••
ثمّة لحظاتٍ في حياة بعض النفوس، لا يكون فيها الوجع خارجيًّا ظاهرًا، بل يكون في الداخل المخفي، حيث القلب مقيد، والروح مثقلة، والعزيمة مشلولة، وهي لا تعاني من ضيق الرزق وحده، بل من ضيق النفس ذاتها، تجده يلازم غرفته في ضوءٍ خافت، ينكمش على أريكته، يستوحش الخروج، ويؤثر العزلة، لا لأنه يستلذّها، بل لأنه يشعر – دون أن يدري – أن ثمّة سلاسل خفيّة تشدّه إلى ذلك الركن، وتغلق عليه منافذ الحياة.
يتنقّل بين شبكات التواصل بلا غاية، يُطفئ بها لحظاته كما يُطفئ الملهوف جمرةً بيد مرتجفة، وكلّما أراد أن ينهض، أعادته يدٌ لا يراها، وأوهنته غمامة لا يعرف مصدرها، وهذه الحالة – وإن كانت تتوشّح بمسوح الكسل أو الانطواء – إلا أنها في حقيقتها عطشٌ روحيّ، لا يُرويه إلا الانكباب على باب الله، ودوام الالتجاء إليه، وتلاوةٌ مطوّلةٌ للقرآن تعيد للنفس توازنها بعد اضطراب، مع أهمية البدء في مسار الرقية الشرعية، لا كعادة متقطعة بل بملازمة جادّة للدعاء والقرآن، وسرعان ما تنفكّ هذه القيود النفسية، لا بضربة ظاهرية، بل بذبول الغشاوة شيئًا فشيئًا، حتى يستعيد القلب رشده بعد طول غربة.
••