ابتسامةٌ واسعةٌ ارتسمت على شفتيّ وأنا أتأمل هذا المشهد الساحر من حولي. السماء صافية تمامًا، لا تكاد تُرى فيها سوى غيمتين عابرتين. الأشجار بأشكالها المختلفة تتمايل برفق، تكسوها خضرةٌ زاهية تخطف الأبصار. الورود متناثرة في كل مكان، تفوح بعطرها الزكي، بينما الفراشات تتراقص بخفةٍ بين الأزهار، كأنها تؤدي رقصة حالمة على أنغام زقزقة العصافيرالعَبير التّواتي.
"أود العيش هنا للأبد!" قلتُ ذلك بحماسٍ، وأنا أتابع الفراشات التي تتنقل بخفةٍ وكأنها ترقص بين الأزهار.
"أوافقك الرأي، هذا المكان لا يُقارن بأي شيء آخر."
ردّت عمتي، وعيناها مركزتين على القماش الذي تطرزه بحبٍ وحرفية.
بينما كنتُ أتجول بنظري بين أرجاء المكان،
لفت انتباهي سربٌ من الأبقار يسير بالقرب منا. ولكن ما أثار دهشتي أكثر، هو أن إحدى البقرات كانت تحدّق بي بتركيزٍ غريب! للحظة، شعرتُ بالخوف، لكنّ صوت عمتي قطع حبل أفكاري:
"إنها تريد الخبز الموجود بجانبك."
نظرتُ بدهشةٍ إلى قطعة الخبز الموضوعة بجواري، ثم التقطتها ورميتها نحو البقرة، التي أسرعت لتناولها، بينما بقيتُ أراقبها بصمت.
"مرةً أخرى، لا تتركي الطعام بجانبك أو تأكليه بوجود بقرةٍ أو قطةٍ قريبةٍ منك."
التفتُّ إلى عمتي متعجبةً وسألتها:
"لماذا؟"
قالت بهدوءٍ وهي تتابع تطريزها:
"البقر والقطط من الحيوانات المعيانة، وقد تُصيب الإنسان بالعين دون أن يشعر."
قبل أن أتمكن من الرد، قفزت ابنتا عمي بجانبنا بحماسٍ وهتفتا معًا:
"حيوانات معيّانة! يبدو أن هناك قصة خلف هذا الموضوع!"
ضحكتُ على حماسهما وأجبتُهما:
"اليوم أنا من سيحكي القصة!"
ساد الصمت للحظة، ثم بدأتُ الحديث بصوتٍ يشوبه بعض الغموض:
"كان هناك رجلٌ يُدعى 'موسى المعيّان'، رجلٌ مسنٌّ اشتهر بكونه يُصيب أي شيءٍ بالعين بمجرد أن ينظر إليه."
"في إحدى المرات، كان يجلس أمام بيته كعادته، فمرت من أمامه سيارةٌ فارهة. حدّق بها وقال:
" حي حي! ريت هل كرهبة يلي تمشي، خبرها يبي فلوس دولة!'"
"وما هي إلا لحظات حتى اشتعلت السيارة بالنار!"
ضحكت الفتيات بدهشة، بينما أكملتُ الحديث بحماسٍ أكبر:
"لكن الطامة الكبرى أنه حتى نفسه لم يسلم من عينه! في يومٍ ما، قرر أبناؤه أن يبنوا له مجلس رجال جديدًا، وجهّزوه بأجمل الديكورات، وأحضروا له أفخم الأثاث ليجلس فيه مع ضيوفه."
"عندما أصبح كل شيءٍ جاهزًا، دخل موسى إلى المجلس، أخذ يتأمله بإعجاب، ثم قال :
'هبك هبك، المكان هذا يسد قبيلة!'
"وما هي إلا دقائق قليلة حتى تصدّع الجدار إلى نصفين!"
تبادلنا النظرات قبل أن ننفجر ضحكًا، غير مصدقاتٍ لما سمعناه!
لكنني سرعان ما عدتُ إلى الجدية وقلت:
"العين حق، ويمكن أن تؤثر على الإنسان، الحيوان، وحتى الجماد دون أن نشعر. لهذا السبب، يجب علينا أن نحصّن أنفسنا دائمًا بالأذكار، وأن نقول 'ما شاء الله' عند رؤية شيءٍ جميل حتى لا نصيب غيرنا بالعين دون قصد."
هزّت عمتي رأسها موافقةً وأضافت:
"صحيح، ولهذا أوصانا النبي ﷺ بقراءة المعوذات صباحًا ومساءً، فهي حصنٌ من كل شر."
أغمضتُ عيني للحظة، واستنشقتُ الهواء النقي من حولي، قبل أن أفتحها مجددًا وأبتسم. كنتُ ممتنةً لهذه اللحظة الدافئة، ولتلك الطبيعة الساحرة، وللقصص التي تجعلنا نتأمل في عجائب الحياة، ونتعلم منها دروسًا تبقى في ذاكرتنا إلى الأبد.