#من_صور_القتل_الخفيّ
ركبت بالأمس في سيارة عامّة مع عددٍ من الرّكاب، وجلس بجواري رجل يبدو في أواخر الأربعينيات، ويبدو الرجل من لباسه، وقلمه الذي في جيبه، ودوسيه بلاستيك فيه أوراق، كبقايا موظف أو أستاذ.
وفي الطريق أخرج الرجل ورقة نقدية بقيمة 20 شيكلًا لدفع الأجرة، وهذه الفئة الورقية أصبحت محل تدقيق شديد عند تداولها لأنّ أكثرها ممزق ومهترئ لطول تداولها طوال فترة العدوان ومن قبله حيث لم تدخل أوراق ولا عملة جديدة إلى غزة منذ ذلك الحين.
ورفض الشاب الذي يجمع الأجرة ال 20 شيكلًا بحجة أنّها غير صالحة، وصاحبنا يأخذ منه الورقة وينظر إليها ويردد: فشّ فيها حاجة!!
وتكرر الأخذ والرّد، فسأل صاحبُنا جامعَ الأجرة، هل أنت تجمع فقط. أم أنّ السيارة لكم؟؟
فقال الجامع: اعتبرني الإثنين.
ثمّ دفع صاحبُنا الورقة إلى السائق، فلم يقبلها السائق أيضًا، وصاحبنا يعتذر بأنّها صالحة، ولا يوجد معه غيرها.
أخرجت 5 شيكل ودفعتُها لجامع الأجرة، مع رفض صاحبنا. وتكراره: ليس فيها شيء ( يقصد الورقة المالية ) فأصررت على الدفع مع استسلامٍ للأمر من صاحبنا.
سألتُ بعدها صاحبنا: ماذا ستفعل الآن، كيف ستصل إلى مكانك؟؟ قال: سأركب كارة حمار، قلت له: وماذا ستفعل إنْ لم يقبل ال 20 التي معك؟ قال بيقبلها، ليس فيها شيء.
أخرجت 100 ش، ودسستها في الدوسيه الذي يضعه على رجليه، فأظهر رفضًا خفيفًا، فقلت له: لا عليك، الظروف صعبة على الجميع، وكلّنا في نفس المركب، فسكت يعلوه الحياء والحرج، حتى تعجّلتُ وصولنا لينتهي الموقف المحرج له، فقال لي: ما تفكر.. أنا ابن عيلة!!
وهذا - والله - من صور قهر الأنفس، ومن أسباب قتلها البطئ.