#فتاوى_السيرة
328) ما هي أفضل صيغة للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب: مِنَ المتفق عليه أنَّ الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة، ومِنْ مُتقرَّرِ القواعد أنَّ العبادة توقيفية على ما جاء عن الله تعالى في كتابه الكريم، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم في السُّنَّةِ المُطهَّرة.
ومِنَ المتفق عليه أنَّ صلاتنا وسلامنا على نبينا الكريم ورسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم دعاءٌ وذِكْرٌ، والأذكار توقيفية في ألفاظها.
قال الحافظ ابن جرير الطبري: «المُصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم مخير في الصلاة عليه بأيِّ هذه الصلوات التي جاءت بِها الآثار، وقالتها العلماء مِنَ الصحابة، وغير ذلك مِمَّا شاء المصلي عليه أنْ يُصلي عليه، بعد أنْ يكون ذلك دعاء له بِمَا يثبت».
وقال الحافظ ابن القيم: «وأكملُ ما يُصلَّى عليه صلى الله عليه وسلم كما علَّمه أمَّته أنْ يصلُّوا عليه، فلا صلاةَ عليه أكملُ منها، وإنْ تحذلقَ المتحذلقون».
وقال الإمام المعلمي: «والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم المأذون بِها ما لم يكن فيها إطراءٌ محظورٌ ولا ارتكابٌ لمنهيٍّ ولا كذبٌ عليه صلى الله عليه وسلم ، ومِنَ الكذب عليه صلى الله عليه وسلم أنْ يُثنِيَ عليه بما لم يثبت».
وقال الشيخ عبد الحميد ابن باديس: «الصلاة النبوية صيغة تعبدية فليحذر مِنَ اللَّحن فيها، وقد هجر الناس الصلاة النبوية التوقيفية واقتصروا على غيرها، وزاد بعضهم فقال: إنَّ غيرها أنفع منها! فليُحذر مِنْ هذا الهجر، ومِنْ هذا القول؛ فمحمد صلى الله عليه وسلم أنفع الخلق وأرفعهم، وفعله أرفع الأفعال وأنفعها، وقوله أرفع الأقوال وأنفعها، فليجعل أصل صلاته الصلاة النبوية المروية وليجعل بعدها ما شاء».
وقال العلامة الألوسي: «وأفضل الكيفيات في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ما عَلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بعد سؤالهم إيَّاه؛ لأنَّه لا يختار صلى الله عليه وسلم لنفسه إلَّا الأشرف والأفضل، ومِنْ هنا قال النووي في «الروضة»: لو حلف ليصلين على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة لم يَبَرّ إلَّا بتلك الكيفية».
قلت: الأصل في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بما ثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة؛ ويَحْسُنُ بالمصلي أنْ ينوع، فيأتي بِهذا اللفظ تارة وبذاك تارة أخرى؛ لأنَّ ذلك أقرب إلى إحياء السنة، وإلى تفقدِ النية، أنْ تنحرف عن العبادة إلى العادة.
ثم يجوز للمصلي أنْ يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: «اللهم صل وسلم على نبينا محمد» أو لفظ: «صلى الله وسلم على محمد»، أو لفظ: «عليه الصلاة والسلام»، أو لفظ: «صلى الله عليه وسلم»، وهو اللفظ المتفق عليه في الكتابة، بالإجماع العملي، وبالله العِصمة والتَّوفيق.
وللمتعبد بِهذه الطاعة الجليلة أنْ يُراوِحَ بَيْنَ الكم والكيف، فتارة يُغلِّب جانب الكثرة فيأتي بِها بِهذه الصفة «اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد» وتارة يُغلِّب جانب الكيف، فيأتي بِها بالصلاة الإبراهيمية.
فباللفظ المختصر يتحقق العمل بظاهر الآية باتفاق أهل العلم، ويتحقق أيضًا الإكثار المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ».
وتكون الصلاة الإبراهيمة في الحالات التي يُراد فيها استيفاء الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس تَكْرارها، مثل التشهد، واستفتاح الدعاء في أوقات الإجابة.
ففي المواطن التي لا تَكرار فيها.. يُختار فيها اللفظ الأكمل.
وفي المواطن التي يُراعى فيها الإكثار.. يختار فيها اللفظ المختصر.
وهذا مثل التهليل؛ فحين يَرِدُ ضِمن أدعية، يؤتى به باللفظ المختصر، كما في حديث: «الباقيات الصالحات هي: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».
أمّا إذا قُصد التهليل لوحده فيؤتى به مستوفى، كما في حديث : «مَن قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. في يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مئة حسنة، ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزًا مِن الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أَحدٌ أفضل مِمّا جاء به إلّا أحد عَمِلَ أكثر مِن ذلك».
فيتحقق التهليل بلا إله إلا الله، ويتحقق الكمال باللفظ الكامل.
فإنْ قيل: فكيف تكون الصلاة الإبراهيمية أفضل وأكمل، وليس فيها السلام، وقد أمر الله تعالى به أمرًا مؤكدًا فقال: {صلوا عليه وسلموا تسليمًا}؟