غرفةٌ غارقةٌ في العتمة،
كوبُ القهوة أمامي يتصاعدُ دخانه كأنّه طيفٌ يهمس للفراغ،
لا أرى سواه... وكأنّ العالم اختُزل في هذا التبخّر الهادئ.
رجفةُ يديّ تتفاقم، وأصابعي تتحرّك كأطيافٍ باردة،
والطقطقةُ تدوّي في أذنيّ كأنها صدى بعيدٌ لشيءٍ يُحتضر في داخلي.
أجلسُ هنا، في زاوية غرفتي حيث الظلمةُ، لا تُخيفني بل تحتويني.
نعم، لقد غدت الظلمة ملاذي، وشبه الخلاص.
يتساءلون دومًا بذهولٍ ساذج: "كيف تقضين الوقت وحدك في هذا الظلام؟"
ولا يعلمون أن هذا الظلام، وحده، يُعيد توازني في عالمٍ مشوّهٍ، مخادعٍ، يشبه أقنعتهم.
صرتُ أخشى الضوء لا لبهائه، بل لما يكشفه من خواء.
لم يبقَ لي من فتات أحلامي ما يمكن الإمساك به،
كلّها موضوعةٌ على رفٍ منسيّ، تغمره طبقات الغبار والنسيان.
أحاول أن أستعيدهم... أن أراهم كما كانوا،
أن أعيد إشعال شغفي كما كان،
لكن النور في داخلي أصبح خافتًا... بالكاد يتنفّس.
ادّعيتُ القوة كي أصل،
لكنني حين نظرتُ إلى مرآتي،
رأيتُ صورةً مألوفةً تنسلخ عني شيئًا فشيئًا،
رأيتُ ملامح قواي تنهار .
نعم، ما زلتُ أتمسّك بالحياة،
لكن ثمة فراغٌ يتّسع في أعماقي،
يبتلعني على مهلٍ، دون ضجيج، كأنه يعرفني جيدًا.
وكلّما باغتني الخذلان،
همستُ لنفسي بصوتٍ مُرتجف:
"لن تنهاري..."
فيضحك عقلي ساخرًا ويهمس:
"وهل للأنقاضِ أن تنهار مرّتين؟"