كثيرٌ من المنازعات التي تظهر لك أنها عِلميَّة لها دوافع وأسباب غير علمية، وكثير من مُشجِّعي طَرفَيِ النزاع لا خِبرة لهم بموضع البحث، ولا بمحل الإشكال أصلا، ولكنهم يدخلون بين الطرفين لأسبابٍ أخرى غير علمية أيضا.
فمثلا: قد يردُّ زيد على عمرو في مسألة مثلِ التحسين والتقبيح، هل هما شرعيان أو عقليان؟!، ويشتدُّ زيدٌ وتَحمَرُّ أوداجُه، ويظهر لمتابعيه أنه يَنصُر الحق والصواب، في حين أنَّ دافع زيد لكتابةِ هذه الردود إنما هو بسبب أن عَمرًا جلس مكانه في الأتوبيس دون أن يستأذنه، فاغتاظَ زيد وحلف لَيُرَدنَّ على عمرو، ولَيكشِفَنَّ أباطيله، وأوهامه، فيكتب زيد مقالاته العظيمة، فيعلِّق عنده بكر وخالد وإبراهيم، وهؤلاء لا يعرفون ما معنى التحسين ولا معنى التقبيح أصلا، فضلًا عن كونهما شرعيين أو عقليين، وإنما رأوا مهرجانا كبيرا، وحفلة عظيمة لبهدلةِ زيد، وبيان جهالاته وحماقاته، فدخَلوا يشاركون فيها ،شماتةً في زيدٍ الذي أخذ من بكر سندويتش الجبنة الخاصّ به، واستولى على كُرة خالد ذات الجنيهات الخمسة، وغَلَب إبراهيم في " الريست".
ليس بالضرورة أن تكون تلك الدوافع والأسباب سطحية وتافهة، ولكنها- في الغالب - أسباب خارجة عما يظهر للناس، وفي الغالب أيضا هي أسباب نفسية شخصية، وليست علمية أبدا، لكنها تتوارى وتنزوي خلف أستارِ نصرة الحق، والإنصاف، والبحث عن الحقيقة، وبلا بلا بلا بلا بلا.
منشور قديم كتبته منذ خمس سنوات على الفيسبوك.