شكر المواقف لا التطبيع مع أصحابها
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم شيخنا، لعلكم اطلعتم على النقاش الحاصل بخصوص فتاة مايكروسوفت وموقفها، فهناك من أثنى عليها وجعلها أيقونة، وهناك من يرى أنها لا تستحق لأنها تختلط بالرجال وتقيم في بلاد غير المسلمين، بل هناك أخبار تروج على أنها تدعم الشذوذ. فما الموقف الصحيح؟ لا أعلم هل يستحق الأمر الخوض فيه فهناك من دعا أن نسمي بناتنا باسمها، وهناك من قال أنها فاقت العلماء في الجرأة. بينوا لنا الأمر. وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.
نعم يستحق الخوض فيه لأنه أمر يجر لما لا يحمد، وبيان ذلك في نقاط:
-من المواقف المحمودة ما لا يشترط لها إسلام أو التزام، فقد نصر أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وآوى النجاشي المهاجرين.. فبعض المواقف تحتاج إلى عقل صحيح أو مبدأ قويم، وأحيانا تكون لأسباب نفسية. قال أبو سفيان حينما سأله هرقل عن النبي صلى الله عليه وسلم :«والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته». [صحيح البخاري (4/ 46)]. قال ذلك في كفره.
-صحيح أن بغيا دخلت الجنة من أجل كلب، لكن لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر أنها كانت بغيا! ذكرها مرة بالبغي [صحيح البخاري (4/ 173)]. ومرة بالمومس [صحيح البخاري (4/ 130)]. فلا يعقل أن تسمي ابنتك باسم بغي لأنها دخلت الجنة!
-مقابل امرأة فقدت وظيفة لكلمة حق مئة عالم قال نفس الكلمة وهم بين سجين وهارب ومحروم من منصب. فلا يقال أن النجاشي يزن عثمان لأنه آواه.
-انتفاضة النفس للتخلص من سلطة الوظيفة طلبا لراحة الضمير دليل على قدرتها على هجر الاختلاط والسفر دون محرم وغيرها من معاصي العصر مرضاة لله. فإنما يختلف الباعث بين الناس، وكلما قوي الباعث سهل الفعل، فمن يريد الشيء طلبا لراحة نفسه ليس كمن يريده لله.﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخرة﴾ [آل عمران: 152].
-يمكن الجمع بين إباحة شكر المخالف وتحريم التطبيع مع منكراته، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وامتنع عن الاستغفار لها.[صحيح مسلم (3/ 65)]. وقال النبي ﷺ :«إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده». [سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي (ص213)]. وقالت أم سلمة :«ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده». [مسند أحمد (3/ 268 ط الرسالة)]. بينما قالت أسماء :«وكنا في دار - أو في أرض - البعداء البغضاء بالحبشة». [صحيح البخاري ( ط دار التأصيل 5/ 350)].
فمن غير الإنصاف هضم كلمة حق تخدم مصلحة المسلمين، ومن الخيانة طأطأة الرأس في بيان معصية القائل حتى لا ينشأ جيل من المنحرفين معتذرا: سقت كلبا فدخلت الجنة، وفقط.
د. قاسم اكحيلات.