ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا الكلام، لكن من الضروري أن نبتعد عن العاطفة، ونتجه نحو العقل والمنطق. فالتجارب السابقة كانت مليئة بالعِبر، ولا ينبغي أن ننخدع بكثرة تضخيم الأخبار أو التصعيد الإعلامي.
قبل عام ونصف، اندلعت انتفاضة مسلحة ضد قوات “قسد” في دير الزور، وتحديدًا في مناطق خط الجزيرة (الضفة الشرقية لنهر الفرات). كانت هذه الانتفاضة تفتقر إلى التخطيط والتنسيق، وأشبه ما تكون بما يُعرف شعبيًا بـ”هوشة العرب” – وأرجو أن يُفهم هذا المصطلح بمقصده الشعبي المتداول بين السوريين.
المواجهات تركزت على مهاجمة مقرات وآليات قسد، وتمكنت الانتفاضة من إخراجهم من عدد من المناطق، لكن المفارقة المؤلمة أنه لم تكن هناك تجهيزات طبية كافية، ولا حتى تنسيق مع أي جهة طبية، مما اضطر الكثير من الجرحى للعبور نحو مناطق النظام لتلقي العلاج، أو مواجهة مصيرهم جرحى بلا علاج حتى الموت.
آنذاك، شهدنا تحركات من بعض العشائر، واندفعت الأرتال في موجة من الحماسة، لكن ما حصل في النهاية كان تصعيدًا محدود الأثر، وما إن أعادت “قسد” ترتيب صفوفها – وبدون أي تدخل يُذكر من التحالف الدولي – حتى استعادت السيطرة على القرى التي خسرتها.
ما أود توضيحه الآن، أن تحرك الفزعات العشوائية لمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي دون أدنى تنسيق، سواء بين هذه الفزعات نفسها أو مع القوى السياسية والعسكرية القائمة، هو بمثابة مغامرة خطيرة بل انتحار جماعي. نحن أمام عدو منظم، ربما جهّز لهذه المواجهة منذ أيام بتنسيق عسكري دقيق: جوي، بري، وربما حتى بحري ودولي.
مجرد تحليق طيران إسرائيلي فوق هذه الأرتال وقصفها سيكون كافيًا لوقوع مجزرة حقيقية، وكارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ولهذا، ومن وجهة نظري المتواضعة، نحن اليوم نعيش في ظل كيان سياسي قائم، ودولة لها مؤسسات عسكرية وسياسية، وهي التي أسقطت نظام بشار الأسد. هؤلاء القادة يعرفون واقع المعركة، ويقدّرون حجم المخاطر، ويملكون رؤية أشمل لتحديد طبيعة التحرك وتوقيته.
التحركات الفردية، مهما كانت مشحونة بالحماسة، لن تغير شيئًا على الأرض إن لم تكن جزءًا من رؤية استراتيجية متكاملة.
أتمنى من قلبي أن تمر هذه الليلة بسلام…