ليس كل كتاب نافع مفيد يصلح أن يكون مقررًا للتدريس، فكتب الدرس والتعليم لها خصائص تميزها عن غيرها، من أهمها: طريقة صياغة قواعد العلم، وعرض مسائله، واهتمام علماء الفن به، هذه الخصائص تؤهلها لأن تدرج ضمن السلم التعليمي الذي يبني ملكة الطالب، ويساهم في تكوينه.
مهما بلغ علم الرجل بالحديث وأسانيده ورجاله وعِلَله وطرقه والحكم عليه صحةً وضعفًا، ولم يكن له حظٌّ من الفقه على سَنَن الفقهاء؛ فهذا لا يجعله أهلًا للفتوى والكلام في كل مسألة ونازلة.
ولقد عهدتُ بعض مشايخنا ممن نذر نفسه لعلم الحديث تعلمًا وتعليمًا وتصنيفًا وتحقيقًا إذا سئل عن مسألة فقهية -قد يجيب عليها الصبيان- يقول: سلوا الفقهاء، لست بفقيه، أنا مشتغل بالحديث.
وهذا المعنى في التفريق بين أهل الحديث وأهل الفقه له أصل في السنة النبوية، في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نضَّر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» رواه أبو داود والترمذي.
وللفقهاء قواعدُ ومناهجُ في فهم النصوص والاستنباط منها والترجيح بينها وتوجيه مشكِلها، لا يعلمها أهل الحديث، ولا تلازم بين صحة الحديث والعمل به، وكذا لا تلازم بين ضعف الحديث وترك العمل به، فقد يكون الحديث صحيحًا عند المحدِّثين ولا يُعمَل به عند الفقهاء، وقد يكون الحديث ضعيفًا عند المحدِّثين ويُعمَل به عند الفقهاء، وهذا أصل مهم يحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه.
قال أبو الزناد عبد الله بن ذكوان -من أئمة التابعين-: «أدركتُ بالمدينة مائة أو قريبًا من مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عن رجل منهم حرف من الفقه، يقال: إنه ليس من أهله».
وقال الإمام ابن وهب: «كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه؛ فهو ضالٌّ، ولولا أن الله أنقذني بمالك والليث لضللتُ. فقيل له: كيف ذلك؟ قال: أكثرتُ من الحديث فحيَّرني، فكنت أعرض ذلك على مالك والليث، فيقولان لي: خذ هذا ودع هذا».
وقال الإمام سفيان بن عيينة: «الحديث مضلَّة إلا للفقهاء».
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني -تعليقًا على كلام سفيان-: «يريد أن غيرهم قد يحمل شيئًا على ظاهره وله تأويل من حديثٍ غيرِه، أو دليلٍ يخفى عليه، أو متروكٍ أوجب تركَه، غير شيء مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه».
ينتهي وقت زكاة الفطر بغروب شمس يوم العيد، والمستحب إخراجها قبل صلاة العيد، فيجوز إخراجها بعد صلاة العيد وقبل غروب الشمس مع الكراهة، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد.
هذا مذهب جمهور العلماء من الأئمة الأربعة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأتباعهم، ونُقل فيه الإجماع، ولا يصح.
ودليله: حديث ابن عمر: كنا نؤمَر أن نخرجها قبل أن نخرج إلى الصلاة، ثم يقسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المساكين إذا انصرف، وقال: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» رواه البيهقي، وأخرجه الدارقطني بلفظ: «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم». وجه الدلالة: أن اليوم شرعًا ينتهي بغروب شمسه، وقسمته -صلى الله عليه وسلم- للزكاة على المساكين بعد انصرافه من الصلاة يؤكده، وأيضًا فالإغناء يحصل بإخراجها في جميع يوم العيد، وإن كان إخراجها قبل صلاة العيد أفضل.
أما حديث ابن عمر: «وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» فله تأويلان: ١) يحمل الأمر هنا على الاستحباب. ٢) أن التعبير بالصلاة جريٌ على الغالب من فعلها أول النهار.
وأما حديث ابن عباس: «من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات» رواه أبو داود؛ فليس فيه ما يدل على خروج وقتها بصلاة العيد، وأنه إذا أداها بعد الصلاة لا تقبل، بل غاية ما يدل عليه أن إخراجها قبل الصلاة أفضل من إخراجها بعد الصلاة، ويدل عليه:
١) أن ابن عباس فهم منه السنية والاستحباب، لا وجوب إخراجها قبل صلاة العيد، فعن عطاء، عن ابن عباس، قال: «إن من السنة أن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، ولا تخرج حتى تطعم» أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأخرجه الدارقطني بلفظ: «من السنة أن لا يخرج حتى يطعم، ويخرج صدقة الفطر».
٢) لو كان إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد محرمًا ولا تعد زكاة لخروج وقتها؛ لما سماه ابن عباس "أداء"، وللزم أن يسميها قضاء أو غيره.
٣) اتحاد مرجع الضمير في قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «من أداها... ومن أداها»، يفيد أن الزكاة المؤداة قبل الصلاة هي عين الزكاة المؤداة بعد الصلاة، غير أنه نقص ثوابها فصارت كغيرها من الصدقات.
هذا هو الفهم الصحيح للمسألة؛ جمعًا بين النصوص والأدلة، والله أعلم.
ليس كل كتاب نافع مفيد يصلح أن يكون مقررًا للتدريس، فكتب الدرس والتعليم لها خصائص تميزها عن غيرها، من أهمها: طريقة صياغة قواعد العلم، وعرض مسائله، واهتمام علماء الفن به، هذه الخصائص تؤهلها لأن تدرج ضمن السلم التعليمي الذي يبني ملكة الطالب، ويساهم في تكوينه.
ينتهي وقت زكاة الفطر بغروب شمس يوم العيد، والمستحب إخراجها قبل صلاة العيد، فيجوز إخراجها بعد صلاة العيد وقبل غروب الشمس مع الكراهة، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد.
هذا مذهب جمهور العلماء من الأئمة الأربعة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأتباعهم، ونُقل فيه الإجماع، ولا يصح.
ودليله: حديث ابن عمر: كنا نؤمَر أن نخرجها قبل أن نخرج إلى الصلاة، ثم يقسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المساكين إذا انصرف، وقال: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» رواه البيهقي، وأخرجه الدارقطني بلفظ: «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم». وجه الدلالة: أن اليوم شرعًا ينتهي بغروب شمسه، وقسمته -صلى الله عليه وسلم- للزكاة على المساكين بعد انصرافه من الصلاة يؤكده، وأيضًا فالإغناء يحصل بإخراجها في جميع يوم العيد، وإن كان إخراجها قبل صلاة العيد أفضل.
أما حديث ابن عمر: «وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» فله تأويلان: ١) يحمل الأمر هنا على الاستحباب. ٢) أن التعبير بالصلاة جريٌ على الغالب من فعلها أول النهار.
وأما حديث ابن عباس: «من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات» رواه أبو داود؛ فليس فيه ما يدل على خروج وقتها بصلاة العيد، وأنه إذا أداها بعد الصلاة لا تقبل، بل غاية ما يدل عليه أن إخراجها قبل الصلاة أفضل من إخراجها بعد الصلاة، ويدل عليه:
١) أن ابن عباس فهم منه السنية والاستحباب، لا وجوب إخراجها قبل صلاة العيد، فعن عطاء، عن ابن عباس، قال: «إن من السنة أن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، ولا تخرج حتى تطعم» أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأخرجه الدارقطني بلفظ: «من السنة أن لا يخرج حتى يطعم، ويخرج صدقة الفطر».
٢) لو كان إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد محرمًا ولا تعد زكاة لخروج وقتها؛ لما سماه ابن عباس "أداء"، وللزم أن يسميها قضاء أو غيره.
٣) اتحاد مرجع الضمير في قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «من أداها... ومن أداها»، يفيد أن الزكاة المؤداة قبل الصلاة هي عين الزكاة المؤداة بعد الصلاة، غير أنه نقص ثوابها فصارت كغيرها من الصدقات.
هذا هو الفهم الصحيح للمسألة؛ جمعًا بين النصوص والأدلة، والله أعلم.
مهما بلغ علم الرجل بالحديث وأسانيده ورجاله وعِلَله وطرقه والحكم عليه صحةً وضعفًا، ولم يكن له حظٌّ من الفقه على سَنَن الفقهاء؛ فهذا لا يجعله أهلًا للفتوى والكلام في كل مسألة ونازلة.
ولقد عهدتُ بعض مشايخنا ممن نذر نفسه لعلم الحديث تعلمًا وتعليمًا وتصنيفًا وتحقيقًا إذا سئل عن مسألة فقهية -قد يجيب عليها الصبيان- يقول: سلوا الفقهاء، لست بفقيه، أنا مشتغل بالحديث.
وهذا المعنى في التفريق بين أهل الحديث وأهل الفقه له أصل في السنة النبوية، في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نضَّر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» رواه أبو داود والترمذي.
وللفقهاء قواعدُ ومناهجُ في فهم النصوص والاستنباط منها والترجيح بينها وتوجيه مشكِلها، لا يعلمها أهل الحديث، ولا تلازم بين صحة الحديث والعمل به، وكذا لا تلازم بين ضعف الحديث وترك العمل به، فقد يكون الحديث صحيحًا عند المحدِّثين ولا يُعمَل به عند الفقهاء، وقد يكون الحديث ضعيفًا عند المحدِّثين ويُعمَل به عند الفقهاء، وهذا أصل مهم يحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه.
قال أبو الزناد عبد الله بن ذكوان -من أئمة التابعين-: «أدركتُ بالمدينة مائة أو قريبًا من مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عن رجل منهم حرف من الفقه، يقال: إنه ليس من أهله».
وقال الإمام ابن وهب: «كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه؛ فهو ضالٌّ، ولولا أن الله أنقذني بمالك والليث لضللتُ. فقيل له: كيف ذلك؟ قال: أكثرتُ من الحديث فحيَّرني، فكنت أعرض ذلك على مالك والليث، فيقولان لي: خذ هذا ودع هذا».
وقال الإمام سفيان بن عيينة: «الحديث مضلَّة إلا للفقهاء».
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني -تعليقًا على كلام سفيان-: «يريد أن غيرهم قد يحمل شيئًا على ظاهره وله تأويل من حديثٍ غيرِه، أو دليلٍ يخفى عليه، أو متروكٍ أوجب تركَه، غير شيء مما لا يقوم به إلا من استبحر وتفقه».