عمتِ مساءً يا روح، وأي مساء سيكون بعد أن يعمكِ، أيكون بهيجًا بهجة طفل لامس السحاب بيده؟
لا أدري، لكنه سيحلق في رحابكِ الواسع حتى يجد نفسه الملائكية.
مساء الخير وبعد:
لقد رأيتكِ البارحة في حلمي، لا تسألي عن شيء ياجميلة؛ لأني سأجيبكِ بنفسي دون زيف، وبكل إخلاص وصدق!
رأيتكِ في حلمي، فتمنيت أن يحل بي ماحل بأهل الكهف!.
كأن ليل البارحة ثقيل، شعرت به جاثمًا على صدري ويخنق أنفاسي دون هوادة.
يحلق في أفياء صدري سؤال حائر، ويتخبط في رحاب قلبي المقفرة كمن يهرب من براثن الموت، يجبره الفزع على قرع الابواب التي أوصدت في وجهه، ويكبل حياءه يده ليحتضر بصمت حتف أنفه!
لم يعد سؤال، لقد صار شعورًا فائض متراكم، خليط غريب، عديم اللون ثقيل القوام، ورغم شفافيته يقطع الأنفاس.
كنت نسيت ذلك الشعور لفترة، شعور الموت البطيء لأني واقع في أحدهم، وسمحت لقلبي أن يتعلق به.
لم يكن ألمي بؤسًا كالعادة، بل محاولة بائسة أخيرة، وفرصة أودعها سوء إختياري هباءً منثورا.
هجرني النوم بالأمس، فبقيت أمارس الحيل بعد المحاولات الفاشلة في إحتواء كل ماشعرت به؛ الألم لم يكن شيء يذكر أمام محاولة بائسة لإشعال قنديل في ليل الخذلان، محاولة التحرر من حب قيد القلب، صب الدموع لإطفاء حرائق الغيرة في مساحات البرود واللامبالاة.
حاولت تصنع البسمة بروح مكسورة، تكورت على نفسي لكي أجمع شتاتي بعد أن نثر في درب الغياب!
أغمضت عيني لكي أحلم بالربيع، لكن شتاء أيامي العاصف لن ينتهي، لم أفعل شيء يا جميلة، لم أستطع الندم بشكل جيد على الأقل، لم أستطع رفع رأسي وأنا أكتب حروفي هذه، بل فاوضت قلمي لوقت طويل، وأسبلت أناملي بدموع قلبي حتى أكتب.
كيف أعود لرحابكِ النقية نقاء الطفولة، والتي تجمع طهر وبرآءة الملائكة، وقد دنست قلبي بالدوس عليه في سبيل من هان عليه قلبي، ولم يكترث لصاحبه ولو من باب المجاملة؟!
وكيف أحدثكِ عن ألم غيابكِ، وأنا عائد إليكِ مكسور الجناح من غيركِ، مهزوز الخاطر ومكوي الفؤاد؟
لكني أعود؛ أمشي إليكِ، وقد بذلت لسواكِ كل ماتمنيته ذات يوم، وفعلت كل شيء عظيم؛ وحتى مالم أتخيل أني سأفعله ذات يوم، ولكني برغم هذا فعلت وبذلت ماتبقى من قلبي المتهالك في سبيل السراب.
لكني سأعود لكِ بكلي؛ بتيهي وضلالي، بهيامي وجنوني، سأعود والج في تيهي القديم بكِ، وادلج غرامكِ الأطهر من أوسع أبوابه، أسيح فيه رغم الفند، واسبح فيه بعد الغرق، وأناجي خيالكِ للأبد.
عائد إليكِ ياروح، مهيض الجناح، كسيح الفؤاد، مبتور الأيدي ومهشم الأضلاع.
أعلم أنكِ خيال مجرد، ووهم فاتن، وحلم بعيد المرام؛ وغائبة على الدوام؛ لكني راضٍ بكل هذا، وفراغ مكانكِ أجمل من كل الحاظرين.
ليل الخذلان موحش ياعزيزة، لكنه سيمر، كل هذا سيمر!
ماسيبقى حقًا هو الأسى، ومحاولة إعتذار لنفسي التي أخذتها لسفر طويل في ممرات الحيرة والضياع، وكلمات ركيكة لاتشفي غليل ولا تسد رمق.
عدت للكتابة ياجميلة، أكتب اليوم لذلك الفقيد"القلب"علي أخون الصمت وأكسر حاجز الأحزان، علي القاكِ مُجددًا، علي أجتمع بكِ، حتى في حلمي.