شش... هدوء... هه... الأمر مخيف ومحزن. الليلة، الليلة يا صديقي، ستحملون في أيديكم أعضاء جسدي الميت، وتسلّون نظراتكم على الجسد الذي كان يومًا ينبض، ثم يتناثر في غبار هذا العالم الملعون. سنشيع الجنازة، بل يمكننا القول إنني سأكون الميت، فأنا فعلاً لم أعد هنا. أو ربما أنا هنا، لكنه نوع آخر من الوجود، كما لو كنت شبحًا يراقب كيف يتلاشى كل شيء بشكل تدريجي، في منظر لا يُطاق من البؤس.
سأدفن جسدي في "إيسري"، نعم، المكان الذي لا يعرفه أحد، ولا يهتم به أحد. هل هذا التحديد الجغرافي مهم الآن؟ هل يتغير شيء لو كان القبر في مكة أو في إحدى حفرات الجحيم؟ لا... لا شيء يتغير. الأرض هي نفسها، والموت هو نفسه، والوحشة هي نفسها. لماذا أدفن هنا؟ لأنني اخترت أن أكون محاصرًا بين الأسئلة التي لا جواب لها.
لا شيء سيبقى بعد رحيل جسدي، ولا شيء سيستمر. وكم هو محزن هذا الوداع الذي لم يسألك أحد إذا كنت مستعدًا له. لم يسألني أحد، أنتظر أنني سأكون في قبري، ومع ذلك لا شيء يهمني الآن. ياللعبث، ياللآلام التي تقتل كل قطعة في هذا الجسد المهدم. الحياة كانت مجرد مرحلة من الضجيج، مليئة بالحزن والسخرية. يالها من فكرة سخيفة أنني يومًا ما كنت أعتقد أن هناك ما يستحق العيش من أجله.
ولكن هيا، ماذا عسانا أن نفعل؟ دفن الجسد لا يعني دفن كل شيء. هناك أشياء أخرى تموت فينا قبل الجسد: الأفكار، الأحلام، التوقعات. وكلما زادت خطوة دفني في أرض "إيسري"، كلما صرت أكثر يقينًا أن الحياة مجرد زوبعة من الهراء، وأننا جميعًا في النهاية نتساقط كأوراق خريفية، نختفي في العدم الذي لا يعيرنا أي اهتمام.