الحمد لله وبعد:
مع الأحداث المؤلمة، والكوارث التي نعيشها، يأتي الحديث عن بعض المعاني التي تثبت اليقين، وتنزع الارتباك الذي يكاد يستولي على النفوس.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى27/ 363):
"الناس تغيب عنهم معاني القرآن عند الحوادث فإذا ذُكِّروا بها عرفوها"
كنتُ أفكر في الحثّ على الدعاء وقت الأزمات، فوجدت أن مقصود الدعاء ليس تغيير الواقع فقط؛ وإنما تغيير النفوس التي تدعو.
تأمل معي بترتيب وتركيز؛ "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا"
والتضرع دعاء بإلحاح.
فما الذي يخلّفه الدعاء فينا؟
أولًا: الإيمان بوجود إله قادر نردّ ضعفنا إلى قوته؛ وهذا معنى توحيدي يبطل مفعول اليأس، ويبقي الأمل قائمًا ما دام هذا المعنى مرتكزًا في نفوسنا.
ثانيًا: البدء بالنفس في الدعاء، وهي سنة مأثورة (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
وهذه السنة تعلمنا أن دعاءنا لإخواننا دعاء المحتاج لا المتفضل، وأنا نفتقر قبلهم إلى ما ندعو به من رحمة الله وعونه ونصره، وبذا يستمر الدعاء لأننا لم نستغنِ لحظة.
ثالثًا: عند الترمذي وغيره (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم) وفي هذا نزع للأنانية والتفكير بالنفس دون من نتصل بهم روحًا وانتماء.
رابعًا: الواقعية؛ فالدعاء إما أن يستجاب، أو يدفع عنا وعن إخواننا بمثله، أو يؤجل للآخرة، وهنا ننظر للأحداث بعين القدر والشرع، وأن الخير المتحصل قد لا نحسه.
خامسًا: سيعلمك الدعاء محدودية قدراتك، فتعذر نفسك حين العجز، ولا تتطلب من النتائج ما ليس بيدك، وقد كنت أقرأ قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء) بمعنى العتب؛ وهذا صحيح، لكن لها معنى الإعذار، فليس لك من هذا الأمر شيء، فأدّ ما عليك، ولا تجاوز الأدب بالسؤال عن حكمة المصائب بطريقة فجة تخالف أصل العبودية أو كمالها.
اللهم انصر إخواننا في غزة، واكبت عدوهم، واكفهم شر الأشرار، وأمن ربنا خوفهم، وسدد رميهم، ولا تجعلنا ممن استطال الطريق فتوقف، أو استكان لضعفه البشري فتأفف.