أبشــروا، كلا والله لن يخزيكم الله أبداً
لما نزل الوحي بالنبي ﷺ في غار حراء؛ وأصابه ما أصابه من الخشية على نفسه؛ سكّنت أمنا خديجة -رضي الله عنها- من روعه، وقد رأت من أمارات أخلاقه ﷺ التي فُطرَ عليها - ولم تكن شرائع الإسلام قد نزلت- ما يمنع عنه أن يُكسرَ أو تُهزمَ دعوتُه، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر؛ ثم قالت كلمةً خالدةً مضت في الدعوات حقاً: كلا لا يُخزيك الله أبداً.
وهذي طليعة أولياء الله على خيرة أرض الله، على أثر نبيّها ﷺ وقد انتصرت للحق، وأعانت أمتها على نوائب الدهر، ووصلت رحم مسجدنا الأقصى بالحرم المكي، وربطت الجيل به بحبل وثيق مُقدَّمُه ﴿سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ﴾، وحملت الكلّ العاجز حتى أقامته على جادة التغيير المنشود وتحطيم أغلال اليأس المضروبة على همته، وجعلت فداءً لذلك أطهر دمها وأزكاه.
فكان لها من حال النبي ﷺ نصيبٌ، فكلا والله لن يخزيها الله أبداً.
كلُّ شدةٍ ولها مدة، وانتصار الحق لم يكن يوماً سهل المنال، ودون تحصيله بذلٌ كبير، وفقدٌ مؤلمٌ كثير، وتمحيصٌ عسير؛ ولكنّ العاقبة له لا محالة.
﴿إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾ [الأعراف: 128]
- د. أبو محمود نائل.