تحول الظلام إلى حياة يعيشها حتى في يقظته وفي أثناء النهار، وكأن أشعة الشمس تتخطاه متعمدة ذلك، ليس هناك ما يدعي القلق بالنسبة له، أستطاع أن يتأقلم مع ذلك واستلطف الظلام الذي كان يعيشه ليلًا ونهارا، لكن هذا الذي بإمكانه أن يحجب عنه رؤية الضوء والسيارات والبنايات والأشجار الكثيفة وكل ذلك الزحام الذي يصدره الشارع القريب منه,؛ لم يستطع أن يحجب عنه زيف البشر الذين حوله، تلك الآنانية والقبح التي كانت تتجلى بصورة واضحة برغم أقنعتهم المتلونة من ابتسامات ومجاملات فاضحة يتم توزيعها بصورة مقززة، وهذا ما دعاه يمقت الظلام أو أن يستجدي منه حجب هذه الأشياء التي تثير بدواخله الحنق اتجاه عدد لا يحصى من البشر، ولأن الظلام يسير بفعل طاقة ربانية كان بمقدوره أن يفعل ذلك بحد ذاته، وهو أن يكون صريح باللامبالاته التي أستطاع التدرب عليها بشكل جيد، حفظ العديد من الكلمات النائية ولم يكن يجد صعوبة في قولها بوجه كل من كان يدعي الفضيلة بطريقة مزيفة...
مع الأيام أزداد مقتًا لكل سلوكيات البشر الذين حوله، تلك السلوكيات التي تبعث التقيؤ والازدراء، حتى حبذا عزلته بِرضى نفس، دون أن يشتكي منها أو يبدي شعور بالوحدة، كانت العزلة بالنسبة له عزاءه الوحيد استطاع أن يستلهم منها بعض الذكريات السعيدة وتلك التي لا زال اثرها مرسوم على وجههِ من ندبات وتشنجات جلدية، لم يستطع تخطي هذا النوع من الذكريات كما كان يخيل له عندما استحضرها، صعب على مخيلته الهروب منها، فظل يفكر بها كثيرا حتى شعر بأنه يزداد انهيارا... ذات مرة بينما هو يتصفح إحدى المدونات الإلكترونية لمح مقال أدبي، ما يتذكره الآن من ذلك المقال هو كيف أن لذلك الرسام الذي أغرقه البؤس كانت الكتب هي الطريقة الوحيدة لينقذ نفسه، يتذكر أن ذلك الرسام كان اسمه "فان جوخ"...
ذهب إلى أقرب مكتبة له في الحي.. عاد وهو يحمل العديد من الكتب اشتراها بدون انتقاء أو حتى أن يكون على معرفة بمن كتبوها.. عاد إلى عزلته، قرأ كثيرًا وكانت طريقة ناجحة ليزداد معرفة ويتجاوز تلك الذكريات التي كانت ترهق روحه، على ضوء ما قرأ استحب طريقة الكتابة حتى فرغ ما بداخله من افكار وكلمات وغضب، قتل العديد من الأشخاص والأفكار التي كانت تقتله قبل هذا، في نهاية الآمر كان يزعجه جسمه بعد أن احتشدت جمع غفر من الأفكار البائسة_ الأوراق والحبر بيديه_ وجد قبر صغير وعليه علاماتيّ تنصيص، هناك وضع جثته عليه ورمى بعض التشكيلات عليها حتى تكون أكثر بهاءًا.
استنجد بالأدب والفن ودفن في عمق اللغة حتى يكون أكثر نبلا.
-