كيف نحصِّل أعظم القرب في ثلث الليل الآخر في رمضان؟
كثير من الناس ممن صلى أول الليل صلاة التراويح وأوتر مع الإمام عملاً بحديث: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب الله له قيام ليلة»، وليس له أن يصلي بعدها لحديث: «اجعلوا آخر صلاتكم وترا»، ومع ذلك يكون مستيقظاً في آخر الليل وقت السحر، فيتساءل كيف أحصِّل أعظم القرب؟
فإن قيل: ما القصد بأعظم القرب؟
فيقال: ثلث الليل الآخر هو وقت النزول الإلهي، وقد عبِّر عنه في الأحاديث بالدنو، وهو القرب كما في خبر أبي هريرة: «إن الله عز وجل يدنو إلى السماء الدنيا» عند الدارقطني في «النزول»، وقد ورد لفظ الدنو في خبر عرفة.
وجاء في حديث النبي ﷺ أيضاً: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء».
فإذا دنا الغني الوهاب سبحانه، لم يلق بالعبد الفقير إلا أن يدنو أشد الدنو، وفي الحديث: «إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً».
غير أن وقت السحر عند من صلى أول الليل فأوتر ليس وقت صلاة تتضمن السجود، فما الحل؟
الحل:
قال أبو داود في سننه: "1046- حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة، إلا أعطاه إياها»، قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: «بل في كل جمعة»، قال: فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق النبي ﷺ. قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب، فقال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلت له: فأخبرني بها، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد قال رسول الله ﷺ: «لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي»، وتلك الساعة لا يصلي فيها، فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله ﷺ: «من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي»".
فإذن من كان ينتظر الصلاة فكأنه في صلاة، وهذا يحصل للمتسحرين الذين يأكلون في تلك الساعة، فهم يتسحرون وينتظرون الصلاة، ولعل ذلك من حكمة تأخير السحور.
فلا يغفل المرء عن دعوات في ذلك الوقت المبارك في هذا الشهر المبارك، فما أكثر ما يعجبنا من دعوات الأئمة في القنوت ونؤمِّن بحرقة، ولو حفظنا هذا وادخرناه لتلك الساعة لكان فيه نفع عظيم.