24.04.202515:49
يقول الله -عز وجل-: {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]. قال المشركون: لو كان ما عليه المسلمون حقًّا لصانهم الله تعالى عن المصائب، فأنزل الله هذه الآية ردًّا عليهم، وبيانًا أنّ كلّ شيءٍ بإرادته سبحانه. ثمّ بيّن أنّ الإيمان الحقّ يعصم القلوب عند ورود المصائب؛ إذ من يؤمن بالله يَهدِ الله قلبه، فيعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيصبر ويحتسب ويستسلم لقضاء الله.
ويُلاحَظ في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} اقتران «السبب» بـ«النتيجة»: الإيمان سبب، والهداية نتيجة. وفي ضوء ذلك، يبدو لي في تأمل الآية هذان الوجهان:
هذا الإيمان الذي يهدي القلوب، ما مصدره؟ يأتي الإيمان من الأعمال الصالحة التي يفعلها العبد، سواء أعمال القلوب، كالتصديق والإخلاص، أو أعمال الجوارح التعبُّدية، كالصلاة والصيام، أو أعمال الجوارح التعامُلية، كبِرِّ الوالدين، وحسن الجوار، والالتزام بالمهنية في الإدارة.
يُخزَّن التيّار الكهربائي في البطارية على صورة طاقةٍ يمكن استعمالها حين الحاجة، وكذلك الأعمال الصالحة تُخزَّن في القلب على هيئة إيمانٍ يتجلَّى على صورة هدايةٍ عند وجود الدواعي المقتضية.
في ضوء ذلك، يمكن تفسير سبب الصبر العجيب الذي يبديه مئات الآباء والأمهات والأبناء عند فقدهم أعزَّ أحبابهم زرافات ووحدانا في هذه الحرب البربرية؛ ففي اللحظة التي تتصدّع فيها الأفئدة وتطيش العقول، وعند الصدمة الأولى، وعلى الهواء مباشرة، يتكلّم أهل البلاء -بعفوية- بكلامٍ أشبهَ ما يكون بكلام العلماء والأولياء.
إبان حصار جباليا، سمعتُ رجلًا يقول -وأطفاله شهداء بين يديه- ما نصّه: «الله اشترى، واِحْنا بِعْنا، والمقابل الجنة، إمّا النصر أو الشهادة، غير هيك فِش». حين رجعتُ إلى ظلال القرآن، وجدتُ فيه ما نصّه: «حقيقة هذه البيعة أنّ الله -سبحانه- قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم؛ فلم يَعُدْ لهم منها شيء. والثمن هو الجنة، والطريق هو الجهاد والقتل والقتال، والنهاية هي النصر أو الاستشهاد». حينها أدركتُ أنّ أكثرَ مَن يفهم مراداتِ الله من القرآن هو مَن يعيش ظروفًا مشابهة لظروف تنزُّله.
هذا الصبر لا يمكن تفسيره -خاصةً في ضوء انعدام الأسباب المادية تقريبًا- إلا على أنه من هدايات الإيمان المستقرّ في القلوب. كما أنه، في الوقت نفسه، ثمرةٌ من ثمار الجهد الدعوي الذي بذله الدعاة والمصلحون خلال السنوات الماضية، وهذا المعنى تحدّث عنه د. نور رياض عيد في منشورٍ بعنوان: «الجهد الدعوي المثمر».
لما كان إيمان الناس متفاوتًا كانت الهداية المترتبة عليه متفاوتة، فعلى قَدْر الإيمان تكون الهداية، وبقدر ضعفه أو فقده يكون الحرمان منها. وفيما يتعلق بالتعامل مع الأقدار الإلهية المؤلمة، التي تحلّ بالعبد، وليس له حيلةٌ في دفعها، فإن للعبد فيها أربع مقاماتٍ، مرتَّبة من الأدنى إلى الأعلى، على النحو التالي:
1. مقام العجز: وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقلُّ الناس عقلًا ودينًا ومروءة، وهو حرامٌ من كبائر الذنوب.
2. مقام الصبر: إما لله، وإما للمروءة الإنسانية. والصبر هو حبس النفس عن الجزع؛ وذلك بحبس القلب عن التسخّط، واللسان عن الشكوى إلى غير الله، والجوارح عن اللطم، وشق الثياب، ونحوها. وهو مرتبة المقتصدين، وهو واجبٌ بالاتفاق.
3. مقام الرضا: وهو سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد، أنه اختار له الأفضل فيرضى به؛ ولذا تستوي لديه السَّرَّاء والضَّرَّاء، فتغدو المصيبة والنعمة سواء، ولا يتمنى غير حاله التي هو عليها، بخلاف الصابر.
وقد اختلف العلماء: هل الرضا واجب فيكون من أعمال المقتصدين، أم مستحب فيكون من أعمال المُقرَّبين؟
وفي بيانه للفرق بين الصبر والرضا، يقول ابن القيم: «وكثير من الناس يصبر على المقدور، فلا يسخط، وهو غير راضٍ به، فالرضا أمر آخر، وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألّم، وظنّ أنهما متباينان؛ وليس كما ظن، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألّمٌ به، راضٍ به، والصائم في شهر رمضان، في شدّة الحر، متألّمٌ بصومه، راضٍ به، والبخيل متألّمٌ بإخراج زكاة ماله، راضٍ بها؛ فالتألّم كما لا ينافي الصبر، لا ينافي الرضا به» (ابن القيم).
4. مقام الشكر: وفيه يشهد العبدُ البليّةَ نعمةً، فيشكر المُبتلي عليها، وهو من أعمال المقرَّبين.
تأسيسًا على ما سبق، فإن فائدة الأعمال الصالحة تتجاوز فكرة الحصول على الثواب؛ لأن من فوائدها العظيمة ذلك الإيمان المستقر في القلب وتلك الهداية التي تظهر على الجوارح عند وجود الأسباب المقتضية. وأن مَن يؤمن بالله يَهْدِ قلبَه بالصبر، أو الرضا، أو الشكر، وعلى قدر الإيمان تكون الهداية. نسأل الله أن يزرقنا أحسن العمل، وأرسخ الإيمان، وأكمل الهداية، اللهم آمين.
ويُلاحَظ في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} اقتران «السبب» بـ«النتيجة»: الإيمان سبب، والهداية نتيجة. وفي ضوء ذلك، يبدو لي في تأمل الآية هذان الوجهان:
الوجه الأول: مصدر الإيمان
هذا الإيمان الذي يهدي القلوب، ما مصدره؟ يأتي الإيمان من الأعمال الصالحة التي يفعلها العبد، سواء أعمال القلوب، كالتصديق والإخلاص، أو أعمال الجوارح التعبُّدية، كالصلاة والصيام، أو أعمال الجوارح التعامُلية، كبِرِّ الوالدين، وحسن الجوار، والالتزام بالمهنية في الإدارة.
يُخزَّن التيّار الكهربائي في البطارية على صورة طاقةٍ يمكن استعمالها حين الحاجة، وكذلك الأعمال الصالحة تُخزَّن في القلب على هيئة إيمانٍ يتجلَّى على صورة هدايةٍ عند وجود الدواعي المقتضية.
في ضوء ذلك، يمكن تفسير سبب الصبر العجيب الذي يبديه مئات الآباء والأمهات والأبناء عند فقدهم أعزَّ أحبابهم زرافات ووحدانا في هذه الحرب البربرية؛ ففي اللحظة التي تتصدّع فيها الأفئدة وتطيش العقول، وعند الصدمة الأولى، وعلى الهواء مباشرة، يتكلّم أهل البلاء -بعفوية- بكلامٍ أشبهَ ما يكون بكلام العلماء والأولياء.
إبان حصار جباليا، سمعتُ رجلًا يقول -وأطفاله شهداء بين يديه- ما نصّه: «الله اشترى، واِحْنا بِعْنا، والمقابل الجنة، إمّا النصر أو الشهادة، غير هيك فِش». حين رجعتُ إلى ظلال القرآن، وجدتُ فيه ما نصّه: «حقيقة هذه البيعة أنّ الله -سبحانه- قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم؛ فلم يَعُدْ لهم منها شيء. والثمن هو الجنة، والطريق هو الجهاد والقتل والقتال، والنهاية هي النصر أو الاستشهاد». حينها أدركتُ أنّ أكثرَ مَن يفهم مراداتِ الله من القرآن هو مَن يعيش ظروفًا مشابهة لظروف تنزُّله.
هذا الصبر لا يمكن تفسيره -خاصةً في ضوء انعدام الأسباب المادية تقريبًا- إلا على أنه من هدايات الإيمان المستقرّ في القلوب. كما أنه، في الوقت نفسه، ثمرةٌ من ثمار الجهد الدعوي الذي بذله الدعاة والمصلحون خلال السنوات الماضية، وهذا المعنى تحدّث عنه د. نور رياض عيد في منشورٍ بعنوان: «الجهد الدعوي المثمر».
الوجه الثاني: مراتب الهداية
لما كان إيمان الناس متفاوتًا كانت الهداية المترتبة عليه متفاوتة، فعلى قَدْر الإيمان تكون الهداية، وبقدر ضعفه أو فقده يكون الحرمان منها. وفيما يتعلق بالتعامل مع الأقدار الإلهية المؤلمة، التي تحلّ بالعبد، وليس له حيلةٌ في دفعها، فإن للعبد فيها أربع مقاماتٍ، مرتَّبة من الأدنى إلى الأعلى، على النحو التالي:
1. مقام العجز: وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقلُّ الناس عقلًا ودينًا ومروءة، وهو حرامٌ من كبائر الذنوب.
2. مقام الصبر: إما لله، وإما للمروءة الإنسانية. والصبر هو حبس النفس عن الجزع؛ وذلك بحبس القلب عن التسخّط، واللسان عن الشكوى إلى غير الله، والجوارح عن اللطم، وشق الثياب، ونحوها. وهو مرتبة المقتصدين، وهو واجبٌ بالاتفاق.
3. مقام الرضا: وهو سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد، أنه اختار له الأفضل فيرضى به؛ ولذا تستوي لديه السَّرَّاء والضَّرَّاء، فتغدو المصيبة والنعمة سواء، ولا يتمنى غير حاله التي هو عليها، بخلاف الصابر.
وقد اختلف العلماء: هل الرضا واجب فيكون من أعمال المقتصدين، أم مستحب فيكون من أعمال المُقرَّبين؟
وفي بيانه للفرق بين الصبر والرضا، يقول ابن القيم: «وكثير من الناس يصبر على المقدور، فلا يسخط، وهو غير راضٍ به، فالرضا أمر آخر، وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألّم، وظنّ أنهما متباينان؛ وليس كما ظن، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألّمٌ به، راضٍ به، والصائم في شهر رمضان، في شدّة الحر، متألّمٌ بصومه، راضٍ به، والبخيل متألّمٌ بإخراج زكاة ماله، راضٍ بها؛ فالتألّم كما لا ينافي الصبر، لا ينافي الرضا به» (ابن القيم).
4. مقام الشكر: وفيه يشهد العبدُ البليّةَ نعمةً، فيشكر المُبتلي عليها، وهو من أعمال المقرَّبين.
تأسيسًا على ما سبق، فإن فائدة الأعمال الصالحة تتجاوز فكرة الحصول على الثواب؛ لأن من فوائدها العظيمة ذلك الإيمان المستقر في القلب وتلك الهداية التي تظهر على الجوارح عند وجود الأسباب المقتضية. وأن مَن يؤمن بالله يَهْدِ قلبَه بالصبر، أو الرضا، أو الشكر، وعلى قدر الإيمان تكون الهداية. نسأل الله أن يزرقنا أحسن العمل، وأرسخ الإيمان، وأكمل الهداية، اللهم آمين.
20.04.202512:34
من فضائل الصدق أن الإيمان منه لا من سائر الطاعات، ومن معايب الكذب أن الكفر منه لا من سائر الذنوب.
🖋 الإمام الرازي
18.04.202513:37
لما نهى اللهُ الذين آمنوا عن اتخاذ آبائهم وإخوانهم أولياء إنِ استحبوا الكفرَ على الإيمان، وأخبرهم أنَّ من يتولَّهم منهم فأولئك هم الظالمون [التوبة: 23]، قالت جماعة من المؤمنين: يا رسول الله، كيف يمكن البراءة منهم بالكلية؟ وإنَّ هذه البراءة توجب انقطاعنا عن آبائنا وإخواننا وعشيرتنا، وذهاب تجارتنا، وهلاك أموالنا، وخراب ديارنا، وإبقاءنا ضائعين.
فجاء التوجيه الإلهي يوضح الموقفَ الصحيحَ للمؤمنين في مثل هذه الحالة، فقال: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
فبيَّن تعالى أنَّه يجب تحمُّل جميع هذه المضارّ الدنيوية ليبقى الدينُ سليمًا، وذكر أنَّه إن كانت رعايةُ هذه المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعةِ الله وطاعةِ رسوله، ومن المجاهدةِ في سبيل الله، فتربصوا بما تحبون حتى يأتي الله بأمره، أي: فانتظروا ماذا يحل بكم من عقاب الله العاجل أو الآجل، والمقصود منه التهديد.
وهذه الآية تدلُّ على أنه إذا وقع التعارضُ بين مصلحةٍ واحدةٍ من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا، وجب على المسلم ترجيحُ الدين على الدنيا.
فجاء التوجيه الإلهي يوضح الموقفَ الصحيحَ للمؤمنين في مثل هذه الحالة، فقال: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
فبيَّن تعالى أنَّه يجب تحمُّل جميع هذه المضارّ الدنيوية ليبقى الدينُ سليمًا، وذكر أنَّه إن كانت رعايةُ هذه المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعةِ الله وطاعةِ رسوله، ومن المجاهدةِ في سبيل الله، فتربصوا بما تحبون حتى يأتي الله بأمره، أي: فانتظروا ماذا يحل بكم من عقاب الله العاجل أو الآجل، والمقصود منه التهديد.
وهذه الآية تدلُّ على أنه إذا وقع التعارضُ بين مصلحةٍ واحدةٍ من مصالح الدين وبين جميع مهمات الدنيا، وجب على المسلم ترجيحُ الدين على الدنيا.
🖋 الإمام الرازي
14.04.202522:40
Surrender is a psychological and intellectual state that reflects a kind of sterility that prevents the birth of any real options in dealing with the enemy. Moreover, it is a renunciation of dignity, identity, and rights. In the context of settler-colonial entities, surrender is not merely about accepting humiliation—it leads to both physical and identity annihilation. In this sense, surrender is suicide.
Resistance, on the other hand, is life—because it sharpens the national imagination with the possibility of endurance, victory, and liberation. It constructs narratives capable of inspiration and mobilization. And resistance does not emerge from a void; it is rooted in a religious and humanistic certainty that revives faith and keeps the door of hope open.
What is truly demanded of us is this: the surrender of will, not the surrender of weapons.
Resistance, on the other hand, is life—because it sharpens the national imagination with the possibility of endurance, victory, and liberation. It constructs narratives capable of inspiration and mobilization. And resistance does not emerge from a void; it is rooted in a religious and humanistic certainty that revives faith and keeps the door of hope open.
What is truly demanded of us is this: the surrender of will, not the surrender of weapons.
13.04.202513:12
لم قد يبطئ النصر؟
قراءة في الحكمة الإلهية
والنصر قد يبطئ على الذين ظُلموا وأُخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ، إلا أن يقولوا: ربُّنا الله. فيكون هذا الإبطاء لحِكمة يريدها الله.
قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعدُ نُضجها، ولم يتمّ بعدُ تمامُها، ولم تُحشَد بعدُ طاقاتها، ولم تتحفّز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذٍ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلًا!
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طَوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا، بل تبذله هيِّنًا رخيصًا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تُجرِّب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتُدرِك أن هذه القوى وحدها، بدون سندٍ من الله، لا تكفل النصر. إنما يتنزّل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طَوقها، ثم تُكِلُ الأمر بعدها إلى الله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تُعاني وتَتَألَّم وتبذل؛ ولا تجد لها سندًا إلا الله، ولا متوجَّهًا إلا إليه وحده في الضراء. وهذه الصِّلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يأذن به الله، فلا تَطغى، ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرّد بعدُ في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولِدعوتِه. فهي تُقاتل لمغنمٍ تُحقِّقه، أو تُقاتل حميّة لذاتها، أو تُقاتل شجاعةً أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئًا من المشاعر الأخرى التي تُلابِسُه.
وقد سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل يُقاتل حميّة، والرجل يُقاتل شجاعة، والرجل يُقاتل لِيُرى، فأيُّها في سبيل الله؟" فقال: "من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العُليا، فهو في سبيل الله."
كما قد يبطئ النصر لأن في الشرّ الذي تُكافحه الأمة المؤمنة بقيّةً من خير، يريد الله أن يُجَرِّد الشر منها ليتمحَّض خالصًا، ويذهب وحده هالكًا، لا تتلبّس به ذرّة من خيرٍ تذهب في الغمار!
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تُحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تمامًا. فلو غلبه المؤمنون حينئذٍ، فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعدُ بفساده وضرورة زواله؛ فتظلّ له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشّف عاريًا للناس، ويذهب غير مأسوفٍ عليه من ذي بقية!
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تُمثّله الأمة المؤمنة. فلو انتصرت حينئذٍ، للقيَت معارضةً من البيئة لا يستقرّ لها معها قرار. فيظلّ الصراع قائمًا حتى تتهيّأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر، وللاستبقاء عليه!
من أجل هذا كلّه، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا، وتحقيق النصر لهم في النهاية.
وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذّن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه، وتهيّؤ الجوّ حوله لاستقباله واستبقائه.
🖋 في ظلال القرآن
10.04.202508:47
The world is witnessing a clear shift from an era of diplomacy veiled in hypocrisy and double standards to an era where only the language of power is recognized; there is no longer any place except for those who possess power and exercise it.
21.04.202521:49
واجب الوقت الديني والوطني والأخلاقي هو تثبيت المبتلى، وبثّ الأمل، وفضح إجرام المحتل، ودعم المقاومة، واستنهاض القاعدين. هذا ما يفترض أن يلتزم به كل مُنتمٍ لهذه الأرض.
غير أن البعض، مدفوعًا بالمناكفات السياسية وأسبابٍ أخرى، بات يستهدف من يرسّخ هذه المبادئ في هذه اللحظة المصيرية، أيًّا كان شخصه، وأيًّا كانت توجهاته.
"الذين يتبنون موقف إسرائيل في كل زقاق، عليهم أن يتذكروا أنهم يتحدثون عن عدوٍّ يريد اقتلاعنا، بسلاح وبدون سلاح؛ عدوٍّ يمينيٍّ متطرفٍ يرى فيمن يرقص في مول في رام الله عدوًّا إرهابيًّا يجب طرده، تمامًا كمن يحمل سلاحًا في غزة، مع فارق الأولوية والتوقيت" (الصحفي يوسف فارس).
هذه حقيقة، لا يدركها البعض، أو لعلهم لا يريدون إدراكها.
غير أن البعض، مدفوعًا بالمناكفات السياسية وأسبابٍ أخرى، بات يستهدف من يرسّخ هذه المبادئ في هذه اللحظة المصيرية، أيًّا كان شخصه، وأيًّا كانت توجهاته.
"الذين يتبنون موقف إسرائيل في كل زقاق، عليهم أن يتذكروا أنهم يتحدثون عن عدوٍّ يريد اقتلاعنا، بسلاح وبدون سلاح؛ عدوٍّ يمينيٍّ متطرفٍ يرى فيمن يرقص في مول في رام الله عدوًّا إرهابيًّا يجب طرده، تمامًا كمن يحمل سلاحًا في غزة، مع فارق الأولوية والتوقيت" (الصحفي يوسف فارس).
هذه حقيقة، لا يدركها البعض، أو لعلهم لا يريدون إدراكها.
19.04.202522:07
وكراهية الموت هي التي تجعل الأفراد والجماعات يؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات، على موت يحيون بعده حياة الخلود.
وَمَن لَمْ يَمُتْ تَحْتَ السُّيُوفِ مُكَرَّمًا
يَعِشْ وَيُقَاسِ الذُّلَّ غَيْرَ مُكَرَّمِ
وَمَن لَمْ يَمُتْ تَحْتَ السُّيُوفِ مُكَرَّمًا
يَعِشْ وَيُقَاسِ الذُّلَّ غَيْرَ مُكَرَّمِ
🖋 الشيخ القرضاوي


16.04.202523:36
O Allah, fill the hearts of Al-Ahzab of this time with fire, fill their homes with fire, and fill their graves with fire. O Allah, Ameen.
During the Battle of the Trench, the fighting of Al-Ahzab occupied the Prophet ﷺ and his companions until the sun was nearly setting, and he prayed against them:
"O Allah, fill the hearts of those who distracted us from the middle prayer with fire, fill their homes with fire, and fill their graves with fire."
That was the punishment for those who merely delayed him ﷺ from a prayer.
So what would he say if he saw today’s confederates burning the steadfast in the blessed lands?
What kind of prayer would he make against them?!
📍 The attached image is from the Al-Mawasi area west of Khan Younis, where Zionist shelling last night targeted the tents of displaced families, killing ten martyrs.
During the Battle of the Trench, the fighting of Al-Ahzab occupied the Prophet ﷺ and his companions until the sun was nearly setting, and he prayed against them:
"O Allah, fill the hearts of those who distracted us from the middle prayer with fire, fill their homes with fire, and fill their graves with fire."
That was the punishment for those who merely delayed him ﷺ from a prayer.
So what would he say if he saw today’s confederates burning the steadfast in the blessed lands?
What kind of prayer would he make against them?!
📍 The attached image is from the Al-Mawasi area west of Khan Younis, where Zionist shelling last night targeted the tents of displaced families, killing ten martyrs.
14.04.202522:39
الاستسلام حالة نفسية وفكرية تعبّر عن عقمٍ يمنع ولادة أية خيارات في التعامل مع العدو. وهو، فوق ذلك، تخلٍّ عن الكرامة والهوية والحق. وفي حالة الكيانات الاستيطانية الإحلالية، لا يقتصر الاستسلام على القبول بالذل، بل يقود إلى الفناء الفيزيائي والهوياتي. وبهذه الاعتبارات، فالاستسلام انتحار.
بينما المقاومة حياة؛ لأنها تشحذ المخيلة الوطنية بإمكان الصمود والنصر والتحرير، وتبني سرديات قادرة على الإلهام والتعبئة. والمقاومة لا تنطلق من فراغ، بل تستند إلى يقين ديني وإنساني ينعش الإيمان، ويُبقي باب الأمل مفتوحًا.
والذي يراد منَّا في جوهره: تسليم الإرادة لا تسليم السلاح.
بينما المقاومة حياة؛ لأنها تشحذ المخيلة الوطنية بإمكان الصمود والنصر والتحرير، وتبني سرديات قادرة على الإلهام والتعبئة. والمقاومة لا تنطلق من فراغ، بل تستند إلى يقين ديني وإنساني ينعش الإيمان، ويُبقي باب الأمل مفتوحًا.
والذي يراد منَّا في جوهره: تسليم الإرادة لا تسليم السلاح.
12.04.202522:26
قال تعالى:
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]
اشتمَلَت الآيةُ على حُكمين: فرضٍ ونفلٍ.
أما الفرض، فهو التسليمُ لأمر الله تعالى، والرضا بقضائه، والصبرُ على أداء فرائضه، لا تصرفه عنها مصائبُ الدنيا.
وأما النفل، فإظهارُ قوله: "إنا لله وإنا إليه راجعون"؛ فإن في إظهاره فوائدَ جليلة، منها: أن غيره يقتدي به إذا سمعه، ومنها: غيظُ الكفار، وعلمهم بجِدّه واجتهاده في دين الله والثبات عليه وعلى طاعته.
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]
اشتمَلَت الآيةُ على حُكمين: فرضٍ ونفلٍ.
أما الفرض، فهو التسليمُ لأمر الله تعالى، والرضا بقضائه، والصبرُ على أداء فرائضه، لا تصرفه عنها مصائبُ الدنيا.
وأما النفل، فإظهارُ قوله: "إنا لله وإنا إليه راجعون"؛ فإن في إظهاره فوائدَ جليلة، منها: أن غيره يقتدي به إذا سمعه، ومنها: غيظُ الكفار، وعلمهم بجِدّه واجتهاده في دين الله والثبات عليه وعلى طاعته.
🖋 الإمام الرازي
10.04.202508:46
يشهد العالم تحولًا واضحًا من مرحلة الدبلوماسية المغلفة بالنفاق وازدواجية المعايير، إلى مرحلة لا يُعترف فيها إلا بلغة القوة؛ فلم يعد هناك مكان إلا لمن يملك القوة ويمارسها.
21.04.202512:56
With their rampage and thuggery, they sow revenge among some and create a cause for struggle among others. They hasten their own demise and seek their own deaths with their own hooves, but most people do not realize it.
19.04.202521:36
فالوهن لم يُصب عوام المسلمين فحسب، بل تسلل إلى خاصتهم، إلى النخبة والعلماء، وإلى الهيئات والأحزاب، لا سيما أولئك الذين طالما اقتاتوا على قضية فلسطين، إلا من رحم ربك، وقليل ما هم.
وما يفضي إلى حب الدنيا وكراهية الموت ليس بالضرورة من المحرمات، بل قد يكون من المباحات: منصب، راتب جيد، وظيفة أكاديمية، جنسية أو إقامة دائمة، تسهيلات مالية، كفالات للعلماء وطلاب العلم، وغيرها من العطايا التي "تُخجِل العين إذا أُطعِم الفم".
ولهذا يُحرَّج على الدعاة والمصلحين أكثر من غيرهم حين يتعلق الأمر بقبول المنافع –ولو كانت حلالًا خالصًا–؛ حفاظًا على مصلحة الانحياز إلى الحق، وصونًا لاستقلال الإرادة. فإن غياب هذا الاستقلال -مع مرور الوقت- يُفضي إلى شيوع منهج الترخص وإيثار السلامة -وليس الإشكال في ترخص البعض بل في ترخص الجميع-، والإخلال في تصنيف المصالح، كمعاملة التحسيني معاملة الضروري، واعتبار السكوت عن الحق ضربًا من الحِكمة. ونتيجة لذلك، صار رجل العلم يربط موقفه بموقف السلطة، ويجعل سقفه النظام السياسي وليس الشريعة؛ ولهذا يتصرف (في مواقفه وتصريحاته) كما لو كان رجل سياسة لا حاملًا لرسالة.
لو تاب الناس من الوهن، أعني من أسبابه، لزالت عن أعينهم الغشاوة التي تمنعهم من إدراك واجب النصرة الدقيق عليهم.
وما يفضي إلى حب الدنيا وكراهية الموت ليس بالضرورة من المحرمات، بل قد يكون من المباحات: منصب، راتب جيد، وظيفة أكاديمية، جنسية أو إقامة دائمة، تسهيلات مالية، كفالات للعلماء وطلاب العلم، وغيرها من العطايا التي "تُخجِل العين إذا أُطعِم الفم".
ولهذا يُحرَّج على الدعاة والمصلحين أكثر من غيرهم حين يتعلق الأمر بقبول المنافع –ولو كانت حلالًا خالصًا–؛ حفاظًا على مصلحة الانحياز إلى الحق، وصونًا لاستقلال الإرادة. فإن غياب هذا الاستقلال -مع مرور الوقت- يُفضي إلى شيوع منهج الترخص وإيثار السلامة -وليس الإشكال في ترخص البعض بل في ترخص الجميع-، والإخلال في تصنيف المصالح، كمعاملة التحسيني معاملة الضروري، واعتبار السكوت عن الحق ضربًا من الحِكمة. ونتيجة لذلك، صار رجل العلم يربط موقفه بموقف السلطة، ويجعل سقفه النظام السياسي وليس الشريعة؛ ولهذا يتصرف (في مواقفه وتصريحاته) كما لو كان رجل سياسة لا حاملًا لرسالة.
لو تاب الناس من الوهن، أعني من أسبابه، لزالت عن أعينهم الغشاوة التي تمنعهم من إدراك واجب النصرة الدقيق عليهم.


16.04.202523:12
اللهم املأ قلوب الأحزاب المعاصرين نارًا، واملأ بيوتهم نارًا، واملأ قبورهم نارًا. اللهم آمين
في غزوة الخندق، شغل قتال الأحزاب النبي ﷺ وأصحابه عن صلاة العصر حتى قرُبتِ الشمسُ أن تغيبَ، فدعا عليهم: "اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارًا، واملأ بيوتهم نارًا، واملأ قبورهم نارًا."
ذلك كان جزاء من شغل النبي ﷺ عن صلاة، فكيف لو رأى النبي ﷺ أحزاب اليوم وهم يحرقون المرابطين في البلاد المباركة؟ بم تراه سيدعو عليهم؟!
📍 الصورة المرفقة من منطقة المواصي غرب خانيونس، حيث استهدف القصف الصهيوني الليلة خيام النازحين، مخلِّفًا عشرة شهداء.
في غزوة الخندق، شغل قتال الأحزاب النبي ﷺ وأصحابه عن صلاة العصر حتى قرُبتِ الشمسُ أن تغيبَ، فدعا عليهم: "اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارًا، واملأ بيوتهم نارًا، واملأ قبورهم نارًا."
ذلك كان جزاء من شغل النبي ﷺ عن صلاة، فكيف لو رأى النبي ﷺ أحزاب اليوم وهم يحرقون المرابطين في البلاد المباركة؟ بم تراه سيدعو عليهم؟!
📍 الصورة المرفقة من منطقة المواصي غرب خانيونس، حيث استهدف القصف الصهيوني الليلة خيام النازحين، مخلِّفًا عشرة شهداء.
13.04.202519:53
في غار غزة، لسنا ثاني اثنين، فنحن وحدنا. وكأننا برسول الله ينادي إخوانه من بعيد: لا تحزنوا، إن الله معكم.
12.04.202513:14
إذا كان الله يدافع عنا، فلمَ أمرنا بالقتال إذن؟
فهم حكمة الجهاد في ضوء وعد الله بالدفاع عن المؤمنين
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍۭ﴾ [سورة الحج: 38]
فقد ضَمِنَ الله للمؤمنين أنَّه هو تعالى يدافع عنهم. ومن يُدافع الله عنه فهو ممنوعٌ حتمًا من عدوِّه، ظاهرٌ حتمًا عليه. ففيم إذن يأذن لهم بالقتال؟ وفيم إذن يُكتب عليهم الجهاد؟ وفيم إذن يُقاتلون، فيُصيبهم القتل والجرح، والجهد والمشقّة، والتضحية والآلام...؟
والعاقبة معروفة، والله قادرٌ على تحقيق العاقبة لهم بلا جهدٍ ولا مشقّة، ولا تضحيةٍ ولا ألم، ولا قتلٍ ولا قتال.
والجواب: أن حِكمة الله في هذا هي العُليا، وأن لله الحُجّة البالغة. والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة، ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا، أن الله سبحانه لم يُرِد أن يكون حملة دعوته وحماتها من "التنابلة" الكسالى، الذين يجلسون في استرخاء، ثم يتنزّل عليهم نصره سهلًا هيِّنًا بلا عناء، لمجرد أنهم يُقيمون الصلاة، ويُرتّلون القرآن، ويتوجّهون إلى الله بالدعاء، كلما مسّهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء!
نعم، إنهم يجب أن يُقيموا الصلاة، وأن يُرتّلوا القرآن، وأن يتوجّهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء. ولكن هذه العبادة وحدها لا تُؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها؛ إنما هي الزّاد الذي يتزوّدونه للمعركة، والذخيرة التي يدّخرونها للموقعة، والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يُواجهون الباطل بمثل سلاحه، ويزيدون عليه سلاح التّقوى والإيمان والاتصال بالله.
لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتمُّ عن طريقهم هم أنفسهم، كي يتم نُضجهم هم في أثناء المعركة. فالبنية الإنسانيّة لا تستيقظ كلُّ الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تُواجه الخطر؛ وهي تدفع وتُدافع، وتستجمع كلّ قوّتها لتُواجه القوة المُهاجمة.
عندئذ تتحفّز كل خلية بكلّ ما أودِع فيها من استعداد لتُؤدي دورها، وتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة، ولتُؤتي أقصى ما تملكه، وتبذل آخر ما تنطوي عليه، وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مُهيّأة له من الكمال.
والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجةٍ إلى استيقاظ كل خلاياها، واحتشاد كل قواها، وتوفُّز كل استعدادها، وتجمُّع كل طاقاتها، كي يتمّ نموُّها، ويكمل نُضجها، وتتهيّأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها.
والنصر السريع الذي لا يُكلِّف عناءً، والذي يتنزّل هيِّنًا ليِّنًا على القاعدين المُستريحين، يُعطّل تلك الطاقات عن الظهور، لأنه لا يُحفِّزها ولا يدعوها.
وذلك فوق أن النصر السريع الهيِّن اللّين سهل فقدانه وضياعه: أولًا: لأنه رخيص الثمن، لم تُبذل فيه تضحياتٌ عزيزة. ثانيًا: لأن الذين نالوه لم تُدرَّب قواهم على الاحتفاظ به، ولم تُحشد طاقاتهم وتُشحذ لكسبه؛ فهي لا تتحفّز ولا تحتشد للدفاع عنه.
وهناك التربية الوجدانية والدُّربة العملية؛ تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة، والكرّ والفرّ، والقوة والضعف، والتقدُّم والتقهقر. ومن المشاعر المصاحبة لها: الأمل والألم، والفرح والغم، والاطمئنان والقلق، والشعور بالضعف والشعور بالقوة. ومعها التجمُّع، والفناء في العقيدة والجماعة، والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة، وقبلها وبعدها، وكشف نقاط الضعف ونقاط القوة، وتدبير الأمور في جميع الحالات. وكلها ضروريةٌ للأمة التي تحمل الدعوة، وتقوم عليها وعلى الناس.
من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتمُّ عن طريقهم هم أنفسهم؛ ولم يجعله لُقيّةً تهبط عليهم من السماء بلا عناء.
🖋 في ظلال القرآن
09.04.202521:06
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ سَبِيلُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ}
إن المنهج القرآني لا يعنى ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب. إنما يعني كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين أيضًا.
إن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين. وذلك كالخط الفاصل يُرسم عند مفرق الطريق!
إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح. واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات؛ ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم، ترتدُّ غبشًا وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم.
فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان مفترقتان. ولا بد من وضوح الألوان والخطوط.
🖋 في ظلال القرآن
21.04.202512:56
بعربدتهم وبلطجتهم، يزرعون الثأر عند قوم، ويصنعون قضية كفاح عند آخرين. يتعجلون فناءهم، ويسعون إلى حتوفهم بظلوفهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
19.04.202521:36
اتفق العلماء على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها؛ سواء كانت المعصية صغيرة، أو كبيرة (شرح صحيح مسلم للنووي).
وكما تجب التوبة على الأفراد، فإنها تجب على الجماعات، وإذا كانت عبادة الوقت اليوم هي مناصرة أهل غزة، فإن خذلانهم وإسلامهم لعدوهم هو ذنب الوقت، وهو ذنب لا يقتصر على الأفراد، بل يقع من الجماعات بمختلف امتداداتها: السياسية (كالأحزاب والحكومات)، والاجتماعية (كالعائلات والقبائل)، والدينية (كالهيئات العلمائية والجماعات الدعوية).
ولا تكون التوبة من هذا الخذلان إلا بالتوبة من أسبابه، وعلى رأسها: الوهن، الذي فسَّره النبي ﷺ بأهم موجباته: حب الدنيا وكراهية الموت (سنن أبي داود). وهذان الداءان متلازمان، أحدهما سبب والآخر نتيجة؛ ذلك أن من أحب الدنيا وركن إلى شهواتها، كره مفارقتها، فكره الموت؛ لأنه يقطع لذاته ويفرق بينه وبين محبوباته. ومن هنا يجبن عن القتال الذي قد يؤدي إلى إزهاق روحه. أما إذا قلل من الدنيا، واستعمل فيها الخشونة، هان عليه الموت، فأحب لقاء الله تعالى (شرح سنن أبي داود لابن رسلان).
إن حب الدنيا هو الحِرصُ علَيها والتطلُّع فيها وتركُ العَملِ للآخرةِ، وهو منازل، أحطُّها أن يتخذ الإنسان الدُّنيا ربًّا، فتتَّخذه لها عبدًا، ومن هنا دعا النبي على عبد الدنيا "تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انْتُقِشَ" (صحيح البخاري).
وفي تقرير هذا المعنى، يقول القرضاوي: "هذا هو مبعث الوهن الحقيقي، وسر الضعف الأصيل، أن يخلد المرء إلى دنياه الخاصة، فيعيش عبدًا لها مطواعًا لأوضاعها الرتيبة، أسيرًا لقيودها الثقيلة، تحركه الشهوات كالخاتم في الإصبع، وتسيره الرغائب المادية كالثور في الساقية، يتحرك في مدار محدود، فاقد الهدف معصوب العينين.
حب الدنيا هو الذي يجعل الإنسان في صولجانه عبدًا ضعيفًا، رخو العود، أمام متاع الدنيا الزائل.
وكراهية الموت هي التي تجعل الأفراد والجماعات يؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات، على موت يحيون بعده حياة الخلود".
لكن الدعوة إلى ترك حب الدنيا وكراهية الموت ليست دعوة انتحارية؛ ذلك أنهما أمران مركوزان في الفطر السوية. وعليه: فالتوبة من الخذلان تكون بالتخلص من هذين الداءين، أو بعبارة أخرى: بترك أسباب الوهن وتحصيل أسباب القوة، وذلك بالتحرر من شهوات الدنيا، والتعامل معها على أنها بلغة إلى الآخرة، وإذا اقتضى الحال أن نضحي بأرواحنا في سبيل ما نؤمن به، فلن يعيقنا شيء من حطامها الزائل.
فالوهن والقوة نفسيان قبل أن يكونا بدنيين أو ماديين، ينبعان من الداخل أولًا، ثم يُترجمان في الخارج على شكل مواقف وصبر وجهاد، أو استسلام وتراجع. وهو ما يشير إليه قول النبي ﷺ: "ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ"، فطالوت زَادَهُ الله بَسْطَةً فِى ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ (البقرة: 247)، فقدَّم الله العلم الذي هو قوة عقلية ونفسية على قوة البدن.
وعلى نحو أكثر تفصيلا، يشير قول النبي ﷺ: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) إلى ثلاثة مظاهر عملية لهذين المرضين (حب الدنيا وكراهية الموت)، فالتبايع بالعينة والانشغال بالزراعة يُجسِّدان التعلّق بالدنيا، أما ترك الجهاد، فيكشف عن كراهية الموت.
وتجليات حب الدنيا كثيرة، تعود إلى ثمانية أمور، ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24]. وهي تمثل أبرز دوافع التعلق بالدنيا في صورها العاطفية والمادية والاجتماعية.
وقد تسبب السعي خلف لعاعة من الدنيا من بعض الصحابة في استشهاد سبعين من خيار أصحاب النبي ﷺ يوم أحد، وكاد أن يودي بحياة النبي ﷺ نفسه، وفي هذا يقول سبحانه: {وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ}، فكيف لو كان حب الدنيا بلاء عامًّا؟! إنه لا يكون حينها إلا مجلبةً للعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وتمهيدًا للاستبدال المهين.
في ضوء هذين الداءين (حب الدنيا وكراهية الموت)، يمكن تفسير كثير من مواقف الخذلان، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أو النخبوي، تجاه غزة وسائر بقاع الاستضعاف في الأمة.
وكما تجب التوبة على الأفراد، فإنها تجب على الجماعات، وإذا كانت عبادة الوقت اليوم هي مناصرة أهل غزة، فإن خذلانهم وإسلامهم لعدوهم هو ذنب الوقت، وهو ذنب لا يقتصر على الأفراد، بل يقع من الجماعات بمختلف امتداداتها: السياسية (كالأحزاب والحكومات)، والاجتماعية (كالعائلات والقبائل)، والدينية (كالهيئات العلمائية والجماعات الدعوية).
ولا تكون التوبة من هذا الخذلان إلا بالتوبة من أسبابه، وعلى رأسها: الوهن، الذي فسَّره النبي ﷺ بأهم موجباته: حب الدنيا وكراهية الموت (سنن أبي داود). وهذان الداءان متلازمان، أحدهما سبب والآخر نتيجة؛ ذلك أن من أحب الدنيا وركن إلى شهواتها، كره مفارقتها، فكره الموت؛ لأنه يقطع لذاته ويفرق بينه وبين محبوباته. ومن هنا يجبن عن القتال الذي قد يؤدي إلى إزهاق روحه. أما إذا قلل من الدنيا، واستعمل فيها الخشونة، هان عليه الموت، فأحب لقاء الله تعالى (شرح سنن أبي داود لابن رسلان).
إن حب الدنيا هو الحِرصُ علَيها والتطلُّع فيها وتركُ العَملِ للآخرةِ، وهو منازل، أحطُّها أن يتخذ الإنسان الدُّنيا ربًّا، فتتَّخذه لها عبدًا، ومن هنا دعا النبي على عبد الدنيا "تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انْتُقِشَ" (صحيح البخاري).
وفي تقرير هذا المعنى، يقول القرضاوي: "هذا هو مبعث الوهن الحقيقي، وسر الضعف الأصيل، أن يخلد المرء إلى دنياه الخاصة، فيعيش عبدًا لها مطواعًا لأوضاعها الرتيبة، أسيرًا لقيودها الثقيلة، تحركه الشهوات كالخاتم في الإصبع، وتسيره الرغائب المادية كالثور في الساقية، يتحرك في مدار محدود، فاقد الهدف معصوب العينين.
حب الدنيا هو الذي يجعل الإنسان في صولجانه عبدًا ضعيفًا، رخو العود، أمام متاع الدنيا الزائل.
وكراهية الموت هي التي تجعل الأفراد والجماعات يؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات، على موت يحيون بعده حياة الخلود".
لكن الدعوة إلى ترك حب الدنيا وكراهية الموت ليست دعوة انتحارية؛ ذلك أنهما أمران مركوزان في الفطر السوية. وعليه: فالتوبة من الخذلان تكون بالتخلص من هذين الداءين، أو بعبارة أخرى: بترك أسباب الوهن وتحصيل أسباب القوة، وذلك بالتحرر من شهوات الدنيا، والتعامل معها على أنها بلغة إلى الآخرة، وإذا اقتضى الحال أن نضحي بأرواحنا في سبيل ما نؤمن به، فلن يعيقنا شيء من حطامها الزائل.
فالوهن والقوة نفسيان قبل أن يكونا بدنيين أو ماديين، ينبعان من الداخل أولًا، ثم يُترجمان في الخارج على شكل مواقف وصبر وجهاد، أو استسلام وتراجع. وهو ما يشير إليه قول النبي ﷺ: "ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ"، فطالوت زَادَهُ الله بَسْطَةً فِى ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ (البقرة: 247)، فقدَّم الله العلم الذي هو قوة عقلية ونفسية على قوة البدن.
وعلى نحو أكثر تفصيلا، يشير قول النبي ﷺ: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) إلى ثلاثة مظاهر عملية لهذين المرضين (حب الدنيا وكراهية الموت)، فالتبايع بالعينة والانشغال بالزراعة يُجسِّدان التعلّق بالدنيا، أما ترك الجهاد، فيكشف عن كراهية الموت.
وتجليات حب الدنيا كثيرة، تعود إلى ثمانية أمور، ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24]. وهي تمثل أبرز دوافع التعلق بالدنيا في صورها العاطفية والمادية والاجتماعية.
وقد تسبب السعي خلف لعاعة من الدنيا من بعض الصحابة في استشهاد سبعين من خيار أصحاب النبي ﷺ يوم أحد، وكاد أن يودي بحياة النبي ﷺ نفسه، وفي هذا يقول سبحانه: {وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ}، فكيف لو كان حب الدنيا بلاء عامًّا؟! إنه لا يكون حينها إلا مجلبةً للعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وتمهيدًا للاستبدال المهين.
في ضوء هذين الداءين (حب الدنيا وكراهية الموت)، يمكن تفسير كثير من مواقف الخذلان، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي أو النخبوي، تجاه غزة وسائر بقاع الاستضعاف في الأمة.
16.04.202522:26
في رحلة الهجرة، أخذ النبي ﷺ بكل ما في وسعه من الأسباب، لكنه في لحظة ما، في غار ثور، أحاط به العدو من كل جانب، ولم يكن ينتظره وفق المقاييس المادية إلا الأسر. ومع ذلك، فقد نجَّاه الله، ونجَّى صاحبه؛ لأن قريشا لو تمكنت منهما لكانت الدعوة في خطر يتهدد وجودها. وهذه دعوة خاتمة كُتِبَ لها البقاء، فلا يمكن أن تموت وتُوأَد قبل أن يتم أمرها، ويظهرها الله على الدين كله.
{إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}، نزلت سورة التوبة عقب غزوة تبوك (9 هـ)، حيث كانت الأجواء المحيطة بهذه الغزوة في غاية الصعوبة، حتى سُمِّيَتْ بـ"غزوة العُسرة". ولذلك لما استنفر النبي ﷺ الناس إلى الجهاد، حصل تباطؤ وتثاقل من بعض الناس، سواء من المؤمنين أو المنافقين، وقد أفضى هذا التثاقل بأناس إلى التخلف عن الجهاد.
وقد عاتبهم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38]. ثم توعَّدهم إن هم عادوا لمثل هذا التخلف بأن يعذبهم عذابًا أليمًا، ويستبدل قومًا غيرهم، مؤكدًا أن قعودهم عن النفير ليس بضارٍّ اللهَ ورسولَه شيئًا، وإن الذي نصر نبيه حِينَ كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ قَدِيرٌ عَلَى نَصْرِهِ وَهُوَ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ.
في تبوك، نصر الله نبيه بلا قتال بعد أن فرّت جيوش الروم، فسقطت هيبة الروم، الأمر الذي مهَّد لفتوح الشام، كما حصل انحسار كبير لحركة النفاق، وقد أدركت قبائل العرب قوة المسلمين وعجزهم عن مواجهتهم، فبدأت الوفود تتوافد على المدينة لإعلان الإسلام أو مهادنة الدولة الإسلامية. لكن أي نصرٍ هو ذاك الذي نصر الله به نبيَّه وهو في الغار؟
{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40]، تشير الآية إلى أن الله نصر نبيه بنَوْعَين من النصر:
1. نصر معنوي: إذ أنزل السكينة عليه، والمقصود بها: الطمأنينة التي استقرّت في قلب النبي ﷺ، فجعلته لا يبالي بجموع المشركين المحيطين بالغار؛ لأنه واثق تمامًا أنهم لن يصلوا إليه. وكان قول النبي لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا من آثَارِ سَكِينَةِ اللَّهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ، كما أفاد الطاهر بن عاشور.
2. نصر مادي: حين أيَّده بجنود لم يروها، وهم الملائكة الذين أرسلهم سبحانه لهذا الغرض؛ كانت مهمتهم حراسته، وصرف أبصار المشركين عنه.
وتنبِّه الآية الكريمة إلى ثلاثة مواضع حصل فيها هذان النوعان من النصر، وهي: حين أخرجه الذين كفروا، وحين كان في الغار، وحين قال النبي لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا.
بالمقاييس المادية، وفي أكثر من محطة، كانت كل الظروف مهيئة لفشل رحلة الهجرة والإمساك بالنبي وصاحبه، ولم تكن السكينة التي يشعر بها إلا انفصالًا عن الواقع بلغة الاستسلام المعاصرة. ومع هذا فقد "حَصَلَ النصر فِي أَزْمَانٍ وَأَحْوَالٍ مَا كَانَ النَّصْرُ لِيَحْصُلَ فِي أَمْثَالِهَا لِغَيْرِهِ لَوْلَا عِنَايَةُ اللَّهِ بِهِ، وَأَنَّ نَصْرَهُ كَانَ مُعْجِزَةً خَارِقًا لِلْعَادَةِ" (التحرير والتنوير).
في غار غزة، أحاط بنا العدو من كل جانب، ولم يبقَ من عالم الأسباب –فيما يظهر– شيء يمكن أن يوقف المذبحة. ولو كان الاستسلام يوقفها لما أحجم عنه عاقل، لكنه في الواقع يفتح الباب على مذبحة أكبر، خاصة في ظل الإجماع على وأد غزة. ولهذا لم يكن من المقاومة بدٌّ، وكان الصمود حتى الرمق الأخير أهون الشرّين وأخف الضررين.
نحن أمام نموذجين من إحاطة الكفار بالحق: نموذج يتمكّن فيه الباطل مما يريد، كما حصل مع أصحاب الأخدود، بل كما حصل مع بعض الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مثل يحيى وزكريا، إذ قتلتهم أقوامهم. ونموذج يظهر الله فيه أمره ولو كره الكافرون، ويجعل العاقبة للحق وأهله.
إن الظروف الجيوسياسية لقطاع غزة مثالية لخنق مشروع المقاومة، والقضاء عليه، وهذا ما يراهن عليه الكيان وحلفاؤه. لكن كون هذا الجيب المقاوم هو آخر جيوب الحق في الأمة، وطليعة الطائفة المنصورة فيها في هذا الزمان، يجعلنا مطمئنين أنه لن ينكسر؛ لأن انكساره يلزم عليه لوازم باطلة شرعًا، كما بيَّنت ذلك في مقال (هذه الطائفة المنصورة: تُخدَش ولا تُكسَر). ستُبتلى هذه الطائفة ابتلاءً شديدًا، حتى يبدو نورها وكأنه على وشك الانطفاء، ويتوهّم أعداؤها أنهم قادرون عليها، ولهذا إذا جاءها نصر الله كان بالإعجاز أشبه.
أما المتباطئون عن نصرة غزة المتثاقلون إلى الأرض الراضون بالحياة الدنيا من الآخرة، فإلا ينصروها فقد نصرها الله من قبل، وسينصرها من بعد. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
{إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}، نزلت سورة التوبة عقب غزوة تبوك (9 هـ)، حيث كانت الأجواء المحيطة بهذه الغزوة في غاية الصعوبة، حتى سُمِّيَتْ بـ"غزوة العُسرة". ولذلك لما استنفر النبي ﷺ الناس إلى الجهاد، حصل تباطؤ وتثاقل من بعض الناس، سواء من المؤمنين أو المنافقين، وقد أفضى هذا التثاقل بأناس إلى التخلف عن الجهاد.
وقد عاتبهم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38]. ثم توعَّدهم إن هم عادوا لمثل هذا التخلف بأن يعذبهم عذابًا أليمًا، ويستبدل قومًا غيرهم، مؤكدًا أن قعودهم عن النفير ليس بضارٍّ اللهَ ورسولَه شيئًا، وإن الذي نصر نبيه حِينَ كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ قَدِيرٌ عَلَى نَصْرِهِ وَهُوَ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ.
في تبوك، نصر الله نبيه بلا قتال بعد أن فرّت جيوش الروم، فسقطت هيبة الروم، الأمر الذي مهَّد لفتوح الشام، كما حصل انحسار كبير لحركة النفاق، وقد أدركت قبائل العرب قوة المسلمين وعجزهم عن مواجهتهم، فبدأت الوفود تتوافد على المدينة لإعلان الإسلام أو مهادنة الدولة الإسلامية. لكن أي نصرٍ هو ذاك الذي نصر الله به نبيَّه وهو في الغار؟
{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40]، تشير الآية إلى أن الله نصر نبيه بنَوْعَين من النصر:
1. نصر معنوي: إذ أنزل السكينة عليه، والمقصود بها: الطمأنينة التي استقرّت في قلب النبي ﷺ، فجعلته لا يبالي بجموع المشركين المحيطين بالغار؛ لأنه واثق تمامًا أنهم لن يصلوا إليه. وكان قول النبي لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا من آثَارِ سَكِينَةِ اللَّهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ، كما أفاد الطاهر بن عاشور.
2. نصر مادي: حين أيَّده بجنود لم يروها، وهم الملائكة الذين أرسلهم سبحانه لهذا الغرض؛ كانت مهمتهم حراسته، وصرف أبصار المشركين عنه.
وتنبِّه الآية الكريمة إلى ثلاثة مواضع حصل فيها هذان النوعان من النصر، وهي: حين أخرجه الذين كفروا، وحين كان في الغار، وحين قال النبي لصاحبه: لا تحزن إن الله معنا.
بالمقاييس المادية، وفي أكثر من محطة، كانت كل الظروف مهيئة لفشل رحلة الهجرة والإمساك بالنبي وصاحبه، ولم تكن السكينة التي يشعر بها إلا انفصالًا عن الواقع بلغة الاستسلام المعاصرة. ومع هذا فقد "حَصَلَ النصر فِي أَزْمَانٍ وَأَحْوَالٍ مَا كَانَ النَّصْرُ لِيَحْصُلَ فِي أَمْثَالِهَا لِغَيْرِهِ لَوْلَا عِنَايَةُ اللَّهِ بِهِ، وَأَنَّ نَصْرَهُ كَانَ مُعْجِزَةً خَارِقًا لِلْعَادَةِ" (التحرير والتنوير).
في غار غزة، أحاط بنا العدو من كل جانب، ولم يبقَ من عالم الأسباب –فيما يظهر– شيء يمكن أن يوقف المذبحة. ولو كان الاستسلام يوقفها لما أحجم عنه عاقل، لكنه في الواقع يفتح الباب على مذبحة أكبر، خاصة في ظل الإجماع على وأد غزة. ولهذا لم يكن من المقاومة بدٌّ، وكان الصمود حتى الرمق الأخير أهون الشرّين وأخف الضررين.
نحن أمام نموذجين من إحاطة الكفار بالحق: نموذج يتمكّن فيه الباطل مما يريد، كما حصل مع أصحاب الأخدود، بل كما حصل مع بعض الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- مثل يحيى وزكريا، إذ قتلتهم أقوامهم. ونموذج يظهر الله فيه أمره ولو كره الكافرون، ويجعل العاقبة للحق وأهله.
إن الظروف الجيوسياسية لقطاع غزة مثالية لخنق مشروع المقاومة، والقضاء عليه، وهذا ما يراهن عليه الكيان وحلفاؤه. لكن كون هذا الجيب المقاوم هو آخر جيوب الحق في الأمة، وطليعة الطائفة المنصورة فيها في هذا الزمان، يجعلنا مطمئنين أنه لن ينكسر؛ لأن انكساره يلزم عليه لوازم باطلة شرعًا، كما بيَّنت ذلك في مقال (هذه الطائفة المنصورة: تُخدَش ولا تُكسَر). ستُبتلى هذه الطائفة ابتلاءً شديدًا، حتى يبدو نورها وكأنه على وشك الانطفاء، ويتوهّم أعداؤها أنهم قادرون عليها، ولهذا إذا جاءها نصر الله كان بالإعجاز أشبه.
أما المتباطئون عن نصرة غزة المتثاقلون إلى الأرض الراضون بالحياة الدنيا من الآخرة، فإلا ينصروها فقد نصرها الله من قبل، وسينصرها من بعد. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


13.04.202515:36
إن المكر الذي يُدبّره أعداء هذه الأمة اليوم هو مكرٌ كُبَّار، ومن أبرز مظاهره الحديث المتكرر عن الشرق الأوسط الجديد، الذي لا يقتصر على توصيف جغرافي أو سياسي، بل يعكس مرحلة جديدة من النظام الإقليمي، تقوم على إعادة رسم خريطة المنطقة سياسيًّا واجتماعيًّا بما يخدم مصالح القوى الكبرى.
لكن بعد طوفان الأقصى وما تلاه من حرب إبادة، ذهب الحديث عن شرق أوسط جديد يسوده سلام دائم أدراج الرياح. ومن يظن أن العالم يسير نحو الهدوء ومواصلة الهيمنة الغربية واستقرار الأنظمة المستبدة، فهو مخطئ، ما يهدينا إلى القول بأن الشرق الأوسط الجديد يتشكل بالفعل، لكن ليس وَفقًا للمقاسات الأمريكية، ولا الأوهام الصهيونية، ولا الاستبداد العربي، بل على أنقاض هذه التصورات جميعها.
عند من يعمل ويأبى الخنوع، ليس ترامب ولا نتنياهو آلهة، ولا وعودهما حتمية، ولا مخططاتهما أقدارًا نافذة. وإن مكرهم الكُبَّار لأوهن من أن يزيل الجبال الراسيات، التي هي طليعة الطائفة المنصورة في هذا العصر، والجدار الأخير في وجه استباحة الشرق.
رابط المقال كاملا:
https://mugtama.com/a/azxNl527
لكن بعد طوفان الأقصى وما تلاه من حرب إبادة، ذهب الحديث عن شرق أوسط جديد يسوده سلام دائم أدراج الرياح. ومن يظن أن العالم يسير نحو الهدوء ومواصلة الهيمنة الغربية واستقرار الأنظمة المستبدة، فهو مخطئ، ما يهدينا إلى القول بأن الشرق الأوسط الجديد يتشكل بالفعل، لكن ليس وَفقًا للمقاسات الأمريكية، ولا الأوهام الصهيونية، ولا الاستبداد العربي، بل على أنقاض هذه التصورات جميعها.
عند من يعمل ويأبى الخنوع، ليس ترامب ولا نتنياهو آلهة، ولا وعودهما حتمية، ولا مخططاتهما أقدارًا نافذة. وإن مكرهم الكُبَّار لأوهن من أن يزيل الجبال الراسيات، التي هي طليعة الطائفة المنصورة في هذا العصر، والجدار الأخير في وجه استباحة الشرق.
رابط المقال كاملا:
https://mugtama.com/a/azxNl527
10.04.202517:00
عقيدة الإبادة: من دير ياسين إلى الشجاعية
بعد الإنجاز الذي حققته قوات "الهاغاناه" باحتلال قرية القسطل الإستراتيجية، قررت منظمتا "الإرغون" و "شتيرن" الهجوم على دير ياسين في 9 أبريل / نيسان 1948. تعددت دوافع الهجوم على دير ياسين، منها: الانتقام لمعركتي كفار عتصيون وعطروت، مع أن دير ياسين لم تشترك في أي منهما؛ السلب والنهب كون دير ياسين من القرى العربية الغنية؛ والتنفيس عما في الصدور من كراهية عنصرية دفينة.
وعلاوة على هذه الدوافع، يشير رئيس استخبارات "الهاغاناه" في القدس في حينه، يتسحاق ليفي، إلى سبب رئيس في اختيار قرية دير ياسين دون غيرها، وهو قلة موارد المنظمتين (الإرغون وشتيرن) نسبيًّا، وعجزهما عن القيام بعملية واسعة النطاق على غرار عمليات "الهاغاناه"، وخشية أن يتم عزلهما لدى الرأي العام اليهودي. إضافة إلى الرغبة في تسجيل انتصارات.
في الذكرى السابعة والسبعين لمجزرة دير ياسين، وإبان حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ارتكب العدو مجزرة جديدة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. خرج السكان من بيوتهم التي صُنفت ضمن منطقة الخطر، وتجمعوا في منازل متهالكة ظنوا أنها أكثر أمنًا، فقصفهم الاحتلال دفعة واحدة، مدمّرًا مربعًا سكنيًّا بالكامل على رؤوس ساكنيه.
الشهداء كانوا بين أشلاء وقطع متناثرة، والحصيلة بالعشرات منذ اللحظة الأولى. ولأن المجزرة هذه المرة وقعت في زمن التقدم والانحطاط، تقدم التقنية وانحطاط الإنسانية، كان الأخ يتواصل مع شقيقته من تحت الركام، على بعد دقائق من الموت، يسمع صوت شقيقاته وأخواته وهن يلفظن آخر الكلمات ومعها الروح. وكان رجال الدفاع المدني يحدثون الشهداء تحت الأنقاض وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
لكن لم كانت مجزرة الشجاعية أمس؟ شكوك لا أكثر، إذ بمنتهى البساطة تقول القناة ١٤ العبرية أن جيش العدو اكتشف أن المستهدف من الهجوم لم يكن موجودًا في المكان لحظة الغارة.
ليس ثمة مبررات منطقية لهذا التوحش، سوى أن هذه هي حقيقة العدو -عقيدة وممارسة-، لكنه كان قديما يمارس توحشه بعيدًا عن الكاميرا، واليوم يمارسه على الهواء مباشرة، فيجمع بين تقدم التقنية وبدائية الإبادة، بين دقة القصف وعشوائية الدم. منذ دير ياسين لم يتغير شيء، وحش لا يشبع، وضحية تستمسك بحقها، وما سوى ذلك هوامش.
بعد الإنجاز الذي حققته قوات "الهاغاناه" باحتلال قرية القسطل الإستراتيجية، قررت منظمتا "الإرغون" و "شتيرن" الهجوم على دير ياسين في 9 أبريل / نيسان 1948. تعددت دوافع الهجوم على دير ياسين، منها: الانتقام لمعركتي كفار عتصيون وعطروت، مع أن دير ياسين لم تشترك في أي منهما؛ السلب والنهب كون دير ياسين من القرى العربية الغنية؛ والتنفيس عما في الصدور من كراهية عنصرية دفينة.
وعلاوة على هذه الدوافع، يشير رئيس استخبارات "الهاغاناه" في القدس في حينه، يتسحاق ليفي، إلى سبب رئيس في اختيار قرية دير ياسين دون غيرها، وهو قلة موارد المنظمتين (الإرغون وشتيرن) نسبيًّا، وعجزهما عن القيام بعملية واسعة النطاق على غرار عمليات "الهاغاناه"، وخشية أن يتم عزلهما لدى الرأي العام اليهودي. إضافة إلى الرغبة في تسجيل انتصارات.
في الذكرى السابعة والسبعين لمجزرة دير ياسين، وإبان حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ارتكب العدو مجزرة جديدة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. خرج السكان من بيوتهم التي صُنفت ضمن منطقة الخطر، وتجمعوا في منازل متهالكة ظنوا أنها أكثر أمنًا، فقصفهم الاحتلال دفعة واحدة، مدمّرًا مربعًا سكنيًّا بالكامل على رؤوس ساكنيه.
الشهداء كانوا بين أشلاء وقطع متناثرة، والحصيلة بالعشرات منذ اللحظة الأولى. ولأن المجزرة هذه المرة وقعت في زمن التقدم والانحطاط، تقدم التقنية وانحطاط الإنسانية، كان الأخ يتواصل مع شقيقته من تحت الركام، على بعد دقائق من الموت، يسمع صوت شقيقاته وأخواته وهن يلفظن آخر الكلمات ومعها الروح. وكان رجال الدفاع المدني يحدثون الشهداء تحت الأنقاض وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
لكن لم كانت مجزرة الشجاعية أمس؟ شكوك لا أكثر، إذ بمنتهى البساطة تقول القناة ١٤ العبرية أن جيش العدو اكتشف أن المستهدف من الهجوم لم يكن موجودًا في المكان لحظة الغارة.
ليس ثمة مبررات منطقية لهذا التوحش، سوى أن هذه هي حقيقة العدو -عقيدة وممارسة-، لكنه كان قديما يمارس توحشه بعيدًا عن الكاميرا، واليوم يمارسه على الهواء مباشرة، فيجمع بين تقدم التقنية وبدائية الإبادة، بين دقة القصف وعشوائية الدم. منذ دير ياسين لم يتغير شيء، وحش لا يشبع، وضحية تستمسك بحقها، وما سوى ذلك هوامش.
08.04.202519:44
إن تصاعد اليمين المتطرف، كما يحمل في طياته مستويات أعلى من الإرهاب والعنف والبطش والتنكيل بالفلسطيني وغيره، فإنه -في الوقت نفسه- يحمل في طياته عوامل ضعف الكيان وتفككه، كاتساع الصراع بين المتدينين والعلمانيين، وتزايد معدلات الهجرة العكسية لدى العلمانيين، وتحول أجهزة الدولة الأساسية من المهنية إلى عزبة لليمين المتطرف؛ الأمر الذي يحفِّز في الكيان بذور فنائه في صراعه من أجل البقاء.
Көрсетілген 1 - 24 арасынан 118
Көбірек мүмкіндіктерді ашу үшін кіріңіз.