رأيت لقطة شاشة لأحد حسابات الذين ركبوا ترند "الرد على الحدادية"، كما ركبه كل الزنادقة والمبتدعة المخنثين الذي لا شجاعة لهم أن يقولوا "عندنا مشكلة مع عقيدة السلف"، فاتخذوا هذا الأمر دلسة وأغلوطة يغالطون بها السفهاء أمثالهم.
المهم، يقول هذا الأحمق أن كتاب الدارمي فيه غلو في الإثبات وليس من الكتب المعتمدة! وأنه كتبه في حال انفعال من فتنة المعتزلة، وأن الحدادية هم من أشاعوه وعظموه.
وهذه كلها اتهامات لا دليل عليها، وقد سبقه لاتهام الدارمي بالغلو أحد رؤوس الإرجاء في زماننا _أحرقه الله_، ويمكن قلبها بسهولة عليهم بأن يقال:ما دامت الاتهامات سهلة عندكم، فلماذا ليس أنتم مخانيث للجهمية المتأخرين الذين تربيتم على أيديهم، لهذا ترون هذا غلوا؟
وهو حقيقة أمرهم فعلا.
وأنقل هنا نقولات تبين مكانة الدارمي قبل زماننا هذا:
قال ابن القيم: «الإمام حافظ أهل المشرق وشيخ الأئمة عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله:
قال فيه أبو الفضل القرَّاب: «ما رأيت مثل عثمان بن سعيد، ولا رأى عثمان مثل نفسه».
أخذ الأدب عن ابن الأعرابي، والفقه عن البويطي، والحديث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني، وأثنى عليه أهل العلم، صاحب كتاب الرد على الجهمية، و النقض على بشر المريسي.»
[اجتماع الجيوش الإسلامية (ص343 ط عطاءات العلم)]
ثم قال بعدها:
«وكتاباه من أجلّ الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدًّا، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما.»
[اجتماع الجيوش الإسلامية (ص347-348 ط عطاءات العلم)]
وقال الخليلي: «عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ كَبِيرُ الْمَحَلِّ، عَالِمٌ بِهَذَا الشَّأْنِ، يُقَارَنُ بِالْبُخَارِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ»
[الإرشاد في معرفة علماء الحديث (3/877)]
يقصد يقارن بهم في علم الحديث، ولا شك أن من قورن بهؤلاء فقد بلغ الرتبة العليا في هذا.
ويكفيك أيضا في مكانة الرجل، أن التاج السبكي في طبقاته لما ترجم له، ذكر كتابيه ولم يجرؤ على التعرض له، وهو الذي ما ترك الطعن على أحد من أهل الإثبات.
وما حسبت أننا نصل لزمان نحتاج أن نقنع فيه من يحسبون على السلفية بإمامة الدارمي ومكانة كتابيه.
ومن جهل هؤلاء يحسبون أن الدارمي انفرد بالكلام في الحد والحركة وتوسع في الرد في باب الأسماء والصفات، لهذا يصفونه بالغلو في الإثبات، ولو أتعب أحدهم نفسه وطالع كلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية، لوجد كلاما من جنس كلام الدارمي.
وهذا كله حتى تعرف أن ترند "الدفاع عن العلماء" مجرد صنم عجوة، يأكلونه متى شاؤوا، والأمر كله مصالح سياسية واجتماعية متوهمة.