
Україна Online: Новини | Політика

Телеграмна служба новин - Україна

Резидент

Мир сегодня с "Юрий Подоляка"

Труха⚡️Україна

Николаевский Ванёк

Лачен пише

Реальний Київ | Украина

Реальна Війна

Україна Online: Новини | Політика

Телеграмна служба новин - Україна

Резидент

Мир сегодня с "Юрий Подоляка"

Труха⚡️Україна

Николаевский Ванёк

Лачен пише

Реальний Київ | Украина

Реальна Війна

Україна Online: Новини | Політика

Телеграмна служба новин - Україна

Резидент

قناة د. محمد علي يوسف
خواطر ومقالات ومقتطفات فكرية ودعوية من كتب ومنشورات وحلقات د. محمد علي يوسف
Рейтинг TGlist
0
0
ТипПубличный
Верификация
Не верифицированныйДоверенность
Не провернныйРасположение
ЯзыкДругой
Дата создания каналаЛют 13, 2018
Добавлено на TGlist
Бер 29, 2025Прикрепленная группа

تعليقات قناة د. محمد علي يوسف
48
Рекорды
21.04.202523:59
14.2KПодписчиков28.03.202523:59
0Индекс цитирования08.04.202515:05
5KОхват одного поста29.03.202523:59
438Охват рекламного поста18.04.202503:53
11.58%ER07.04.202515:06
36.10%ERR16.04.202515:46
رسالة من شخص غير مهم... لمن قد يَهتم..
في خضم كثير من التعليقات التي تنصح، بلطفٍ أحياناً وبفظاظةٍ أحياناً أخرى، بتقصير المقالات وتقليل عدد السطور في زمنٍ أقل ما يُقال عنه إنه لا يحب القراءة المطولة، جاءني هذا التعليق من شخصٍ لا أعرفه:
"هو انت مهم اوى علشان حد يقرالك كل ده".
همس شيطاني في أذني، مُزيناً لي عشرات الإجابات القاسية التي أنتصر فيها لنفسي وأبرز قدرتي على قصف الجباه لكن أحمد الله أن كظمتُ غيظي واخترتُ أهونها أو هكذا أظن
كانت إجابتي ببساطة: "لا. لستُ مهماً مطلقاً، لكن لا أذكر أنني طرقتُ بابكَ أرجوكَ أن تقرأ لي سطراً".
وفعلاً، أنا لستُ مهماً قط.
لستُ كذلك إلا لعددٍ قليلٍ من البشر ربما لا يجاوز عدد أصابع اليدين..
أما تعليقات المطالبة بالتقصير، فأستطيع أن أتفهم دوافع أصحابها وأن أُقدرها، خصوصاً أن أغلبها يكون من منطلق الحرص على الانتفاع وإيصال الفائدة لأكبر شريحةٍ ممكنة العابرين في هذه المواقع التواصلية.
ورغم أنني أكدتُ مراراً أنني حين أنشر مقالاً مطولاً فهو غالباً ما يكون فصلاً من كتاب، ولا أجد للأسف الوقت ولا الجهد لاختصاره ليناسب قالب منشورٍ عابرٍ على وسيلة تواصلٍ اجتماعي تلتهم كل شيء بسرعة الضوء. لكن إذا نُظر إليه على هيئته الأصلية، فلا أظن أبداً أن قارئاً له خبرةٌ بالكتب سيجد أن 700 كلمة أو حتى ضعف هذا العدد يعد فصلاً طويلاً بمقاييس الكتابة الأدبية التي نعرفها وليس أدب التغريدات الذي لا أقلل منه وأتمنى يوما أن أجيده.
نقطةٌ أخرى تسبب بعض الالتباس، وهي طبيعة الكتابة التي يغلب عليها الطابع الأدبي التأملي أو النفسي.
هذه الكتابة، فيما أرى وأزعم، من أهم ما يميزها أن يترك الكاتب قلمه يسترسل بما يشعر به قلبه ويُحلق به خياله دون قيودٍ كثيرة.
وهذا ما تعودته في أغلب كتاباتي، ولذلك أيضاً لم أتحمل مدةً طويلة الكتابة في الصحف التي تشترط أن يكون العمود أو المقال بعددٍ معينٍ من الكلمات وهو بالمناسبة لا يقل غالباً عن العدد الذي أرفقته!
كذلك يكون من الصعب جداً عليّ أن "أُستكتب"، بمعنى أن يطلب مني موقعٌ أو منصةٌ ما أو دار نشر موضوعاً معيناً لكتابٍ أو مقال.
الكتابة بالنسبة لي ليست وظيفة، بل هي أقرب للتنفس، تأتي حين تأتي، وتختنق إن حُبست.
حتى أنا، حين أُستكتبُ نفسي، فأطالبها بتحويل سلسلة مرئية أو سمعية ألقيتها بالفعل ومادتها قد حضرتها من قبل والتفريغات المكتوبة جاهزة = أكسل جداً وأتثاقل عن تحويلها لكتاب رغم سهولة ذلك نسبياً!
حين أبث شيئاً من مكنون صدري عبر قلمي، فأتمنى أن يكون غير مُتكلف، وأرجو أن يكون مقصده إيصال فائدة.
لكن ثمة مقصد آخر
شخصي جداً وحميميّ كأنه سرٍ قديم، أعتقد أنه لا يهم أحداً لكنني على أية حال أود الاعتراف به
كثيرٌ مما أكتب هو مجرد نفثة مصدور أُخرجها كي لا تخنق روحي بكتمانها.
ذلك لأنني، وليس كما يظن البعض، لا أُجيد التعبير الشفهي عن كل ما يجيش به صدري من ألمٍ أو حيرة أو حتى فرحٍ صامت.
نعم، أنا هو نفسه الذي قد يلقي المحاضرات والبثوث المباشرة والسلاسل المرئية عبر القنوات الفضائية بطلاقةٍ قد تُوهم بالثقة، لكن إذا جاءت لحظة التعبير عن ذاته أو ألمه الشخصي أو شيءٍ يؤرقه؛ أُلجم لسانه وغاب بيانه واختار الكتمان كحصنٍ أخير.
أو ربما، إن انطلق اللسان، لم يجد من يسمع ويقدر من بني الإنسان في عالمٍ يضجّ بالمتكلمين ويفتقر للمُنصتين.
لذلك ستجد أن كثيراً من كتاباتي تكون عبارة عن (فضفضةٍ) قد لا تهمك ولا تعنيك، قد تبدو لك مجرد هذيانٍ أو أنينٍ مكتوم، لكنني قد وجدتُ أن سكبها عبر الأثير يُعينني ويُريحني بشكلٍ ما، وكأنني أُلقي بعض أحمالي في بئرٍ لا قرار له.
لذلك أرجو، إن سبب ذلك إزعاجاً لأحد، ألا يلومني.
فإن ذلك اللوم والتقريع يؤذي و يؤلم خصوصاً أصحاب الهشاشة النفسية الذين أنتمي إليهم دون اختيارٍ مني، ودون استسلامٍ لذلك الضعف الذي هو جزءٌ من إنسانيتنا جميعاً.
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
والله المستعان... على هشاشتنا، وعلى أقلامنا، وعلى من يقرأ
ومن لا يقرأ.
في خضم كثير من التعليقات التي تنصح، بلطفٍ أحياناً وبفظاظةٍ أحياناً أخرى، بتقصير المقالات وتقليل عدد السطور في زمنٍ أقل ما يُقال عنه إنه لا يحب القراءة المطولة، جاءني هذا التعليق من شخصٍ لا أعرفه:
"هو انت مهم اوى علشان حد يقرالك كل ده".
همس شيطاني في أذني، مُزيناً لي عشرات الإجابات القاسية التي أنتصر فيها لنفسي وأبرز قدرتي على قصف الجباه لكن أحمد الله أن كظمتُ غيظي واخترتُ أهونها أو هكذا أظن
كانت إجابتي ببساطة: "لا. لستُ مهماً مطلقاً، لكن لا أذكر أنني طرقتُ بابكَ أرجوكَ أن تقرأ لي سطراً".
وفعلاً، أنا لستُ مهماً قط.
لستُ كذلك إلا لعددٍ قليلٍ من البشر ربما لا يجاوز عدد أصابع اليدين..
أما تعليقات المطالبة بالتقصير، فأستطيع أن أتفهم دوافع أصحابها وأن أُقدرها، خصوصاً أن أغلبها يكون من منطلق الحرص على الانتفاع وإيصال الفائدة لأكبر شريحةٍ ممكنة العابرين في هذه المواقع التواصلية.
ورغم أنني أكدتُ مراراً أنني حين أنشر مقالاً مطولاً فهو غالباً ما يكون فصلاً من كتاب، ولا أجد للأسف الوقت ولا الجهد لاختصاره ليناسب قالب منشورٍ عابرٍ على وسيلة تواصلٍ اجتماعي تلتهم كل شيء بسرعة الضوء. لكن إذا نُظر إليه على هيئته الأصلية، فلا أظن أبداً أن قارئاً له خبرةٌ بالكتب سيجد أن 700 كلمة أو حتى ضعف هذا العدد يعد فصلاً طويلاً بمقاييس الكتابة الأدبية التي نعرفها وليس أدب التغريدات الذي لا أقلل منه وأتمنى يوما أن أجيده.
نقطةٌ أخرى تسبب بعض الالتباس، وهي طبيعة الكتابة التي يغلب عليها الطابع الأدبي التأملي أو النفسي.
هذه الكتابة، فيما أرى وأزعم، من أهم ما يميزها أن يترك الكاتب قلمه يسترسل بما يشعر به قلبه ويُحلق به خياله دون قيودٍ كثيرة.
وهذا ما تعودته في أغلب كتاباتي، ولذلك أيضاً لم أتحمل مدةً طويلة الكتابة في الصحف التي تشترط أن يكون العمود أو المقال بعددٍ معينٍ من الكلمات وهو بالمناسبة لا يقل غالباً عن العدد الذي أرفقته!
كذلك يكون من الصعب جداً عليّ أن "أُستكتب"، بمعنى أن يطلب مني موقعٌ أو منصةٌ ما أو دار نشر موضوعاً معيناً لكتابٍ أو مقال.
الكتابة بالنسبة لي ليست وظيفة، بل هي أقرب للتنفس، تأتي حين تأتي، وتختنق إن حُبست.
حتى أنا، حين أُستكتبُ نفسي، فأطالبها بتحويل سلسلة مرئية أو سمعية ألقيتها بالفعل ومادتها قد حضرتها من قبل والتفريغات المكتوبة جاهزة = أكسل جداً وأتثاقل عن تحويلها لكتاب رغم سهولة ذلك نسبياً!
حين أبث شيئاً من مكنون صدري عبر قلمي، فأتمنى أن يكون غير مُتكلف، وأرجو أن يكون مقصده إيصال فائدة.
لكن ثمة مقصد آخر
شخصي جداً وحميميّ كأنه سرٍ قديم، أعتقد أنه لا يهم أحداً لكنني على أية حال أود الاعتراف به
كثيرٌ مما أكتب هو مجرد نفثة مصدور أُخرجها كي لا تخنق روحي بكتمانها.
ذلك لأنني، وليس كما يظن البعض، لا أُجيد التعبير الشفهي عن كل ما يجيش به صدري من ألمٍ أو حيرة أو حتى فرحٍ صامت.
نعم، أنا هو نفسه الذي قد يلقي المحاضرات والبثوث المباشرة والسلاسل المرئية عبر القنوات الفضائية بطلاقةٍ قد تُوهم بالثقة، لكن إذا جاءت لحظة التعبير عن ذاته أو ألمه الشخصي أو شيءٍ يؤرقه؛ أُلجم لسانه وغاب بيانه واختار الكتمان كحصنٍ أخير.
أو ربما، إن انطلق اللسان، لم يجد من يسمع ويقدر من بني الإنسان في عالمٍ يضجّ بالمتكلمين ويفتقر للمُنصتين.
لذلك ستجد أن كثيراً من كتاباتي تكون عبارة عن (فضفضةٍ) قد لا تهمك ولا تعنيك، قد تبدو لك مجرد هذيانٍ أو أنينٍ مكتوم، لكنني قد وجدتُ أن سكبها عبر الأثير يُعينني ويُريحني بشكلٍ ما، وكأنني أُلقي بعض أحمالي في بئرٍ لا قرار له.
لذلك أرجو، إن سبب ذلك إزعاجاً لأحد، ألا يلومني.
فإن ذلك اللوم والتقريع يؤذي و يؤلم خصوصاً أصحاب الهشاشة النفسية الذين أنتمي إليهم دون اختيارٍ مني، ودون استسلامٍ لذلك الضعف الذي هو جزءٌ من إنسانيتنا جميعاً.
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
والله المستعان... على هشاشتنا، وعلى أقلامنا، وعلى من يقرأ
ومن لا يقرأ.
29.03.202517:58
خليك على الباب...
https://www.facebook.com/share/r/14xETv1j8z/
https://www.facebook.com/share/r/14xETv1j8z/
18.04.202522:00
ويا لروعةِ المواساةِ الربانيةِ لقلبِ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم وهو يتألمُ من تكذيب قومهِ وسخريتهم؛ كيف تأتي الكلماتُ كبلسمٍ شافٍ
"وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ"
يا لهامن كلمة
"نَعْلَمُ"
كلمة تحمل تربيتا وطمأنة لا مثيل لها
وكأن الرسالة الحانية: أنا أعلم ما يُحزنك
أعلم هذا الضيق الذي يعتصر صدرك
أدرك ألمك
أرى دمعتك التي تخفيها
لستَ وحدك
أنا معك
أعلمُ وأسمع وأرى
بعد ذلك يأتي تأتي المداواة السماويّة وسبيل الشفاء الرباني
"فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ"
تلمس هنا سياق علم آخر تستشعره في الدنيا مع الطبيبِ الرحيمِ الذي يُشخّصُ الداءَ ويصفُ الدواءَ بلطفٍ وحنان وهذا مخلوق رحمته مهما عظمت جزء من رحمة واحدة جعلها الله في ارضه يتراحم بها الخلق
فكيف برحمته هو وله المثل الأعلى
في سورة المزمل أيضا يبرز ذات المعنى
حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُطيلون القيام في الليل حتى تتورم أقدامهم ويشقّ عليهم ذلك
هنا يطمئنهم الله نفس الطمأنة
إنه يعلم
" إِنَّ رَبَّكَ یَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَیِ ٱلَّیۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ یُقَدِّرُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰاۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَیۡرࣰا وَأَعۡظَمَ أَجۡرࣰاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"
ثلاث مراتٍ تتكرر في الآية لفظة "عَلِمَ"
علِمَ مشقتكم في إحصاء الوقت بدقة
وعلِمَ ضعفكم البشري الذي قد يعتريه المرض أو الانشغال بالسعي في الأرض أو الجـ.hـ.اد
في سبيله فماذا كانت نتيجة هذا العلم؟
مرة أخرى التخفيف والتيسير والرحمة
"فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ"
إنه علم العناية الذي يُراعي الحال ويُقدّر الظرف ويُخفف التكليف رحمةً بالعباد
حتى في أمور الإنفاق والصدقات ذلك البذل الذي قد نستصعبه أو نخشى عواقبه على دنيانا يُطمئننا الله بعلمه الشامل الذي لا يضيع عنده أجر المحسنين
"وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُۥۗ..."
هكذا بوضوح
لا تخف أيها المنفق
أنفقْ في سبيلي
ابذلْ ما تستطيع فإن ما تُقدمه اليوم مهما كان صغيراً في عينك هو معلومٌ عندي محفوظٌ في سجلات ملائكتي؛ وسأُجزيك عليه أضعافاً مضاعفة
ببساطة؛ علمه بإنفاقك هو ضمانٌ لجزائك.
حتى في ساحات الوغى حيث تشتدّ الخطوب وتُصبح النفوس في أمسّ الحاجة للتثبيت يأتي علم الله ليُخفف عن المؤمنين ويربط على قلوبهم وبعد أن أمرهم بالصبر والثبات في مواجهة العدو حتى وإن كان عددهم عشرة أضعاف عددكم = عاد ليُخفف عنهم في سورة الأنفال قائلاً: "ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ..."
تأمل ما ارتبط بالتخفيف من جديد
علمه
لقد علِمَ ضعفكم البشري
علِمَ ما قد يعتريكم من خوفٍ أو تعب
فخفف عنكم الحكم الأول وربط النصر بصبركم ويقينكم وإذنه بالنصر قبل كل ذلك
فيا أيها القلبُ المُتعب
ويا أيتها الروحُ المُنكسرة
يا من تشعرُ بأن همومَكَ أكبرُ منكَ وأن لا أحدَ يعلمُ بحالِكَ
ارفعْ عين بصيرتك وانظرْ بها إلى السماءِ مستحضرا هذا المعنى الذي ينبغي أن يكون شعارا يتوسط سائر أحوال حياتك
"فإن الله يعلمه"
يعلم طاعتك وتقربك وتعلقك
يعلم صدقتك فيُباركها وينميها
يعلم ضعفك فيُقويك ويرحمك
يعلم همّك فيُفرّجه ويواسيك
يعلم ألمك فيشفي قلبك ويداويك
و يعلم صبرك فيُثيبك ويوفيك أجرك بغير حساب
علمه يا صديقي ليس فقط رقابةً تُخيف بل هو أيضاً عنايةٌ تُطمئن ورعايةٌ تحفظ ولطفٌ يسري في أقدارك دون أن تشعر
استحضر هذا المعنى في قلبك دائماً و إلى جوار مراقبتك لعلمه وسمعه بصره بقلب الخائف المترقب للعقاب؛ اجعل معها لحظ المحبّ وتعلق الواثق برعاية مولاه وعلمه بحاله فإن هذا وربي أعظمِ ما تطمئنُ بهِ القلوبُ المتعبة وتستكين النفوس المنهكة
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
ومع هذا الذكر لذاك العلم؛ فأيُّ حزنٍ يبقى؟
وأيُّ همٍّ يدوم؟
وأي وحشة تستمر؟
عشْ في كنف هذا العلم الإلهي الشامل وظني بالله أن السكينة ستملأ قلبك والطمأنينة ستسكن روحك والأمل سيُضيء دروبك مهما اشتدت الظلمات
أو تعاظمت الخطوب
"وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ"
يا لهامن كلمة
"نَعْلَمُ"
كلمة تحمل تربيتا وطمأنة لا مثيل لها
وكأن الرسالة الحانية: أنا أعلم ما يُحزنك
أعلم هذا الضيق الذي يعتصر صدرك
أدرك ألمك
أرى دمعتك التي تخفيها
لستَ وحدك
أنا معك
أعلمُ وأسمع وأرى
بعد ذلك يأتي تأتي المداواة السماويّة وسبيل الشفاء الرباني
"فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ"
تلمس هنا سياق علم آخر تستشعره في الدنيا مع الطبيبِ الرحيمِ الذي يُشخّصُ الداءَ ويصفُ الدواءَ بلطفٍ وحنان وهذا مخلوق رحمته مهما عظمت جزء من رحمة واحدة جعلها الله في ارضه يتراحم بها الخلق
فكيف برحمته هو وله المثل الأعلى
في سورة المزمل أيضا يبرز ذات المعنى
حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُطيلون القيام في الليل حتى تتورم أقدامهم ويشقّ عليهم ذلك
هنا يطمئنهم الله نفس الطمأنة
إنه يعلم
" إِنَّ رَبَّكَ یَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَیِ ٱلَّیۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ یُقَدِّرُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰاۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَیۡرࣰا وَأَعۡظَمَ أَجۡرࣰاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"
ثلاث مراتٍ تتكرر في الآية لفظة "عَلِمَ"
علِمَ مشقتكم في إحصاء الوقت بدقة
وعلِمَ ضعفكم البشري الذي قد يعتريه المرض أو الانشغال بالسعي في الأرض أو الجـ.hـ.اد
في سبيله فماذا كانت نتيجة هذا العلم؟
مرة أخرى التخفيف والتيسير والرحمة
"فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ"
إنه علم العناية الذي يُراعي الحال ويُقدّر الظرف ويُخفف التكليف رحمةً بالعباد
حتى في أمور الإنفاق والصدقات ذلك البذل الذي قد نستصعبه أو نخشى عواقبه على دنيانا يُطمئننا الله بعلمه الشامل الذي لا يضيع عنده أجر المحسنين
"وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُۥۗ..."
هكذا بوضوح
لا تخف أيها المنفق
أنفقْ في سبيلي
ابذلْ ما تستطيع فإن ما تُقدمه اليوم مهما كان صغيراً في عينك هو معلومٌ عندي محفوظٌ في سجلات ملائكتي؛ وسأُجزيك عليه أضعافاً مضاعفة
ببساطة؛ علمه بإنفاقك هو ضمانٌ لجزائك.
حتى في ساحات الوغى حيث تشتدّ الخطوب وتُصبح النفوس في أمسّ الحاجة للتثبيت يأتي علم الله ليُخفف عن المؤمنين ويربط على قلوبهم وبعد أن أمرهم بالصبر والثبات في مواجهة العدو حتى وإن كان عددهم عشرة أضعاف عددكم = عاد ليُخفف عنهم في سورة الأنفال قائلاً: "ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ..."
تأمل ما ارتبط بالتخفيف من جديد
علمه
لقد علِمَ ضعفكم البشري
علِمَ ما قد يعتريكم من خوفٍ أو تعب
فخفف عنكم الحكم الأول وربط النصر بصبركم ويقينكم وإذنه بالنصر قبل كل ذلك
فيا أيها القلبُ المُتعب
ويا أيتها الروحُ المُنكسرة
يا من تشعرُ بأن همومَكَ أكبرُ منكَ وأن لا أحدَ يعلمُ بحالِكَ
ارفعْ عين بصيرتك وانظرْ بها إلى السماءِ مستحضرا هذا المعنى الذي ينبغي أن يكون شعارا يتوسط سائر أحوال حياتك
"فإن الله يعلمه"
يعلم طاعتك وتقربك وتعلقك
يعلم صدقتك فيُباركها وينميها
يعلم ضعفك فيُقويك ويرحمك
يعلم همّك فيُفرّجه ويواسيك
يعلم ألمك فيشفي قلبك ويداويك
و يعلم صبرك فيُثيبك ويوفيك أجرك بغير حساب
علمه يا صديقي ليس فقط رقابةً تُخيف بل هو أيضاً عنايةٌ تُطمئن ورعايةٌ تحفظ ولطفٌ يسري في أقدارك دون أن تشعر
استحضر هذا المعنى في قلبك دائماً و إلى جوار مراقبتك لعلمه وسمعه بصره بقلب الخائف المترقب للعقاب؛ اجعل معها لحظ المحبّ وتعلق الواثق برعاية مولاه وعلمه بحاله فإن هذا وربي أعظمِ ما تطمئنُ بهِ القلوبُ المتعبة وتستكين النفوس المنهكة
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
ومع هذا الذكر لذاك العلم؛ فأيُّ حزنٍ يبقى؟
وأيُّ همٍّ يدوم؟
وأي وحشة تستمر؟
عشْ في كنف هذا العلم الإلهي الشامل وظني بالله أن السكينة ستملأ قلبك والطمأنينة ستسكن روحك والأمل سيُضيء دروبك مهما اشتدت الظلمات
أو تعاظمت الخطوب
29.03.202522:55
خليك على الباب..
11.04.202523:39
عاد صديقي العزيز من عمله في إحدى الدول الخليجية لقضاء إجازة العيد القصيرة في مصر.
وكالعادة التي لا أدري كيف بدأت ولا من أين أتت، لكنها صارت جزءًا من طقوسنا؛ جاء محملاً بما لذ وطاب من أنواع المكسرات الثمينة التي لا يسمع عنها إلا من كانت له صلة بعائد من الخليج أو كان من أبناء طبقة يسمح لها دخلها بدفع الأثمان الباهظة التي صارت إليها تلك المكسرات
سألته بممازحةٍ حملت شيئاً من خبثٍ لا أنكره: "هل أحضرت البيستاشيو؟" رمقني بنظرة دهشةٍ ضاحكة، وردّ بلكنته التي لم تتغير: "بيستاشيو إيه يا ابني؟ ده اسمه فستق! اتغيرت وبقيت بترطن زي الأعاجم؟"
أجبتُ متظاهراً بجديةٍ أعرف أنها لن تخدعه: "يا سيدي، يبدو أن المصطلحات تطورت وأنت غائب." طمأنني ضاحكاً: "فيه فستق، ما تقلقش."
تناولنا الفستق (البستاشيو) والكاجو واللوز، ونحن نتبادل أطراف الحديث عن أيامٍ مضت وأحلامٍ لم تكتمل.
ثم انصرف صديقي لبعض شأنه
جلست برهة بعده وجدت نفسي أتأمل ما تبقى في طبق "البيستاشيو"، أو الفستق كما يصر صديقي الأصيل أن يسميه!
تناولت حبة، أغمضت عيني وأنا أتذوقها بتمعن محاولاً استعادة نقاء التجربة.
الطعم جيد، لا شك في هذا
لكنه يفتقر لشيءٍ ما
لِـ "الأخضر" اللامع المبهج الذي يتدفق كشلالات الأحلام الزمردية على أطراف جل حلويات عصرنا هذا
ذلك الطعم الذي تذوقته مرارا بناءً على توصيةٍ ملحة من أبنائي
وأعجبني
نعم... هذه حقيقة أعترف بها
وكيف لا يعجبني هذا الكم من السكريات والزيوت المهدرجة التي تعتصر هرمونات السعادة وتنتزعها بشكل حاسم لتشعرك بالبهجة
كيف لا تعجبني نكهة صناعية صممت بعناية لأجل هذا الغرض
الأكيد أنه لا يشبه ذلك الذي أتذوقه الآن
لا تقل لي أن الفارق فقط يكمن في السكر المضاف للأخضر والملح المضاف للذي أمامي
كنت يوما أستطيع تمييز أصل الطعم مهما كانت الإضافات والنكهات
ليس هو ولا يمت له بصلة
هذا الفستق الحقيقي يبدو باهتاً مقارنةً بال "بيستاشيو".
وهذا الأمر ضايقني وأقلقني على نفسي
لقد شعرت أن الأخضر أجمل
ما الذي حدث لي؟
هل أفقدني الزيف قدرتي على تذوق الأصالة؟
أم هو الشكل المبهج واللون الفاقع والأجواء المحيطة؟
سألت نفسي بحيرة
تسلل إليّ صدري قلقٌ هامس، يخبرني أن شيئاً ما في داخلي قد تغير.
الحق أن هذا القلق ليس جديداً تماماً ولم يبدأه الـ" بيستاشيو"
لقد بدأ يزورني حين لاحظت ذلك الهوس المتزايد بتلميع الواجهات وصقل الصور
تلك المحاولة المستمرة لصناعة نسخة "مُحسّنة" من كل شيء
من أنفسنا
من حياتنا
حتى من طعامنا.
لا أعني بالطبع تلك العناية الفطرية الحقيقية بالنظافة والأناقة المحببة فهذا مطلب مشروع ومحبب
أتحدث عن شيء مختلف
عن صور زائفة لأشياء لها أصل حقيقي
لي أقارب ومعارف لم أرهم منذ سنوات بسبب غربتهم لكنني أتابع أخبارهم باهتمام وأرى صور أبنائهم عبر وسائل التواصل بشكل مستمر وحتى آخر لحظات تسبق اللقاء الذي يحدث عنده نفس السيناريو كل مرة
لا أكاد أعرفهم حين رؤيتهم
كيف هذا؟
أنا متأكد أن الصور التي رأيتهم ومقاطع الفيديو التي ينشرونها حديثة جدا
لا أقول أنهم أقبح على الحقيقة
لكن البشرة ليست بهذا النقاء المذهل
الخدود ليست متوردة لهذه الدرجة
الشفاه لا يكاد الدم يتفجر منها في الواقع
والأعين!
نعم يا عزيزي ليست ملونة
قد ظننت أن أبناءكم يشبهون الفرنجة لكنني الآن اطمأننت
هم يشبهوننا في حقيقة الأمر
لكنها الفلاتر يا عزيزي
مزيد من الزيف
زيف صرنا نعشقه
نعم... لا تفسير لهذا الكم من الفلاتر الذي يحيط بنا إلا أننا نعشق الصور
حتى لو كانت زائفة
المهم أن تكون جميلة
بل رائعة مبهرة
وما أبريء نفسي
لا تذهب بخيالك بعيدا فتتصور أنني أستعمل فلتر ما في حلقاتي فلم أصل لذلك بعد وأرجو ألا أصل لذلك أبدا
لكنني أجد نفسي كثيرا أنفق وقتا زائدا في ضبط موقع التصور وزوايا الضوء قبل أي بث على أمل واهٍ أن أخفي شيئا ممن فعلته السنين بوجهي
لكن لماذا؟
المحتوى الذي أقدمه لا قيمة فيه أبدا لشكلي
أخشى أن شيئا من التأثر بثقافة الصورة وجمالها قد طالني للأسف
أتذكر يوماً جلست فيه في مكان جميل أتناول كوبا من قهوتي المحببة
جاءت القهوة وكان الجو صحوا والمكان مبهج
فلأستمتع بقهوتي إذاً
للأسف كانت القهوة باردة لم أستطع الاستمتاع بها
لم يكن العيب في صانعها قطعا
العيب كان في إنفاقي للوقت أحاول التقاط صورة عميقة لهذا الفنجان الأنيق وتلك الخلفية المبهجة يذكرني بزمن مضى. الوقت الأطول كان قد مضى في اختيار الفلتر المثالي الذي عرضه علي برنامج التصوير
القهوة بردت والطعم شبه تلاشى
لكن الصورة بدت رائعة حصدت عددا لابأس به من الإعجابات على موقع الصور الشهير ومنحتني شعوراً لحظياً بالرضا الزائف.
وكالعادة التي لا أدري كيف بدأت ولا من أين أتت، لكنها صارت جزءًا من طقوسنا؛ جاء محملاً بما لذ وطاب من أنواع المكسرات الثمينة التي لا يسمع عنها إلا من كانت له صلة بعائد من الخليج أو كان من أبناء طبقة يسمح لها دخلها بدفع الأثمان الباهظة التي صارت إليها تلك المكسرات
سألته بممازحةٍ حملت شيئاً من خبثٍ لا أنكره: "هل أحضرت البيستاشيو؟" رمقني بنظرة دهشةٍ ضاحكة، وردّ بلكنته التي لم تتغير: "بيستاشيو إيه يا ابني؟ ده اسمه فستق! اتغيرت وبقيت بترطن زي الأعاجم؟"
أجبتُ متظاهراً بجديةٍ أعرف أنها لن تخدعه: "يا سيدي، يبدو أن المصطلحات تطورت وأنت غائب." طمأنني ضاحكاً: "فيه فستق، ما تقلقش."
تناولنا الفستق (البستاشيو) والكاجو واللوز، ونحن نتبادل أطراف الحديث عن أيامٍ مضت وأحلامٍ لم تكتمل.
ثم انصرف صديقي لبعض شأنه
جلست برهة بعده وجدت نفسي أتأمل ما تبقى في طبق "البيستاشيو"، أو الفستق كما يصر صديقي الأصيل أن يسميه!
تناولت حبة، أغمضت عيني وأنا أتذوقها بتمعن محاولاً استعادة نقاء التجربة.
الطعم جيد، لا شك في هذا
لكنه يفتقر لشيءٍ ما
لِـ "الأخضر" اللامع المبهج الذي يتدفق كشلالات الأحلام الزمردية على أطراف جل حلويات عصرنا هذا
ذلك الطعم الذي تذوقته مرارا بناءً على توصيةٍ ملحة من أبنائي
وأعجبني
نعم... هذه حقيقة أعترف بها
وكيف لا يعجبني هذا الكم من السكريات والزيوت المهدرجة التي تعتصر هرمونات السعادة وتنتزعها بشكل حاسم لتشعرك بالبهجة
كيف لا تعجبني نكهة صناعية صممت بعناية لأجل هذا الغرض
الأكيد أنه لا يشبه ذلك الذي أتذوقه الآن
لا تقل لي أن الفارق فقط يكمن في السكر المضاف للأخضر والملح المضاف للذي أمامي
كنت يوما أستطيع تمييز أصل الطعم مهما كانت الإضافات والنكهات
ليس هو ولا يمت له بصلة
هذا الفستق الحقيقي يبدو باهتاً مقارنةً بال "بيستاشيو".
وهذا الأمر ضايقني وأقلقني على نفسي
لقد شعرت أن الأخضر أجمل
ما الذي حدث لي؟
هل أفقدني الزيف قدرتي على تذوق الأصالة؟
أم هو الشكل المبهج واللون الفاقع والأجواء المحيطة؟
سألت نفسي بحيرة
تسلل إليّ صدري قلقٌ هامس، يخبرني أن شيئاً ما في داخلي قد تغير.
الحق أن هذا القلق ليس جديداً تماماً ولم يبدأه الـ" بيستاشيو"
لقد بدأ يزورني حين لاحظت ذلك الهوس المتزايد بتلميع الواجهات وصقل الصور
تلك المحاولة المستمرة لصناعة نسخة "مُحسّنة" من كل شيء
من أنفسنا
من حياتنا
حتى من طعامنا.
لا أعني بالطبع تلك العناية الفطرية الحقيقية بالنظافة والأناقة المحببة فهذا مطلب مشروع ومحبب
أتحدث عن شيء مختلف
عن صور زائفة لأشياء لها أصل حقيقي
لي أقارب ومعارف لم أرهم منذ سنوات بسبب غربتهم لكنني أتابع أخبارهم باهتمام وأرى صور أبنائهم عبر وسائل التواصل بشكل مستمر وحتى آخر لحظات تسبق اللقاء الذي يحدث عنده نفس السيناريو كل مرة
لا أكاد أعرفهم حين رؤيتهم
كيف هذا؟
أنا متأكد أن الصور التي رأيتهم ومقاطع الفيديو التي ينشرونها حديثة جدا
لا أقول أنهم أقبح على الحقيقة
لكن البشرة ليست بهذا النقاء المذهل
الخدود ليست متوردة لهذه الدرجة
الشفاه لا يكاد الدم يتفجر منها في الواقع
والأعين!
نعم يا عزيزي ليست ملونة
قد ظننت أن أبناءكم يشبهون الفرنجة لكنني الآن اطمأننت
هم يشبهوننا في حقيقة الأمر
لكنها الفلاتر يا عزيزي
مزيد من الزيف
زيف صرنا نعشقه
نعم... لا تفسير لهذا الكم من الفلاتر الذي يحيط بنا إلا أننا نعشق الصور
حتى لو كانت زائفة
المهم أن تكون جميلة
بل رائعة مبهرة
وما أبريء نفسي
لا تذهب بخيالك بعيدا فتتصور أنني أستعمل فلتر ما في حلقاتي فلم أصل لذلك بعد وأرجو ألا أصل لذلك أبدا
لكنني أجد نفسي كثيرا أنفق وقتا زائدا في ضبط موقع التصور وزوايا الضوء قبل أي بث على أمل واهٍ أن أخفي شيئا ممن فعلته السنين بوجهي
لكن لماذا؟
المحتوى الذي أقدمه لا قيمة فيه أبدا لشكلي
أخشى أن شيئا من التأثر بثقافة الصورة وجمالها قد طالني للأسف
أتذكر يوماً جلست فيه في مكان جميل أتناول كوبا من قهوتي المحببة
جاءت القهوة وكان الجو صحوا والمكان مبهج
فلأستمتع بقهوتي إذاً
للأسف كانت القهوة باردة لم أستطع الاستمتاع بها
لم يكن العيب في صانعها قطعا
العيب كان في إنفاقي للوقت أحاول التقاط صورة عميقة لهذا الفنجان الأنيق وتلك الخلفية المبهجة يذكرني بزمن مضى. الوقت الأطول كان قد مضى في اختيار الفلتر المثالي الذي عرضه علي برنامج التصوير
القهوة بردت والطعم شبه تلاشى
لكن الصورة بدت رائعة حصدت عددا لابأس به من الإعجابات على موقع الصور الشهير ومنحتني شعوراً لحظياً بالرضا الزائف.
14.04.202518:09
لكن انتظر لحظة... هذه الصورة مختلفة
هذا الزيّ
وهذا الاستعراض
والمكان نفسه والدولة التي تستضيفه
الفعل الفردي لم يعد يُدهشني لشخصٍ يتحرق شوقا للأضواء و الشهرة أو بأي ثمن والذي يذكرني بذلك الملك الذي أقام مسابقة لمن يتحفه بثوب مختلف مميز يرتديه فأقنعه خياطان محتالان بأنهما سيصنعان له ملابس سحرية لا يراها إلا الأذكياء والمخلصون لمنصبهم.
ثم سار الملك عارياً في موكبه، والجميع يُصفقون ويهللون لجمال "الملابس الوهمية" خوفاً من أن يُتهموا بالغباء أو الخيانة، حتى صرخ طفلٌ ببراءة: "الملك عارٍ!".
الحقيقة أن صرخة هذا الطفل على رمزيتها هي ببساطة صرخة الفطرة التي لا يدنسها فقط فعل ( نمبر 1) وإن كان له دور
ولكن يساعد في تدنيسها ذلك التناول المفرط لها وتلك المشاركة اللاشعورية في نشره حتى يحدث الاعتياد والإلف
أعرف أنك ربما ستقول ها أنت أيضا شاركت بمقال طويل وخضت مع الخائضين الذين تنتقد خوضهم
حسنا سأقبل نصيحتك مفترضا أنها نصيحة لا مزايدة لكن سأفعل ذلك بينما أذكرك انني رغم كوني مقلا جدا في التعليق على مثل تلك الأشياء إلا أنها زفرة ألم خرجت من صدري إلى كلمات حرصت ألا أذكر فيها الاسم ولا أن أضع الصورة البشعة
وربما يمكنك اعتبار ما فات كله نقد للذات ألوم فيه نفسي
وما أبرئها
هذا الزيّ
وهذا الاستعراض
والمكان نفسه والدولة التي تستضيفه
الفعل الفردي لم يعد يُدهشني لشخصٍ يتحرق شوقا للأضواء و الشهرة أو بأي ثمن والذي يذكرني بذلك الملك الذي أقام مسابقة لمن يتحفه بثوب مختلف مميز يرتديه فأقنعه خياطان محتالان بأنهما سيصنعان له ملابس سحرية لا يراها إلا الأذكياء والمخلصون لمنصبهم.
ثم سار الملك عارياً في موكبه، والجميع يُصفقون ويهللون لجمال "الملابس الوهمية" خوفاً من أن يُتهموا بالغباء أو الخيانة، حتى صرخ طفلٌ ببراءة: "الملك عارٍ!".
الحقيقة أن صرخة هذا الطفل على رمزيتها هي ببساطة صرخة الفطرة التي لا يدنسها فقط فعل ( نمبر 1) وإن كان له دور
ولكن يساعد في تدنيسها ذلك التناول المفرط لها وتلك المشاركة اللاشعورية في نشره حتى يحدث الاعتياد والإلف
أعرف أنك ربما ستقول ها أنت أيضا شاركت بمقال طويل وخضت مع الخائضين الذين تنتقد خوضهم
حسنا سأقبل نصيحتك مفترضا أنها نصيحة لا مزايدة لكن سأفعل ذلك بينما أذكرك انني رغم كوني مقلا جدا في التعليق على مثل تلك الأشياء إلا أنها زفرة ألم خرجت من صدري إلى كلمات حرصت ألا أذكر فيها الاسم ولا أن أضع الصورة البشعة
وربما يمكنك اعتبار ما فات كله نقد للذات ألوم فيه نفسي
وما أبرئها
07.04.202519:12
ذلك لأنها ببساطة دنيا
اشتق اسمها من الدنو
القرب وسهولة إدراك ما فيها عاجلا
واشتق أيضا من الدناءة
النقص والخسة
هي إذاً قريبة متاحة لكن ما فيها سيظل دائما منقوصا غير مكتمل
هذه هي المعادلة ببساطة
لا شيء في هذه الدار يكتمل تماما ولا يوجد فيها إنسان يأخذ كل شيء ويحظى بكل مراد
أذكر نفسي بتلك الحقائق لعل نفسي تتشربها فتطفيء بعض تلك الحرائق التي تضرمها وساوس الفقد في صدري فتخبو ويهدأ لهيبها
شيء ما مفقود هنا..
أعود لأخط هذه العبارة على ورقتي
ليس بحثا عن إجابة أرضية قد لا تأتي ولا انتظارا لكمال دنيوي مستحيل
فقط كتذكير دائم بأن هذا التوق الفطري للكمال المطلق وهذا الحنين العميق للاكتمال له وجهة واحدة صحيحة ومرسى واحد حقيقي
هنالك
في دار أخرى..
هنالك
حيث الكمال الذي لا يعتريه نقص والسلام الذي لا يشوبه قلق والرضا الذي لا ينغصه افتقاد
هنالك فقط تلتئم كل شظايا الروح وتعود كل المفقودات
وتكتمل كل تلك النسخ.. الناقصة
اشتق اسمها من الدنو
القرب وسهولة إدراك ما فيها عاجلا
واشتق أيضا من الدناءة
النقص والخسة
هي إذاً قريبة متاحة لكن ما فيها سيظل دائما منقوصا غير مكتمل
هذه هي المعادلة ببساطة
لا شيء في هذه الدار يكتمل تماما ولا يوجد فيها إنسان يأخذ كل شيء ويحظى بكل مراد
أذكر نفسي بتلك الحقائق لعل نفسي تتشربها فتطفيء بعض تلك الحرائق التي تضرمها وساوس الفقد في صدري فتخبو ويهدأ لهيبها
شيء ما مفقود هنا..
أعود لأخط هذه العبارة على ورقتي
ليس بحثا عن إجابة أرضية قد لا تأتي ولا انتظارا لكمال دنيوي مستحيل
فقط كتذكير دائم بأن هذا التوق الفطري للكمال المطلق وهذا الحنين العميق للاكتمال له وجهة واحدة صحيحة ومرسى واحد حقيقي
هنالك
في دار أخرى..
هنالك
حيث الكمال الذي لا يعتريه نقص والسلام الذي لا يشوبه قلق والرضا الذي لا ينغصه افتقاد
هنالك فقط تلتئم كل شظايا الروح وتعود كل المفقودات
وتكتمل كل تلك النسخ.. الناقصة
17.04.202511:56
ثم كانت الاستجابة وتمت النجاة
"فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَ ٰلِكَ نُـۨجِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"
وأين كانت؟
في الدنيا يا عزيزي
كان الغم والهم ونشأ الدعاء ثم انبثقت النجاة بفضل الله
تيسير الأمر أيضا يعد من مطالب الدنيا ولقد دعا بذلك سيدنا موسى وهو مقبلٌ على تلك المهمة الثقيلة في مواجهة فرعون
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ .
قد تبدو لأول وهلة هموما دنيوية خالصة ، لكنها وإن حملت شيئا من ذلك فهي في الحقيقة امتداد لهمٍّ يتعلق بأداء الأمانة.
يريد قلباً منشرحا يتحمل الأذى، وأمراً ميسراً لا يتعثر، ولساناً فصيحاً يبلغ الحجة.
هل ترى كيف ارتبط هم الدنيا هنا بهم الدين ارتباطاً وثيقاً؟
للدنيا نصيب في هموم الأنبياء وأدعيتهم، لكنه نصيب منضبط بميزان الشرع، مرتبط غالباً بهمّ الدين، أو معبرٌ عن فطرة بشرية سوية لم تتجاوز أبدا حد الأدب مع الله.
حين أتأمل ذلك في القرآن ثم أنظر إلى هموم دنيانا التي تقبع في أدعيتنا فأسأل نفسي هل هي طلبٌ لعون على طاعة أو دفعٌ لبلاء يعيق عن خير أم أنها مجرد قائمة لا تنتهي من الرغبات الاستهلاكية والكمالية وحسب؟
حسنا حتى إن كانت كذلك فكفي بالمرء أنه يدعو لكن سؤالي لنفسي هو محض تبين لإدراك الهم
ومن كانت الدنيا همه فرق الله شمله
تلك هي المشكلة
أن تكون الدنيا هي أكبر الهم ومبلغ العلم
لكن ثمة همّ آخر تظهره دعوات النبيين والمرسلين آثرت أن يكون الأخير في تدبراتي هذه فهو الأثقل وزناً والأبعد مدى، والذي يجب أن يظلل كل همٍّ سواه
الهمّ الذي تضبط على إيقاعه كل إيقاعات الحياة
همّ الآخرة.
ومن جعل الهموم هما واحد هم المعاد كفاه الله سائر الهموم
هكذا بين رسول الله صلى الله عليه وهو الذي تحدث مرارا عن ذلك الهم الذي من اكتنف قلبه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة
وهذا لم يخل منه قط دعاء الأنبياء
نبي الله يوسف الصديق عليه السلام وهو في تمام العزة ، وفي أوج القوة والتمكين بعد سنوات السجن والبلاء.
ما الدعاء الذي ختم به حياته الحافلة؟
هل طلب امتداد ملكه أو سعة رزقه؟
الحق أن قلبه كان معلقاً بما هو أبعد وأبقى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾
تأمل
رجل على قمة النجاح الدنيوي، والهمّ الأكبر الذي يجيش في صدره؛ حسن الختام والرفقة الصالحة في الدار الباقية.
هنا يتجلى معنى أن الدنيا مجرد قنطرة، والهم الحقيقي هو الوصول بسلام إلى الضفة الأخرى.
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام،
ذلك الذي قضى حياته في الدعوة وتحطيم الأصنام وبناء البيت، يرتجف قلبه من هول يوم القيامة فيدعو: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
إنه لا يطلب مجرد دخول الجنة، بل يطلب الأمان من الخزي، ويحدد شرط النجاة ليعيه الجميع: القلب السليم.
همُّ سلامة القلب؛ مفتاح النجاة الأخروية
أما عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أدعيته بحراً زاخراً بهموم الآخرة، ليس له وحده بل ولأمته من بعده
ولهذا حديث آخر يطول لعله يكون قريبا
السؤال الذي يبرز إلى السطح بعد تلك الجولة المختصرة مع بعض دعاء الأنبياء هل همومنا تشبه ذلك؟
هل للآخرة هذا الحضور القوي في هموم نترجمها دعاءً؟
هل نرتجف حقاً عند تذكر يوم الحساب فندعو أم ينجينا الله يومئذ؟
هل نسأل الله بصدق قلباً سليماً وخاتمة حسنة؟ أم أن الآخرة بالنسبة لنا مجرد معلومة نظرية، كعنوان فصل في كتاب التاريخ، لا يكاد يؤثر في دعواتنا اليومية التي تستغرقها تفاصيل الدنيا الصغيرة ومخاوفها العابرة؟
يا عزيزي، دعاؤك هو بصمتك الروحية
هو كشف حسابك القلبي أمام ربك.
انظر في قائمة طلباتك وهمومك التي تبثها في مناجاتك
هل همّ الدين حاضر؟
هل يشغل همّ الأمة حيزا من تفكيرك ينعكس على تضرعك؟
وأين يقع همّ الآخرة من كل هذا؟
التوازن بين هذه الهموم، والأهم من ذلك، أولويتها في قلبك التي تنعكس في دعائك، هي التي تحدد وجهتك الحقيقية.
لا تكن كالذي يفرع كل طاقته في تزيين وتجميل واجهة بيته وينسى أساساته
، أو كالذي يلمّع سيارته الفارهة وهو لا يملك ثمن وقودها.
رتّب هموم قلبك، وتابعها واحمد الله الذي يكشف لك عن مكنون نفسك
حتى في همسات دعائك
"فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَ ٰلِكَ نُـۨجِی ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"
وأين كانت؟
في الدنيا يا عزيزي
كان الغم والهم ونشأ الدعاء ثم انبثقت النجاة بفضل الله
تيسير الأمر أيضا يعد من مطالب الدنيا ولقد دعا بذلك سيدنا موسى وهو مقبلٌ على تلك المهمة الثقيلة في مواجهة فرعون
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ .
قد تبدو لأول وهلة هموما دنيوية خالصة ، لكنها وإن حملت شيئا من ذلك فهي في الحقيقة امتداد لهمٍّ يتعلق بأداء الأمانة.
يريد قلباً منشرحا يتحمل الأذى، وأمراً ميسراً لا يتعثر، ولساناً فصيحاً يبلغ الحجة.
هل ترى كيف ارتبط هم الدنيا هنا بهم الدين ارتباطاً وثيقاً؟
للدنيا نصيب في هموم الأنبياء وأدعيتهم، لكنه نصيب منضبط بميزان الشرع، مرتبط غالباً بهمّ الدين، أو معبرٌ عن فطرة بشرية سوية لم تتجاوز أبدا حد الأدب مع الله.
حين أتأمل ذلك في القرآن ثم أنظر إلى هموم دنيانا التي تقبع في أدعيتنا فأسأل نفسي هل هي طلبٌ لعون على طاعة أو دفعٌ لبلاء يعيق عن خير أم أنها مجرد قائمة لا تنتهي من الرغبات الاستهلاكية والكمالية وحسب؟
حسنا حتى إن كانت كذلك فكفي بالمرء أنه يدعو لكن سؤالي لنفسي هو محض تبين لإدراك الهم
ومن كانت الدنيا همه فرق الله شمله
تلك هي المشكلة
أن تكون الدنيا هي أكبر الهم ومبلغ العلم
لكن ثمة همّ آخر تظهره دعوات النبيين والمرسلين آثرت أن يكون الأخير في تدبراتي هذه فهو الأثقل وزناً والأبعد مدى، والذي يجب أن يظلل كل همٍّ سواه
الهمّ الذي تضبط على إيقاعه كل إيقاعات الحياة
همّ الآخرة.
ومن جعل الهموم هما واحد هم المعاد كفاه الله سائر الهموم
هكذا بين رسول الله صلى الله عليه وهو الذي تحدث مرارا عن ذلك الهم الذي من اكتنف قلبه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة
وهذا لم يخل منه قط دعاء الأنبياء
نبي الله يوسف الصديق عليه السلام وهو في تمام العزة ، وفي أوج القوة والتمكين بعد سنوات السجن والبلاء.
ما الدعاء الذي ختم به حياته الحافلة؟
هل طلب امتداد ملكه أو سعة رزقه؟
الحق أن قلبه كان معلقاً بما هو أبعد وأبقى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾
تأمل
رجل على قمة النجاح الدنيوي، والهمّ الأكبر الذي يجيش في صدره؛ حسن الختام والرفقة الصالحة في الدار الباقية.
هنا يتجلى معنى أن الدنيا مجرد قنطرة، والهم الحقيقي هو الوصول بسلام إلى الضفة الأخرى.
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام،
ذلك الذي قضى حياته في الدعوة وتحطيم الأصنام وبناء البيت، يرتجف قلبه من هول يوم القيامة فيدعو: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
إنه لا يطلب مجرد دخول الجنة، بل يطلب الأمان من الخزي، ويحدد شرط النجاة ليعيه الجميع: القلب السليم.
همُّ سلامة القلب؛ مفتاح النجاة الأخروية
أما عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أدعيته بحراً زاخراً بهموم الآخرة، ليس له وحده بل ولأمته من بعده
ولهذا حديث آخر يطول لعله يكون قريبا
السؤال الذي يبرز إلى السطح بعد تلك الجولة المختصرة مع بعض دعاء الأنبياء هل همومنا تشبه ذلك؟
هل للآخرة هذا الحضور القوي في هموم نترجمها دعاءً؟
هل نرتجف حقاً عند تذكر يوم الحساب فندعو أم ينجينا الله يومئذ؟
هل نسأل الله بصدق قلباً سليماً وخاتمة حسنة؟ أم أن الآخرة بالنسبة لنا مجرد معلومة نظرية، كعنوان فصل في كتاب التاريخ، لا يكاد يؤثر في دعواتنا اليومية التي تستغرقها تفاصيل الدنيا الصغيرة ومخاوفها العابرة؟
يا عزيزي، دعاؤك هو بصمتك الروحية
هو كشف حسابك القلبي أمام ربك.
انظر في قائمة طلباتك وهمومك التي تبثها في مناجاتك
هل همّ الدين حاضر؟
هل يشغل همّ الأمة حيزا من تفكيرك ينعكس على تضرعك؟
وأين يقع همّ الآخرة من كل هذا؟
التوازن بين هذه الهموم، والأهم من ذلك، أولويتها في قلبك التي تنعكس في دعائك، هي التي تحدد وجهتك الحقيقية.
لا تكن كالذي يفرع كل طاقته في تزيين وتجميل واجهة بيته وينسى أساساته
، أو كالذي يلمّع سيارته الفارهة وهو لا يملك ثمن وقودها.
رتّب هموم قلبك، وتابعها واحمد الله الذي يكشف لك عن مكنون نفسك
حتى في همسات دعائك
21.04.202520:52
صمت الدكتور "فؤاد" لوهلة شاعرا بالخزي يغمره.
لا يجد ما يقول.
الشاب في الصورة كان محقاً.
لقد خان نفسه القديمة
فرط في أحلامه
تجاهل مبادئه
تغاضى عن قيمه
صار شخصا آخر لو التقى بهذا الشاب في الماضي لكان المستحيل بعينه أن يصدق أنه هو نفسه..
"لكن لماذا الآن؟"
سأل أخيراً بصوتٍ واهن.
"لماذا تظهر لي الآن لتُعذبني؟"
"أنا لستُ هنا لأعذبك.. بل لأنقذك... أو لأنقذ ما تبقى منك"
قالها الشاب ونبرته تخفت حدتها قليلاً.
"ما زال هناك وقت.
ما زالت هناك فرصةٌ لتُشعل تلك الجذوة التي كادت أن تنطفئ.
فرصةٌ لتعود إلى 'أنت' الحقيقي،
تعود قبل أن يبتلعك الزمن تماماً وتذهب إلى رحلة اللاعودة."
"لكن كيف؟
كيف أعود؟
وهل هذا ممكن أصلا"
سأل الدكتور "فؤاد" بلهفةٍ يائسة.
ابتسم الشاب في الصورة ابتسامةً ماكرة هذه المرة، وقال: "الأمر بسيط يا دكتور.
فقط انظر جيداً وتأمل هذه الصورة. ألا تلحظ شيئاً غريباً في الخلفية؟ شيءٌ لم تلحظه من قبل؟"
حدّق الدكتور "فؤاد" في الصورة بتركيزٍ شديد.
كانت الخلفية ضبابية بعض الشيء، لكنه الآن، ربما بفعل ضوء الصالة الخافت أو ربما بفعل شيءٍ آخر، بدأ يرى تفاصيل لم يرها من قبل.
رأى انعكاساً خافتاً في مرآة تقبع في خلفية الصورة...
انعكاساً لوجهٍ آخر!
كان وجهاً مألوفاً بشكلٍ غريب،
إنه يشبه وجهه الحالي لكن أكبر سناً ووقارا و.... ثمة شيء آخر
شيء لا يدري كنهه
ركز د. فؤاد أكثر في تفاصيل الوجه الآخر ليتلمس ذلك الشيء المختلف
الوجه المُسن و رغم التجاعيد العميقة التي تظهر عليه يبدو أكثر إشراقا ورضا
أكثر ابتهاجا و.... سلاما
وأكثر حماسا!
نعم... الوجه المغضن يكاد يكون أشبه بنسخته الشابة
رغم التجاعيد يبدو نضرا متوهجا
"من... من هذا؟"
سأل الدكتور "فؤاد" رغم أنه قد تعرف بالفعل على الوجه الجديد.
ضحك الشاب في الصورة بصوتٍ عالٍ هذه المرة. " أنت تعلم جيدا يا دكتور من هذا
هذا هو أنت
هذه هي النسخة التي يمكنك أن تصبح عليها إن أنتَ أردت!
النسخة التي تصالحت مع الزمن، وتعلمت من أخطائها، ووجدت طريقها إلى النور في نهاية النفق.
أنا مجرد مرحلة.
مجرد ذكرى لحماسٍ قديم.
أما هو...
هو الأمل..
هو المستقبل الذي لا يزال بانتظارك إن أنتَ أردتَ أن تسعى إليه."
نظر الدكتور "فؤاد" مرة أخرى إلى الصورة
إلى وجهه الشاب المتحمس الذي ينبض بالحيوية
وإلى ذلك الوجه الآخر الهادئ المنعكس في الخلفية.
معركة حامية تحتدم بداخله.
صراعٌ بين يأس الماضي وأمل المستقبل.
"الاختيار لك الآن يا دكتور"
قالها الشاب في الصورة التي بدأت تتلاشى ببطء.
"هل ستظل سجين نسختك الحالية التي تراها في المرآة؟ أم أن ثمة احتمالات أخرى واختيارات مغايرة؟
قلَّبَ الدكتور فؤاد الصورة بين يديه وقد تلاشت كل الحيوية والتفاصيل وعادت إلى صمتها القديم، وابتسامتها الساذجة.
ظل جالساً في ردهة منزله، وكأنه قد تجمد تماما بينما المعركة لم تزل تلتهب في صدره وسؤالات الشاب الذي كان تنهال على ذهنه
شيء ما قد تغير في داخله.
نظر إلى المرآة الكبيرة التي تتوسط الردهة وقد تغيرت نظرته
لم يعد يرى نفسه مجرد كهل محطم ينتظر النهاية
إنه الآن مسافر آخر على طريقٍ لم يزل فيه متسعٌ للسير
وللتغيير
وللوصول إلى وجهةٍ أفضل.
لكن هل ستكون لديه الشجاعة الكافية ليكمل السفر ويسعى نحو تلك الوجهة التي يكون فيها أشبه بملامحه القديمة أم أنه سيكتفي بمجرد التقليب في دفتر الماضي ومتأملا صورا قديمة لم يعد يعرفها
ولم تعد تعرفه..
لا يجد ما يقول.
الشاب في الصورة كان محقاً.
لقد خان نفسه القديمة
فرط في أحلامه
تجاهل مبادئه
تغاضى عن قيمه
صار شخصا آخر لو التقى بهذا الشاب في الماضي لكان المستحيل بعينه أن يصدق أنه هو نفسه..
"لكن لماذا الآن؟"
سأل أخيراً بصوتٍ واهن.
"لماذا تظهر لي الآن لتُعذبني؟"
"أنا لستُ هنا لأعذبك.. بل لأنقذك... أو لأنقذ ما تبقى منك"
قالها الشاب ونبرته تخفت حدتها قليلاً.
"ما زال هناك وقت.
ما زالت هناك فرصةٌ لتُشعل تلك الجذوة التي كادت أن تنطفئ.
فرصةٌ لتعود إلى 'أنت' الحقيقي،
تعود قبل أن يبتلعك الزمن تماماً وتذهب إلى رحلة اللاعودة."
"لكن كيف؟
كيف أعود؟
وهل هذا ممكن أصلا"
سأل الدكتور "فؤاد" بلهفةٍ يائسة.
ابتسم الشاب في الصورة ابتسامةً ماكرة هذه المرة، وقال: "الأمر بسيط يا دكتور.
فقط انظر جيداً وتأمل هذه الصورة. ألا تلحظ شيئاً غريباً في الخلفية؟ شيءٌ لم تلحظه من قبل؟"
حدّق الدكتور "فؤاد" في الصورة بتركيزٍ شديد.
كانت الخلفية ضبابية بعض الشيء، لكنه الآن، ربما بفعل ضوء الصالة الخافت أو ربما بفعل شيءٍ آخر، بدأ يرى تفاصيل لم يرها من قبل.
رأى انعكاساً خافتاً في مرآة تقبع في خلفية الصورة...
انعكاساً لوجهٍ آخر!
كان وجهاً مألوفاً بشكلٍ غريب،
إنه يشبه وجهه الحالي لكن أكبر سناً ووقارا و.... ثمة شيء آخر
شيء لا يدري كنهه
ركز د. فؤاد أكثر في تفاصيل الوجه الآخر ليتلمس ذلك الشيء المختلف
الوجه المُسن و رغم التجاعيد العميقة التي تظهر عليه يبدو أكثر إشراقا ورضا
أكثر ابتهاجا و.... سلاما
وأكثر حماسا!
نعم... الوجه المغضن يكاد يكون أشبه بنسخته الشابة
رغم التجاعيد يبدو نضرا متوهجا
"من... من هذا؟"
سأل الدكتور "فؤاد" رغم أنه قد تعرف بالفعل على الوجه الجديد.
ضحك الشاب في الصورة بصوتٍ عالٍ هذه المرة. " أنت تعلم جيدا يا دكتور من هذا
هذا هو أنت
هذه هي النسخة التي يمكنك أن تصبح عليها إن أنتَ أردت!
النسخة التي تصالحت مع الزمن، وتعلمت من أخطائها، ووجدت طريقها إلى النور في نهاية النفق.
أنا مجرد مرحلة.
مجرد ذكرى لحماسٍ قديم.
أما هو...
هو الأمل..
هو المستقبل الذي لا يزال بانتظارك إن أنتَ أردتَ أن تسعى إليه."
نظر الدكتور "فؤاد" مرة أخرى إلى الصورة
إلى وجهه الشاب المتحمس الذي ينبض بالحيوية
وإلى ذلك الوجه الآخر الهادئ المنعكس في الخلفية.
معركة حامية تحتدم بداخله.
صراعٌ بين يأس الماضي وأمل المستقبل.
"الاختيار لك الآن يا دكتور"
قالها الشاب في الصورة التي بدأت تتلاشى ببطء.
"هل ستظل سجين نسختك الحالية التي تراها في المرآة؟ أم أن ثمة احتمالات أخرى واختيارات مغايرة؟
قلَّبَ الدكتور فؤاد الصورة بين يديه وقد تلاشت كل الحيوية والتفاصيل وعادت إلى صمتها القديم، وابتسامتها الساذجة.
ظل جالساً في ردهة منزله، وكأنه قد تجمد تماما بينما المعركة لم تزل تلتهب في صدره وسؤالات الشاب الذي كان تنهال على ذهنه
شيء ما قد تغير في داخله.
نظر إلى المرآة الكبيرة التي تتوسط الردهة وقد تغيرت نظرته
لم يعد يرى نفسه مجرد كهل محطم ينتظر النهاية
إنه الآن مسافر آخر على طريقٍ لم يزل فيه متسعٌ للسير
وللتغيير
وللوصول إلى وجهةٍ أفضل.
لكن هل ستكون لديه الشجاعة الكافية ليكمل السفر ويسعى نحو تلك الوجهة التي يكون فيها أشبه بملامحه القديمة أم أنه سيكتفي بمجرد التقليب في دفتر الماضي ومتأملا صورا قديمة لم يعد يعرفها
ولم تعد تعرفه..
29.03.202504:47
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
خاتمة السلسلة الصوتية اليومية ونظرات سريعة مجملة للجزء الثلاثين
اللهم تقبل وانفع واغفر الزلل والخطأ
https://youtu.be/CK8rMPQyEww?si=KTu4lkV-7FEWIWkg
رابط السلسلة كاملة
https://youtube.com/playlist?list=PLOPc-eoTaSLIaSn6ZHn4DCH2SORl3PfSz&si=UoDWDL41GNd-zdNr
خاتمة السلسلة الصوتية اليومية ونظرات سريعة مجملة للجزء الثلاثين
اللهم تقبل وانفع واغفر الزلل والخطأ
https://youtu.be/CK8rMPQyEww?si=KTu4lkV-7FEWIWkg
رابط السلسلة كاملة
https://youtube.com/playlist?list=PLOPc-eoTaSLIaSn6ZHn4DCH2SORl3PfSz&si=UoDWDL41GNd-zdNr
16.04.202503:35
بعد يوم عمل طويل في مهنة تدور أحداثها في سنتيمترات محدودة - بل في أجزاء من المليميتر - قررت تناول عبوة من الشيكولاتة الداكنة كنوع من مكافأة النفس
وكعادتي مؤخرا أحاول الالتزام بحد أقصى للسعرات والمكونات الصحية فقلبت العبوة لأقرأ المعلومات المطبوعة على ظهرها..
تلك المعلومات التي تخبرك كم ملعقة سكر ستصب في دمك دون أن تدري ولأعرف على الأقل عدد السعرات التي ستحويها هذه المكافأة
وهنا كانت المفاجأة
ولقد كانت محزنة
لم أكد أتبين حرفا او رقما من المكتوب على ظهر العبوة
كنت دائما طوال عمري مستريحا إلى نظري (الستة على ستة) كما يقولون
لم أعان يوما بفضل الله من تبين التفاصيل عن بعد أو قرب
لم تعضلني قراءة نشرة دواء مكتوبة بذلك الخط الدقيق الذي يبدو كطلاسم السحرة ودون الحاجة لتقطيب الجبين.
غاية ما في الأمر بعد سنوات الدراسة القاسية أن أصابني بعد (الاستيجماتيزم) واحتجت لنظارة طبية بسيطة لأحافظ على حالة عيناي كيلا تتدهور أكثر
الآن تشعر تلك العينان بإرهاق غريب لم تعهده وصعوبة متزايدة في قراءة تلك المكونات الدقيقة
لأول وهلة أرجعت الأمر إلى الإرهاق
أو ربما لضعف الإضاءة
أو لعل هذه العبوة قد بالغ منتجوها في تصغير الكتابة كمؤامرة أخرى على نفسيتي التي لم يكن ينقصها إلا هذا!
فكرت في كل الاحتمالات إلا الاحتمال الحقيقي الذي كان يتربص بي في الظل.
لكن الأمر تكرر
مرة بعد مرة لاحظت أنني لم أعد أستطيع القراءة لفترة طويلة
لافتات الطرق صارت بعض تفاصيلها تفوتني إذا كانت بخط أصغر
بل لقد احتجت لتكبير حجم الخط قليلا في هاتفي ولاحظت أنني صرت أبعده شيئا فشيئا عن عيني لأقرأ بشكل أسهل
ماذا يحدث؟
ما الذي أصابني؟
هنا جاءت لحظة الحقيقة حين قابلت زميلا عزيزا في المستشفى أثناء يوم عمل عادي
أظنك توقعت تخصصه
نعم هو استشاري رمد يقع باب قسمه أمام باب قسمنا مباشرة
أخبرته بملحوظاتي الأخيرة بلا مبالاة مفتعلة وكأن الأمر عادي وهو مجرد تساؤل عابر؛ فكانت تلك النظرة
نظرة ذات مغزى وكأنه قد شخص المشكلة كعادة الخبراء ثم طلب مني بتهذيب أن أدلف إلى قسمهم المتخم بأجهزة غير مطمئنة
أخضعني لبعض الفحوص لم أتعرض لمثلها منذ عقود ثم نظر بتمعن في الأوراق والتقارير التي خرجت منها ثم طلب مني أن يتفحص قاع العين؛ بعدها ألقى سؤاله ببساطة قاطعة كحد السيف: "تجاوزت الأربعين، أليس كذلك؟".
أشرت إلى الشيب الذي يملأ رأسي ولحيتي وأجبته مبتسما: هل حقا تحتاج إلى إجابة مع هذا المشهد الواضح؟ جاوزتها يا عزيزي بخمسة أعوام
بادلني زميلي الابتسامة بطريقة تشي أنه قد رأى هذه الحالة ألف مرة، وقال كلمته بمباشرة وبغير تجميل : "وكيف تتوقع أن ترى الأشياء القريبة بوضوح دون نظارة قراءة؟".
نظارة قراءة؟!
أنا؟!
صاحب النظر الستة على ستة؟!
أنا أرتدي تلك النظارة التي يرتديها أبي حفظه الله حين يقرأ في كتبه وتحرص عليها أمي إذا ارادت تصفح جروب العائلة على الواتس؟
شعرتُ بالإهانة للحظة لكن تذكرت أنني طبيب وأن الرجل لم يتفوه بأي شيء يعد إهانة وما جاوز المهنية قط وليس ذنبه أنني قد كبرت
أردتُ أن أجادله..
أن أبحث عن سبب آخر
أن أعيد اتهام الإرهاق أو مؤامرة المطابع على الأغلفة والتي صغرت الخط لتستهدف نفسيتي لكنني ذكرت نفسي أن أكون أعقل من ذلك..
وجه الطبيب الحاسم نبأني أيضا أنه لن يغير رأيه أبدا..
خرجتُ من عيادة الرمد وفي جيبي وصفة طبية تمتليء بالقطرات التي لم أعهدها ومعها مقياس نظر لأذهب به إلى محل البصريات كي يتحفني بنظارة القراءة المطلوبة
في قلبي شعور غريب بالهزيمة.
هزيمة أمام شيء حتمي لا يقبل التفاوض...
الزمن.
في اليوم التالي استلمت النظارة السميكة التي لا تقارن بنظارتي السابقة الخفيفة الأنيقة
و حين ارتديتها لأول مرة كانت المفاجأة الثانية.
كل شيء صار مختلفا
الحروف التي كانت مزيجا مختلطا أصبحت واضحة متمايزة.
أرقام الساعة التي كنت أعاني في تبينها صارت جلية
والأجمل أن محيط الرؤية في مجال عملي قد اتسع وصار أيضا أوضح وأجمل
ما كل هذه التفاصيل التي كانت تخفى عليّ؟!
كل شيء عاد إلى الحياة كما كان من قبل وبصورة لم أدرك أصلا انني قد فقدتها
وكأنني كنتُ أمشي في ضباب كثيف طوال الفترة الماضية دون أن أدري.
أنا الذي كنتُ أظن أنني أرى، اكتشفتُ أنني لم أكن أرى جيداً على الإطلاق!
كان هذا الاعتراف قاسياً
لقد كبرتُ. لم يعد جسدي هو نفسه، ولم تعد حواسي بتلك الحدة التي كنت أظنها!
.
الزمن، ذلك النهر الجاري الذي لا يتوقف، لم يكتفِ بحمل أيامنا وشهورنا معه بعيداً، بل بدأ يضع بصماته الواضحة على جسدي، بصمات لا يمكنني تجاهلها أو تجميلها.
وهذه النظارة الجديدة، ليست مجرد أداةٍ لتصحيح عيبٍ بصري، بل هي أشبه بعدسةٍ جديدة أرى بها العالم، وتُجبرني على رؤية نفسي بشكلٍ مختلف..
وكعادتي مؤخرا أحاول الالتزام بحد أقصى للسعرات والمكونات الصحية فقلبت العبوة لأقرأ المعلومات المطبوعة على ظهرها..
تلك المعلومات التي تخبرك كم ملعقة سكر ستصب في دمك دون أن تدري ولأعرف على الأقل عدد السعرات التي ستحويها هذه المكافأة
وهنا كانت المفاجأة
ولقد كانت محزنة
لم أكد أتبين حرفا او رقما من المكتوب على ظهر العبوة
كنت دائما طوال عمري مستريحا إلى نظري (الستة على ستة) كما يقولون
لم أعان يوما بفضل الله من تبين التفاصيل عن بعد أو قرب
لم تعضلني قراءة نشرة دواء مكتوبة بذلك الخط الدقيق الذي يبدو كطلاسم السحرة ودون الحاجة لتقطيب الجبين.
غاية ما في الأمر بعد سنوات الدراسة القاسية أن أصابني بعد (الاستيجماتيزم) واحتجت لنظارة طبية بسيطة لأحافظ على حالة عيناي كيلا تتدهور أكثر
الآن تشعر تلك العينان بإرهاق غريب لم تعهده وصعوبة متزايدة في قراءة تلك المكونات الدقيقة
لأول وهلة أرجعت الأمر إلى الإرهاق
أو ربما لضعف الإضاءة
أو لعل هذه العبوة قد بالغ منتجوها في تصغير الكتابة كمؤامرة أخرى على نفسيتي التي لم يكن ينقصها إلا هذا!
فكرت في كل الاحتمالات إلا الاحتمال الحقيقي الذي كان يتربص بي في الظل.
لكن الأمر تكرر
مرة بعد مرة لاحظت أنني لم أعد أستطيع القراءة لفترة طويلة
لافتات الطرق صارت بعض تفاصيلها تفوتني إذا كانت بخط أصغر
بل لقد احتجت لتكبير حجم الخط قليلا في هاتفي ولاحظت أنني صرت أبعده شيئا فشيئا عن عيني لأقرأ بشكل أسهل
ماذا يحدث؟
ما الذي أصابني؟
هنا جاءت لحظة الحقيقة حين قابلت زميلا عزيزا في المستشفى أثناء يوم عمل عادي
أظنك توقعت تخصصه
نعم هو استشاري رمد يقع باب قسمه أمام باب قسمنا مباشرة
أخبرته بملحوظاتي الأخيرة بلا مبالاة مفتعلة وكأن الأمر عادي وهو مجرد تساؤل عابر؛ فكانت تلك النظرة
نظرة ذات مغزى وكأنه قد شخص المشكلة كعادة الخبراء ثم طلب مني بتهذيب أن أدلف إلى قسمهم المتخم بأجهزة غير مطمئنة
أخضعني لبعض الفحوص لم أتعرض لمثلها منذ عقود ثم نظر بتمعن في الأوراق والتقارير التي خرجت منها ثم طلب مني أن يتفحص قاع العين؛ بعدها ألقى سؤاله ببساطة قاطعة كحد السيف: "تجاوزت الأربعين، أليس كذلك؟".
أشرت إلى الشيب الذي يملأ رأسي ولحيتي وأجبته مبتسما: هل حقا تحتاج إلى إجابة مع هذا المشهد الواضح؟ جاوزتها يا عزيزي بخمسة أعوام
بادلني زميلي الابتسامة بطريقة تشي أنه قد رأى هذه الحالة ألف مرة، وقال كلمته بمباشرة وبغير تجميل : "وكيف تتوقع أن ترى الأشياء القريبة بوضوح دون نظارة قراءة؟".
نظارة قراءة؟!
أنا؟!
صاحب النظر الستة على ستة؟!
أنا أرتدي تلك النظارة التي يرتديها أبي حفظه الله حين يقرأ في كتبه وتحرص عليها أمي إذا ارادت تصفح جروب العائلة على الواتس؟
شعرتُ بالإهانة للحظة لكن تذكرت أنني طبيب وأن الرجل لم يتفوه بأي شيء يعد إهانة وما جاوز المهنية قط وليس ذنبه أنني قد كبرت
أردتُ أن أجادله..
أن أبحث عن سبب آخر
أن أعيد اتهام الإرهاق أو مؤامرة المطابع على الأغلفة والتي صغرت الخط لتستهدف نفسيتي لكنني ذكرت نفسي أن أكون أعقل من ذلك..
وجه الطبيب الحاسم نبأني أيضا أنه لن يغير رأيه أبدا..
خرجتُ من عيادة الرمد وفي جيبي وصفة طبية تمتليء بالقطرات التي لم أعهدها ومعها مقياس نظر لأذهب به إلى محل البصريات كي يتحفني بنظارة القراءة المطلوبة
في قلبي شعور غريب بالهزيمة.
هزيمة أمام شيء حتمي لا يقبل التفاوض...
الزمن.
في اليوم التالي استلمت النظارة السميكة التي لا تقارن بنظارتي السابقة الخفيفة الأنيقة
و حين ارتديتها لأول مرة كانت المفاجأة الثانية.
كل شيء صار مختلفا
الحروف التي كانت مزيجا مختلطا أصبحت واضحة متمايزة.
أرقام الساعة التي كنت أعاني في تبينها صارت جلية
والأجمل أن محيط الرؤية في مجال عملي قد اتسع وصار أيضا أوضح وأجمل
ما كل هذه التفاصيل التي كانت تخفى عليّ؟!
كل شيء عاد إلى الحياة كما كان من قبل وبصورة لم أدرك أصلا انني قد فقدتها
وكأنني كنتُ أمشي في ضباب كثيف طوال الفترة الماضية دون أن أدري.
أنا الذي كنتُ أظن أنني أرى، اكتشفتُ أنني لم أكن أرى جيداً على الإطلاق!
كان هذا الاعتراف قاسياً
لقد كبرتُ. لم يعد جسدي هو نفسه، ولم تعد حواسي بتلك الحدة التي كنت أظنها!
.
الزمن، ذلك النهر الجاري الذي لا يتوقف، لم يكتفِ بحمل أيامنا وشهورنا معه بعيداً، بل بدأ يضع بصماته الواضحة على جسدي، بصمات لا يمكنني تجاهلها أو تجميلها.
وهذه النظارة الجديدة، ليست مجرد أداةٍ لتصحيح عيبٍ بصري، بل هي أشبه بعدسةٍ جديدة أرى بها العالم، وتُجبرني على رؤية نفسي بشكلٍ مختلف..
10.04.202515:41
وهنا يبدأ فصل آخر من الدراما الشبحية خصوصا إذا لم يستطع الطب تقديم الكثير فاستعد حينئذ لمشاهدة "الأصحاب الجدعان" ومعهم أهل "الشبح" المتراقص على ماكينة الموت وهم يمارسون نوعًا آخر من المجدعة واستعراض القوة
ليس على الأسفلت هذه المرة، ولكن على الأطباء والممرضين وكل من سيتعرض لهم من العاملين بالمشفى، محملين إياهم مسؤولية ما حدث، وكأن قوانين الجاذبية والسرعة الفائقة والتراقص المتهور الذي كان يلهو الشبح؛ كل ذلك هو محض مؤامرة قام بها الطاقم الطبي ضد فقيدهم الذي لم يفعل شيئا يذكر اللهم إلا ما يشبه الا.نـ.تـ.حـ.ار
ارجوك لا تظن أنني أسخر منهم أو اتعالى عليهم
معاذ الله
أصارحك أن ثمة سخرية طبعا لكنها ليست منهم
ربما هي من الحالة المزرية التي أوصلتهم لهذه النسخة المؤلمة
أما بالنسبة لهم فصدقا أنا أتألم لأجلهم
إن "الأشباح" في نظري = ضحايا.
ضحايا لثقافة الاستهلاك الجشع التي حولت كل شيء إلى صورة، وكل قيمة إلى "ترند" عابر.
ضحايا لهذا السيل الجارف من السطحية الذي أغرقت كثيرا منا بدرجات متفاوتة لكن الأشباح للأسف غاصوا فيها حتى الآذان التي أبرزها ذلك القزع العنيف الذي يصرون عليه
هم ضحايا لبريق الشاشات الخادع
لضجيج المهرجانات الذي يملأ فراغ العقول والآذان ويقنعهم بأن "الكاريزما" لا تشترى إلا بهذه الهيئة والطريقة التي تماثل هذا الممثل أو ذاك المطرب
يقنعهم بأن الظهور هو ببساطة أهم من الوجود.
وهنا تكمن المفارقة المضحكة المبكية.
هذه الواجهة "الفِخِمة" غالبًا ما تكون أوهن من "الإكتوبلازم" الذي تتكون منه مادة الأشباح في أفلام الرعب والرويات الرخيصة
خدش بسيط بموقف حقيقي، وسترى "الشبح" الصلب يذوب أمامك إلى هلام مرتبك وتظهر حقيقة مباشرة
حقيقة شاب يبحث بيأس عن هوية وقبول، فاختار أقصر الطرق وأكثرها لمعانًا خادعًا
التقليد والمحاكاة.
والحق أنهم ليسوا مجرد "مُقلّدين"
اعتقد أن الأدق كونهم ممثلين بالوكالة لأدوار لم يختاروها وأزياء لا تناسب أرواحهم
أصداء مشوهة وظلال باهتة تبحث عن صورة مرضية في مرايا "الترند" البغيض التي تلتقط الأكثر صخبًا وغرابك لا لشيء إلا لتُرى
تُرى في عالم لا يلتفت إلا للضوضاء.
لذلك ورغم ما صدرت به مقالي من أنني لا أحب الأشباح إلا أنني أنصحك حين ترى أحدهم أن تتذكر حقيقة تلخص ما صدعتك به في السطور السابقة
حقيقة كون ما تراه أمامك هو مجرد عرض جانبي لأزمة أعمق
أزمة زمن غابت فيه القدوات الحقيقية وأصبحت "الترندات" هي البوصلة الرئيسية وربما الوحيدة!
عرض لمرض بحاجة حقيقية إلى ما يهونه أو يخففه كعرض وما يعالج السبب الحقيقي الكامن وراءه
بعض التوجيه الذي يناسب فهمه
جرعة من الواقع تُصب في فمه كدواء مُر
نصيحة هادئة بلغة يدرك مدلولاتها وتنتزعه ولو قليلا من أمام سيل مقاطع التيك توك والريلز
قد تكون تلك مجرد بدايات على طريق استعادة أرواح حقيقية تحل محل تلك الأشباح..
أشباح هائمة في شوارع مدينتنا
ليس على الأسفلت هذه المرة، ولكن على الأطباء والممرضين وكل من سيتعرض لهم من العاملين بالمشفى، محملين إياهم مسؤولية ما حدث، وكأن قوانين الجاذبية والسرعة الفائقة والتراقص المتهور الذي كان يلهو الشبح؛ كل ذلك هو محض مؤامرة قام بها الطاقم الطبي ضد فقيدهم الذي لم يفعل شيئا يذكر اللهم إلا ما يشبه الا.نـ.تـ.حـ.ار
ارجوك لا تظن أنني أسخر منهم أو اتعالى عليهم
معاذ الله
أصارحك أن ثمة سخرية طبعا لكنها ليست منهم
ربما هي من الحالة المزرية التي أوصلتهم لهذه النسخة المؤلمة
أما بالنسبة لهم فصدقا أنا أتألم لأجلهم
إن "الأشباح" في نظري = ضحايا.
ضحايا لثقافة الاستهلاك الجشع التي حولت كل شيء إلى صورة، وكل قيمة إلى "ترند" عابر.
ضحايا لهذا السيل الجارف من السطحية الذي أغرقت كثيرا منا بدرجات متفاوتة لكن الأشباح للأسف غاصوا فيها حتى الآذان التي أبرزها ذلك القزع العنيف الذي يصرون عليه
هم ضحايا لبريق الشاشات الخادع
لضجيج المهرجانات الذي يملأ فراغ العقول والآذان ويقنعهم بأن "الكاريزما" لا تشترى إلا بهذه الهيئة والطريقة التي تماثل هذا الممثل أو ذاك المطرب
يقنعهم بأن الظهور هو ببساطة أهم من الوجود.
وهنا تكمن المفارقة المضحكة المبكية.
هذه الواجهة "الفِخِمة" غالبًا ما تكون أوهن من "الإكتوبلازم" الذي تتكون منه مادة الأشباح في أفلام الرعب والرويات الرخيصة
خدش بسيط بموقف حقيقي، وسترى "الشبح" الصلب يذوب أمامك إلى هلام مرتبك وتظهر حقيقة مباشرة
حقيقة شاب يبحث بيأس عن هوية وقبول، فاختار أقصر الطرق وأكثرها لمعانًا خادعًا
التقليد والمحاكاة.
والحق أنهم ليسوا مجرد "مُقلّدين"
اعتقد أن الأدق كونهم ممثلين بالوكالة لأدوار لم يختاروها وأزياء لا تناسب أرواحهم
أصداء مشوهة وظلال باهتة تبحث عن صورة مرضية في مرايا "الترند" البغيض التي تلتقط الأكثر صخبًا وغرابك لا لشيء إلا لتُرى
تُرى في عالم لا يلتفت إلا للضوضاء.
لذلك ورغم ما صدرت به مقالي من أنني لا أحب الأشباح إلا أنني أنصحك حين ترى أحدهم أن تتذكر حقيقة تلخص ما صدعتك به في السطور السابقة
حقيقة كون ما تراه أمامك هو مجرد عرض جانبي لأزمة أعمق
أزمة زمن غابت فيه القدوات الحقيقية وأصبحت "الترندات" هي البوصلة الرئيسية وربما الوحيدة!
عرض لمرض بحاجة حقيقية إلى ما يهونه أو يخففه كعرض وما يعالج السبب الحقيقي الكامن وراءه
بعض التوجيه الذي يناسب فهمه
جرعة من الواقع تُصب في فمه كدواء مُر
نصيحة هادئة بلغة يدرك مدلولاتها وتنتزعه ولو قليلا من أمام سيل مقاطع التيك توك والريلز
قد تكون تلك مجرد بدايات على طريق استعادة أرواح حقيقية تحل محل تلك الأشباح..
أشباح هائمة في شوارع مدينتنا
21.04.202520:52
على أريكته الوثيرة جلس "الدكتور فؤاد" أستاذ علم النفس الكهل في ذلك اليوم الممل
أي يوم أجازة كان يعتبره مملا وهو الذي لم يتعود المكث بمنزله الخاوي إلا من الذكريات
لا يحب الأجازات لأنها تتركه في مواجهة نفسه وتذكره بوحدته بعد رحيل زوجته وسفر ابنه الوحيد للدراسة
جلس بضجر لا يدري ما يفعله فيما تبقى من ذلك اليوم الطويل
لمح بطرف عينه ذلك الصندوقٍ الخشبيٍّ القديم الذي يرقد في ركن الردهة من سنوات
صندق ورثه عن والدته رحمها الله، يمتليء بصورٍ فوتوغرافية بالية تفوح منها رائحة الماضي والغبار وربما قليل من النفتالين.
قرر أخيرا أن يقوم من مجلسه الممل ليفتح الصندوق؛ ليس بحثاً عن ذكرى محددة، ولكن كنوعٍ من الهروب، أو قـ.تل الوقت الذي أصبح أطول وأثقل مما يحتمل.
يالها من أحداث تبدو كأنما مرت عليها قرون
أين ذهب كل هؤلاء؟
بل من هؤلاء أصلا؟
عن أي قرون يتحدث وهو الذي لم يكمل عقده الخامس بعد
توقفت يداه عند صورةٍ قديمة مهترأة، تُظهره شاباً يافعاً في مقتبل العمر، ربما في سنته الجامعية الأولى.
شابٌ نحيل، بشعرٍ كثيف وعينين تلتمعان بحماسٍ ساذج ونظرةٍ متفائلة ترحب بالعالم، يرتدي قميصاً تبدو من تحته الرقبة الطويلة التي تميز ملابس هذه الفترة كان مبتسما للكاميرا ابتسامةً واسعة لا معني لها تكشف عن أسنانٍ غير متناسقة بعض الشيء.
حدّق الدكتور "فؤاد" في الصورة طويلاً، وشعر بوخزةٍ غريبة في قلبه.
من هذا الشاب المفعم بالحياة والأحلام؟ هل هذا حقاً هو أنا؟
يشعر أنه مجرد شبحٍ من ماضٍ سحيق لا يمتّ له بصلة؟
هزّ رأسه بسخريةٍ مُرّة، كمن يطرد فكرةً سخيفة.
وضع الصورة جانباً وأكمل تقليب بقية محتويات الصندوق مجترا ذكرياته.
لكن صورة الشاب ظلت عالقة في ذهنه، كشخصيةٍ عنيدة في روايةٍ إثارة رخيصة ترفض أن تموت.
في تلك الليلة، وبينما كان الدكتور "فؤاد" يغط في نوم متقطع كعادته مؤخرا، أيقظه صوتٌ خافتٌ في ردهة منزله.
ليس صوت لصٍ بالتأكيد، فهو يسكن شقة متواضعة ولا يمكن لمظهرها أن يغري بسرقتها أو ينبيء بوجود ما يستحق السرقة.
نهض بحذر، وانسل نحو الردهة.
لم يكن هناك أحد، لكنه لمح شيئاً مستقرا على الأريكة القديمة...
لقد كانت الصورة!
نفس الصورة التي كان يتأملها بالأمس، موضوعة بعناية على مسند الأريكة وكأن يدا أسندتها بشكل مقصود!
شعر الدكتور "فؤاد" بقشعريرة باردة تسري في جسده.
كيف وصلت الصورة إلى هنا؟
هل هو يمشي أثناء نومه؟ أم أن عقله بدأ يُداعبه بألاعيب سخيفة؟
أم هو عرض جديد من أعراض العقد الخامس وما بعد بلوغ الأشُدّ؟
التقط الصورة ليعيدها إلى الصندوق، لكنه تجمد في موضعه حين لاحظ شيئاً عجيبا: الشاب في الصورة الذي كان يوما يؤدي ذوره لم يعد يبتسم!
كانت ملامحه جامدة جادة وعيناه تحدقان فيه مباشرةً بنظرةٍ باردة، تحمل مزيجاً من اللوم وخيبة الأمل.
"مرحباً يا دكتور"
سمع الصوت هادئا لكنه حاد يحمل فتوة الشباب
الصوت يأتي بوضوح من اتجاه الصورة
أكمل الصوت قائلا: "أو ربما يجب أن أقول... مرحباً يا أنا؟"
شعر الدكتور "فؤاد" بأن ركبتيه لا تقويان على حمله.
جلس على أقرب مقعد، محدقاً في الصورة التي يبدو أن ساكنها قد قرر أن يخرج منها ليُجري معه حواراً وجودياً في منتصف الليل.
"مـ.. مـ...من أنت؟"
تمتم د. فؤاد بصوتٍ مختنق.
"أنا هو أنت"
أجاب الشاب في الصورة بنبرةٍ ساخرة.
"أنا هو أنت قبل أن يسحقك الزمن، وتُغيرك المساومات، وتُعلّمك الحياة دروسها القاسية التي محت بريق عينيك وأطفأت شعلة أحلامك.
أنا النسخة التي خنتها تخليت عنها يا دكتور".
"خنت؟ تخلّيت؟ ماذا تقصد؟"
"أحقا.. ألا تتذكر؟"
ابتسم الشاب في الصورة ابتسامةً باردة. "ألا تتذكر أحلامك بتغيير العالم؟
ألا تتذكر مبادئك التي كنتَ تقسم ألا تتنازل عنها أبدا؟
ألا تتذكر شغفك بالحق والعدل والقيم النبيلة؟
انظر إلى نفسك الآن!
مجرد كهل متهالك تؤدي عملك بلا شغف مُحاطا بالغبار والوحدة، تتردد ألف مرة قبل أن تُبدي رأيك ولو في أبسط شؤون الحياة
تُجامل من لا يستحق، وتُبرر لنفسك كل تنازلٍ قدمته ولم تزل تقدمه كأضحية على مذبح 'الواقعية'..
شعر الدكتور "فؤاد" بالكلمات تخترقه كالسهام.
كل ما يقوله الشاب صحيح بشكلٍ مؤلم. لقد تغير كثيراً
تآكلت مبادئه ببطء،
خفتت حماسته وغابت تحت رماد السنين.
"لكن... هذه هي الحياة"
دافع الكهل عن نفسه بصوت ضعيف. "الحياة تُغيرنا، تُجبرنا على التنازل، على التأقلم..."
بحدة رد الشاب في الصورة مقاطعا: "الحياة لا تُجبر أحداً على التفريط يا دكتور.. الحياة تعرض عليك اختبارات، وأنت تختار إما أن تثبت أو أن تسقط.
وأنت اخترتَ الطريق الأسهل، طريق المساومات والمجاملات... والنتيجة؟
هذه النسخة الباهتة المنطفئة التي أراها أمامي الآن!".
أي يوم أجازة كان يعتبره مملا وهو الذي لم يتعود المكث بمنزله الخاوي إلا من الذكريات
لا يحب الأجازات لأنها تتركه في مواجهة نفسه وتذكره بوحدته بعد رحيل زوجته وسفر ابنه الوحيد للدراسة
جلس بضجر لا يدري ما يفعله فيما تبقى من ذلك اليوم الطويل
لمح بطرف عينه ذلك الصندوقٍ الخشبيٍّ القديم الذي يرقد في ركن الردهة من سنوات
صندق ورثه عن والدته رحمها الله، يمتليء بصورٍ فوتوغرافية بالية تفوح منها رائحة الماضي والغبار وربما قليل من النفتالين.
قرر أخيرا أن يقوم من مجلسه الممل ليفتح الصندوق؛ ليس بحثاً عن ذكرى محددة، ولكن كنوعٍ من الهروب، أو قـ.تل الوقت الذي أصبح أطول وأثقل مما يحتمل.
يالها من أحداث تبدو كأنما مرت عليها قرون
أين ذهب كل هؤلاء؟
بل من هؤلاء أصلا؟
عن أي قرون يتحدث وهو الذي لم يكمل عقده الخامس بعد
توقفت يداه عند صورةٍ قديمة مهترأة، تُظهره شاباً يافعاً في مقتبل العمر، ربما في سنته الجامعية الأولى.
شابٌ نحيل، بشعرٍ كثيف وعينين تلتمعان بحماسٍ ساذج ونظرةٍ متفائلة ترحب بالعالم، يرتدي قميصاً تبدو من تحته الرقبة الطويلة التي تميز ملابس هذه الفترة كان مبتسما للكاميرا ابتسامةً واسعة لا معني لها تكشف عن أسنانٍ غير متناسقة بعض الشيء.
حدّق الدكتور "فؤاد" في الصورة طويلاً، وشعر بوخزةٍ غريبة في قلبه.
من هذا الشاب المفعم بالحياة والأحلام؟ هل هذا حقاً هو أنا؟
يشعر أنه مجرد شبحٍ من ماضٍ سحيق لا يمتّ له بصلة؟
هزّ رأسه بسخريةٍ مُرّة، كمن يطرد فكرةً سخيفة.
وضع الصورة جانباً وأكمل تقليب بقية محتويات الصندوق مجترا ذكرياته.
لكن صورة الشاب ظلت عالقة في ذهنه، كشخصيةٍ عنيدة في روايةٍ إثارة رخيصة ترفض أن تموت.
في تلك الليلة، وبينما كان الدكتور "فؤاد" يغط في نوم متقطع كعادته مؤخرا، أيقظه صوتٌ خافتٌ في ردهة منزله.
ليس صوت لصٍ بالتأكيد، فهو يسكن شقة متواضعة ولا يمكن لمظهرها أن يغري بسرقتها أو ينبيء بوجود ما يستحق السرقة.
نهض بحذر، وانسل نحو الردهة.
لم يكن هناك أحد، لكنه لمح شيئاً مستقرا على الأريكة القديمة...
لقد كانت الصورة!
نفس الصورة التي كان يتأملها بالأمس، موضوعة بعناية على مسند الأريكة وكأن يدا أسندتها بشكل مقصود!
شعر الدكتور "فؤاد" بقشعريرة باردة تسري في جسده.
كيف وصلت الصورة إلى هنا؟
هل هو يمشي أثناء نومه؟ أم أن عقله بدأ يُداعبه بألاعيب سخيفة؟
أم هو عرض جديد من أعراض العقد الخامس وما بعد بلوغ الأشُدّ؟
التقط الصورة ليعيدها إلى الصندوق، لكنه تجمد في موضعه حين لاحظ شيئاً عجيبا: الشاب في الصورة الذي كان يوما يؤدي ذوره لم يعد يبتسم!
كانت ملامحه جامدة جادة وعيناه تحدقان فيه مباشرةً بنظرةٍ باردة، تحمل مزيجاً من اللوم وخيبة الأمل.
"مرحباً يا دكتور"
سمع الصوت هادئا لكنه حاد يحمل فتوة الشباب
الصوت يأتي بوضوح من اتجاه الصورة
أكمل الصوت قائلا: "أو ربما يجب أن أقول... مرحباً يا أنا؟"
شعر الدكتور "فؤاد" بأن ركبتيه لا تقويان على حمله.
جلس على أقرب مقعد، محدقاً في الصورة التي يبدو أن ساكنها قد قرر أن يخرج منها ليُجري معه حواراً وجودياً في منتصف الليل.
"مـ.. مـ...من أنت؟"
تمتم د. فؤاد بصوتٍ مختنق.
"أنا هو أنت"
أجاب الشاب في الصورة بنبرةٍ ساخرة.
"أنا هو أنت قبل أن يسحقك الزمن، وتُغيرك المساومات، وتُعلّمك الحياة دروسها القاسية التي محت بريق عينيك وأطفأت شعلة أحلامك.
أنا النسخة التي خنتها تخليت عنها يا دكتور".
"خنت؟ تخلّيت؟ ماذا تقصد؟"
"أحقا.. ألا تتذكر؟"
ابتسم الشاب في الصورة ابتسامةً باردة. "ألا تتذكر أحلامك بتغيير العالم؟
ألا تتذكر مبادئك التي كنتَ تقسم ألا تتنازل عنها أبدا؟
ألا تتذكر شغفك بالحق والعدل والقيم النبيلة؟
انظر إلى نفسك الآن!
مجرد كهل متهالك تؤدي عملك بلا شغف مُحاطا بالغبار والوحدة، تتردد ألف مرة قبل أن تُبدي رأيك ولو في أبسط شؤون الحياة
تُجامل من لا يستحق، وتُبرر لنفسك كل تنازلٍ قدمته ولم تزل تقدمه كأضحية على مذبح 'الواقعية'..
شعر الدكتور "فؤاد" بالكلمات تخترقه كالسهام.
كل ما يقوله الشاب صحيح بشكلٍ مؤلم. لقد تغير كثيراً
تآكلت مبادئه ببطء،
خفتت حماسته وغابت تحت رماد السنين.
"لكن... هذه هي الحياة"
دافع الكهل عن نفسه بصوت ضعيف. "الحياة تُغيرنا، تُجبرنا على التنازل، على التأقلم..."
بحدة رد الشاب في الصورة مقاطعا: "الحياة لا تُجبر أحداً على التفريط يا دكتور.. الحياة تعرض عليك اختبارات، وأنت تختار إما أن تثبت أو أن تسقط.
وأنت اخترتَ الطريق الأسهل، طريق المساومات والمجاملات... والنتيجة؟
هذه النسخة الباهتة المنطفئة التي أراها أمامي الآن!".
15.04.202520:50
الحلقة الصوتية 👆
لا يخفى عليه شيء
المجلس الثاني من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 1 إلي 6
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/430lwXpbGCA?si=FJjlpgkvCPoL8CHr
لا يخفى عليه شيء
المجلس الثاني من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 1 إلي 6
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/430lwXpbGCA?si=FJjlpgkvCPoL8CHr
29.03.202503:41
Войдите, чтобы разблокировать больше функциональности.