"يا معبد الشمس بعد اليوم لن يُعبدُ
في ساحتك غير وجه الواحد المعبود"
ما أعظمك من شاعرٍ، يا من هدمتَ ببيانك معابد الأوهام، وشيدتَ صروح الإيمان، كنتَ لسان الحق في زمنٍ خرسَت فيه الألسن، وراية العزّ في ميدانٍ نكست فيه الرايات.
ما متَّ، بل حيٌّ عند ربك تُرزق، وما غبت، بل بقيت في كل بيتٍ كتبته، وفي كل قلبٍ أوقدته.
رحلتَ يا عبدالرقيب، وما رحلتْ حروفُك، أفَلْتَ عن الدنيا، وما أفَلَ ذكرك، مضيتَ، وما مضتْ رايتُك، فكلُّ قافيةٍ صدحتَ بها بقيت، وكلُّ بيتٍ نطقتَ به ثبت، وكلُّ موقفٍ سطّرتَه خُلِّد، فالشعرُ يفنى إن كان لهوًا، لكنه يَحيا إن كان جهادًا، وكيف يموتُ شعرُك، وهو في الميدان رمحٌ، وفي ساحات العزّ لواءٌ، وفي صُدور الأبطال نداءٌ؟
ما أقسى أن نرثيكَ بعدما كنتَ للرثاء كاتبًا، وما أشدَّ أن نفتقدك بعدما كنتَ للميادين فارسًا، وما أوجعَ أن نبحثَ عنك بين الجموعِ فلا نجدُ إلا الدموع، ونناديك في الساحاتِ فلا يجيبُ إلا الصدى الموجوع.
كيف سكتَ صوتُك وهو الذي كان زئيرًا؟ كيف جفَّ مدادُك وهو الذي كان سعيرًا؟ كيف انطفأتَ، وأنتَ الذي أشعلتَ القلوبَ عزيمةً، وأضرمتَ في الطغاة نيرانًا لا تخمدُ ولا تَبرُدُ؟
كيف أسكتتك جلطةٌ، وأنت الذي في عروق الكلمة نبضٌ، وفي حروف القصيدة حياةٌ؟
لكن هيهات أن يطويكَ الغيابُ، فقد كنتَ للحقِّ جبلًا لا يتزحزح، وللشجاعةِ حصنًا لا يُقتحم، وللكلمةِ سيفًا لا يُغمد، فصدى قصائدِك سيبقى في الساحاتِ مدوّيًا، وسيفُ كلماتِك سيظلُّ في وجهِ الباطل مُصلَتًا، ومدادُ قلمِك سيبقى دمًا يجري في عروقِ الأحرارِ حياةً ونورًا.
نم قرير العين، فقد كنتَ نجمًا لا يأفل، وسيفًا لا يُثلم، ورايةً لا تُنكَّس، ومجدًا لا يُطمس. رحمك الله، وأسكنك الفردوس الأعلى، وجعل ما خطَّت يمينُك سلاحًا لا يُغمد، ونارًا لا تنطفئ، وذكرًا لا يُمحى.
#وضاح_الحميصي