من بديع توجيه النّبي ﷺ لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: تعليمُه هذا الدعاءَ الشّريفَ بقوله:
«قل: اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني، واذكُرْ بالهدى: هدايتَك الطريقَ، والسِّدادِ: سدادَ السَّهم» أخرجه مسلم.
وها هنا وقفة عند قوله ﷺ:
«واذكر بالهدى: هدايتَك الطريقَ، والسَّداد: سدادَ السَّهم»
فلِمَ نصَّ ﷺ على هذه الصُّورة والتَّمثيل، مع أنَّ معنى الهداية والسَّداد لائحٌ لعلي رضي الله عنه بمقتضى اللسان وهو عربيٌّ فصيح؟
ذكر فيه الإمام النووي رحمه الله في «شرح مسلم» وجهين، فقال رحمه الله:
«ومعنى: (اذكر بالهدى هدايتك الطريق ، والسداد سداد السهم) أي : تذكَّرْ ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين:
١- لأنَّ هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومُسدِّد السَّهم يحرِص على تقويمه، ولا يستقيم رميُه حتى يُقوِّمَه، وكذا الدَّاعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه، ولزومه السُّنَّة.
٢- وقيل: ليتذكَّر بهذا لفظَ السَّداد والهدى ؛ لئلا ينساه» انتهى.
قلتُ: ويظهر لي معنى لطيفٌ ثالث، وهو أنّ فيه تنبيهًا على معنى إحضار القلب عند الدعاء، وألا يكون الدُّعاءُ لفظًا مجرَّدًا لا يتدبَّره القلب، فلهذا نبّهه ﷺ أنْ يذكُرَ حال دعائه بالهداية: صورةً حسيَّة للهداية وهي هداية الطريق، وحال دعائه بالسَّداد: صورةً حسيَّة للسداد وهي سَداد السَّهم؛ حتى يكون هذا المعنى حاضرًا في قلبه وهو يدعو كأنَّه يعاينه، والعلم العِياني أقوى من العلم البرهاني، فحينئذٍ يشتدُّ طلبُه له، ويعظمُ افتقارُه إليه، ويزدادُ تضرُّعُه إلى ربّه في نيله..
فهذا إرشادٌ نبويٌّ بديع بأنّ على الدّاعي -ومثله الذاكر- أن يتدبَّرَ ألفاظه وهو يدعو أو يذكر؛ ليتواطأَ على الدُّعاء والذِّكر: عملُ اللِّسان، وعملُ القلب، وهذه هي المرتبة العليا، والله أعلم.