شيئًا من التعلق بغير الله اعتراه من الرعب على قدر ما شاركهم...
ومن معاني القرآن في مثل هذه الساعات: أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا حين ذكر في كتابه آية حياة الشهداء: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} [البقرة: 154]، أعقبها فورًا بذكر صنوف الابتلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]، فيرتفع ثواب الشهادة بقدر مصابرة المجاهد على لأواء طريقها...
ومن أعظم المثبّتات القرآنية: أن يوقن المؤمن أن ما يعتري قلبه بين فينة وأخرى من التخويف والترهيب من تحزب أمم الكفر إنما هو من الشيطان الذي يخوّف المسلمين بأوليائه الكفار، كما قال الله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، أي: يخوفكم أولياءَه الكفار، كما قال أهل التفسير.
ومن أعظم المثبّتات القرآنية: أن يتدبر المؤمن في كتاب الله أغراض الإملاء للكفار، كقوله سبحانه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]، وقوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
وهذه مجرد أمثال ونماذج، وليس المقصود طبعًا الاستقصاء والتتبع، وهي حقائق قرآنية إذا تدبرها المؤمن وعَقَلها وعاش معناها كانت له من أعظم العون في مواجهة مثل هذه الدواهي العظام التي تطوّق أهل الإسلام، فكم في تدبر القرآن من ظهير وسند.
-تدشين المراجعات: من أَجلِّ أنوار القرآن في مثل هذه الحنادس: الدعوة إلى مراجعة العلاقة بالله، وأن الانكسار في الجهاد فرع عن شَرْخ في التزكية، كما بين كتاب الله هذا في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: 155]، وقال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، فيا لله العجب ما أشد شؤم المعصية، حتى ضعفت طاقة المجاهد ومال للفرار ووقع عليه الأذى بسبب ذنب! فإذا كان هذا على المجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن اليوم؟!
ومن كمال الدلالة القرآنية: أن يبيِّن القرآن المعنى وضده، وهو أحد الأوجه في تفسير وصف الله لكتابه بأنه مثاني. ومن أفراد هذا المعنى هاهنا: أن الله كما بيّن أن المعاصي سبب للهزيمة فقد بيّن أن الطاعات سبب للثبات، كما قال الله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66].
تم المقصود والحمد لله رب العالمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 9 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
08.05.202509:46
حرب غزة يوميات ومشاهدات [82]
(حياة المؤمنين لهم جهادٌ)
في أوقات المحن والشدائد يستسلم أناس للقدر، ويستطيبون العجز والهوان، ويُؤثرون الراحة والكسل، ويقعدون عن العمل بحجة الواقع وشدة الحال.
ويُسابق آخرون إلى المعالي، يغالبون الشدائد، ويعاندون الزمان، ويتواثبون إلى المكرُمات بعزائم ماضية، وهمم عالية.
هِمَمٌ كأن الشمس تخطُب ودها
والبدرَ يرسم في سَناها الأحرفا
وقد ذكرت في مقالة سابقة أن القائد البطل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سمع جزءا حديثيا بين الصَّفَّين، وقال: "هذا موقف لم يسمع فيه أحد حديثا غيري".
وقرأت في ترجمة الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أنه درس الماجستير وكتب بحثه في الأصول (وهو أول من تخصص في الأصول في الضِّفَّتَين) وهو متأبِّط سلاحه مجاهدا في قواعد الشيوخ في الأردن على حدود بلادنا فلسطين.
وقرأت في ترجمة الشيخ ابن باز رحمه الله أنه ما قطع الدرس صبيحة غزو صدام، فأصبح على كرسيه وما حضر معه إلا طالب (وهو الشيخ الراجحي المعروف).
إن ما يرجوه المرءُ من الفضائل والمعالي، والمفاخر والمحامد في الدنيا والآخرة لا يُدرك ولا يُنال إلا بالتضحية والمشقة، والتعب والنصب.
قال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة".
نعيم الدنيا والآخرة لا ينال بالشهوات والملذات، والمألوفات والمحبوبات.
وقال ابن القيم -وما أحسن ما قال-: "والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبَر إليها إلا على جِسر من التعب".
بصُرت بالراحة الكبرى فلم أَرَها
تُنال إلا على جِسر من التعب
ومن بواعث السرور، وبوارق الأمل: أن ترى في مثل هذه الأيام التي نحن فيها شبابا طَموحا جادا مجدًّا لا يَعُوقه عن العمل والإنجاز شيء، يجاهد ويناضل تحت الرصاص، ويعمل ويكابد مع الخوف والجوع والنزوح والخِذلان وشدة الباس.
كثيرون في غزة: حفظوا القرآن في الحرب، وناقشوا رسائل الماجستير والدكتوراة، وتوافروا على القراءة والبحث، وأقاموا مشاريع علمية ودعوية وإغاثية عظيمة لا يتهيأُ للعَجَزة البَطَّالين القيام بها في أوقات الأمن والسعة والرخاء.
وأعرف من الإخوة الدعاة وطلبة العلم من لم يتخلف من أول الحرب عن خطبة جمعة واحدة، إنْ في المساجد يوم أن كانت مفتوحة أبوابها، أو في مخيمات النزوح بعد إغلاقها.
وأعرف من الأطباء من واصل شهورا في عمله لم ير أهله ولا أولاده، وقد كان يمكنه أن يسافر إلى أوفر بلاد الله مالا ونعيما وجمالا، فترك ذلك كله وآثر ما عند الله.
وأعرف من شرفاء الناس من انقطعت به السبل فآوته (بَسْطة) يسترزق منها، لا يتكفف الناس ولا يسألهم.
وأعرف من يقوم وحده بعمل مؤسسة، لا يقعد ولا يكل ولا يمل، لسان حاله:
حياة المؤمنين لهم جهاد
ألا إن الحياة هي الجهاد
وأعرف من التجار من ضرب للناس مثلا في القناعة والمواساة، لا يُغالي ولا يرابي ولا يحتكر، ولا ينمِّي ثروته على جراح الناس وآلامهم، وقليل ما هم.
أما السادة الأبطال الميامين فالله يحفظهم، ويبيض وجوههم، ويسدد رميهم، ويجزيهم عن بلادهم وأمتهم خيرا، أولئك السابقون السابقون.
معاشر الإخوة، إن حال أمتنا اليوم لا تخفى على الذكي ولا البليد، وإن الذي يُرجى منا -والحال هذه- من نصرة دين الله، وإقامة شرعه، والتقدم في ميادين العلم والعمل، والدعوة والجهاد، وعِمارة الأرض= لكبير عظيم شاق، لا يترشح له إلا أصحابُ الهمم العالية، والنفوس الأبية، فكونوهم يرحمْكم الله.
أروا الله تعالى من أنفسكم خيرا، ركضا إلى المعالي ركضا، ووثبا إلى المــَكْرُمات وثبا، جِدوا في إصلاح نفوسكم، ونصرة أمتكم، والذود عن حمى دينكم.
من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن نام ليس كمن وثب.
كان عثمان رضي الله عنه يصلي بالقرآن كله في ركعة، ويعاتَب في إتعاب نفسه فيقول: والله لو طهُرت قلوبكم ما شبعتم من كتاب ربكم.
وسُئل عمر بن عبد العزيز: متى الراحة يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا راحة إلا عند الله.
وكان يحدث عن نفسه ويقول: إن نفسي تواقة، وإنها لم تُعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضلُ منه، فلما أُعطيت ما لا أفضلَ منه في الدنيا (يعني الخلافة)، تاقت إلى ما هو أفضلُ منه (يعني الجنة).
وسئل الإمام أحمد: متى الراحة يا أبا عبد الله؟ فقال: عند أول قدم تضعها في الجنة.
وكان يقول: إذا ذكرتُ الموتَ هان عليَّ كلُّ أمر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد.
اللهم زينَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بسام بن خليل الصفدي
الخميس 10 شوال 1446
https://t.me/DBasam
07.05.202518:43
حرب غزة يوميات ومشاهدات [81]
(إن الناس قد جمعوا لكم)
كثر في الأيام الأخيرة تهديد أئمة الكفر من اليهود والأمريكان لأهل الإسلام في غزة بالقتل والتجويع والتهجير، وكنت قد زوَّرت في نفسي كلاما أُثبِّت به نفسي وإخواني في هذه الداهية، وقفز إلى ذهني مقالة مطولة للشيخ المبارك أبي عمر إبراهيم السكران فرج الله عنه، عَنونها (إن الناس قد جمعوا لكم)، كنت قد قرأتها إبَّان نشرها، وكان قد كتبها في نازلة الشام تثبيتا لأهل الإسلام هناك، فعدت إليها أتأملها، وقلت في نفسي: سبحان الله، كأنما كتبها في نازلة غزة. والذي زورته في نفسي وجدت عنده أزيد منه وأحسن، وأنَّى لي بيانُ أبي عمر ونفَسُه، وغوصه على المعاني وتأملُه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فعمدت إلى اختصارها -في نحو الثلث- وضبطها مع تصرف يسير جدا، وتفقير لمادتها لتيسير قراءتها والاستفادة منها، ومن الله استمداد العون والسداد، وهذا أوان الشروع في المقصود.
-... وفي شبيه هذه النوائب يُخال لبعض الحادِبِين أن النَّذارة تقتضي التهويل، فلا يزال يخطب بالهَلَع حتى تنخسف القلوب، وتتبدد جَمْعيَّة التوكل، ويَتيه تعلق النفوس بالله إلى التضرع للقوى الإقليمية، وتسوُّلِ النصرة ممن قد يكون في ميزان الله أحوج إليك منك إليه، وهكذا كم من شفيق حجب عن أهله الباب وهو يَروم نجدتهم، بل ربما داخل عباراتِ بعض هؤلاء المهوّلين شيءٌ من الجزع وشبيه العويل...
وعلوم الاستراتيجيات والتخطيط المعاصرة اليوم تؤكد أن تهويل بأس ومنَعة العدو في النفوس جزء من الحرب النفسية، وتقليلَ شوكته ورباطةِ جأشه= من الدعم المعنوي الذي يقوِّي القلوب ويعزز الروح المعنوية...
والمراد: أن هذه اللغة التخويفية الترهيبية الإحباطية في الحديث عن تواطؤ الأمم على الأرض المباركة ليست الطريقَ الشرعي في هذه الداهية، فهذه اللغة النياحية مثقاب التخذيل، ونحن اليوم أشد ما نكون للغة التثبيت وأَنْفاس المبشرات، فإنما القوة قوة القلب، والنصر صبر ساعة. وهذا لا يعني عدم ذكر قوة العدو بحق دون زيادة، وعلى وجه الدعوة للثبات والعمل، كما قال الله: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الفتح: 16].
والمؤمن الفَطِن يفتح وعي المسلمين لقضاياهم، ويحرك هممهم ليَعْصبوا جراحاتهم، مع الاحتراس أن يدخل في حد الإرجاف، فقد شنع القرآن على كلمات الإرجاف وقت الحرب، كما قال الله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 60] ...
فأين الوجهة إذن؟ القِبلة حقًّا تحت دخان هذه المدلهمة: إيقاد سُرُج القرآن حتى تنكشف المخارجُ والدروبُ، ويتدلى للقلوب حبل التعلق بالله فإذا هو يلقَف ما يأفكون، وسنعرض فيما يلي بعض هذه المعاني القرآنية:
-قطع العلائق: من أعظم أنوار القرآن في نظير هذه الداهية استحضار أن الله يقدِّر على أهل الإسلام تحزُّبَ أعداء الدين وتواثقهم عليهم ليمتحن التوكل على الله، ففي مشهد مهيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحكيه القرآن لنا في لحظة اكتظاظ الأعداء، يقول الله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. يا لجلالة المشهد، يقال له: إن الأعداء أبرموا صفقة وتحالفوا وهم حولكم الآن، فيصعد القلب في معراج العبودية ويقول: (حسبنا الله)، والحسب يأتي بمعنى الكفاية، أي: أن الله كافينا، ثم يُثني على الله ويعظمه فيقول: (ونعم الوكيل). وأصل الوكالة الاعتماد، والوكيل هو الذي يُعتمد عليه فيتولى الأمر، فقوله (حسبنا الله ونعم الوكيل) حاصل معناها: الله كافينا وهو نعم من نعتمد عليه.
ولعلك لاحظت أن القرآن قبل أن يذكر مقولتهم هذه: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ذكر أن حالًا إيمانية لهم سبقت ذلك فقال عنها: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً}، فظهر بذلك أن تلك المقولة التي فخَّم الله شأنها {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} إنما هي ثمرة وأثر لقلب جَلْجَل باليقين بالله في اللحظة التي تَعْثُر فيها قلوب أكثر الخلق في شُقوق الشكوك وصُدوع الارتيابات. وكم ينساب من الألسنة في مضائق المواقف كلمات إيمانية تبهت المستمعين يظنها الناس من براعة البيان، وإنما هي من حرارة القلوب...
ومن عجائب القلوب: أنها إذا تعلقت بالمقاييس المادية ضَمَرت حدود الرؤية فيها، وضاق أفقها برغم ظنها أنها أكثر حداثة ورُقيًّا، وإذا تعلقت بالله انفَسحت لها أَمْداءُ الرؤية.
06.05.202519:02
من مقروءاتي في الحرب [64]
("اليوم النبوي" لعبد الوهاب الطَّرِيري)
كتب عنه صاحبه ونسخةُ رُوحه قائلا: "يجد نفسه في صحبة السيرة، فيتقن أحداثها، ويحيط بمواقعها وجغرافيتها، ويتخصص بأدواتها ومقتنياتها ومتحفها المنزلي والشخصي والمدني، ويغوص على معانيها غوص الخبير الفنان، ويُلهَم حُسنَ التعبير عنها بلغة لفظية وجسدية تأخذ بالألباب، وتُفحم المجادل، ويغيب بها السامع عما حوله حتى يسكت الصوت فجأة فيضج الإعجاب والتكبير" [طفولة قلب (ص270) لسلمان العودة].
للشيخ الطريري عناية قديمة بالسيرة النبوية، وله فيها برامج وحلقات في غاية الروعة، وكتبٌ ومصنفات لا تقل عنها روعة وجمالا، فمن كتبه: "اليوم النبوي"، و"الحياة النبوية"، و"الآثار النبوية"، و"أماكن نبوية"، و"قَصص نبوية"، و"حديث الغدير"، و"القبر المقدس"، و"كأنك معه". وبين يديه جملة كتب تُعَدُّ، منها: "الأحداث الكبرى في السيرة".
أما كتابنا هذا فقد انقدحت شرارته وأضاءت فكرته قبل نحو ثلاثين سنة، يوم أشار عليه صديقه عبد العزيز الماجد رحمه الله بكتابة شيء عن البرنامج اليومي للنبي صلى الله عليه وسلم.
فمن ذاك اليوم وهو يجمع مادته ويتأملها ويَتَملَّاها حتى استوت عنده فأخرجها بعد عشرين سنة في هذا الكتاب، ثم كَرَّ عليه ثانية بعد نحو عشر سنين فنقحه وزاد فيه زياداتٍ حسنة، وألحق به صورا ورسوما توضح البيئة النبوية.
فمقصود الكتاب وخطته وغرضه: تقديم مشهد متكامل ليوميات الحياة النبوية، وصفُ يومه من حين استيقاظه إلى نومه، تتبُّعه في نومه ويقظته، وصَبَاحاته وأَمَاسيه، وأيامه ولياليه، في بيته ومسجده، وعبادته وتهجده، وزيارته وعيادته، وجِده ومرحه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
"في هذه السيرة اليومية نترحَّل مع ساعات يوم النبي صلى الله عليه وسلم وكأننا نعيش معه بساطة الحياة العظيمة، وعفْوية الحياة الجادة، والتوازن بين مناشط الحياة، والتكامل لاستيفاء الحاجات...
كانت عيون من حوله راصدة شديدة الدقة والملاحظة، حتى الظلام لم يكن ساترًا القلوبَ التي عشقت هذا النبي، وأرادت أن تعرف كيف كان يقضي ليله، وحتى الحيطان لم تكن طويلة لتحجب حياته الخاصة، كانت القلوب والعيون داخلة معه حتى يأوي إلى فراشه، ترمقه في استغراق نومه، وفي وُثُوب استيقاظه" [ص11].
كُتب هذا الكتاب بمداد الشوق والمحبة، كيف لا وهو في أَنْبل سيرة، وأعظم حياة.
وكتب بلغة جميلة آسرة، والشيء من معدنه لا يستغرب.
وهل يُنبت الخَطِّيَّ إلا وَشيجُه وتُغرس إلَّا في منابتها النخلُ
وفيه استنباطات حسنة بديعة من الأحاديث والأخبار في تغطية أجزاء البرنامج النبوي، وترتيب الأحداث في محلها وزمانها، وهي متفاوتة قوة وضعفا، وظهورا وخفاء بحسَب السياق، ومجموع الروايات، والقرائن المحتفة. وحسْب الشيخ أنه اجتهد ولم يَأْلُ.
وختم الكتاب ولخصه بــــ "قراءة لليوم النبوي" (ص191-205)، ذكر فيه جملة من الدلالات العميقة المستنبطة من برنامجه وعمله في يومه وليلته، وهي تلخيص عميق بديع صادق مكثف للحياة النبوية، من لم تكن له همة في قراءة الكتاب كاملا فلا يفوِّتنها.
واسمحوا لي أن أنقل لكم منها خلاصة الخلاصة؛ ليقف قارئها هنا على مَتْن برنامج اليوم النبوي، قال المؤلف حفظه الله:
"ويمكن تقسيم برنامج اليوم النبوي تقسيما تقريبيا على النحو التالي:
-الفجر: يستيقظ لصلاة الفجر بعد نَومة السَّحَر، فيصلي الفجر ويمكث في مصلاه مع أصحابه إلى طلوع الشمس، ثم يقوم بجولة صباحية على زوجاته، ثم يجلس في أول الضحى مع أصحابه في المسجد، وهذا مجلسُ علم وذكر وتربية، ثم يقوم أحيانا بزيارات بعد هذا المجلس، فربما زار بُنَيَّاته، أو زار بعض أصحابه، وربما ذهب لقضاء بعض شأنه الخاص.
فإذا تعالى الضحى فإنه وقت النوم والقيلولة، فيَقيل قبل صلاة الظهر، وهذه النومة إراحة للبدن، ومدد لقيام الليل.
-الظهر: يستيقظ لصلاة الظهر، فيصلي الظهر، فإن كان حدث أمرٌ خطب بعد صلاة الظهر، وأكثرُ خطبه في هذا الوقت، ثم يعود إلى بيته فيصلي السنة الراتبة، ثم يخرج فيجلس إلى أصحابه، أو يذهب لقضاء بعض شأنه؛ فقد كان ما بين الظهر والعصر وقتَ عمل وقضاء حاجات.
-العصر: يصلي العصر في أول وقتها، ثم يقوم بعد صلاة العصر بجولة مسائية على زوجاته، وربما اجتمعن له في بيت التي هو عندها، وكأنما ما بين العصر والمغرب وقتُ استرخاء أسري في الغالب.
-المغرب: يصلي المغرب في أول وقتها، ثم يتعشى ويبقى في بيته، وهذا هو وقت تناول الوجبة الرئيسة، وهي وجبة العشاء.
-العشاء: يصلي العشاء ثم يعود إلى بيته فيسمُر مع أهله، وربما ذهب في زيارات لبعض الأنصار، أو سمر مع أبي بكر وعمر في بيت أبي بكر رضي الله عنهما للتشاور في شؤون الدولة وقضايا المسلمين، ثم يعود بعد سَمَره إلى بيته، فينام إلى منتصف الليل، ويستيقظ إذا انتصف الليل ليصلي صلاة الليل وهو في ذِروة نشاطه بعد أطول نومة، فيستمر في حاله هذه من الصلاة والمناجاة بقدر ثُلُث الليل، حتى إذا لم يبق إلا سُدُسُ الليل عاد إلى فراشه ليستريح ويُغْفي
登录以解锁更多功能。