معرفة أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم التي يحمل عليها قوله أو فعله أمر واجب على المتفقه في الشريعة، وقد حاول العلماء تتبع هذه الأحوال وممن تتبعها القرافي، وكذلك الطاهر ابن عاشور في كتابه الذي وضعه في مقاصد الشريعة،
وفيما يلي تلخيص لما ذكره ابن عاشور مع شيء من التصرف اليسير الذي تقتضيه ضرورة الصياغة:
١- حال التشريع وهو الأغلب؛ مثل خطبة حجة الوداع.
٢- حال الإفتاء، كقوله (افعل ولا حرج)، والفتوى تفارق التشريع بأنها قد لا تكون عامة في جميع البلدان كالنهي عن الانتباذ في الدباء؛ لأنه في القطر الحار كالحجاز يسرع إليه التخمر بخلاف القطر البارد.
٣- حال القضاء؛ نحو (اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر) وعلامته حضور خصمين، أما إذا حضر أحدهما كخبر هند بنت عتبة فليس من القضاء، ويفارق التشريع بأن له تعلق بالصورة المحكوم فيها.
٤- حال الإمارة؛ كالأوامر والنواهي التي تصدر في الحرب؛ كالنهي عن أكل الحمر الأهلية في غزوة خيبر، فقد حصل الخلاف فيه هل هو نهي تشريع أو نهي لمصلحة الجيش؟ لأنهم كانوا يحملون على الحمير.
٥- حال الهدي والإرشاد؛ وهو أعم من حال التشريع؛ فتدخل فيه الأوامر والنواهي التي لم يقصد بها الإلزام، مثاله أمر السيد بإلباس عبيده مما يلبس.
٦- حال الإصلاح؛ ويختلف عن القضاء بأنه غير ملزم، كأمره عليه الصلاة والسلام لكعب بن مالك بأن يضع شطر دينه.
٧- حال الإشارة على المستشير، كإشارته على عمر بأن لا يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله وضاع من صاحبه، ولهذا حمل الجمهور هذا النهي على أنه نهي تنزيه، وعلى هذا المحمل حمل زيد بن ثابت حديث النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، قال زيد: (كالمشورة يشير بها عليهم لكثرة خصومتهم).
٨- حال النصيحة؛ كنهية لنعمان بن بشير أن يحل بعض أولاده دون بعض، ولذلك حمله أبو حنيفة ومالك والشافعي على البر والصلة، لا أن عطية بعض الأولاد دون بعض باطلة محرمة، وهكذا نصيحته لفاطمة بنت قيس عن نكاح معاوية لأنه فقير لا مال له؛ فلا دلالة فيه على عدم جواز نكاح الرجل الفقير.
٩- حال طلب حمل النفوس على الكمال؛ كحديث (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، وأمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهنا عن خواتيم أو تختم بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر الحمر، وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج) ففي النهي عن القسي والمياثر الحمر تنزيه لأصحابه عن مظاهر البذخ والفخفخة، وكقوله عليه الصلاة والسلام (لا يمنعن أحدكم جارة خشبة يغرزها في جداره).
١٠- حال تعليم الحقائق العالية؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (أتبصر أُحُدا، ما أحب أن لي مثل أُحُدٍ ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير) فظن أبو ذر أن ذلك أمر عام للأمة فأنكر عليه عثمان رضي الله عنهما.
١١- حال التأديب؛ كهمّه عليه الصلاة والسلام أن يحرق على المنافقين بيوتهم، مع أنه لا يشتبه في أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان ليحرق بيوت المسلمين لأجل شهود الجماعة لاسيما أنه عليه الصلاة والسلام كان يخشى أقل من ذلك وهو أن يقال بأن محمدا يقتل أصحابه، لكن كلامه كان في سياق التهويل في التأديب.
١٢- حال التجرد عن الإرشاد وهو ما يرجع إلى العمل الجبلي والحياتي الاعتيادي، وعلامته عدم الحرص على فعله، كالمشي في الطريق والركوب في السفر، ونزوله في بطحاء المحصب الذي قالت فيه عائشة رضي الله عنها: (ليس التحصب بشيء وإنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح في خروجه إلى المدينة).