"..إساءة وجه اليهود بعد انطفاء الحرب في غزة بالنهضة الإسلامية في الأمة من خلال عودة الربيع العربي في موجة ثانية.
ولكن الأهم هو منطقة الشام والعراق؛ لأنها مهد أولي البأس الشديد الذين سيحررون الأقصى، وباقي الأمة سند لهم بإذن الله تعالى، وقد مر ذلك كله في النظرة السادسة (تأملات في سورة الإسراء).
وهذه المنطقة لا أعتقد أن يكون فيها التغير إلا جذريا بالجهاد والتخلص التام من الأنظمة المهترئة العميلة فيها كما حصل في سوريا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن المخرج في هذا الزمان قال: "الجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط" -كما سبق-.
وهذه المنطقة هي المؤهلة لفتح الأقصى، والشام هي مقر الخلافة الراشدة الثانية وهي عصب الأمة وقلبها ومعيار صلاحها وعُقر دار المؤمنين ومستقر الإيمان إذا وقعت الفتن وخِيرة الله من أرضه يجتبي إليها صفوته من عباده كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي سيكون المخرج فيها من الظلم والجبرية على أتم وجه لا بأنصاف الحلول.
وكانت سوريا هي محط نظري من بداية ثورتها، وكنت على يقين أن هذه الثورة المباركة التابعة لمعجزة الربيع العربي هي باكورة النهضة الإسلامية في الشام ومن ثم في الأمة كلها وأنها الشرارة التي انطلقت لتحرق الظالمين وتضيء الطريق للخلافة الراشدة الموعودة بإذن الله تعالى، وكنت متيقنا أن الله تعالى برحمته وكرمه وعزته إذ أشعل هذه الشرارة بنفسه سبحانه فلن يكسر قلوب أوليائه بإطفائها دون أن يتحقق موعوده لهم لا سيما أنها جاءت في الوقت الذي حدده لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عندما أخبر أن الخلافة الراشدة الثانية ستكون بعد سيطرة الحكم الجبري على الأمة.
وقد زاد يقيني لما اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية وقلت وقتها إن ذلك سيكون سببا في إضعاف الروس ورفع قبضتهم عن سوريا ليكون ذلك إيذانا بنصر المجاهدين وقد حصل ذلك بفضل الله تعالى ليزداد المؤمنون إيمانا إلى إيمانهم.
وسوريا مع ذلك لها موقع مهم يؤهلها للقيادة، وأهلها فيهم من الطيبة والإيمان ما يؤهلهم لحمل لواء الله تعالى، لا سيما أن الثورة غلبت عليها راية الجهاد والدين وتحولت بالتدريج إلى المنهج الإسلامي المعتدل بفضل الله تعالى.
ومن المفارقات أني أذكر أني تدارست مرة الحال في سوريا مع بعض إخواني في دمشق قبل الثورة بسنتين تقريبا -ولم يكن لها أي بوادر- فقلت إن الشعب السوري لا سيما المتدينين منه معدنهم طيب مثل سبيكة الذهب تحتاج فقط إلى نفض الغبار عنها ولا أفضل من الجهاد لنفض هذا الغبار وقد كان، وكان الإخوة يقولون بعد ذلك لو جاء إلى سوريا ألف داعية وعالم ومكثوا ثلاثين سنة فيها لنشر الدين لما أثّروا في دين الناس وأرواحهم كما أثّر الجهاد في سنة واحدة فقط.
والنصر في سوريا معجز وملهم كما أن الربيع العربي كان معجزا وملهما.
ولا ننسى غزة العزة الملهمة كذلك ولعلها الملهمة الأولى بثباتها وصمودها ثم بحسمها ثم ببطولاتها وانتصاراتها على أعتى القوى ثم بطوفانها ثم بصمودها المذهل.
وقد علمتنا كل من غزة وسوريا أن النصر ممكن بل هو أقرب وأسرع مما يمكن أن نتخيل لو أحْسنّا الإعداد الديني والمادي واقتناص الفرص معتمدين على نور العلم والوحي وعلى فهم الواقع من خلاله؛ لأن النصر من عند من يقول للشيء كن فيكون.
وما حصل من خلل في غزة بعدم اكتمال الطوفان جبرته سوريا التي اكتمل طوفانها لئلا ييأس الناس والمجاهدون بسبب عدم اكتمال طوفان غزة وتداعياته الصعبة، وليعلمنا الله تعالى أين مكمن الخلل عندنا في غزة بالمقارنة الواقعية وأن الخلل بسبب تقصيرنا في موجبات النصر والإمامة أما الله تعالى فهو على كل شيء قدير {أَوَلمّا أصابتكم مصيبة قد أَصبتم مِثْلَيْهَا قلتم أنّى هذا قل هو مِنْ عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} [آل عمران: 165].
وكذلك جبرته غزة -إلى حد كبير- بصمودها الأسطوري الذي سينكسر عليه صلف الكيان الصهيوني بإذن الله تعالى، وأرجو أن يكتمل الجبر ويلتئم الجرح تماما بإصلاح الخلل وتصحيح المسار.
وكل هذه الأحداث إنما يثبّتنا الله تعالى بها ويرينا بها شيئا من تأييده وإعجازه لتطمئن القلوب وسط المحن العظيمة أثناء المخاض العسير للأمة وليرسم لنا بها معالم الطريق، فإن الأحداث ستتكرر لكن ستكون الأمة قد تعلمت من الأخطاء، فإن الطريق إلى الخلافة يحتاج إلى انتفاضة الشعوب كما حصل في الربيع العربي الأول ليكون لسان حالها مع المجاهدين: "اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنا معكم مقاتلون".
والشعوب بحاجة فقط إلى مثال قريب صادق وناجح ليشعل فتيل حماسها للحرية وعاطفتها الدينية الدفينة، ويحتاج الطريق أيضا إلى جرأة وانقضاض وتوكل الطوفان الغزي والسوري وإلى الدمج بين القوة الدينية والذكاء الواقعي المستبصر بنور الوحي وعلم الشريعة (فهذه هي السياسة الشرعية الصحيحة) في المناطق التي تصير في أيدي المجاهدين كما كان في إدلب (ونرجو أن يستمر في سوريا كلها بإذن الله) وإلى ثبات غزة وصمودها في بعض المحطات الصعبة التي سيمر بها المخاض.
يتبع 👇