تأثير العقيدة على الأخلاق..
قال تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} [آل عمران]
هذه الآية في موضوع تكثر الإشكالات والشبهات حوله وهو علاقة الأخلاق بالاعتقاد.
فكثير من الناس ينكر هذا ويقول: (يوجد كفار عندهم أخلاق ويوجد من أهل الإيمان من خلقه سيئ).
والحق أن مَن يطرح هذا الاعتراض لم يفهم الأمر على وجهه. في هذه الآية يذكر رب العالمين طائفتين على اعتقاد واحد، وعلَّل فساد التي فسدت عقيدتها باعتقادها الفاسد أنهم ليس عليهم في الأميين سبيل.
فكيف هذا؟
يقال: في آخر الآية ما يكشف كيف تعرف كون الاعتقاد مؤثرًا في الفعل أم لا، نعم قد يفعل المرء الخير طلبًا للسمعة أو لحيازة خير دنيوي أو ميلًا للفطرة، ولكن إذا كان اعتقاده فاسدًا فلن يعلِّل هذا الفعل باعتقاده إذا سُئل عن سببه.
فعلى سبيل المثال: لو قيل ليهودي لِمَ لَم تكن أمينًا مع الأمي فلان؟
فسيقول: ليس علينا في الأميين سبيل.
ولكن إن سُئل: لماذا كنت أمينًا معه؟
فلن يجيب بالجواب نفسه، ولن يعلِّل الأمر باعتقاده مع الأميين، ويمكن أن يعاتبه يهودي آخر على أمانته بتذكيره باعتقاده فيهم.
كذلك لو تصدق مؤمن فعاتبه معاتِب وقال له: لو ادخرت المال لنفسك أو لأولادك.
فسيجيب باعتقاده أن هذا يقربه إلى الله ويدفع عنه عذاب الآخرة ويوجب له الأجر.
وإذا عوتب على البخل فلن يجيب بالجواب نفسه.
وأما الملحد فإذا عوتب في بخله أو في أذيته لضعيف فسيعلِّل بأن هذه غابة والقوي فيها يأكل الضعيف وإن لم يكن قويًّا أكله الأقوياء (داروينية اجتماعية).
وأما إذا ساعد الضعفاء فلن يمكنه التعليل بما يتناسب مع اعتقاده الفاسد، بل يمكن أن يُستخدَم اعتقادُه الفاسد لصدِّه عن الخير.
من هاهنا تعلم أن الاعتقاد إذا رسخ فهو من أقوى أسباب حضور الأخلاق الحسنة التي يستلزمها هذا الاعتقاد، والأسباب الأخرى أضعف منه وإن كانت مؤثرة ولها حضور في الواقع.