في الوقت الذي كان النبي ﷺ يعقد الصلح ويرسّخ السِّلْم في المجتمع المدني مع الكفار المخالفين له في الدين والعقيدة -أول ما قدم المدينة-: كانت الآيات تتنزل ببيان بطلان ما كانوا عليه وبتفنيد أقاويلهم ونسف شبهاتهم وكشف تاريخهم وبيان صحة الإسلام ومعالم منهجه والاستعلاء به على كل ما سواه من الأديان.
وهكذا كان الحال في مكة في زمن الاستضعاف، ففي الوقت الذي كان الله تعالى يأمر نبيه ﷺ بالصفح والعفو وترك القتال بنحو قوله:
(فاصفح عنهم وقل سلام) كانت الآيات تنزل متتالية في تقريعهم وتبكيتهم وبيان باطلهم وإبطال شبهاتهم وببيان الحق باستعلاء إيماني ومنهجي وفكري عظيم.
فالرسالة ثابتة في كل وقت، وبيانها لازم، وحقائقها مستعلية ويجب أن تبقى في نفوس المؤمنين مستعلية ولا يجوز المداهنة فيها ولا لبس الحق بالباطل فيها، وهي أساس لكلّ فعل تمكيني مستقبلي.
بينما الحركة والفعل تختلف بحسب الظروف والأحوال ما بين الحرب والسلم والاستضعاف والتمكين،
فتجد فيها مرحلة (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة) ثم مرحلة (فلما كتب عليهم القتال) وتجد فيها مرحلة "صلح الحديبية" ثم مرحلة (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)
ومن يخلّ بهذه الثنائية في العلاقة بين الرسالة والحركة يقع في اللبس والتلبيس،
والدين أمانة الله وميثاقه وعهده (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين)
والموفق من وفقه الله