قبل 57 سنة من الآن وتحديدا عام 1389 للهجرة الموافق للسنة الميلادية: 1969، تم إحراق أجزاء من المسجد الأقصى في ظل الاحتلال الصهيوني فانتفض العالم الإسلامي وكان ذلك الحدث من أهم محفّزات نشأة الصحوة الإسلامية التي عمّت أرجاء العالم واستمرت حية متصاعدة قرابة الثلاثين عاماً.
ثم تمّ تدنيس المسجد الأقصى باقتحام "شارون" له، قبل 25 عاماً وتحديداً عام 1421 للهجرة الموافق عام 2000 ميلادي، وحينذاك انتفض العالم الإسلامي وخصوصاً داخل فلسطين حيث اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرّت لسنوات وقدّم فيها أهلنا في فلسطين آلاف الشهداء.
واليوم يتم تدنيس المسجد الأقصى بطريقة غير مسبوقة على أيدي المحتلين المستوطنين المغضوب عليهم والملعونين على لسان الأنبياء،
بأعداد غفيرة برعاية "بن غفير" في ظل إبادة غير مسبوقة لأهلنا في غزّة، وبدعم مفتوح وحرب صريحة من عدد من الحكومات الغربية، وبشعارات حربية دينية صارخة ظهرت على جبهة وزير الخارجية وعضد وزير الدفاع للدولة الراعية لكل هذه الانتهاكات، في ظل سياسة "التوسع الجغرافي" التي تتبناها حكومة الاحتلال الإسرائيلية والقوى الراعية لها مع إعلان نتنياهو لتشكيل الشرق الأوسط الجديد على معيار صهيوني بحت..
يأتي كل ذلك في مرحلة عجيبة من العجز والإحباط والحيرة التي تلفّ الشعوب الإسلامية المتألمة المقهورة لما يجري بجوارها وهي تواجه حالة غير مسبوقة من القمع والتهديد والتشويه من جهة، وتواجه حالة واسعة من انتشار الغفلة والتفاهة في كثير من أبنائها من جهة أخرى،
في ظل تخبط واختلال في المواقف لكثير من الرموز الإسلامية، وتحييدٍ وتغييبٍ وإبعاد لرموز إسلامية أخرى قامت بواجبها، مما يزيد العدو الصهيوني نهماً في التهام الأرض المباركة وسفكِ الدماء المعصومة، وتدنيس المسجد الأقصى، بل -وربما- يقترب بقوة من فكرته الكبرى المتمثلة في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل..
ولكن.. هل ماتت الأمة الإسلامية حقاً؟
وهل أُسدل الستار على أمجادها؟
وهل غاب الأمل وأفلَت شمسه؟
أم أننا سنشهد نوراً خلف كل هذا الظلام، وأملاً أعظم من كل هذه الآلام، ومدداً إلهياً للصادقين الصابرين العاملين لله ولدينه ولنصرة أمة نبيه ﷺ؟
الجواب عن هذا سيكون بقدر البصيرة التي يؤتيها الله من يشاء من عباده، وهي تأتي بحسب موقعك من الصراع بين الحق والباطل، واستهدائك بنور الوحي الذي نزل على النبي ﷺ، وعبوديتك لله في مختلف شؤون حياتك، وفهمك لسنن الله، وسعيك للعمل بالتكليف الشرعي الموافق لها في كل مرحلة.
فإن كنت كذلك فسترى أنوار الفرج والفجر تلوح في الأفق، وبقدر بصيرتك ستعلم أنها ليست أنواراً عادية.. لا والله، بل هي أنوارٌ عظيمة هائلة..
وأما إن قصّرتَ في شيء من ذلك فإن أدنى ما ستقع فيه: الحيرة والتخبط واليأس، وأعظم ما تقع فيه: موت القلب، بحسب تقصيرك وبُعدك -لا أبعدك الله-.