خلاصة
معادلة سوريا..
قامت الثورة السورية بباعث الظلم والقهر والجوع كغيرها من ثورات الربيع العربي، والتي بدأت بحرق البوعزيزي نفسه احتجاجاً على مصادرة السلطة لمصدر رزقه (عربة يبيع عليها الخضار)، وعلى إهانة شرطية له بصفعه.. وتبعه على ما فعل عشرات من شباب البلاد العربية..
وافقت الثورات العربية صعود التيار الإسلامي، ونضوج الصحوة واستواء ثمراتها، فوقف علماء الصدق ودعاة الخير موقف التأييد والدعم لهذه الثورات، فاحتووا الشعوب المقهورة، وآتاهم الله بذلك فرصة التوجيه والقيادة..
خالف الإسلاميون أمر ربهم ووقعوا في النزاع الداخلي فيما بينهم، كما خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فكان التراجع والتأخر، وبرزت الثورات المضادة..
لم تكن الشعوب على مستوى إيمانيٍ عالٍ أو بناءٍ معياري كما سبق البيان، ولم يكن منطلقهم وباعث ثوراتهم إعلاء "لا إله إلا الله"، فكانت النتيجة الحتمية للثورات المضادة الهبوط الحاد للدعوة وظهور موجات الإلحاد وضعف الإيمان..
قدر الله ببركة الصادقين من المؤمنين وتضحياتهم حفظ شيء من ثمرة الثورات في بقعة صغيرة من الأرض (إدلب) عطاءً منه لهم، واختباراً وابتلاءً لينظر ما يفعلون .. ووافق ذلك بداية الصعود الجديد للصحوة بعد هبوطها آنف الذكر..
اجتمع المجاهدون واتحدت كلمتهم وحققوا أمر الله بالاجتماع، فنزل وعده -سبحانه- بالنصر، وجاءت عطاياه من حيث لم يحتسب مجاهد ولا عالم، ولا عدو ولا صديق، ثلة قليلةٌ من المؤمنين الصابرين يفتح الله على أيديهم..
على نقيض الفرصة القدرية الأولى (الثورات العربية)، فقد جاءت الفرصة القدرية الثانية (فتح سوريا) على غير استعداد أو قدرة، فالصحوة لم تستوي أركانها، ولم تنضج ثمراتها، ولم تتأهل بعد لقيادة المشهد الدعوي في سوريا..
تخلُفُ الفتح الدعوي عن الفتح السياسي خلق فجوة في القدرة العسكرية على حماية الفتح السياسي، فلا قدرة لسوريا اليوم على مجابهة القوى العالمية المتربصة..
الحل المقاربي الذي اتخذته القيادة السورية، قائم على مبدأ كسب الوقت للإعداد والتهيؤ، وذلك ولا شك له ضريبة باهظة من التنازلات التي تستثقلها نفوس الشرفاء الأحرار، ولسان حالهم: "لمَ نعطي الدنية من ديننا!".. كما قال عمر رضي الله عنه وأرضاه يوم الحديبية..
سنكون قريباً بين خيارين: إما الاستمرار في التنازل إلى الحد المذكور في الآية ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، أو التوقف عند الحد المأذون به شرعاً..
واجب المصلحين قبل الوصول إلى تلك النقطة المفصلية = إعداد الحاضنة الشعبية بالدعوة، والقوة الجهادية بالتربية، والقيادة العلمية الربانية بالبرامج العلمية الخاصة..
وجود النزاعات في سوريا خارج دائرة السنة (دروز، نصيرية، أكراد..) إعانة من الله لعباده، وهو من الخير الذي يحسبه الناس شراً، لما يؤديه من جمع الكلمة، وتوحيد الصف، وشغل الأمة عن النزاعات الداخلية..
تقصير المصلحين يتبعه تمدد الفجوة في القدرة العسكرية على حماية الفتح السياسي، ومآل ذلك إحدى نتيجتين: تجاوز الحد الشرعي في التنازلات، والوقوع في شرك الشيطان، أو القتال دون تحقق القدرة ودفع ثمن التقصير..
تعيش الدعوة في سوريا سباقاً مع الزمن، والمُعان المبارك من المصلحين اليوم هو من لا تشغله ماجريات السياسة عن صناعة التغيير الحقيقي في ميادين العمل والدعوة..
النصر الإلهي والمدد الرباني يتنزل على المؤمنين بقدر اتباعهم للأمر الشرعي، ويحجب عنهم بقدر تقصيرهم ومخالفتهم، فالله الله في العمل والصدق مع الله..