أحمد بن حنبل والصوفية:
كانت علاقة الإمام أحمد بالتَّصوُّف والصوفية علاقة جيِّدة، يُمكن أن نُطلَّ عليها أولًا من خلال النَّظَر في كتابيه «الوَرَع» و«الزُّهْد» والكتاب الأول مرتَّبٌ على الأبواب، والثاني على الاعلام؛ فتناول فيه -بالأسانيد- زهد بعض الأنبياء والصحابة والتابعين، والورع والزهد -كما لا يخفى- هما قِوامُ التَّصوُّف، وعمادُ الصُّوفي.
وله -رحمه الله- كلام نفيس في التَّصوُّف، كأنَّه صادرٌ عن لسان القوم، وقد أورد طائفةً منه القُشَيري في «رسالته»، وغيره، وتتبع مثل هذا مفيد نافع.
وقال التميمي الحنبلي فيما ينقله من اعتقاد ابن حنبل: «وكان يُعظِّم الصوفية، ويكرمُهم».
وكان أحمد يرجع للصوفية في المسائل المتعلقة بهم وبأحوالهم؛ ففي كتب التراجم أنه كان إذا جرى في مجلسه شيء من كلام القوم يقول لأبي حمزة البزَّاز: ما تقول فيها يا صوفي؟
وكان يُسْمِعهم الحديثَ، ويقول لبعضهم مداعبًا: هذا من بابتك يا صوفي.
وسئل عن بشر بن الحارث الحافي فقال: سألتني عن رابع سبعةٍ من الأبدال، وقال لأخت بشر: «من بيتكم يخرجُ الورع الصادق»، ووَصَفَ معروفًا الكرخي بأنه من الأبدال، وأنه مُجابُ الدَّعْوة، واستنكر على من عابه بقلَّة العلم قائلًا: «وهل يُراد من العلم إلَّا ما وَصَلَ إليه معروف؟!»، وكان أحمد وابن معين يسألانِه، واستمع أحمد إلى موعظة الحارث المُحاسبي فبكى حتى غشي عليه، وقال لبعض أصحابه وقد سأله من نسأل بعدك؟ فقال: سل عبد الوهاب، فقال بعض من كان حاضرًا: إنه ليس له اتساع في العلم! فقال أحمد: «إنه رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق»، وعبد الوهاب هذا هو الورَّاق المترجم في «صفة الصفوة» لابن الجوزي، وغيره.
وأخرج أحمد في «مسنده» وفي «فضائل الصحابة» بعض الأحاديث في الأبدال، وهو مصطلح شائع على لسان الصوفية.