أُريد أن أُحدث غريباً لم تُنهكه معرفتي، شخصاً لم يُشاهد تاريخي يحدث أمام عينيه، لم نكبر معاً ولم يكن له نصيب في قصصي وصراعاتي، أُريد أن أُحدث شخصاً لا يعرف على ماذا انتصرت ولا ماذا خسرت، ولا يفق شيئاً عن خيباتي، شخصاً لم يرني أبكي، ولم يُجرب البهجة التي تثيرها ضحكتي العالية، ولم تروعه حدة غضبي، شخصاً لا يعرف شيئاً عن ملايين الوجوه التي رأيتها على مدى السنين، ولا عن مئات الأشخاص الذين صافحتهم، أو العشرات الذين أعرتهم عناقاً أو تربيتةً على الكتف, ولا يُعرف بالضرورة عن القلّة القليلة التي أدين لها بإطمئناني، أو الوجه الوحيد الذي يرتبك له قلبي، شخصاً ليس مدفوعاً إليّ بعاطفة عظيمة أو حنين عقيم، شخصاً لا يستفزه أي شيء في وجودي ولا يهمه كل هذا، أُريد شخصاً يُبادلني الحديث للمرة الأولى، وأخبره كل شيء للمرة الأولى، لينظر إليّ للمرة الأولى، ليصفق لي أو ليشتمني دفعةً واحدة، ليخبرني أن هذه الحياة الشاسعة التي أضعها في حقيبة صغيرة جداً تساوي الكثير، شخصاً لا يُخيفني امتعاضه ولا يهزني جحوده، ولا أُصاب بفزع تبادل التحية معه إذا التقيت به بعد ذلك عرضاً في شارع مزدحم، أُريد شخصاً واحداً ولمرةٍ واحدة يمكنه أن يعطيني رأياً صائباً وحيادياً في كل هذا الذي حدث، رأياً مُنزّهاً تماماً عن إجحاف الأعداء أو تحيّز الأصدقاء .