هبة الرجل ما يملك لبناته في حياته لها صورتان:
الصورة الأولى:
أن يهبهن ما يملك هبة حقيقية بحيث تقبض وتملك كل واحدة منهن ما وهبها، ولها عليه كل حقوق المالك فتصبح حرة التصرف فيه، فهذه هبة جائزة باتفاق العلماء.
لأن العلماء اتفقوا على جواز أن يخرج الإنسان من ماله كله ويهبه لأجنبي (يعني لغير قريب له) فلأن يهبه لقريب أولى.
لكن هناك شروط لهذه الهبة:
أولها: أن تكون في حياته حال صحته، لأن التصرف في مرض الموت ينزل منزلة الوصية والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لا وصية لوارث).
ثانيها: أن تكون هبة حقيقية يقبضها ويملكها البنات في حياته ملكا نافذا، لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض.
وقد وهب سيدنا أبوبكر لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما هبة من تمر لم تقبضها حتى رقد على فراش الموت، فقال لها:
(فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك. وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله).
ثالثها: أن يسوي بينهن إلا إذا وُجد سببا شرعيا لعدم التسوية.
الصورة الثانية: أن تكون الهبة للبنات صورية، أي هبة في الصورة لكن في حقيقتها هي وصية لا تسري إلا بعد الموت.
كأن يكتب لبناته ما يملك لكن لا يقبض البنات شيئا، ولا يحق لهن التصرف في شيء طالما كان الأب حيا، بل معلوم ومستقر لهن أن هذه أموال الوالد، فإذا مات أخرجن العقود وقلن هذه أموالنا وأملاكنا حتى لا يشاركهن الأعمام فيها.
فهذه وصية محرمة في الحقيقة حتى ولو كتبت في صورة هبة أو بيع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).
وقد تكلم في هذه المسألة بالتفصيل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:
(ما بال أقوام ينحلون أولادهم نحلة - يعني يهبون أولادهم هبات- فإذا مات أحدهم قال: مالي في يدي.
وإذا مات هو قال: قد كنت نحلته ولدي. لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ، فإن مات ورثه).
وقال أيضا: (الأنحال ميراث ما لم تقبض) الأنحال يعني الهبات.
وقد مر قول أبي بكر لعائشة:
(فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك. وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله).
فالعبرة بالحيازة ومضي الهبة في الحياة قبل الموت وقبل مرض الموت.
والحق أن غالب ما يقع بين الناس من هبات للبنات في حالة عدم وجود ولد ذكر للرجل هو من النوع الثاني الذي يراد بها ورقة تخرج بعد موته لتقصر التركة على البنات، وهذا حرام شرعا.
وقليل من يخرج من ماله فعلا ويهبه بناته هبة حقيقية في حياته.