ردَّ أحدهم على الإمام مالك رحمه الله في مسألةٍ وأغلظ عليه، فرد عليه ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله ردًّا أشار فيه إلى سبب تردِّيه في هذا الطعن، فابتدأ رحمه الله ذلك بقوله:
(إنَّ هذا الرجلَ في ادعائِه وحَرَجِ صدره وتقحُّمِه فيما لا علمَ له به واسترسالِ لسانه بالمنكر من القول = قد سلك مسلكًا لم يسلكه إلا مُجَّانُ أهل الكلام وسفاهة الأحلام، ممَّن يغمص على متقدمي السلف من الفقهاء والمحدثين).
يريد رحمه الله أن هذا الإغلاظ في الرد ليس من شأن المتحققين بالعلم، ثم أشار -وهو محل الشاهد من هذا المنشور- إلى معنًى عظيم الأهمية يتضمّن سببَ وقوع بعض المفتونين في طعن الأئمة وذمهم، وذلك بقوله:
(وكأن هذا الرجل لم يلقَ إمامًا له هديُ العلماء، فيهتدي بهديه، ويتأدب بأدبه، فيمسك عنانه، ويملك لسانه عن أن يطلقه بالباطل في أمور الدين وفي أئمته، أعوذ بالله من سوء القربى، والركون إلى الهوى، وكيد الله بالإملاء).
يشير بذلك إلى أن المرء لو كان ملازمًا لأهل العلم والديانة، مقتديًا بهم، متأسيًّا بهديهم وأخلاقهم، فإن ذلك يعصمه من غواية الوقيعة في الأئمة وإطلاق لسانه فيهم بالباطل، وما أُتِيَ كثيرٌ من الطاعنين إلا من مثل ذلك، حيث استقلوا بأنفسهم عن ملازمة العلماء والتأدُّب بهم فتتايعوا في أودية الوقيعة في الأكابر.