يقول الحافظ ابن رجب في كتابه: «اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقمه تحصل من وجهين:
أحدهما: معرفة رجاله وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين، لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف.
والوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك، وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث.
ونحن نذكر - إن شاء الله تعالى - من هذا العلم كلمات جامعة مختصرة، يسهل بها معرفته وفهمه، لمن أراد الله - تعالى - به ذلك.
ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة فإذا عدم المذاكرة به فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة، العارفين كيحيى القطان، ومن تلقى عنه كأحمد وابن المديني، وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة صلح له أن يتكلم فيه» انتهى كلامه.
هذا النص من النصوص المطربة لي في هذا الكتاب، أحسب أني قرأته قبل اليوم ما يقرب من عشر مرات وما يزال هذا النص في كل مرة يؤنسني.
وهو نص منهجي مهم لكل طالب حديث، فطالب الحديث لا ينبغ في هذا العلم ولا يرتقي فيه بكثرة حفظه للقواعد والمصطلحات، وإنما بمطالعة كلام الأئمة، والممارسة في هذا العلم، ولا سبيل إلا ذلك.
ومن هنا يظهر الخلل المنهجي عند كثير من طلاب الحديث الذين يكتفون بدراسة كتب المتأخرين التي تعتني بالجانب النظري فقط، وبعضهم يظن إذا درس ألفية العراقي أو نحوها قد بلغ النهاية، ولا يدري أنه إذا حفظها وحفظ شرحها لن يفلح في هذا العلم دون ممارسته.