تبيين آداب الناصح والمنصوح
الحمد لله الذي أمر بالتواصي بالحق، ورغّب في النصيحة، وجعلها من الدين، والصلاة والسلام على من بلّغ البلاغ المبين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالنصيحة عبادة عظيمة، لا تخرج إلا من قلبٍ مشفق، ولسانٍ رفيق، وعقلٍ بصير. وإن من تمامها أن تُؤدّى بآدابها، وتُؤخذ بحُسن الظن بمقصدها. فلا الناصح يُعجَب بنفسه، ولا المنصوح يُغلِق قلبه.
فيا ناصحًا:
إذا أردت لنصحك أن يُثمر، فليكن في سرٍّ لا في علن، وبرفقٍ لا بعنف، وبمحبةٍ لا شماتة. لا تتخذ زلة أخيك موطنًا للتعالي، بل اجعلها فرصةً للستر والدعاء والتوجيه بلين. واذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان فاحشًا ولا متفحشًا، بل قال: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه.”
ويا منصوحًا:
افتح قلبك للنصيحة، ولا تجعل للكبر سبيلاً إلى صدرك، فإن من دلّك على عيبك فقد أحسن إليك، ومن نصحك فقد أحبك، فلا يحملنك سوء الأسلوب –إن وقع– على ردّ الحق، فالعاقل ينظر إلى ما قيل لا من قال. وتأمل في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي.”
وما أحوجنا جميعًا إلى أن نكون بين ناصح ومُنتصح، يُصلح بعضنا بعضًا، ويرقّ قلب هذا بكلمة ذاك، وبهذا تتآلف القلوب، ويعظُم الدين، ويصلح الحال.