`
طريق الدعوة إلى الله وحظ النفس لا يجتمعان.. فمن أراد سلوك هذا الدرب والسير بركابه وبذل الوقت والجهد في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه؛ فعليه أن يُطهر قلبه ويُطلّق حظ النفس قبل خطو الخطوة الأولى. هو طريقٌ تحفه الكلاليب من كل جانب: الهوى، شهوة الشهرة، حظوظ النفس، المكانة… وغيرها الكثير الكثير مما قد يُقذف في القلب فيُفسد النفس ويُبطل العمل.
ومما يجب على كل من اختاره الله ليكون على ثغرٍ من ثغور الأمة؛ أن يتجرّد لله وحده، وأن يزيل عن قلبه كل ذرة قد تفسده وتحرمه الأجر.. واعلموا أننا على الثغور نتناوب، وأن كل قلب قد تعفّن بحظوظ الدنيا وزخرفها قد يُفسد المشروع كله، ويُؤذي خلانه ورفقاءه.. إلا أنه من سنة الله أن الثغور التي انبنَت على الحقّ لا تسقط! فالله يختار للثغور ويصطفي من عباده ما يشاء، فالخاسر الوحيد هو من تمرغت نفسه في حب الدنيا وطلب حظوظها.
وعليه؛ إلى كل من مكّنه الله على ثغرًا من ثغور الأمة: جدّد نيتك دومًا، واسأل نفسك "ما موقفك لو سُلبت منك المكانة على أن يكتمل المشروع وينجح؟".. ولنا في هذه النقطة قصة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، رغم حنكته، وذكائه، وقدراته الفريدة.. كان الأصلح للمشروع كلّه وللأمّة كلها أن يُعزل ويُزال من الصورة الأولى في أذهان المسلمين.. وهذا بالضبط دور القائد والمسؤول عن أي مشروع؛ أن ينظر لما فيه المصلحة العامة لا المصلحة الشخصية.
وهنا أذكر كلمة قيلت للفارس أحمد شقير رحمه الله، يجدر بالمرء أن يقف عندها: (يابنيّ، إن الدعوة الحقيقة شيء آخر غير الذي تظنه أنت وكثيرٌ من إخوانك، إنها شيء أعظم... شيء أعمق، ليست أعظم وأعمق فى المكان فقط، ولا أعظم وأعمق فى الأفراد فقط، ولكن أعظم وأعمق فى الزمن، والمشاعر، والهم، والألم، والحلم، والبناء، والحب، والانشغال، وحتى فى نفسك.)