تجربة إدوارد جينر ومفهوم المناعة
في عام 1796، لاحظ الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر أن بعض النساء اللواتي أصبن بمرض خفيف يُسمى "جدري البقر" لم يُصبن لاحقًا بمرض الجدري المعروف، رغم شدّته وخطورته في ذلك الزمن. فخطر بباله سؤال بسيط لكنه عميق: هل يمكن لمرض خفيف أن يحمي الجسم من مرض خطير؟
قام جينر بتجربة جريئة: أخذ سائلًا من بثور امرأة مصابة بجدري البقر، وحقنه في ذراع طفل صغير. وبعد أيام، عرض الطفل عمدًا للعدوى بفيروس الجدري الحقيقي؛ ولم يُصب بالمرض. وكانت هذه أول تجربة ناجحة في التطعيم vaccination ضد الأمراض في التاريخ.
لكن في ذلك العصر، لم يكن أحد يعرف شيئًا عن الجهاز المناعي immune system، ولم يكن هناك فهم لوجود الأجسام المضادة antibodies، أو الخلايا التائية T-cells، بل لم تكن الفيروسات viruses نفسها مكتشفة بعد. كان ما فعله جينر قائمًا على ملاحظة بسيطة واستنتاج منطقي، وهو ما يُعرف في فلسفة العلم بـ الاستدلال التفسيري abductive reasoning، أي استخدام نتيجة ظاهرة لاقتراح سبب خفي لم يُكتشف بعد.
ثم، مع بداية القرن العشرين، بدأ العلماء يكتشفون كيف يدافع الجسم عن نفسه. فظهر أن هناك خلايا متخصصة تُحارب الجراثيم، مثل البلعميات phagocytes والخلايا اللمفاوية lymphocytes. وتبين أن للجسم نوعين من المناعة:
- المناعة الفطرية innate immunity: وهي الدفاع الطبيعي الذي يولد الإنسان به.
- المناعة المكتسبة adaptive immunity: وهي التي يكتسبها الجسم بعد التعرض للعدوى، وتشمل قدرة الجسم على تذكّر المرض والاستجابة له بسرعة عند تكراره، وهو ما يُعرف بـالذاكرة المناعية immune memory.
ومع تقدم الفهم العلمي، تغيرت طريقة العلماء في تفسير عمل المناعة. فقد ظهر مفهوم التمييز بين الذات وغير الذات (self vs. non-self): أي قدرة الجسم على التفرقة بين خلاياه وبين أي جسم غريب يجب مهاجمته.