قد تأتي المعاني العقلية في ختام القصيدة فتكون بمثابةِ زُبدَةِ مَخْضِها، من ذلك مثلا قولُ المُرَقِّش الأصغر:
وَلِلْفَتَى غَائِلٌ يَغُـــــــــــــــــولُهُ،
يَا ابْنَةَ عَجْلَانَ، مِنْ وَقْعِ الحُتُومْ
ثم إذا تأملنا مع هذا مطلعَ هذه القصيدة وجدناهُ ينادي بما يُنادي به، فعرفنا كيف يتناصَرُ المعنيان العقليان في القصيدة الواحدة، على تباعُد موقعِهما. قال في المطلع:
لِابْنَةِ عَجْلَانَ بِالجَوِّ رُسُومْ
لَمْ يَتَعَفَّيْنَ وَالعَهْـــدُ قَدِيمْ
لِابْنَةِ عَجْلَانَ إِذْ نَحْــنُ مَعًا
وَأَيُّ حَالٍ مِنَ الدَّهْرِ تَدُومْ؟
جملة: «وَأَيُّ حَالٍ مِنَ الدَّهْرِ تَدُومْ؟» تُناصرُ معنى مقطع القصيدة، وهو أن الإنسان لا تدوم حياتُه، وأنَّ موتَه حتمٌ آتيه. بَيْد أنَّ هذه الجملة بُنِيَت على الاستفهام، وهذا أبلغ من أن يقول: لا يدومُ حالٌ؛ لأنَّ الشاعرَ بهذا الاستفهام يجعلكُ شريكًا له في بناء الكلام، وما دمت له شريكًا في ذلك فسيتمكن المعنى في نفسك فضلَ تَمَكُّنٍ. حتى إذا جئت إلى هذا المعنى في ختامِ القصيدة وقد مَرَّ بك ناصرُ هذا المعنى الذي شاركتَ في بنائِه تمَكَّنَ هو الآخر في نفسك وأنت لم تشارك في بنائه. وهذا الطريق من بناء الكلام مسلك حَسَنٌ.