أيها القمر المنير:
إن بيني وبينك شبها واتصالا، أنت وحيد في سمائك، وأنا وحيد في الأرض، كلانا يقطع شوطه صامتا هادئا منكسرا حزينا، لا يلوي على أحد، ولا يلوى عليه أحد، وكلانا يبرز لصاحبه في ظلمة الليل فيسايره ويناجيه، يراني الرائي فيحسبني سعيدا لأنه يغتر بابتسامة في ثغري، وطلاقة في وجهي، ولو كشف له عن نفسي، ورأى ما تنطوي عليه من الهموم والأحزان، لبكى لي بكاء الحزين إثر الحزين، ويراك الرائي فيحسبك مغتبطا مسرورا؛ لأنه يغتر بجمال وجهك، ولمعان جبينك، وصفاء أديمك، ولو كشف له عن عالمك لرآه عالما خرابا، وكونا يبابا، لا تهب فيه ريح، ولا يتحرك شجر، ولا ينطق إنسان، ولا يبغم حيوان.
المنفلوطي - النظرات