#سوريا
صعود العصبية العربية السنية
كتبت حزامي عدي:
حتى الأمس القريب كانت الأقليات وحدها في سورية تتمتع بعصبية داخلية تظل كامنة وراء المشاعر الوطنية أو القومية العربية أو الايديولوجيات بينما كانت الأكثرية العربية السنية بدون عصبية طائفية، صحيح أن الجميع كانوا منخرطين في السياسة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بحيث ظهر وكأن العصبيات الطائفية قد تلاشت لكن ذلك لم يكن حقيقيا كما أثبتت الوقائع فيما بعد فقد استطاعت إحدى العصببيات الطائفية القفز نحو السلطة مستفيدة من عدم وجود عصبية عند الغالبية العربية السنية
وككل عصبية طائفية فقد أنتجت نخبتها السياسية الخاصة والتي تحولت إلى نخبة ثيوقراطية أزاحت دون عناء كبير الأغلبية العربية السنية التي لم تكن تمتلك عصبية حتى ذلك التاريخ
وفي الحقيقة فقد برهنت العصبية الطائفية العلوية عن أكبر قدر من التماسك الداخلي الذي لم يكن بحاجة حتى للتنظيم من أجل استخدامه في الوصول للسلطة أو الاحتفاظ بها على حد سواء .
لكن الفترة الطويلة من الحكم الاستبدادي وتزايد استخدام القوة ضد المجتمع وانتشار الفساد , وإزاحة البورجوازية التجارية عن مواقعها المالية والاقتصادية المتميزة داخل الدولة، وفرض الأتاوات الباهظة عليها والفشل في تقمص القضية الفلسطينية واستخدامها كغطاء سياسي , كل ذلك أسفر عن انكشاف العصبية الطائفية في مواجهة الأغلبية السنية .
حين بدأت الثورة في 2011 كانت العصبية الطائفية قد لجأت لإيران في معركة مع الغالبية السنية، وبالنسبة للأقليات الأخرى فهي من جهة لم تكن مرتاحة للاستبداد والفساد لكنها خشيت من وصول الغالبية السنية للسلطة.
خلال الثورة تكونت عصبية الغالبية السنية، وهي عصبية جامحة لا يمكن إيقافها خاصة أنها ولدت من رحم الاضطهاد غير المسبوق لها والذي ضم القتل والمجازر والسجون والتعذيب والتهجير، لقد فقد السنة الاحساس بالأمان الذي كان السر وراء افتقادهم للعصبية ، وخلال السنوات الرهيبة السابقة فهموا أنهم معرضون للابادة تماما كما تشعر الأقليات في هواجسها
مشكلة بعض النخب السورية ومنها الأقليات تكمن في عدم إدراكها لعمق الشعور بخطر الابادة الذي داهم الأغلبية العربية السنية , وبقاء تحليلاتها مرتهنة لسردية غاية في السطحية وازدراء المأساة السورية أو التقليل من حجمها أو العمل على عرقلة التغيير، ويمكن لمس تلك السردية في تحويل الأمر لمجرد استبداد للنظام السابق بمواجهة قوى اسلامية متطرفة بحيث أصبح مشروعا الوقوف مع الاستبداد كحجة
بنمو العصبية العربية السنية أصبحت فرصة أي أقلية في إعادة سيرورة النظام غير قابلة للتحقق، ومحاولات شيطنة الغالبية أو جزء منها لن يزيد الصدع إلا اتساعا، ولم يبق للأقليات وللغالبية السنية سوى الجلوس بتجرد لوضع عقد اجتماعي جديد، ليس حبرا على الورق، وليس واجهة لايديولوجيات مبطنة، ولكنه عقد مفهوم ومقبول وواقعي لدى المجتمع. بهذا يمكن أن نمضي للأمام