الاشتغال بهذا الكتاب كان مشروع عمر العلّامة المحدّث الدكتور محمود ميرة الحلبي ـ رحمه الله ـ حيث أفنى في تحقيقه وضبط نصّه وتخريج أحاديثه ونقد استدراكاته ما يقارب خمسين عامًا، فهو خلاصة جهده العلمي وعصارة عمره، لكنه مضى إلى ربه قبل أن يراه في هذا الإخراج الفني المهيب.
ولو أن الشيخ ـ رحمه الله ـ صرف جهده إلى غير هذا الكتاب لكان أولى، إذ أراه من أضعف كتب الرواية، ولا يستحق أن يُفنى فيه هذا العمر الطويل، فصاحبه وقع في كثير من الغفلة، وأساس مشروعه بُنِيَ على أصلٍ خاطئ، وهو استدراكه على ما لا يعلم شرطه، وإن كان مسبوقًا بشيخه الدارقطني، غير أن بين المشروعين بونًا شاسعًا، فمشروع الدارقطني يختلف تمامًا عن مشروع الحاكم، وإن اشتركا في معنى الإلزام والاستدراك.
فالدارقطني يُلزم الشيخين بأسانيد أخرجا بها عدة متون، ثم تركا بعضها مع خلوها من العلل، فهو يُلزمهما بناءً على مذهبهما وشرطهما في الاحتجاج بنفس تلك الأسانيد، أو يُورد أسانيد لم يحتجّا بها لكنها نظير أسانيدهما في القوة والرتبة، ولا يكاد يُخرم له إلزامٌ واحدٌ إلا في تحرير النسق الإسنادي وبيان شرط الشيخين في أحاديث الوحدان؛ إذ يدور كتابه على ما تركاه من أحاديث الصحابي الذي لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد.
وأما الحاكم، فقرابة ربع كتابه يقول فيه: «لم يُخرّجاه»، وهو مخرّج فيهما أو في أحدهما، ونحو نصفه يقول فيه: «على شرطهما» أو «على شرط أحدهما»، وليس كذلك في الواقع، بل يتناقض في الراوي الواحد، فيحكم عليه بأنه على شرطهما في موضع، وينفي ذلك عنه في موضع آخر، وأما الربع الأخير من الكتاب ـ وهو ما لا يدخل في شرط الشيخين ـ ففي أكثره أحاديث معلولة، وقد جرى في تصحيحها على طريقة الفقهاء في قبول زيادات الثقات مطلقًا ولو كانت معلولة، واغترّ بظاهر الأسانيد ولم يُعلّ بما يُعلّ بمثله النقّادُ من أهل الصنعة. فالكتاب بجملته ضعيف، ومؤلفه رخو النفَس في التصحيح، مع غلبة نزعة التشيُّع عليه في أحكامه المتعلقة بتصحيح المناكير الواردة في فضائل علي رضي الله عنه.