Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Труха⚡️Україна
Труха⚡️Україна
Николаевский Ванёк
Николаевский Ванёк
Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Труха⚡️Україна
Труха⚡️Україна
Николаевский Ванёк
Николаевский Ванёк
بسام بن خليل الصفدي avatar
بسام بن خليل الصفدي
بسام بن خليل الصفدي avatar
بسام بن خليل الصفدي
21.04.202506:26
19.04.202516:24
حرب غزة يوميات ومشاهدات [72]
(هُتَاف الـمَجْد)
الطنطاوي أديب رساليٌّ، نذر نفسه طيلة حياته للمُحاماة عن دينه، والدفاع عن قضايا أمته، يصول بقلمه ولسانه وبيانه صولة الأسود، لا والله، بل أقوى من صولة الأسود.
كلماته أقوى من الرصاص، وأحد من السيف.
كَتب الطنطاوي في الحماسة والجهاد، والدفاع عن قضايا المسلمين، والوقوف في وجه الغاصبين، ورد عادية الملاحدة وأعداء الدين مئاتِ الصفحات، بقي يناضل ويُحامي إلى آخِر نَفَس يتردد في صدره، وآخر قطرة حبر في قلمه.
ونحن أهلَ فلسطين خاصةً للشيخ في أعناقنا منةٌ عظيمة، كيف لا، وقد طاف الدنيا من أجلها، وكتب عنها وعرَّف بها وجاهد في سبيلها ما لم يجاهده غيرُه من أبنائها فضلا عمن سواهم، وكلماته وتوجيهاته في ذلك كالنور في حنادس الظلام، فالله يتقبل جهاده، ويبرِّد مَضْجَعه، ويبلِّغه منازل الرضوان.
وهذان نصان من كلامه رحمه الله أوحى إليَّ بهما بعضُ ما نحن فيه، أكتفي بإيرادهما من غير تعليق اقتباسا من الكتاب الذي سيصدر عنه قريبا بحول الله تعالى.
1- في سنة (1947) حين كانت الحرب على أشُدِّها مع أوربا، وبدأ اليهود يتسللون إلى فلسطين بحماية من بريطانيا كتب الطنطاوي مقالته (إعلان حرب) قال فيها:
على كل واحد منا، وعلى كل واحدة أن يحرِّم على نفسه كل شيء أجنبي، فلا يأكلَه إن كان مأكولا، ولا يشربه إن كان مشروبا، ولا يمسَّه إن كان طيبا، ولا يلبسه إن كان ثوبا، ولا يقرأه إن كان كلاما؛ ما لم يكن علما خالصا، أو أدبا إنسانيا صِرفا، ولا يتداوى به إن كان عَقَّارا [دواءً]؛ ما لم يكن مضطرا إليه ولا يجد ما يَسُدُّ مَسَدَّه، ولا يرسل ابنه إلى مدرسة أجنبية، ولا يدعه يذهب في السياسة والاقتصاد مذهبا أجنبيا.
وأن نمحو أسماءهم من شوارعنا ومياديننا، ونطمس ذكرهم من مدارسنا وبرامجنا؛ إلا ببيان حقائقهم وهتك السُّتُر الخادعة عنهم.
وأن نداوي نفوسنا من هذا السُّل القاتل الذي هو احتقار نفوسنا وتعظيمُ الغربيين، وأخذُ كل ما يأتي منهم أخذَ الضعيف.
وأن نوقن أننا أقوياء حقا، أقوياء بماضينا وأمجادنا، وبما تركنا في الدنيا من أثرٍ خيِّرٍ نبيل، وأقوياء بعَددنا وبعزائمنا، وبأن الحق معنا، وأن البلاد بلادنا، وأن فلسطين لنا، لن يغلبنا عليها شحاد صهيوني، ولا محتال إنكليزي، ولا لص أميركي، لا والله ولا الجن ولا العفاريت.
إننا والله سنمضي إليها على كل سيارة وكل قطار وكل دابة، ونمشي على أقدامنا إن عزَّ الظَّهر، ونملأ إليها كل طريق، ونسلك إليها كل سبيل، حتى نُتْرِعها رجالا؛ إن أعوزهم السلاح فما يُعْوِزهم النُّبْلُ ولا الإقدام، رجالا لا يحبون الحياة الذليلة، ولا يهابون الموت الشريف، ولا يتزحزحون ولا يَريمون [يَبْرَحون] ما دام في صدورهم قلوب تَخْفِق، وفي صدورهم نفس يطلُع وينزل. هُتاف المجد (ص119).
2- لقد كنتُ أَرانا نتلقى بوجوهنا ضرباتِ اليهود فلا نملك إلا أن نذهب إلى مجلس الأمن كما يذهب الولد المدلَّل الناعم إلى المعلم يقول: أستاذ هذا ضربني! ويكون المعلم مشغولا عنه فيصرفه بحركة من يده ويقول له: اذهب أنا سأؤدبه، وهَوَى المعلمِ مع الضارب لا مع المضروب.
نحن العربَ، نحن المسلمين، نحن أبناءَ من فتح الدنيا، نحن سلائل الأبطال الأماجيد= يكون أقصى جُهْدنا أن نشكو إلى مجلس الأمن؛ يا مجلس الأمن أدركنا إن اليهود اعتدوا علينا! ويبحث مجلس الأمن ويناقش، ثم إذا أدرنا ظهورنا وانصرفنا مدُّوا ألسنتهم لنا ساخرين بنا.
كنتُ أَحْني رأسي حياء وأُفَتش عن قبر أواري فيه وجهي، ثم أرتد حياء من رُفات الجدود أن تَطَّلع عليَّ من جوانب القبر.
وكنت أتحرق وأقول: متى نذكر رجولتنا؟ متى نستعد للمعركة الحمراء بالحديد والنار؟ متى نثبت للدنيا أننا لا نزال أبناء الـمَعامع وفرسانَ الحروب؟ متى نقف على أرجلنا، ونعتمد بعد الله على أنفسنا، ونعلم أنه لا ينفعنا إلا السلاح؟ الذكريات (٧/ ٨).
بسام بن خليل الصفدي
السبت 21 شوال 1446
https://t.me/DBasam
14.04.202518:43
حرب غزة يوميات ومشاهدات [70]
(الاحتسابَ يا عباد الله)
[تنبيه: حدث خطأ في ترقيم بعض المقالات الأخيرة، وهذه المقالة السبعون على الصواب إن شاء الله، ومنه نستمد العون والسداد].
جاء في الأثر عن الشعبي أن شُرَيحًا قال: "إني لأُصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمده إذْ لم تكن أعظمَ مما هي، وأحمده إذْ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذْ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمده إذْ لم يجعلها في ديني".
ويُروى عن عمر رضي الله عنه قال: ما أُصبت ببلاء إلا كان لله عليَّ فيه أربعُ نعم: أنه لم يكن في ديني، وأنه لم يكن أكبرَ منه، وأني لم أحرم الرضا به، وأني أرجو ثواب الله عليه".
من لُطف الله تعالى بعباده أنه يبتليهم بالمصائب والشدائد ويهيئ لهم الأسباب التي تعينهم على احتمالها والصبر عليها، ومن أعظم ذلك: ما يرجونه من موعوده تعالى بالأجر والثواب، حتى تستحيل المصائب عند بعضهم نعما؛ لعظم هذا المعنى في نفوسهم.
وهذا المعنى العظيم جاء التعبير عنه في الأحاديث النبوية بالاحتساب، فمن ذلك ما جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الجَنَّةُ).
والأحاديث في الباب كثيرة استقصاها ابن القيم في "عُدَّة الصابرين"، وأشار إلى جملة حسنة منها ابن حجر في "الفتح" في الموضع الآتي قريبا.
والاحتساب: أن يصبر العبد راضيا بقضاء الله راجيا فضله. انظر: "فتح الباري" (3/119) لابن حجر.
وكثير من الناس تجري عليهم المصائب العظيمة وينقلبون بالحسرة في الدنيا والآخرة، فلا أجرَ ولا رضا ولا سكينة، وهذه لعَمْر الله المصيبةُ حقا لا ما يقدَّر على العبد من البلاء.
وكل ما جاء في الآيات والأحاديث من الأجر على المصائب إنما يوفَّاه العبدُ بشرط الاحتساب. ومن بديع كلام الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وقد عُرف من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب إلا على النية؛ فلا بد من قيد الاحتساب. والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة".
وهذا أصل عظيم ينبغي للمسلم أن يَعلمه ويجاهد نفسه فيه ويكون منه على ذكر وبال؛ وذلك أن كثيرا من الناس لا يحضر هذا المعنى في نفوسهم، ولا يرفعون به رأسا.
فلا بد من استشعار الأجر حال نزول المصيبة، وهذا -كما سبق- يخفف وَقعها ويعين عليها. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا...) الحديث. أخرجه الترمذي وحسنه.
وفي "القُوت" لأبي طالب: "وأصل قلة الصبر ضعف اليقين بحسن جزاء من صبرتَ له؛ لأنه لو قويَ يقينُه كان الآجِل من الوعد عاجلا إذا كان الواعد صادقا؛ فيَحسن صبره لقوة الثقة بالعطاء.
ولا يصبر العبد إلا بأحد معنيين: مشاهدة العِوَض وهو أدناهما، وهذا حال المؤمنين ومقام أصحاب اليمين. أو النظر إلى المعوِّض، وهو حال الموقنين ومقام المقربين".
وهذا النقل البديع مستفاد من الشيخ القرضاوي في "الصبر في القرآن الكريم"، وهو من نفائس الكتب على اختصاره.
فيا أهلنا في غزة، ويا أهل الإسلام في كل مكان، احتسبوا ما يصيبكم في ذات الله، وابتغوا الأجر عليه منه سبحانه، فإنما هي ساعة ثم تنقضي. والعاقل من تلمَّح العاقبة، وطمَحت عيناه إلى الآخرة، فالله يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الاثنين 15 شعبان 1446
https://t.me/DBasam
10.04.202516:41
من مقروءاتي في الحرب [٤٧-٤٩]
("القضية الفلسطينية.. خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة"، و"الطريق إلى القدس.. دراسة تاريخية في رصيد التجربة الإسلامية على أرض فلسطين منذ عصور الأنبياء وحتى القرن الحادي والعشرين"، و"الإخوان المسلمون الفلسطينيون.. التنظيم الفلسطيني- قطاع غزة ١٩٤٩-١٩٦٧" ثلاثتها لمحسن صالح)
الأستاذ الدكتور محسن صالح مثال للباحث الجاد الذي أخلص لبحثه وقضيته، وهو يعد اليوم من أبرز من يتكلم في قضية فلسطين وما يتصل بها، وقد أنشأ لذلك مركزا (مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات) يعد من أهم المراكز البحثية المهتمة بهذه القضية وتطوراتها، صدرت عنه مئات الكتب فضلا عن التقارير والوثائق واليوميات والأوراق البحثية والنشرات وغيرها مما تراه في موقعهم على الشبكة.
وأول الكتب الثلاثة التي نستعرضها في هذه الحلقة: "القضية الفلسطينية"، وهذا الكتاب الغرض منه تقديم رؤية عامة للقضية من خلال تتبع مفاصل السياق التاريخي لها، فهو مقسم على سبعة فصول كل فصل يتناول حقبة تاريخية مفصلية، بدأها بالتاريخ القديم وانتهى بها إلى سنة ٢٠٢١، مع مزيد اعتناء بمسارات التسوية والحروب الأخيرة على غزة.
الكتاب حسن الترتيب والتقسيم، سهل التناول، مختصر يناسب من لا يريد التوسع والإغراق في التفاصيل، ويعالج قضايا حية عاشها الناس، كل ذلك "من خلال رؤية تؤمن بحق أبناء فلسطين في أرضهم، وأن فلسطين أرض عربية إسلامية" [المقدمة].
وإن كانت لي من ملاحظة على الكتاب فهي هذه الهوامش المزعجة التي جعلها المؤلف آخر كل فصل، فتحتاج عند كل حاشية إلى رحلة للبحث عن موطنها آخر الفصل، وهي طريقة مأخوذة من الغربيين لا تناسبنا.
وأما الكتاب الثاني: "الطريق إلى القدس" فقد صدر في طبعته الأولى قبل نحو ثلاثين سنة، ثم ما زال المؤلف يتعاهده ويزيده وينقحه حتى انتهى به إلى سنة ٢٠٢٢.
وهو كما يظهر من عنوانه أخص من سابقه، فهذا لرصد التجربة الإسلامية في فلسطين من قبل الفتح الإسلامي إلى زماننا هذا الذي نحن فيه.
وقد رتبه على خمسة فصول:
الأول: صراع الحق والباطل على أرض فلسطين قبل الفتح الإسلامي.
والثاني: الفتح الإسلامي لفلسطين.
والثالث: المسلمون في مواجهة الصليبيين والتتار.
والرابع: التجربة الإسلامية على أرض فلسطين منذ أواخر الدولة العثمانية وحتى نهاية الاحتلال البريطاني ١٩٤٨.
والخامس: المقاومة الإسلامية على أرض فلسطين ١٩٤٩-٢٠٢٢.
والكتاب وإن انتحى فيه المؤلف طريقة علمية بحثية غير أنه كسابقه قريب المأخذ.
وقد توسع في الفصل الخامس، واجتهد في تحريره وبيان مساراته وصعوده وتعثره.
وفيه تفاصيل مهمة وأسماء وتواريخ وأحداث رسمت مسار العمل القتالي إلى ٢٠٢٢، ومن قرأه مع ثقافة عامة سابقة تكونت عنده صورة حسنة عن هذا الجزء من تاريخ بلادنا وأبرز الفاعلين فيه.
وفيه مبحث مهم عن علاقة الإخوان بنشأة حركة فتح، وسيأتي معنا بأوسع مما ها هنا في الكتاب الثالث.
وأما الكتاب الثالث: "الإخوان المسلمون الفلسطينيون" فهو أخص من سابقه؛ إذ يتناول التجربة الإسلامية في هذه الحقبة الزمنية دون غيرها (١٩٤٩-١٩٦٧)، وفي قطاع غزة دون الضفة والداخل.
وقسمه إلى خمسة فصول:
الأول: الإخوان المسلمون وتطورات القضية الفلسطينية حتى ١٩٦٧.
والثاني: الإخوان المسلمون في قطاع غزة ١٩٤٩-١٩٥٦.
والثالث: الإخوان المسلمون الفلسطينيون "إنشاء التنظيم" ١٩٥٧-١٩٦٧.
والرابع: العمل العسكري للإخوان المسلمين في قطاع غزة ١٩٤٩-١٩٥٦.
والخامس: الإخوان المسلمون الفلسطينيون ونشأة حركة فتح.
وختمه بثلاثة ملاحق مهمة:
الأول: قائمة تعريفية بالشخصيات التي أجرى المؤلف مقابلات معها.
والثاني: جدول يوضح الأعضاء المؤسسين والرياديين في حركة فتح من ذوي الخلفيات الإخوانية.
والثالث: ملحق الوثائق.
وجاءت فكرة الكتاب استكمالا لدراسة كتبها المؤلف وعنونها "التيار الإسلامي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد ١٩١٧-١٩٤٨".
إخوان فلسطين عموما وغزة على وجه مخصوص مذكراتهم وسيرهم ومدوَّناتهم قليلة، وهذه مشكلة واجهت المؤلف، فجبر هذا النقص بعشرات المقابلات مع الشخصيات الإسلامية التي لعبت دورا قياديا في الفترة الزمنية المرصودة للدراسة.
وقد تعنى لهذه المقابلات، فسافر إلى الأردن والكويت والسعودية والإمارات ولبنان وغيرها حيث يقيم المرادُ مقابلتهم.
أما في غزة والضفة فقد أناب عنه من يتولى هذه المهمة؛ لعدم قدرته على الوصول إليهما.
وزيادة على المقابلات الشفهية فقد رجع المؤلف إلى كل كتاب غلب على ظنه أنه يستفيد منه أو يجد فيه مادة أو معلومة تخدم كتابه، فطالت يده كتبا وسيرا ومذكرات كثيرة أحسن الاستفادةَ منها، وكل ذلك لم يُغنه عن المقابلات التي غطت فراغات لم تغطها الكتب.
07.04.202503:18
حرب غزة يوميات ومشاهدات [٦٨]
(وداعا أبا بلال)
كنت جالسا أمس أكتب مقالة عن المسعفين الخمسة عشر الذين اغتالتهم يد الغدر والخيانة من أيام فجاءني اتصال من أخ حبيب لا أتبين كلامه من البكاء يقول: (اِلحق يا شيخ، أبو بلال)، قلت: ما له؟ قال: استشهد وأصيب أولاده معه، فكأنه والله نعي إليَّ نفسي.
فقمت مسرعا إلى المستشفى الأهلي (المعمداني) وهي ليست بعيدة عنا، فدخلت فإذا الناس كالعادة غارقون في جراحهم كلٌّ يبحث عن قريبه أو صاحبه، وأنا أسأل عن حبيبي أبي بلال.
دلني أحد الإخوة على مكانه في الاستقبال فذهبت فإذا به ملقًى على الأرض قد فاضت روحه إلى ربها بقصف غادر على باب المخبز الذي يعمل فيه هو وأبناؤه الثلاثة، بلال وحذيفة وعبد الله.
يا الله، دارت بي الدنيا، وهجمَت عليَّ ذكريات ثلاثين سنة مذ عرفته في أوائل الإعدادية.
هل حقا رحلت يا أبلال؟!
هل انقطع عنا اتصالك ولقاؤك وزيارتك؟!
ما أحقر الدنيا!
أهكذا يفترق الأصحاب، وينتهي كل شيء؟!
لو كان لي في الدنيا ثلاثة من الصحب لكان أحدَهم أبو بلال، ولو كانا اثنين لكان أحدَهما أبو بلال.
عرفت أخي ناهض انطيز في الإعدادية، ولم يكن في ذاك الوقت على ما أحب وأرجو من الاستقامة، ثم أقبل على نفسه وعرف أمره، وجدَّ حتى أتم الثانوية، ثم انتقلنا إلى كلية أصول في الجامعة الإسلامية مطلع الألفية الثالثة، وعُينت إماما في جامع القعقاع، ولم أكن متأهِّلا؛ فكنت أبيت في المسجد، وكان يبيت معي نسهر على العلم.
وتقلبت به الحياة بعد ذلك، وألجأته تصاريف الدهر إلى العمل فتأخر عن الدراسة، وكان عصاميا رجلا مكتمل الرجولة والشهامة والمروءة، ولم يُقْسم له من العلم ما كان يرجوه ويؤمله.
وكان في ذاك الوقت يدور على مشايخ غزة وعلمائها، وأحسب أنه ما ترك أحدا منهم إلا وحضر عنده، ولو قلت: ما رأيت أحدا من طلبة العلم في غزة أحرص على ذلك منه لرجوت الصدق.
تزوج قبلي بيوم، ثم عين إماما وخطيبا في جامع الحرمين، فكان يدرِّس فيه وفي مساجد التفاح والشعف.
كان رحمه الله شجاعا بطلا مقداما من نعومة أظفاره حتى لقي الله شهيدا سعيدا، وله مواقف ومشاهد أرجو أن يجزيه الله بها يوم يلقاه.
كان يستشيرني في غالب أمره، وكنت معه في الماجستير خطوة بخطوة، ثم انقطع عن الدراسة حتى جاءت الحرب، فالتحق ببرنامج الدكتوراة في التفسير في جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم- السودان، وناقش قبل شهر ونصف تقريبا، وفرحنا له أشد الفرح تقبله الله.
نزح والده ووالدته وإخوانه إلى الجنوب حين اشتدت الحرب، وبقي في الشمال مع أخيه الأكبر، ثم استشهد أخوه وزوجته تقبلهما الله، وكانت فجيعته فيهما عظيمة، ودفنهما بيده، وضم أولادهما إلى أولاده، ورعاهم وزوجتُه حفظها الله أحسن ما تكون الرعاية، وألح أهله عليه أن يرسلهم إلى الجنوب وهو يتأبى عليهم.
ثم استشهد بعد ذلك عمه وبعض قرابته بين يديه، فواراهم وهو صابر متجلد محتسب.
كان أهله وإخوانه يحبونه أشد الحب، حين جيء بوالده وأنا عند رأسه وقف واجما كأنما استُلب عقله، يقول: ناهض، ناهض مات؟ خَلَص، راح... يَهذي لا يدري ما يقول.
وأخته الكبيرة مُكبَّة عليه تبكيه وتقول لأخيه الأصغر: مات أخوك يخو؟ فينظر إليها ويضحك كالمجنون لا يصدق أن أخاه مات.
وحين حملناه إلى بيته لتودعه زوجته وبناته (وابناه أصيبا معه عجل الله بشفائهما وأبقاهما لأمهما وأهلهما) جيء بالبنات وهن يبكين أشد البكاء على أبيهم، يقطِّع بكاؤهن نياط القلوب.
كان آخر عهدي به قبل استشهاده بيوم في زيارة لأحد إخواننا في المستشفى الأهلي التي قضى فيها، وافترقنا قبل المغرب، وودعنا بضحكات ودعوات طيبات على عادته برَّد الله مضجعه.
وآخر زيارة له كانت في العيد قبل أربعة أيام، زارني مع مجموعة من الإخوان والأصحاب في البيت، وكنت قد طلبت منه بعض الخشب وقودا للنار فأحضر معه كيسين كبيرين، وصنع لنا طعاما طيبا، وجلسنا ساعات وصلينا المغرب ثم افترقنا، وكان هذا آخر مجالسه رضي الله عنه.
رحمك الله يا أبا بلال.
كنت نعم الأخ والصاحب والحبيب.
والله ما وجدت على أحد بعد أخي ما وجدت على فقدك.
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
اللهم أْجُرنا في مصيبتنا وأخْلِف لنا خيرا منها.
اللهم اغفر لأبي بلال، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، وافسَح له في قبره ونوِّر له فيه.
اللهم أحينا ما علمت الحياة خيرا لنا، وتوفنا ما علمت الوفاة خيرا لنا، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الاثنين ٩ شوال ١٤٤٦
https://t.me/DBasam
20.04.202516:13
حرب غزة يوميات ومشاهدات [73]
(اتقوا الله في زوجات الشهداء)
ذكر ابن إسحاق في "السيرة": أن حَمْنة بنت جَحْش لما لقيت الناس مُنْصَرفَهم من أُحد نُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وَوَلْوَلَت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ)؛ لـِمَا رأى من تثبُّتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.
مصاب المرأة في زوجها عظيم عظيم، لا يعوضها عنه إلا تثبيتُ الله تعالى وإعانته. وليس في الدنيا أحد يقوم مقام الزوج.
وتشتد المصيبة إذا كانت المرأة وحيدة غريبة بعد زوجها لا تجد من يعينها ويتولى أمرها، وتشتد أكثرَ إذا تسلط عليها من لا يتقي الله من أهل زوجها بعده.
ولئن كان المصاب في بلاد الناس شديدا فإنه عندنا أشد؛ لما تتعرض له كثير من النسوة من النزوح والتنقل بين المخيمات ومراكز الإيواء مع أولادهن، ولما يتعرضن له كذلك من الملاحقة والقصف إن كان أزواجهن من المجاهدين.
والحديث هنا عما يقع على هؤلاء النسوة من الظلم والبغي بعد أزواجهن، وسبب ذلك عائد غالبا إلى رقة الديانة، والجهل، ولزوم العادات الجاهلية التي يقدمها بعض الناس على أمر الله ورسوله.
فتجد بعضهم يتسلط على زوجة ولده بعد موته، ويمنعها من الخروج بعد انقضاء عدتها، ويضيق عليها في ذلك. ومعلوم أنه لا ولاية له عليها، وإنما الولاية لأبيها أو من يليه -إن كان قد تُوفي- على ما هو معروف عند الفقهاء.
وبعضهم يتسلط على مال الزوج ويحرم منه الزوجة والأولاد، أو يأخذ منه ومن متاعه ما يشاء قبل القسمة، وهذا من الكبائر التي توعد الله عليها بالعذاب الشديد.
وبعضهم يحرم الزوجة من أولادها أو يحرضهم عليها متجردا من المروءة والحياء والخشية.
وبعضهم يتخذ الجمعيات والمؤسسات الداعمة لزوجات الشهداء وأولادهم سبيلا للاسترزاق والتكسب وجمع المال الحرام، فويل لهم ثم ويل لهم.
وبعضهم يتعامل مع زوجة ولده أو أخيه كأنها تركة؛ فيأمر وينهى ويتدخل في سائر شؤونها بالبغي، وقد بلغني أن بعضهم أجبر زوجة ابنه الذي أُشيع قتله في الحرب على الزواج من ولده الآخر، ثم تبين أن الأول لم يقتل، ووقعوا في حيص بيص.
والواجب على أهل الزوج أن يتقوا الله تعالى في هذه المرأة الثَّكلى التي فقدت أعزَّ وأغلى ما تملك في الدنيا، فينزلوها منزلة بناتهم، ويكرموها رحمة بها ووفاء لابنهم، فوالله لو لم يكن الدين يأمر بهذا لكان الواجب امتثالَه مُروءة وشهامة.
وليعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وأن من تسلط على بنات الناس سلط الله الناسَ على بناته جزاء وفاقا، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9].
والظلم كثير لكنه ليس غالبا إن شاء الله، ففي الناس خير وبر وإحسان، نسأل الله أن يبارك فيه وفي أهله.
وكما يُوصَى أهلُ الزوج بزوجة ولدهم فإن الزوجة مطالبة كذلك بالإحسان إلى أبيه وأمه وأهله وقرابته من بعده، فإن هذا من البر به بعد موته.
يا أهلنا في غزة وفي كل مكان، الله الله في زوجات الشهداء وأولادهم من بعدهم، فحقهن وحقهم الرعاية والإكرام، ولا والله لا تضيع زوجة شهيد وأولاده إلا عند اللئام.
ولا ينبغي في خاتمة المقالة أن أُخْليها من شكر الجمعيات والمؤسسات وأهل الخير والإحسان الذين يكفلون الأرامل والأيتام، ويُعِفُّوهم عن السؤال، فالله يبارك في سعيهم، ويضاعف أجورهم، ويَخْلفهم في أهليهم بما يخلف به عباده الصالحين.
بسام بن خليل الصفدي
الأحد 22 شعبان 1446
https://t.me/DBasam
16.04.202517:59
حرب غزة يوميات ومشاهدات [71]
(المهم أين أنت؟ فقال: في الجنة)
"رأيت اليوم في المنام الأخ أبا عُبادة محمود سمور، وكان يجلس على مكتب، فتحدثنا، ثم قلت له: المهم أين أنت؟ فقال: في الجنة".
هذه رؤيا رآها أحد قرابتي -وأحسبه من الصالحين ولا أزكيه على الله- وأرسلها لي من أيام في أخينا أبي عبادة تقبله الله، الذي لقي الله شهيدا من شهور قرب مسجد سعدٍ الغِفَري.
ليس الحديث هنا عن أبي عبادة؛ فلم تكن لي به تلك الصلة، ولكني أتوسل بهذه الرؤيا للحديث عن بعض ما سمعته أو علِق في ذهني من أخبار الصالحين الأبرار ممن قضوا في هذه الحرب الغادرة.
رفعتْ رَضوان: المسعف الذي اغتالته وإخوانَه رصاصات الغدر وهم يقومون بواجبهم، وُجد في هاتفه المحمول في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده تقبله الله: "سامحيني يمَّا، يمَّا سامحيني، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، هدي الطريق إلِّي اخترتها إني أساعد الناس، يا رب توب عليَّ، يا رب تقبلني شهيد" وقضى على ذلك.
عدنان البرش: رئيس قسم جراحة العظام والمفاصل في مستشفى الشفاء، كان على رأس عمله في المستشفى، وبقي حتى حوصر مع إخوانه وأجبر على الخروج، فانتقل إلى المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا، وحوصر هناك وقُتل وأصيب جماعة ممن كانوا معه، فانتقل إلى مستشفى تل الزعتر في جباليا، ودخل عليه اليهود وهو يجري عملية لأحد مرضاه فأطلقوا النار على قدمه ثم اعتقلوه وهو ينزف ليقضي بعد ذلك شهيدا في سجن (عُوفَر).
أبو حمزة التُّرُك: سمعت الناس والإخوان يتحدثون عنه أنه صام أيام الحرب كلها طمعا في أن يلقى الله صائما، وكان جاهدا مجاهدا مسعر حرب رحمه الله وتقبله، وكان بعض الإخوة يقول بعاميته: "ما بِنفَع تخلِّص الحرب وهدا الأخ عايش، لا بد أن يستشهد".
تيسير أبو طعيمة: الشهيد العابد المجاهد إمام جامع فلسطين في (بني سهيلا)، الذي قصفته المسيَّرة وأصابته إصابة بليغة في ظهره، فلما أيقن بالموت خر ساجدا ليلقى الله على هذه الحال المرضية، فالله يتقبله ويرضى عنه.
شهيدا السَّطْح: بثَّ إعلام العدو في 18/5/2024 مقطعا مرئيا لشابين محاصرين على سطح منزل في مخيم جباليا، ينهض أحدهما بقدم مصابة يفتح رشاشه ويشتبك مع القوات المحاصِرة، فتخترق جسدَه رصاصاتٌ من طائرة مسيرة ترديه أرضا، فيقوم صاحبه المصاب ويأخذ رشاشه ويشتبك ثانية ليلقى مصير صاحبه في مشهد عظيم يملأ عينك وقلبك مهابة وجلالة، وعلى كثرة ما رأيت من مشاهد البطولة والإقدام لم أر مثل هذين الشابين الأسدين، فالله يتقبلهما ويرضى عنهما.
ليس المقصود هنا التتبع والاستقصاء؛ فما إليه سبيل، وإنما هي كلمات كتبتها من رأس القلم تدل على ما وراءها، وتذكر بالخير أناسا تسنموا ذُرى المجد، وخُتم لهم بالسعد، فالله يتقبلهم ويرضى عنا وعنهم بمنه وكرمه، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 18 شوال 1446
https://t.me/DBasam
12.04.202519:32
من مقروءاتي في الحرب [50-51]
("مع الحركة الإسلامية في الدول العربية" لعبد الله أبو عَزَّة، و"ستون عاما في جماعة الإخوان المسلمين" لإسماعيل بن عبد العزيز الخالدي)
عبد الله أبو عزة وإسماعيل الخالدي غزيان، هاجرا إلى غزة في الــ 48، الأول من قرية (يِبْنا) قضاء الرملة، والثاني من قرية (كَرَتِيَّا) قضاء غزة.
وكلاهما قاد تنظيم الإخوان في غزة في وقت مبكر، أبو عزة من الـــ 55-57، والخالدي من الـــ 63-67، وتوفي الرجلان سنة 2022.
وكتاباهما من جنس كتب السير الذاتية والمذكرات، غير أن الأول يغلب عليه الجانب النقدي، والثاني يغلب عليه الجانبي الـمَناقبي.
وكلاهما مرجع مهم لمن أراد معرفة الحال التي كانت عليها غزة في عَشر الستين والسبعين من القرن المنصرم، واعتمد عليهما كثيرا محسن صالح في كتابه "الإخوان الفلسطينيون" الذي عرَضنا له في الحلقة السابقة.
تجد في الكتابين البداياتِ التأسيسية لجماعة الإخوان في قطاع غزة، والحديث عن شعب الإخوان الأولى فيه، وصراعِ الإخوان مع الشيوعيين والقوميين والبعثيين في تلك الفترة، والمحنِ التي تعرضت لها الجماعة تبعا للأم في مصر.
وفيهما كذلك حديث مهم عن التنظيم الفلسطيني العام للإخوان الذي يضم أصالة إخوان غزة مستوعبا الفلسطينيين في بقية الدول العربية على تفاوت بينها، واستثنيت الضفتان الشرقية والغربية لاعتبارات معينة.
وتأسس هذا التنظيم سنة 1960 في فترة حرجة جدا، وهي التي غادر فيها كثير من أفضل الكفاءات والقيادات الإخوانية في غزة إلى فتح، مؤسسين طلائعَها الأولى، وجرَت فيها أمور انظرها إن شئت -بأوسع مما في الكتابين- في كتاب محسن صالح المشارِ إليه آنفا.
وفي الكتابين كذلك حديث عن تأسيس حركة فتح ونواتها الأولى، ودور أبي جهاد خليل الوزير في هذا التأسيس والانشقاق عن الإخوان، وقد كان أحدَ أبرز القيادات العسكرية للإخوان في غزة في ذاك الوقت، وكان للإخوان عمل عسكري تجد تفصيل الحديث عنه في كتاب محسن صالح.
ما يتميز به كتاب أبي عزة أن صاحبه قاد الإخوان في فترة عصيبة جدا، وسافر وتنقل في كثير من البلاد، وعمل في المكتب التنفيذي للإخوان في البلاد العربية، وهذا المكتب يمثل قيادات الإخوان في هذه الدول، وكان هو نائبا عن فلسطين فيه.
ترك أبو عزة الإخوان في الــ 72 بعد عشرين سنة من انتسابه إليهم، وحكى في كتابه هذا تجربته في المناصب التي تقلدها، والبلاد التي سافر إليها، والشخصيات التي عمل معها.
من ذلك حديثه عن معسكرات الجهاد على حدود الأردن ومعارضته الشديدة لها، وكان بين الإخوان انقسام في تبني هذه المعسكرات بعد حرب الــ 67، ولها قصة طويلة يضيق بها المقام، وهي التي عرفت فيما بعد باسم (معسكرات الشيوخ)، ولغسان دُوعَر كتاب عنها، وكذا لمحسن صالح.
وبدأت الهوة تتسع بينه وبين الإخوان بعد المقالات التي كتبها في مجلة المجتمع الكويتية عن الشورى وأنها غير ملزمة يرد بذلك على الشيخ عبد الكريم الذي كان يراها ملزمة؛ فضيقت عليه المجلة ومنعته من إكمال الرد، وتكلم معه المستشار عبد الله العقيل بكلام جارح، وبعدها ترك الإخوان إلى غير رجعة.
كان يرى أن من مشاكل الإخوان الكبرى: التحليلات الرغائبية، والإفراط في التفاؤل.
نموذج أبي عزة من النماذج النقدية المبكرة في جماعة الإخوان، كان مؤدبا في رده ونقده، يكتب بقلم الناصح مع شدة محتمَلة، لم تجره الخصومة إلى التشفي والانتقام والبَذاء كما وقع لكثيرين؛ ولذلك بقي على علاقة طيبة مع الإخوان وكثير من قياداتهم، ونعوه وأثنوا عليه بعد وفاته، وممن تأثر به واستفاد منه الدكتور عبد الله النفيسي، وأهدى إليه بعض كتبه.
الرجل كاتب ومفكر ومؤرخ عميق، حصل على البكالوريوس في التاريخ من جامعة القاهرة 1961، والماجستير في التاريخ من الجامعة الأمريكية في بيروت 1969، والدكتوراه في التاريخ من جامعة إكستر في بريطانيا 1980، وله كتب ودراسات جديرة بالنظر والاطلاع، يكتب فيها بلغة جَزْلة قوية.
وله خمس حلقات مهمة ضمن برنامج (مراجعات) مع عزام التميمي بُثَّت عل قناة الحوار قبل خمس عشرة سنة.
وكتاب أبي عزة أشهر من كتاب الخالدي وأسْيَر، وإن كان الثاني يغطي فترة زمنية أطول تمتد نحو ستين سنة، كان في أولها من صنَّاع الأحداث، وبعد خروجه من غزة ناقلا ومتابعا، وذكر وتوسع في أشياء لم يعرج عليها أبو عزة.
رحم الله المؤلفين، وجزاهما عنا خير الجزاء، ووفقنا جميعا لمرضاته، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
السبت 14 شوال 1446
https://t.me/DBasam
से पुनः पोस्ट किया:
د. حسن بن سليمان حلس avatar
د. حسن بن سليمان حلس
10.04.202512:01
للعيش في غزة لذة لا يعرف متعتها الا من عاشها وترعرع فيها.
ورغم ما تصاب به غزة من حروب ونكبات ومآسي وجراحات، إلا أنه يبقى مذاقها الخاص وطعهما الفريد.
ستبقين ياغزة بلدنا الجميل، ووطننا الكبير، وأملنا المنشود.
اللهم احفظ غزة وأهلها، وأنعم عليهم بالأمن والإيمان والسلامة والعافية🤲
06.04.202506:17
04.04.202508:25
تمت بحمد الله
19.04.202519:17
من مقروءاتي في الحرب [54]
("طفولة قلب" لسلمان العودة)
هذا الكتاب "ليس مجرد مذكرات أو سيرة ذاتية، ولكنه تجربة حياتية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فضلا عن كونه سردا وتوثيقا تاريخيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودعويا لمرحلة هامة جدا من عمر الأمة الإسلامية" [المقدمة (ص7) عن موقع (الإسلام اليوم)، وفيه شيء من مبالغة].
كنت في بدايات الثانوية حين عرفت الشيخ سلمان، وكنا نعيش في غزة صحوة عارمة مع انتهاء الانتفاضة ومجيء السلطة الفلسطينية، والشريط الإسلامي يومئذ منتعش يصلنا من مصر والسعودية مع القادمين من الحج والعمرة.
لست أذكر أول شريط سمعته له، لكني أتذكر إعجابي الشديد بأسلوبه وطريقته وموضوعاته التي يتناولها، وكان حالي كحال ذاك القائل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا
بدأت الرحلة مبكرة مع الشيخ سلمان ومع من عُرفوا يومئذ بشيوخ الصحوة: سفر الحَوَالي، وناصر العُمَر، وعبد الوهاب الطَّريري، وعائض القرني، وغيرهم.
استهواني الشيخ، وكنت أجد فيه شيئا مختلفا، فصرت أتطلَّب أشرطته، ولم تكن له يومئذ كتب، ووافق ذلك قدومَ زميل لنا من الرياض من عائلة (أبو عاصي) أنهى والدُه التعاقد هناك ورجع مع أولاده إلى غزة، وكنت أزوره ويزورني، وأسأله عن بعض المشايخ حتى جاء ذكر الشيخ سلمان فقال لي: جئت بغالب أشرطته، فقلت في نفسي: أنت الذي أبحث عنه. وتفضل عليَّ رحمه الله (وقد مات بعد ذلك بمدة يسيرة) بكل ما كان عنده من الأشرطة، فكأني وقعت يومها على كنز، وأقبلت عليها حتى سمعت أكثرها، وأشهد أني انتفعت بها انتفاعا عظيما، وتركت فيَّ أثرا كبيرا، أذكر منها: من يحمل هم الإسلام، صناعة الموت، هكذا علَّم الأنبياء، نهاية التاريخ، صانعو الخيام، المعركة الفاصلة، الحيل النفسية، وغيرها كثير كثير.
ثم قُدِّر لي بعد ذلك أن أسافر للعمرة سنة 1422، ولقيت شيخنا يحيى بن عبد العزيز اليحيى -وقد ذكرت خبره في مقالة تقدمت- وسألته عن الشيخ سلمان وكان حديث عهد بالسجن، فأخبرني أنه قادم للعمرة وأن محل سكنه قريب من الحرم، فقلت: هل لي في زيارته؟ فقال: نعم، الأمر سهل إن شاء الله، وأرسل معي أخا يوصلني للمكان، فلقيته مع مجموعة من طلابه يحبونه ويجلونه جدا، وهو يومئذ في الخامسة والأربعين.
في الكتاب حديث جميل ماتع عن البيئة النجدية وقت طفولة الشيخ (وقد وُلد في بُرَيدة سنة 1376)، وبدايات الدراسة والتعلم والاتصال باللغة والشعر.
وفيه ذكريات عن مشايخه الذين درسوه أو لقيهم واستفاد منهم: صالح البليهي، عبد الرحمن الدوسري، ابن باز، ابن عثيمين، عبد الفتاح أبو غدة، وغيرهم.
وفيه فصول تاريخية وفكرية مهمة عن تلك المرحلة التي وَفَدت فيها الأفكار، وكثرت السجالات والصراعات، وكيف ارتسمت شخصيته وبدأت رحلته مع التدريس والطلبة، ثم تطور الأمر إلى مكتب لإدارة أعماله، وفي هذه الفترة كان في عَشر الأربعين، وكان حديثَ الناس والمجالس، يحضر له الألوف من كل مكان، يحاضر في: القضية البوسنية، والمسألة الجزائرية، والمعركة الفاصلة مع اليهود، وأفغانستان عبر وعبرات، ويا أُهيل الحرم... حتى جاء الوداع، وحان الرحيل سنة 1415، فأودع السجن ليمكث فيه قريبا من خمس سنوات.
وهنا حديث ضاف عن السجن وآلامه وآماله، واكتشاف الذات والناس من حوله.
هنا "يجد نفسه بين خيارين: إما أن يُمسك اللوح والقلم؛ فيساعد الناس على العودة إلى أهليهم، ويرى أشعة الشمس، ويستمتع بالكتاب، ويبدأ في مطالعة الجريدة، ويطمئن على الأهل والأم والزوج والصبية، وإما الصمت، وهو الحرمان" [ص271].
واختار الشيخ الإمساك باللوح والقلم، والعودة إلى الأهل، "اختار العمل في رابعة النهار، وتحت أشعة الشمس معرضا عما سوى ذلك" [ص271].
خرج الشيخ من السجن وبدأ رحلة جديدة مع نفسه والناس والحياة.
الكتاب كُتب بلغة أدبية عالية يتخللها كثير من الشعر الجميل الرائق، أجمله ما رَثى به ولدَه عبدَ الرحمن الذي قضى طفلا صغيرا وهو في السجن قد حيل بينه وبين توديعه.
تمنيت لو تُغني الأمانيُّ نظرة
إلى جسد ذاوٍ يغَرغِر بالبُهر
تمنيت حتى وقفةً عند نعشه
تردُّ إلى نفْسي الذي ضاع من صبري
تمنيت ما نالت ألوف توجهت
إلى ربها صلت عليك مع العصر
تمنيت كفًّا من تراب أسُنُّها
على قبرك الميمون طُيِّب مِن قبر
في قصيدة طويلة باكية.
وفي الكتاب دروس وتجارِب ثرةٌ في التربية والعلم والعمل والحياة.
وفي بعض فصوله مَلالة لم أسترسل معها، وفي جُلها رمزية متعبة مجهدة للقارئ تمنيت لو أنه عدل عنها.
فرج الله عن الشيخ سلمان، ورده إلى أهله وطلبته ومحبيه وإخوانه سالما معافى، وهدانا وإياه وجميع المسلمين للحق وثبتنا عليه حتى نلقاه، اللهم آمين.
الكتاب منشور عن دار السلام- القاهرة، ط1- 1438.
بسام بن خليل الصفدي
السبت 21 شوال 1446
https://t.me/DBasam
15.04.202519:46
ويرى الأحمري أن كتاب الشيخ ردة فعل على ما حدث في سورية، وأنه قابل تطرفا بتطرف؛ فتجاوز فطرة البشر، وحقائق التاريخ، وطبائع الأحداث.
وأن موقفه عجيب مُوحش مغرق في الضعف والاستكانة، حتى جهاد الدفع لا يؤيده.
وسأله في هذا السياق: لماذا لا يُلام من قصر في إعانة الثوار والوقوف معهم، ويتوجه اللوم إليهم فقط؟! لماذا لا تلوم الدول والحكومات الخائنة؟!
وذكر أن هدف الكتاب الأساس: التوهين من مكانة القتال في الإسلام نصا وتاريخا، وتعقيد شروط تنفيذه لو سُمح بتسربها إلى الكتاب، ومن دلائل التوهين: محاولة صرف الجهاد عن معناه، وجعلُ كلِّ عمل من أعمال الخير جهادا.
ويرى الأحمري كذلك أن الشيخ يعمل على ترسيخ ثقافة السلبية والهوان، وتأسيس مذهب يقوم على الهروب من ثقافة الحرب، بل من ثقافة الدفاع عن النفس، ويحشد كل ما يؤيد فكرته، وما لا يؤيدها يتجاوزه أو يتكلف في تأويله، فلم يساعده الفقه ولا التاريخ ولا السياسة.
أما فكرة التعازل والتتارك فإنها في عقله فقط، وهي فكرة عجيبة لا يؤمن بها الغرب أنفسهم، والواقع خير شاهد على ذلك، وهل تحررت الدول والشعوب إلا بالجهاد والقتال؟!
وفكرة توازن القوى ليست شرعية كذلك، فغالب المعرك والغزوات كان عدد المسلمين فيه قليلا.
و"السنام" يقع في قريب من مائتي صفحة، و"صب الملام" في نحو مائة وخمسين، ولا يتسع المقام هنا للتعقيب على كل ما ذُكر، فكتاب الشيخ الطريري فيه جوانب حسنة يستفاد منها بلا شك، ووقفات مع جملة من النصوص والوقائع جديرة بالنظر والاعتبار، لكنه كدره بالتكلف في تأويل النصوص لتأتلف مع ما ذهب إليه من ترك الجهاد والقتال، نحو صنيعه في حديث (أمرت أن أقاتل الناس...) فإن الشراح مجمعون على خلاف ما ذكره، ونحو صنيعه في أحاديث الطائفة المنصورة، وأن لفظ (يقاتلون) فيها مروي بالمعنى، وأن المقصود: القيام بأمر الله... إلخ، فإن هذا مخالف للروايات الصريحة عن ثمانية من الصحابة ممن رووا حديث الطائفة، ومخالف للمنقول عن السلف والشراح كافة. والغريب أنه عزا في الحاشية إلى رسالة الشيخ سلمان العودة "الغرباء"، وذكر أن فيها جمعا للأحاديث الواردة في ذلك، وأنه يتبين بمجموعها المعنى الكلي، وحين ترجع إلى الرسالة تجد الشيخ سلمان يؤكد ويبدي ويعيد في تأكُّد وصف الجهاد والقتال للطائفة المنصورة.
وللإنصاف: فإن هذا الذي ذكره الشيخ إنما هو في "توازن القوى"، وليس في "السنام"، لكنه منشور على حاله، ولم يصرح أن ما فيه منسوخ بما في الذي بعده.
ولهذا الذي ذكرته نظائر لا يتسع لها المقام.
وكتاب الأحمري فيه قسوة في بعض ألفاظه كان يمكن اجتنابها، وفيه نقص في بعض الجوانب الفقهية التأصيلية.
وممن تعقب الشيخ في كتابه: الشيخُ الدكتور ناصر الحنيني في ورقات بعنوان "توازن الرؤى لا توازن القوى" تفضل بإرسالها إليَّ مشكورا جزاه الله خيرا، ذكر فيها مقدمات مهمة، ثم أتبعها بجملة من التعقبات المجملة ثم المفصلة، وهي جديرة بالنظر والاطلاع.
وفق الله الجميع لمرضاته، وهدانا للحق وثبتنا عليه حتى نلقاه.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 17 شوال 1446
https://t.me/DBasam
12.04.202507:10
حرب غزة يوميات ومشاهدات [٧٠]
(فقلت له إن الشَّجَا يبعث الشَّجَا)
من الأبيات السيارة قول متمِّم بن نُوَيرة يَرثي أخاه مالكا:
لقد لامني عند القبور على البكا
رفيقي لتَذْراف الدموع السَّوافك
فقال أتبكي كلَّ قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللِّوَى فالدَّكَادك
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا
فدعني فهذا كله قبر مالك
وقد جدد قتلُ أبي بلال حزني على أخي أحمد تقبلهما الله وجميع إخواننا وأهلنا، وذكرتُ رثاء كانت أرسلته لي إحدى شقيقاتي تواسيني ونفسَها به، قالت رضي الله عنها -وفي بعض كلامها مبالغة جارية على طرائق الأدباء أبقيتها على حالها-:
"كأنّ دعاء الموت باسمك نَكْزَة
فرَت جسدي والسمّ ينفُث في أذني
يقين أشبه بالشك، وشك هو كاليقين، صورة الموت إذا اختطف حبيبا لك، وهذه أيام ثقيلة، أنكرت فيها نفسي ولم أعُد أعرفني، اهتَصَر فيها الموت أخي وحبيبي، ولم أدرِ قبله ما البُكا وما الوجد، وكأننا كنا اتفقنا أن يعيش إلى الأبد، فالموت فكرة مرعبة لا يخفف وطأها إلا اليقين والاطمئنان بأقدار الله.
ما كنت أرضى قبل نعشك أن أرى
رَضوى على أيدي الرجال يسيرُ
أخي وحبيبي، ما بي طاقة للكتابة الآن؛ إذ بعضي يبكي بعضه، ولكن لك حق وعليّ واجب، والله إن مصيبتنا بك هوّنت علينا كل المصائب بعدك، وفقدُك أهّلنا لكل فقد سواك؛ إذ كل موت أخطأكَ طيلة تسعة شهور كان يهون علينا، حتى أتى أمر الله الذي لا يُدفع، فمن شاء بعدك فليَمُت، فعليكَ كنا نخاف ونُحاذر.
تطاردني صورتك الأخيرة كمجنون فقد نصف عقله، وما زالت تلازمه حتى فقد نصفه الآخر، كأن النبأ طيفُ وهم أو نسجُ خيال عابث يَفزعني كلّ حين، ويطِنّ في أذني طنينا صاخبا لا أسطيع دفعه، فيجري ماء العين وآسَف على روح زكية اكتنفتها طباق الأرض.
عبثًا ينسلّ صوتك الرقيق، ومحيّاك الباسم الجميل، وطلعتك البهية من ثقوب الذاكرة، ولا أحسبكَ إلا نائما نوما سرمديا لا أرق فيه ولا وصب بعد تسعة شهور من النصب.
وإنْ تَكن الأيام فرّقنَ بيننا
فقد بان محمودا أخي حين ودّعا
سلام عليك يا أخي، سلاما مقرونا بدعاء صادق لن ينقطع بإذنه.
رزقك الله مفاز المتقين، وسكّن نوبات الأسى عليك بالرضا واليقين، وحبانا صبرًا يسع فقدك، وآواك الجنة، وجبر كسر القلوب عليك.. وكلنا مطايا إلى الموت لمّا نصلْ بعد" انتهى.
بسام بن خليل الصفدي
السبت ١٤ شوال ١٤٤٦
https://t.me/DBasam
10.04.202506:30
حرب غزة يوميات ومشاهدات [٦٩]
(من حديث الموت)
كنا قبل نحو سبع عشرة سنة في برنامج علمي مكثف مع مجموعة من خيرة الإخوة والطلاب، وكان البرنامج في جامع الميناء على شاطئ بحر غزة، وقد مر ذكره عرضا في حلقة قريبة.
وكنا نتخفف بعد ظهر الخميس من كل أسبوع، ننزل إلى البحر ونسبح ونأكل ونشرب ما تيسر لنا ثم نغادر إلى بيوتنا.
وفي خميس من تلك الأخمسة بينما نحن نسبح إذ التفَّ علينا (دوَّام) شديد سحبنا إلى الداخل، وغالبنا لم يكن في السباحة بذاك، وما هي إلا لحظات حتى بدأ الصراخ والعويل، ورأينا الموت، وعاينَّا الأهوال، وأيقنَّا ألَّا مفر.
ثم جاءت الألطاف، فساق الله إلينا أخوين يعملان في الإنقاذ البحري كانا قريبين منا، ونجانا الله بمنه وكرمه.
هذه اللحظة التي تعاين فيها الموت لا يمكن وصفها أو التعبير عنها.
قد لا يخاف المرء من الموت بعيدا عنه، لكنه إذا عاينه لا بد خائف فزِع، بل بالغٌ أعلى درجات الخوف والفزع.
كثيرا ما كان يحضرني هذا الموقف آنف الذكر ونحن في لُجة الحرب، وأقول في نفسي: كيف تحتمل النفوس هذا وتقوى عليه؟!
كيف يعاين المرءُ الموت كل يوم وتبقى فيه قوة وحياة؟!
كيف يودع المرء أهله وقرابته وإخوانه إلى الآخرة ويأنس بعد ذلك بالخلق وبالناس؟!
الموت شيء مرعب مَهول، لا شيء مثل الموت، لا شيء.
بينما المرء مقبل على الدنيا، يملأ الحياة حياة، وينشر في كل مكان عبقا ونورا إذا به يغادرك في طرفة عين.
لن تراه بعد اليوم ولن يراك، لن تأنس به ولن يأنس بك.
لا موعد ولا لقاء، ولا ضحك ولا سرور، ولا أحاديث ولا أسرار.
كل شيء انقطع في لحظة.
البنيان العظيم تهدم، والجبل الشاهق اندكَّ، والنجم الساطع أفل.
هل سمعتم قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم قال: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) [أخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ويُروى: (هادم)، وأكثر الروايات بالذال المعجمة].
هاذم اللذات: قاطعها، يقطعها عن صاحبها، ويقطع صاحبها عنها، والقطع لا إمهال فيه ولا إنظار ولا تأخير.
ولله درُّ أبي حامد إذ يقول في "الإحياء" ما مضمونه: "لو لم يكن بين يدي الواحد منكم كرب ولا هول سوى الموت لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشُه، ويتكدر عليه سروره، وحقيقا بأن تطول فيه فكرتُه، ويَعْظم له استعداده؛ فإنه كما قيل: "كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك".
اللهم جَبرا لهذه القلوب الكسيرة.
وأُنسا لهذه النفوس المستوحشة.
ورحمة لهذه الأجساد المنهكة.
وعونا على مواصلة المسير، ومشقة الطريق.
إليك وإلا لا تشد الركائب
ومنك وإلا فالمؤمِّل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيَّع
وعنك وإلا فالمحدث كاذب
بسام بن خليل الصفدي
الخميس ١٢ شوال ١٤٤٦
https://t.me/DBasam
04.04.202517:23
من مقروءاتي في الحرب [٤٦]
("واجب العلماء والدعاة نحو تحرير الأقصى وفلسطين" لمحمد يسري إبراهيم)
الشيخ محمد يسري حفظه الله ممن بورك له في تصانيفه ورُزق فيها القبول؛ ذلك أنه يطرق أمورا ومسائل تحتاجها الأمة ويحتاجها أهل الإسلام، ويؤسسها على الكتاب والسنة وفهم واقع الأمة وعدوها، ويعالجها بطريقة سهلة ميسرة قريبة من القارئ، وهو مع ذلك يكتب بلغة علمية قوية رصينة، فالله يجزيه خيرا ويديم توفيقه.
وهذا الكتاب كتبه إبَّان الحرب على غزة، ونصح فيه لأهل العلم والدعاة، وبين ما يجب عليهم نحو قضايا المسلمين عموما وقضية فلسطين خصوصا.
وقضية فلسطين ابتداءً من جملة قضايا الأمة التي ينبغي النهوض لها، وليس تخصيصها بالذكر لشيء سوى أن هذه البلاد مَهْد أهل الإسلام في آخر الزمان وموطنُهم ومهاجَرُهم واجتماع عسكرهم كما دلت على ذلك الأحاديث والآثار.
ثم إن العدو الذي يواجهه أهلها عدوٌّ لأهل الإسلام كافة، وعداوته شديدة شرسة، وتمكُّنه في هذه البلاد يطمعه في سواها.
ثم إنه قد امتدت إليه حبال أهل الأرض من الشرق والغرب، وتسارعوا في نصرته وطلب رضاه، فمواجهته على ذلك مواجهة لعتاة الطغاة وأئمة الكفر.
وهذا وغيره يحتم على الأمة أن تأخذ هذا الأمر بجد، وتجتمع عليه، وتعد له عدته.
وقد بنى الشيخ الكتاب على خمسة عشر فصلا، بين في أوائلها حكم النصرة فقها واعتقادا، وخلقا ومسلكا، ومنهجا وجهادا، وموقفا وميثاقا، وقانونا وقضاء.
وأتبع ذلك بصفحات مشرقة من نصرة العلماء لهذه القضية.
ثم عقد فصلا مهما في العقيدة في الأقصى والقدس وفلسطين، وقد نُشر من قبل بعنوان "العقيدة المقدسية"، وشرحناها بفضل الله تعالى للإخوة قبل الحرب في مجالس اللقاءات الشهرية.
ثم عقد فصلا مهما في خطوات العلماء والدعاة في طريق النصرة، ضمَّنه دورَهم وواجبهم مفصَّلا في حشد الأمة وتجييشها بكل فئاتها نحو هذه القضية.
ثم عقد فصلا في بيان أن نصرة هذه القضية نصرة لكل قضايا المسلمين، افتتحه بقوله: "إن نصرة القضية الفلسطينية تحقيق لمعظم أهداف العلماء المصلحين، والدعاة الصادقين؛ ذلك أن معالجة أحداثها، والتصدي لتحدياتها هو بذاته علاج لكل قضايا الأمة، وتحقيق لأهداف الدعاة.
إن ممارسة القضية الفلسطينية بكل أبعادها العقدية والتربوية والواقعية كفيل -بإذن الله- بإنجاز الكثير من أهداف وآمال المصلحين، وأصحاب القضايا الرساليين في هذه الأمة" [ص٧٩].
ثم شرع في بيان هذا الإجمال وتفصيله.
وختم بالحرب الأخيرة وواقعها واستثمارها ودروسها، ونبه على ضرورة ملء الفراغ في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ أمتنا، وأن هذا الفراغ ينبغي أن يملأه أهل الإسلام عموما، وأهل السنة على وجه مخصوص.
يا علماء أمتنا ومشايخها ودعاتها، إننا اليوم في لحظة فارقة لها ما بعدها، وإن عدونا ومَن وراءه يمكرون بالليل والنهار لكسر هذه الثلة المرابطة على أرض الإسراء وإخراجها من أرضها، ولئن تم لهم ذلك -لا قدر الله- ليزحفُن إلى بلاد الإسلام بلدا بلدا، وليَعيثُن في الأرض فسادا وإفسادا، فالواجب والله عظيم، والأمانة ثقيلة، وأنتم ترون الأنظمة والحكومات بين خاذلة وخائنة، فيا أمل الأمة في هذا السواد البهيم، قوموا لله وانصروا دين الله، وليس مثلي من يوجِّه مثلكم، فأنتم أدرى بما يجب عليكم.
جدِّدوا عهد العز بن عبد السلام وابن تيمية، فليس يسع والله السكوت في وقت تعين فيه الكلام والفعال.
وتلك حروب من يَغب عن غِمارها
لِيَسْلم يَقرعْ بعدها سنَّ نادم
بسام بن خليل الصفدي
الجمعة ٦ شوال ١٤٤٦
https://t.me/DBasam
से पुनः पोस्ट किया:
كتب الخلف avatar
كتب الخلف
04.04.202508:22
المجلد السابع

كتاب الاستغناء بالقرآن في تحصيل العلم والإيمان
19.04.202516:39
قناة شيخنا الحبيب على منصة اليوتيوب
لطفا الاشتراك
https://youtube.com/@d.bassam_khalil?si=NAniY0q5Ym_VZKIz
15.04.202519:46
من مقروءاتي في الحرب [52-53]
("سَنام الإسلام" لعبد الوهاب الطريري، و"صبُّ الـمَلام على كتاب السَّنام" لمحمد الأحمَري)
نشر الشيخ الفاضل عبد الوهاب الطريري سنة 1441 ورقات بعنوان "توازن القوى" أرسلها لي أحد الأفاضل قبل الحرب بأكثر من سنة، ولم تتهيأ لي مطالعتُها في ذاك الوقت، ثم جاءت الحرب ويسر الله لي مطالعتها في الأشهر الأولى. 
وكان من أواخر الكتب التي علقنا عليها في برنامج (اللقاء الشهري) قبل الحرب بمدة يسيرة كتابُ "اليوم النبوي" للشيخ حفظه الله، وهو من الكتب الحسنة البديعة.
وليست لي صلة بالشيخ، غير أني قبل سنوات تجاسرت وحصلت على رقمه وطلبت منه مجموعة من إصدارات (الإسلام اليوم) فتفضل بها كاملة، سلمها لأحد أبناء عمي حفظهم الله، ووافتني بعد مدة يسيرة، والشيخ كريم طيب النفس جزاه الله خيرا.
ثم جرى تواصل بيني وبينه في الحرب وسألته عن بعض كتبه فتفضل ثانية بإرسالها مصورة، ومنها: نسخة مزيدة من "اليوم النبوي" وسيأتينا الحديث عنه بإذن الله في هذه السلسلة، ومنها نسخة مزيدة من "توازن القوى" منشورة بعنوان "سنام الإسلام.. نظرات ومراجعات في التجارب القتالية" مشفوعة باطلاع تسعة عشر عالما ومفكرا من بلدان مختلفة، فكـأنه "كما قال أحد الظرفاء: حصَّنه بأسلحة الدمار الشامل" [صبُّ الملام (ص10)].
وكنا قد انقطعنا عن الشبكة أول أشهر الحرب، ثم بدأت تعود شيئا فشيئا، وكان من البرامج التي أحرص على متابعتها برنامج (أسمار وأفكار) الذي يقوم عليه الدكتور محمد الأحمري مع جماعة من الأفاضل والمثقفين، يناقشون فيه الكتب والرجال والأفكار، ويستضيفون فيه أهل العلم والفكر والأدب.
ومن حلقات (أسمار وأفكار) التي بُثَّت بعد حرب غزة حلقة نوقش فيها كتاب "صب الملام على كتاب السنام"، ولم يكن لي علم بالكتاب، فحرَصت على الحصول عليه، بحثت عنه في الشبكة فلم أجده، فطلبت رقم الدكتور الأحمري من أحد الأفاضل لعله يتفضل بالكتاب، فكفاني الله ووصلني من غير سؤال، وقرأته والحمد لله.
سامحوني على هذه التَّقْدمة المملة.
فكرة كتاب "السنام" باختصار: أن الشريعة مبناها على تحقيق مصالح العباد، والجهاد لا يخرج عن هذا النظام؛ فهو مبني على المصلحة استدلالا وتقييدا، والمصلحة تتضمن تحصيل المصالح ودرء المفاسد، فكل ما غلبت مصالحُه فهو مطلوب في الشرع، وكل ما غلبت مفاسده فهو مذموم في الشرع.
وأن الجهاد كغيره من شعائر الإسلام مبناه على الاستطاعة والقدرة، وهي شيء واضح مُدْرَك، فإذا لم تتحقق ولم يصل المسلمون إلى درجة القوة التي يرهبون بها عدو الله فهم مستضعفون، والاستضعاف له أحكامه.
وأن الله تعالى يُمضي سننه في عالم الأسباب ووَفق ناموسه الذي وضعه، ولا يعجل بعجلة أحد من خلقه، والسنن الإلهية والكونية لا تعانَد، ولا بد أن تأخذ وقتها وتأتي بنتائجها في إبَّانها، والجهاد لا يعتمد فقط على الإيمان وحده، بل الإيمان سلاح ضمن عالم الأسباب.
واستدل الشيخ على نظراته بأنباء المرسلين، ووقائع السيرة، وأحداث التاريخ.
وعرَّج بعد ذلك على التجارب القتالية المعاصرة، ويجيب في هذه السياقات على جملة من الشبه المثارة في وجه التأصيلات التي تبناها ودافع عنها.
وختم بسؤال: ما العمل إذن؟ وأجاب بما حاصله: أن الجهاد ليس محصورا في القتال، فثمة جهاد علمي، وجهاد حضاري... إلخ، والمطلوب منا اليوم أن نعمل في المساحات الممكنة، ونستنفر لذلك الجهود والطاقات، فهذا أجدى علينا من أن نَشْغل أنفسنا بما لا نستطيعه.
والشيخ لا يرى جهاد الطلب، ويتأول الأحاديث الواردة في ذلك نحو حديث (أمرت أن أقاتل الناس...) على معنى: أي يتمكنوا من قولها قناعة وإيمانا، ويكون لهم الخيار الكامل في قولها، وإزالة كل قوة ظالمة تمنعهم من قولها إذا اختاروها.
ويرى أن الوضع العالمي زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعند فرض الجهاد كان يقوم على استتباع الناس في الديانة لدين الملوك والزعماء، وأن هذا لم يعد موجودا اليوم بعد أن كُفلت حرية التدين.
ويرى في السياق نفسه أن الوضع العالمي -كذلك- كان يقوم على تمدد الأقوياء، فلم تكن هناك حدود للدول، واليوم تغير الأمر فصارت لكل دولة حدودٌ مستقلة، وصارت الحروب استثناءً من الحالة العالمية العامة، فالقانون العام والثقافة السائدة بين الدول اليوم هي ثقافة التعازل والتتارك لا القتال والتعارك.
هذه فكرة الكتاب وجولة مختصرة على أبرز مضامينه، ولا يغني ذلك بطبيعة الحال عن الرجوع إليه. 
أما "صب الملام" فإن الدكتور الأحمري ركز فيه على الجانب التاريخي والسياسي، ولم يُخله من تعقبات شرعية فقهية على جملة مما استدل به وأورده الشيخ الطريري من النصوص وكلام الأئمة، ولم يقف مع الأصول التي وضعها الشيخ من بناء الجهاد على القدرة والاستطاعة وتحقيق المصالح، بل انصب في الغالب على تنزيلاته واستنباطاته من النصوص والسير والوقائع.
10.04.202516:41
الكتاب مهم جدا، يغوص في دقائق الدقائق، وتفاصيل التفاصيل، ولا أظن كتابا آخر يغني عنه.
ولا يكاد يوجد قيادي إسلامي في تلك الحقبة إلا ترجمه وبين مهمات سيرته وأعماله.
ومن فصوله المهمة جدا الفصل الذي عقده في نشأة حركة فتح وخروجها من رحم الإخوان، وانتهى فيه إلى خلاصات مهمة لا يتسع لها هذا المختصر.
وفي الجملة: هذا الكتاب مهم جدا لدارس التاريخ المعاصر لفلسطين، مكدَّس بالتواريخ والإفادات، وفيه تحليلات واستنتاجات قد تتفق معها أو تختلف، لكن هذا الكنز المعلوماتي لن تظفر به مجموعا مرتبا في مثل هذا الكتاب.
بسام بن خليل الصفدي
الخميس ١٢ شوال ١٤٤٦
https://t.me/DBasam
09.04.202518:29
قناة شيخنا الحبيب على منصة اليوتيوب
لطفا الاشتراك
https://youtube.com/@d.bassam_khalil?si=NAniY0q5Ym_VZKIz
04.04.202512:37
السلام عليكم..
الإخوة الأحباب الكرام
كنت قد نشرت مجموع رسائل الحافظ العلامة ابن رجب الحنبلي هنا صبيحة هذا اليوم ظانا أن هذا بإذن الدار أو المحققين، ثم وقفت على بيان للدار الناشرة (دار اللباب) تحذر من ذلك ولا تجيزه ولا تسامح فاعله، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه وأرجع عن ذلك وأحذفه، ولا والله لا يحل لنا أن نكافئهم على تعبهم وعنائهم بمثل هذا الصنيع، فإن نشر الكتاب مصورا يفسد نشره ورقيا خاصة في مثل هذه المجاميع المكلفة.
فالله يغفر لنا ويتجاوز عنا.
से पुनः पोस्ट किया:
كتب الخلف avatar
كتب الخلف
04.04.202508:22
दिखाया गया 1 - 24 का 124
अधिक कार्यक्षमता अनलॉक करने के लिए लॉगिन करें।