• قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي «كِتَابِ الأُمِّ» فِي «بَابِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ» : نَحْتَجُّ بِأنْ لَا تُجْزِئَ صَلَاةٌ إلَّا بِنِيَّةٍ ؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ : "إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّةِ". ثُمَّ قَالَ : وَكَانَ الإجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِمَّنْ أدْرَكْنَاهُمْ أنَّ الإيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ ، لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ بِالآخَرِ.
[السنة للالكائي].
قال ابن بطة في الإبانة الكبرى : اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أسْمَاؤُهُ فَرَضَ عَلَى القَلْبِ المَعْرِفَةَ بِهِ وَالتَّصْدِيقَ لَهُ وَلِرُسُلِهِ وَلِكُتُبِهِ وَبِكُلِّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَعَلَى الألْسُنِ النُّطْقُ بِذَلِكَ وَالإقْرَارُ بِهِ قَوْلًا وَعَلَى الأبْدَانِ وَالجَوَارِحِ العَمَلُ بِكُلِّ مَا أمَرَ بِهِ وَفَرَضَهُ مِنَ الأعْمَالِ ، لَا تُجْزِئُ وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ إلَّا بِصَاحِبَتِهَا وَلَا يَكُونُ العَبْدُ مُؤْمِنًا إلَّا بِأنْ يَجْمَعَهَا كُلَّهَا حَتَّى يَكُونَ مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ مُقِرًّا بِلِسَانِهِ عَامِلًا مُجْتَهِدًا بِجَوَارِحِهِ ثُمَّ لَا يَكُونُ أيْضًا مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ وَيَعْمَلُهُ مُتَّبِعًا لِلكِتَابِ وَالعِلْمِ فِي جَمِيعِ أقْوَالِهِ وَأعْمَالِهِ ، وَبِكُلِّ مَا شَرَحْتُهُ لَكُمْ نَزَلَ بِهِ القُرْآنُ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَأجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ. وقال أيضًا : كُلُّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ أوْ أكَّدَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سُنَّتِهِ عَلَى سَبِيلِ الجُحُودِ لَهَا وَالتَّكْذِيبِ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بَيِّنُ الكُفْرِ لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ عَاقِلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ أقَرَّ بِذَلِكَ وَقَالَهُ بِلِسَانِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ تَهَاوُنًا وَمُجُونًا أوْ مُعْتَقِدًا لَرَأيِ المُرْجِئَةِ وَمُتَّبِعًا لِمَذَاهِبِهِمْ فَهُوَ تَارِكُ الإيمَانِ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَهُوَ فِي جُمْلَةِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ نَافَقُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَنَزَلَ القُرْآنُ بِوَصْفِهِمْ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ وَأنَّهُمْ فِي الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ ، نَسْتَجِيرُ بِاللهِ مِنْ مَذَاهِبِ المُرْجِئَةِ الضَّالَّةِ. وقال ابن تيمية في الإيمان : وَمِنَ المُمْتَنِعِ أنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا إيمَانًا ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ بِأنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالحَجَّ وَيَعِيشُ دَهْرَهُ لَا يَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً وَلَا يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يُؤَدِّي للهِ زَكَاةً وَلَا يَحُجُّ إلَى بَيْتِهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ وَلَا يَصْدُرُ هَذَا إلَّا مَعَ نِفَاقٍ فِي القَلْبِ وَزَنْدَقَةٍ لَا مَعَ إيمَانٍ صَحِيحٍ.