Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Труха⚡️Україна
Труха⚡️Україна
Николаевский Ванёк
Николаевский Ванёк
Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Мир сегодня с "Юрий Подоляка"
Труха⚡️Україна
Труха⚡️Україна
Николаевский Ванёк
Николаевский Ванёк
بسام بن خليل الصفدي avatar
بسام بن خليل الصفدي
بسام بن خليل الصفدي avatar
بسام بن خليل الصفدي
07.05.202518:43
ومن أعظم المثبتات القرآنية: أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا ينصر أولياءه بحسَب ولايتهم بنوع رعب يلقيه فيه قلوب أعدائهم، كما قال الله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12]، ولكن ما سبب هذا الرعب؟ الحقيقة أنه كما أنَّ إفراد الله بالتعلق والتوكل عليه وتفويض الأمور إليه سبب لقوة القلب، فإن الشرك الذي مادته وينبوعه التعلقُ بغير الله هو سبب الرعب الذي يقع في قلوب الكفار، كما قال الله: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران:151] ...
فكلما شمخ المؤمن في أفلاك التعلق بالله زادت طمأنينته وسكينته وقوة قلبه، وكلما شَرِكَ الكفارَ وشاطرهم شيئًا من التعلق بغير الله اعتراه من الرعب على قدر ما شاركهم...
ومن معاني القرآن في مثل هذه الساعات: أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا حين ذكر في كتابه آية حياة الشهداء: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} [البقرة: 154]، أعقبها فورًا بذكر صنوف الابتلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]، فيرتفع ثواب الشهادة بقدر مصابرة المجاهد على لأواء طريقها...
ومن أعظم المثبّتات القرآنية: أن يوقن المؤمن أن ما يعتري قلبه بين فينة وأخرى من التخويف والترهيب من تحزب أمم الكفر إنما هو من الشيطان الذي يخوّف المسلمين بأوليائه الكفار، كما قال الله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، أي: يخوفكم أولياءَه الكفار، كما قال أهل التفسير.
ومن أعظم المثبّتات القرآنية: أن يتدبر المؤمن في كتاب الله أغراض الإملاء للكفار، كقوله سبحانه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]، وقوله: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
وهذه مجرد أمثال ونماذج، وليس المقصود طبعًا الاستقصاء والتتبع، وهي حقائق قرآنية إذا تدبرها المؤمن وعَقَلها وعاش معناها كانت له من أعظم العون في مواجهة مثل هذه الدواهي العظام التي تطوّق أهل الإسلام، فكم في تدبر القرآن من ظهير وسند.
-تدشين المراجعات: من أَجلِّ أنوار القرآن في مثل هذه الحنادس: الدعوة إلى مراجعة العلاقة بالله، وأن الانكسار في الجهاد فرع عن شَرْخ في التزكية، كما بين كتاب الله هذا في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: 155]، وقال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، فيا لله العجب ما أشد شؤم المعصية، حتى ضعفت طاقة المجاهد ومال للفرار ووقع عليه الأذى بسبب ذنب! فإذا كان هذا على المجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن اليوم؟!
ومن كمال الدلالة القرآنية: أن يبيِّن القرآن المعنى وضده، وهو أحد الأوجه في تفسير وصف الله لكتابه بأنه مثاني. ومن أفراد هذا المعنى هاهنا: أن الله كما بيّن أن المعاصي سبب للهزيمة فقد بيّن أن الطاعات سبب للثبات، كما قال الله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66].
تم المقصود والحمد لله رب العالمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 9 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
06.05.202519:02
من مقروءاتي في الحرب [64]
("اليوم النبوي" لعبد الوهاب الطَّرِيري)
كتب عنه صاحبه ونسخةُ رُوحه قائلا: "يجد نفسه في صحبة السيرة، فيتقن أحداثها، ويحيط بمواقعها وجغرافيتها، ويتخصص بأدواتها ومقتنياتها ومتحفها المنزلي والشخصي والمدني، ويغوص على معانيها غوص الخبير الفنان، ويُلهَم حُسنَ التعبير عنها بلغة لفظية وجسدية تأخذ بالألباب، وتُفحم المجادل، ويغيب بها السامع عما حوله حتى يسكت الصوت فجأة فيضج الإعجاب والتكبير" [طفولة قلب (ص270) لسلمان العودة].
للشيخ الطريري عناية قديمة بالسيرة النبوية، وله فيها برامج وحلقات في غاية الروعة، وكتبٌ ومصنفات لا تقل عنها روعة وجمالا، فمن كتبه: "اليوم النبوي"، و"الحياة النبوية"، و"الآثار النبوية"، و"أماكن نبوية"، و"قَصص نبوية"، و"حديث الغدير"، و"القبر المقدس"، و"كأنك معه". وبين يديه جملة كتب تُعَدُّ، منها: "الأحداث الكبرى في السيرة".
أما كتابنا هذا فقد انقدحت شرارته وأضاءت فكرته قبل نحو ثلاثين سنة، يوم أشار عليه صديقه عبد العزيز الماجد رحمه الله بكتابة شيء عن البرنامج اليومي للنبي صلى الله عليه وسلم.
فمن ذاك اليوم وهو يجمع مادته ويتأملها ويَتَملَّاها حتى استوت عنده فأخرجها بعد عشرين سنة في هذا الكتاب، ثم كَرَّ عليه ثانية بعد نحو عشر سنين فنقحه وزاد فيه زياداتٍ حسنة، وألحق به صورا ورسوما توضح البيئة النبوية.
فمقصود الكتاب وخطته وغرضه: تقديم مشهد متكامل ليوميات الحياة النبوية، وصفُ يومه من حين استيقاظه إلى نومه، تتبُّعه في نومه ويقظته، وصَبَاحاته وأَمَاسيه، وأيامه ولياليه، في بيته ومسجده، وعبادته وتهجده، وزيارته وعيادته، وجِده ومرحه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
"في هذه السيرة اليومية نترحَّل مع ساعات يوم النبي صلى الله عليه وسلم وكأننا نعيش معه بساطة الحياة العظيمة، وعفْوية الحياة الجادة، والتوازن بين مناشط الحياة، والتكامل لاستيفاء الحاجات...
كانت عيون من حوله راصدة شديدة الدقة والملاحظة، حتى الظلام لم يكن ساترًا القلوبَ التي عشقت هذا النبي، وأرادت أن تعرف كيف كان يقضي ليله، وحتى الحيطان لم تكن طويلة لتحجب حياته الخاصة، كانت القلوب والعيون داخلة معه حتى يأوي إلى فراشه، ترمقه في استغراق نومه، وفي وُثُوب استيقاظه" [ص11].
كُتب هذا الكتاب بمداد الشوق والمحبة، كيف لا وهو في أَنْبل سيرة، وأعظم حياة.
وكتب بلغة جميلة آسرة، والشيء من معدنه لا يستغرب.
وهل يُنبت الخَطِّيَّ إلا وَشيجُه وتُغرس إلَّا في منابتها النخلُ
وفيه استنباطات حسنة بديعة من الأحاديث والأخبار في تغطية أجزاء البرنامج النبوي، وترتيب الأحداث في محلها وزمانها، وهي متفاوتة قوة وضعفا، وظهورا وخفاء بحسَب السياق، ومجموع الروايات، والقرائن المحتفة. وحسْب الشيخ أنه اجتهد ولم يَأْلُ.
وختم الكتاب ولخصه بــــ "قراءة لليوم النبوي" (ص191-205)، ذكر فيه جملة من الدلالات العميقة المستنبطة من برنامجه وعمله في يومه وليلته، وهي تلخيص عميق بديع صادق مكثف للحياة النبوية، من لم تكن له همة في قراءة الكتاب كاملا فلا يفوِّتنها.
واسمحوا لي أن أنقل لكم منها خلاصة الخلاصة؛ ليقف قارئها هنا على مَتْن برنامج اليوم النبوي، قال المؤلف حفظه الله:
"ويمكن تقسيم برنامج اليوم النبوي تقسيما تقريبيا على النحو التالي:
-الفجر: يستيقظ لصلاة الفجر بعد نَومة السَّحَر، فيصلي الفجر ويمكث في مصلاه مع أصحابه إلى طلوع الشمس، ثم يقوم بجولة صباحية على زوجاته، ثم يجلس في أول الضحى مع أصحابه في المسجد، وهذا مجلسُ علم وذكر وتربية، ثم يقوم أحيانا بزيارات بعد هذا المجلس، فربما زار بُنَيَّاته، أو زار بعض أصحابه، وربما ذهب لقضاء بعض شأنه الخاص.
فإذا تعالى الضحى فإنه وقت النوم والقيلولة، فيَقيل قبل صلاة الظهر، وهذه النومة إراحة للبدن، ومدد لقيام الليل.
-الظهر: يستيقظ لصلاة الظهر، فيصلي الظهر، فإن كان حدث أمرٌ خطب بعد صلاة الظهر، وأكثرُ خطبه في هذا الوقت، ثم يعود إلى بيته فيصلي السنة الراتبة، ثم يخرج فيجلس إلى أصحابه، أو يذهب لقضاء بعض شأنه؛ فقد كان ما بين الظهر والعصر وقتَ عمل وقضاء حاجات.
-العصر: يصلي العصر في أول وقتها، ثم يقوم بعد صلاة العصر بجولة مسائية على زوجاته، وربما اجتمعن له في بيت التي هو عندها، وكأنما ما بين العصر والمغرب وقتُ استرخاء أسري في الغالب.
-المغرب: يصلي المغرب في أول وقتها، ثم يتعشى ويبقى في بيته، وهذا هو وقت تناول الوجبة الرئيسة، وهي وجبة العشاء.
-العشاء: يصلي العشاء ثم يعود إلى بيته فيسمُر مع أهله، وربما ذهب في زيارات لبعض الأنصار، أو سمر مع أبي بكر وعمر في بيت أبي بكر رضي الله عنهما للتشاور في شؤون الدولة وقضايا المسلمين، ثم يعود بعد سَمَره إلى بيته، فينام إلى منتصف الليل، ويستيقظ إذا انتصف الليل ليصلي صلاة الليل وهو في ذِروة نشاطه بعد أطول نومة، فيستمر في حاله هذه من الصلاة والمناجاة بقدر ثُلُث الليل، حتى إذا لم يبق إلا سُدُسُ الليل عاد إلى فراشه ليستريح ويُغْفي
04.05.202506:47
حرب غزة يوميات ومشاهدات [79]
(أُولُو بَقِيَّة)
لا ينقضي عجبُك وأنت تقرأ في سورة آل عمران عتاب الله لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 155]، ثم قال في السياق نفسه: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165].
وهذه المخالفة وقعت في أمرٍ واحد، ولم يشفع للصحابة رضي الله عنهم فضلُهم ومنزلتهم وسابقتهم؛ فأصابهم ما أصابهم.
والمصيبة تعظم وتشتد إذا ظهرت المعاصي واستُعلن بها. ولقد جرت سنة الله تعالى بحُلول غضبه وعقوبته على الأمم إن فشَت فيها المنكرات وظهرت من غير صوت يعلو بالنكير والإصلاح.
قال جل وعلا: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 25].
ولنا في بني إسرائيل عبرة: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 163-165].
المصلحون والآمرون والناهون في الأمم أمان من العذاب.
قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].
والعبد أحوج ما يكون إلى الطاعة وقت الشدة؛ فإن الله يدفع عن عباده بطاعتهم وضراعتهم وإنابتهم ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 43].
إذا عُلم هذا فالواجب علينا اليوم أن نقوم على أمر الله فرادى وجماعات، ونقوم ثانية في وجه الظلمة العصاة الذين يفسدون علينا أمر ديننا ودنيانا، ويخرقون سفينتنا ويسيرون بها إلى الهاوية.
وليست مسؤوليةُ الأمر متوجهة إلى فئة دون أخرى، بل هذا واجب الجميع كلٌّ بحسبه.
كنت قبل أيام جالسا في البيت فسمعت صوت شاب يسب سبا قبيحا، فنزلت وأغلظت عليه، ونظرت حوله فإذا الشارع ملآن بالناس ولا أحد ينكر أو يتكلم.
وكذلك سمعت قبل أيام طفلا صغيرا يقول كلاما قبيحا فنزلت إليه وعنفته، والناس حوله كأن الأمر لا يَعنيهم.
كثير من هؤلاء الناس من أهل الخير والصلاح، لكن دخل عليهم الداخل من جهةِ ظنِّهم أن الإنكار لا يتعين عليهم، وأنهم إذا كانوا صالحين في أنفسهم لا يضرهم أن يُعاقر غيرهم الذنوب، وهذا خطأ بين ينبغي أن يُنبَّه الناس عليه، وتُعظَّم الشريعة في قلوبهم، ويبيَّن لهم عاقبة السكوت على المنكرات.
قال سبحانه في سورة العصر: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3].
وفيها أن المرء مطالب بالسعي في صلاح نفس وصلاح غيره، ولا يكفيه في النجاة عند الله أن يسعى في صلاح نفسه دون إخوانه.
فمن حصَّل شيئا من العلم والعمل وجب عليه أن يدعو غيره إليه بما يستطيع، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾، ثم هو إن فعل ذلك قد يصيبه شيء من الأذى، فهو مطالب بالصبر، وهذا معنى قوله سبحانه: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
وأضعف الإيمان أن ينكر المرء ما يرى ويسمع من المناكر بقلبه. وأكثر الناس بحمد الله قادر على الإنكار باللسان من غير ترتب ضرر على ذلك، بل التغيير باليد كذلك متيسر لمن كانت له خصوصية، فلا ينبغي للمرء أن يكون خَوَّارا في أمر الله وشرعه، بل ينبغي أن تأخذه الغيرة والغضب والحمية سيما إن كان المنكر عظيما فاحشا.
والناس يقوِّي بعضهم بعضا، ويشد بعضهم من أزر بعض.
ذاك الشاب المتطاول الذي ذكرت خبره، نزلت إليه وعنَّفته تعنيفا شديدا وضربته والناس جميعا وقفوا معي وسبوه وعنفوه، وكانوا من قبلُ ساكتين.
كذلك الولد الصغير الذي كان منه ما كان، تبين لي أنه نازح من منطقة بعيدة، وقال لي بعض جيرانهم إنه يفعل ذلك كل يوم وأهله لا يصنعون له شيئا، وفي اليوم التالي رآني الصغار الذين كانوا معه، فقالوا لي: والله يا شيخ والده ضربه ضربا شديدا وعنفه.
03.05.202517:12
من مقروءاتي في الحرب [62]
("معارج العلوم.. من الأمِّيَّة إلى الإمامة" لمحمد بن محمد الأَسْطَل)
هذا الكتاب قرأت مسَوَّدته قبل أن يُطبع، ثم وصلني إهداءً من مؤلِّفه أولَ صدوره فقرأته ثانية، ثم قرأته في الحرب مرة ثالثة، وهو جدير بذلك لما اشتمل عليه من الإبداع والفائدة.
وقد سبق الحديثُ قريبا عن كتاب "السبل المرضية" لأحمد سالم، ونبهت هناك على جملة من الأمور في هذا الباب، وأستغني بهذه الإشارة عن إعادتها هنا.
"معارج العلوم" وُلد من رحم التجرِبة والمعاناة، فصاحبه وصاحبنا أبو الأمجد من مشايخ غزة النبلاء، له اشتغال بالعلم والتعليم، وله برامج وطلبة ومشاركات في البحث والدرس والتأليف تنشرح بها الصدور، وهو من أهل التميز والإبداع فيما يلجُ من هذه الأبواب والميادين، وإني لأحمد الله على وجوده وأمثاله في بلادنا، وأسأله تعالى أن يجعلها دار للتوحيد والسنة، والعلم والجهاد.
والكتاب في أصله كان قد كتبه لنفسه، ثم طلبه منه بعضُ إخوانه وطلابه وانتشر بينهم؛ فاقتُرح عليه إتمامه فأتمه وحرره وكاتب واستشار فيه جماعةً من أهل العلم والاختصاص في الداخل والخارج حتى استوى على هذه الصورة.
مادته تحصلت في مدخل وخمسة فصول:
الأول: خارطة العلوم ومنهج التلقي.
والثاني: فقه القراءة والضبط والحفظ.
وفي مبحثي الضبط والحفظ تنبيهات وإفادات وتجارِب مهمة.
والثالث: الإنتاج العلمي وصناعة المعرفة.
تحدث فيه عن الإنتاج العلمي تدريسا وتأليفا، وعَطَف على فقه حضور مجالس الطلب، وآفات الدرس العلمي، ثم ختم بالحديث عن صناعة المعرفة وتخليقها وإنتاجها، وهنا أرخى قلم الإبداع، وتألق وأحسنَ ما شاء.
وهذا عندي أهم فصول الكتاب، فجزى الله الشيخ على ما أجاد فيه وأفاد.
والرابع: مراقي التزكية ومقومات النبوغ وآفات الطريق.
وهذا الفصل يلي سابقه في الأهمية، ومباحثه قريبة مبذولة في كتب الطلب، لكنه أحسن في عرضها، واختيار مضامينها، واقتناص شواهدها.
والخامس: معارج الطلب التفصيلية.
قدمه بحقيبتين تمهيديتين، ثم أتبعهما حقيبتين تأسيسيتين، ثم عقد مبحثا لمعارج علوم الآلة (اللغة، والمنطق، والأصول)، ثم ختم بمبحثِ معارج علوم الغاية (التزكية، والعقيدة، والتفسير، والحديث، والفقه) جاعلا علوم الحديث ضمن الحديث، وعلوم التفسير ضمن التفسير.
ونبه في مقدمة هذا الفصل على عشَرة أمور كاشفة عن خطته وصنيعه واختياراته.
مما يتميز به الكتاب أنه حيٌّ نابض؛ يحكي مصنفه عن تجارِبه ومشاهداته (وقد سافر ولقي الناس) وسؤالاته للمشايخ وأهل العلم.
وصاحبه مبدع في التقاط الشواهد المؤسسة لمضامين مباحث كتابه، وأبدع كذلك في اقتناص النقول الخادمة لأفكاره.
وقد فرحت حين رأيت عددا غير قليل من طلبة العلم في بلادنا يتأبَّطون هذا الكتاب، ويسترشدون بخطته، ويستفيدون منه، وفرحت أكثر حين أخبرني أخي أبو عبد الرحمن أحمد كُلَّاب (الذي قام على طباعته ونشره) أن طلبة العلم في الخارج يطلبونه ويسألون عنه، وهذا من فضل الله وتوفيقه.
وأخي أبو الأمجد أوتي قلما وبيانا، وأدبا وتحقيقا، وافتنانا في العلوم، وهمة في البحث، فاللهَ أسأل أن ينفع بما كتب، ويزيدنا وإياه علما وهدى، وإيمانا وتوفيقا.
وأختم الحديث عن الكتاب بنصيحة واقتباس.
أما النصيحة: فإليك يا طالب العلم. إنك قد تقبل على هذه السبيل بصدق وإخلاص، لكنْ تأخذك الحَيرة، وتتنازعك البرامج، ويطول ترددك، ويكثر انقطاعك... فمهما أصابك شيء من هذا فافزع إلى مولاك، وانطرح بين يديه، وأدم قرع الباب، وقل: "اللهم يا معلم آدم علمني، ويا مفهِّم سليمان فهمني" فإنه يوشك أن يُفتَح لك، فهذا العلم لا يُنال إلا بالمسكنة والافتقار.
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
وأما الاقتباس: فقد نقله الكاتب عن الشيخ مشاري الشَّثري (ص432)، قال: "التكوين العلمي الراشد ليس محتاجا لإجابات مفصلة جاهزة عن سؤال الوسائل، وهو يتأبَّى على أن تُكتَب نهاياته في خطة علمية يرسمها مبتدئ في العلم، أو يوصي بها متقدم فيه؛ فإن الحوائج العلمية تتجدد كلما ترقى في سُلَّم التحصيل.
ومن هنا ينبغي عليه [له] أن يطمس من قاموس سؤالاته كل سؤال يتعدى مرحلته الراهنة؛ لأن السبيل ستستبين له مع كل ترَقٍّ، فليست الخطة العلمية مما يُكتب بمداد الحبر، بل إنما تتخلق بعَرَق الإنجاز".
بسام بن خليل الصفدي
السبت 5 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
30.04.202513:03
حرب غزة يوميات ومشاهدات [78]
(مِن حديث البشائر)
لم أر الناس في بلادنا قد اشتمل عليهم اليأس كما رأيته في هذه الأيام، عدو مدجَّج متجبر، وأمة ضعيفة مستكينة، ونظام عالمي سافل قذر لا يعرف من العدالة والحقوق والحريات إلا شعاراتٍ كاذبةً خادعة.
ومن الواجب على أهل العلم في أوقات المحن والشدائد واليأس بثُّ البشائر في أهل الإسلام، وأن هذا الدين مهما ضعف أمره وانحسر مده فالمستقبل له بإذن الله، بعز عزيز أو بذل ذليل. وأن الكفر مهما أينعت ثماره المـُرة وامتدت جذوره الهشة فهو إلى سفول واندحار.
قال سبحانه: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران: 137].  
فإليكم يا أهلنا في غزة، ويا أهل الإسلام في كل مكان هذه البشائر، تسكن إليها نفوسكم، وتطمئن بها قلوبكم، لا تَقعُدُ بهممكم، بل تستحثها للعمل والجد، والصبر والجهاد، حتى يأتي وعد الله، ولا يُخلف الله الميعاد.
قال الله تعالى يبشر أهل الإيمان: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
وهذا وعد من الله تعالى بتمكين دينه ونَصر عباده، وهو قائمٌ ما قام شرطه المذكور في أول الآية وآخرها: الإيمانُ، وتحقيقُ العبودية، ونفيُ الشرك.
وذكر سبحانه مكر الكافرين وحربهم على دينه، وعقَّب فقال:
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32-33].
إن هذا الدين يعلو ولا يعلى عليه، فلو اجتمعت أمم الكفر كلُّها على إطفاء نوره ما استطاعت، وأنى لهم ذلك، فمغالب الله مغلوب، ومحاربه مَحروب.
زعمت سَخينةُ أن ستغلبُ ربها
                    فليُغلَبنَّ مُغالبُ الغَلَّاب
وخير منه وأحسنُ قولُ الله الأعزِّ الاكرم: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطارق: 15-17].
وقوله جل شأنه: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
وقوله عز سلطانه: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [النحل: 26].
وهذه البشائر القرآنية مؤيدة بالبشائر النبوية، فقد توالت بشائر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في آخر الزمان بالنصر والتمكين، والظهور والغلبة.
أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث تميمٍ الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ). وكان تميمٌ الداري رضي الله عنه يقول: قد عرَفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرَ والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذلَّ والصغار والجزية.
والحديث فيه بشارة بأن هذا الدين سينتشر في الأرض كلها، ويبلغ حيث بلغ الليلُ والنهار، ويصل إلى الحواضر والبوادي، كما أخبر صلى الله عليه وسلم في قوله: (إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) [أخرجه مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأحوال والأطوار التي تتعاقب على أمته، فقال فيما أخرجه أحمد من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيًّا، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ).
28.04.202514:11
ولن ينتهي الجدل في مسالك التعلم ومناهجه، ولن يتوقف الناس عن الكتابة فيها، ومن طالع ما تقذفه المكتبات والمطابع علم حقيقة ذلك.
والموفق من وقف على ما يحتاجه ويلزمه منها، وصرف نفائس أوقاته في تحصيل مادة العلم الأصيل، وتوسع بعد ذلك بحسَب حاله وقدرته، وأدرك غاية العلم الذي يطلبه، وهي تحقيق الخشية والإنابة، ولا يكون ذلك إلا بالعمل. فيا طول حسرة المتعلم إن لم يدله علمه على الله.
ومن محاسن الكتاب أنه ذكر خلاصات ونتائج في الكتب والعلوم توصل إليها بعد المطالعة والنظر، أو استفادها من المشايخ المتقنين المحرِّرين.
ومن محاسنه أنه ألحقه بقوائم كتب مقترحة للاطلاع الثقافي في مختلِف العلوم، ويمكن أن تُطالع مستقلة عن الكتاب.
ومن محاسنه أنه أشار إلى طائفة من المؤلفين والمبدعين في بعض العلوم، ونوَّه بعدد من المراكز البحثية المهمة التي يُنتفع بمطالعة كتبهم وإصداراتهم للمتخصص وغيره، ونوه ببعض البرامج والسلاسل العلمية المنثورة على الشبكة.
والأستاذ أحمد سالم وفقنا الله وإياه قارئ واسع الاطلاع، وصلته بالكتب قديمة، وخبرته بها معروفة، ومثله مظنة الإفادة والإجادة، فالله يعيننا وإياه على طلب العلم، ويرزقنا فيه الصدق والجد والإخلاص، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الاثنين ٣٠ شوال ١٤٤٦
https://t.me/DBasam
07.05.202512:13
وعندما طُلب منه الاعتذار مقابل إطلاق سراحه قال: لن أعتذر عن العمل مع الله.
وطُلب منه كلمات يسترحم بها الطاغية جمال عبد الناصر، فقال: إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة لَيرفض أن يُقر بحكم طاغية.
وقال ردا على ذلك الطلب: لماذا أسترحم؟! إن سجنتُ بحق فأنا أقبل حكم الحق، وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل.
واقترب منه أحد الضباط وهو في قفص المحاكمة يسأله عن معنى كلمة (شهيد)، فقال: شهيد: يعني أنه شهد أن شريعة الله أغلى عليه من حياته.
مات الرجل في سبيل دينه وعقيدته وشريعة ربه، وجاد بنفسه لله عز وجل، فلله ما أعزه وأثبته، وأعظم جهاده وتضحيته.
رحل إلى ربه شهيدا سعيدا حميدا، ورحل جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وحمزة البسيوني، وصفوت الروبي، وجمال سالم، وصلاح نصر، وفؤاد الدجوي.. الذين سجنوه وعذبوه وحاكموه وأعدموه، رحلوا مشيعين بالمخازي واللعنات، ألا لعنة الله على الظالمين.
ما كان سيدٌ معصوما، ولم يدَّعِ أحد له ذلك، ولقد كانت منه زلات وأخطاء في بعض كتبه لا يتابَع عليها، وهي مغمورة في بحر حسناته إن شاء الله، حسْبه أنه جاد بنفسه.
ولقد عُرضت عليه الدنيا والمناصب فأباها وآثر ما عند الله، والله خير وأبقى.
رحمك الله يا سيد، وغفر لك، ورضي عنك، وتقبلك في الشهداء والصالحين، وانتقم من قاتليك وظالميك، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 9 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
06.05.202507:12
حرب غزة يوميات ومشاهدات [80]
(قيراطان)
بدأت قصتهم من شهود الجنائز، كانوا يتواصَون على حضورها وتشييعها طمعا في الأجر والثواب، ثم اجتمع نفر قليل منهم وفكروا في عمل يساعدون فيه الأسر الفقيرة، فهُدُوا إلى تقديم الأكفان لهم مجانا، والكفن يومها يصل ثمنه إلى خمسين دولارا.
ثم رأوا أن بعض الجَشِعين يستغلون حاجة الناس في التغسيل والتجهيز فشَدَّ هذا من عزمهم على توسيع دائرة عملهم ليشمل التغسيل والتكفين، وكانوا أول الأمر يذهبون إلى الناس في بيوتهم، فأراحوا الناس من عناء كبير كانوا يتكبدونه في تجهيز موتاهم.
ولما ضاقت البيوت، وكان أكثرها يفتقر إلى مكان مناسب للتغسيل والتكفين هداهم الله إلى تهيئة مكان ثابت يأتي الناس إليه، ووقع الاختيار على المستشفيات، وكان نعم الاختيار؛ ففيه تيسير على الناس؛ وذلك أن غالب الموتى يؤتَى بهم إليها كما هو معلوم.
تم رفع الأمر إلى وزارة الصحة، وبعد أخذ ورد جاءت الموافقة بحمد الله على تخصيص أماكن في بعض المستشفيات لهذا الغرض.
كانت البذرة الأولى في المستشفى (الأوروبي) بخانيونس، ثم امتدت لتشمل:
- مستشفى (ناصر): خانيونس.
- مستشفى (أبو يوسف النجار): رفح.
- مستشفى (الشفاء): غزة (قلب ووسط قطاع غزة).
- مستشفى (شهداء الأقصى): دير البلح.
- المستشفى (الإندونيسي): بيت لاهيا.
- مستشفى (بيت حانون): بيت حانون.
وهذه المستشفيات تغطي القطاع من شماله إلى جنوبه.
ثم أسس الإخوة جمعيةَ (قيراطان) لمتابعة المغاسل وتجهيزها وتشغيلها.
كانوا في بداية الأمر لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، ثم تقاطر الشباب والأخيار للتطوع في هذا العمل العظيم حتى وصل عددهم اليوم إلى مائة موزعين على المغاسل آنفة الذكر.
بدأ عملهم سنة 2010 تقريبا، وعاصروا كل الحروب التي كانت بعد ذاك التاريخ، وأبلَوا فيها أحسن البلاء، وجاهدوا أعظم الجهاد في هذا الأمر الذي انتَدَبوا له.
لا يعرف عظمة هذا المشروع وهذا العمل إلا من عرف حاجة الناس وحَيرتهم وقلة حيلتهم في تجهيز موتاهم قبل قيام هؤلاء الأفاضل وانتهاضهم له.
يعمل في هذه المغاسل الرجال والنساء، والشِّيب والشبان.
وفيهم طلبة علم ودعاة وعامة وأصحاب أعمال، لا ينتمون إلى حزب ولا جمعية ولا مؤسسة (والجمعية التي أسسوها بغرض تسيير بعض الأعمال التي لا تتم إلا بها)، إنما يجمعهم وصف الصلاح والقيام على هذا العمل المبارك، ولا نزكيهم على الله.
وكلهم محتسبون لا يطلبون من الناس أجرا ولا ثوابا، إنما أجرهم على الله رب العالمين.
لما جاءت الحرب لم يكن الأمر سهلا، الموتى (نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء) بالمئات، والمستشفيات غاصَّة بهم، ويحتاجون إلى أن يُتَعرَّف عليهم، وتُضبط أماناتهم وأغراضهم، ويكفنوا... وهذه أمور ليست سهلة في ظل حرب طاحنة، ومع ذلك نذروا أنفسهم لهذه المشاقِّ، وتعاهدوا على إعانة الناس وغوثهم، فكانوا يخرجون إلى المستشفيات تحت وابل النيران، فحوصر عدد منهم في المستشفيات، واستُشهد وأُسر آخرون نسأل الله أن يتقبلهم ويفرج عنهم.
ولما بدأ الناس ينزحون من الشمال إلى الجنوب تواصوا بالثبات والبقاء لأجل رعاية هذا الأمر، وحدثني أحدهم (وهو من رؤوس القائمين على المشروع) أنهم ما شعروا بمعية الله تعالى وحفظه ورعايتهم كما شعروا بها في هذه الأوقات، فحفظهم الله وأهلَهم وأموالهم ومصالحهم، وهكذا من يحفظِ الله يحفظْه.
وحدث أحدهم أن واحدة من النساء العاملات في إحدى المستشفيات جلبت أسرتها لمكان العمل حتى يتيسر عليها الأمر مع صعوبة التنقل وغلاء المواصلات.
وعدد غير قليل منهم لم ينقطع يوما عن المغاسل ولم يتأخر، يواصل من الصباح إلى الليل.
ومنهم من جاء ولده أو زوجته أو أحد أهله ميتا بعد قصف فكفنه مع من يكفن من الموتى.
قصص عجيبة من الإخلاص والتفاني في إعانة الناس.
وهم يسعون إن شاء الله لإنشاء مبانٍ خاصة بهذا المشروع مجهزة بأحدث المعدات والتجهيزات، ويسعون كذلك لبناء مقابر مجانية، وتهيئة سيارات مجانية كذلك لنقل الأموات.
فلله ما أعظم همتهم، وأحسن أثرهم.
وإنما آثرت الكتابة عنهم لتعريف الناس بهم، وإظهار عملهم، والدعاء لهم، ودعمهم وتشجيعهم، فهم والله يستحقون ذلك جزاهم الله خير الجزاء وأحسنه.
وهكذا كل من توافر على عمل، واحتشد له، وأخلص فيه لربه= يبارَك له في عمله، ويبوء بأجر الدنيا والآخرة.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 8 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
Reposted from:
آس avatar
آس
04.05.202504:17
ولنا صفد، تعانق دمشق وتعاتبها، وتغازل بيروت وتناغمها، وتنادي عمّان، ألستم وأنا: الشآم، فما بالكم قطعتم أوصالي، وعققتم رحمي؟
جرحنا المعتّق| نزار ريّان تقبله الله.

http://www.arraqeem.com/View/Article.aspx?page=370&cn=4
02.05.202505:44
#نفثة

حتَّامَ تَرْجِعُ قولًا لا غَناءَ بهِ!
إنَّ الغَناء بأفعال المَصاليتِ

أن يَّنطِقَ الحدُّ نُطْقًا لا يُلَعْثِمهُ
دمٌ، ولا ينحني إلا على لِيتِ

وأن يقومَ خطيبًا فوق كَفِّ فَتًى
ولا يعودَ بفعلٍ غيرِ منعوتِ

وأن يُّدافِعَ -قبلَ الثأرِ- مِيتَتَهُ
فإن يَّنَلْ ثأرَهُ نادى بها: إيتي

وأن يقولَ لنفسٍ غيرِ مُرْخَصَةٍ:
تِيهي عليهم، وإن لَّا تُكْرَمي مُوتي

فِعْلَ الأُلَى حين ضلَّ الموتُ ساحتَهم
ساروا إلى الموت فجرًا سَيْرَ خِرِّيتِ

حتى تَدَلَّوا وعينُ الشمسِ مُغْمَضَةٌ
على جيادِ سليمان العفاريتِ

فانقضَّ كلُّ جَسُورٍ ثائرٍ حَنِقٍ
كأنه كوكبٌ في إثْرِ عِفْريتِ

فانفضَّ جَمْعُ بغايا الأرضٍ منتثرًا
يَخوضُ في مثلِ أَدْنانِ الحوانيتِ

لم يَشْرَبِ الموتَ صِرْفًا لا مِزاجَ لهُ
بل ذاقَ ما لمْ يُجِدْهُ أيُّ حانوتِ

مَن اغتدَوا بِكُئوسِ الخمرِ قد بُهِتوا
مِن أَكْؤُسِ الموتِ راحوا كالمَباهيتِ

لمَّا اسْتَتَبَّ لهم قَرْعُ الكُئوسِ أتى
مَن اسْتَتَبَّ له قَرْعُ الطواغيتِ

مَن لا يرى في سواد الحِبْرِ زخرفةً
بل في احْمِرارِ المواضي كاليواقيتِ

ومَن إذا خاضَ لُجَّ القولِ زِعْنِفَةٌ
نظرتَ منه إلى سِيمَاءِ سِكِّيتِ

حتى إذا عَضَّلَتْ بالناس مُعْضِلَةٌ
فليس حينئذٍ عنها بِصِمِّيتِ

يُمضي الحياةَ بِصَمْتِ الغائبين، وما
يغادرُ العيشَ إلا ذائعَ الصِّيتِ

أيوب الجُهَني
29.04.202518:41
من مقروءاتي في الحرب [60-61]
("تراجِم ستة من فقهاء العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر وآثارهم الفقهية" و"العلماء العُزَّاب الذين آثروا العلم على الزواج" لعبد الفتاح أبو غدة)
أول معرفتي بالشيخ العلَّامة عبد الفتاح أبو غدة كانت بواسطة كتابه "قيمة الزمن عند العلماء" في أواخر الثانوية أو أوائل الجامعة، هزَّني هذا الكتاب هزا عنيفا، وعرَّفني بنفسي وبأسلافي الكرام.
صرت بعد ذلك لا أقع على كتاب للشيخ إلا اشتريته، حتى اجتمع عندي طائفة لا بأس بها من كتبه، وأَحَبُّها إلى قلبي "صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل"، لا أحصي كم قرأت هذا الكتاب، وفي كل مرة أجد من المتعة واللذة والفائدة ما وجدته في المرة الأولى أو قريبا منها، وقد أتعب فيه رحمه الله مَن بعده. والحديث الآن ليس عنه.
"تراجم ستة.." قرأته أول أيام الحرب، ولم تكن الأمور قد تعسرت بعد، و"العلماء العزاب" قرأته قديما، ثم أغراني كلامٌ في صاحبه لقراءته مرة ثانية، والحمد لله على مَنِّه وتوفيقه.
الشيخ عبد الفتاح له عناية كبيرة بكتبه، وهذا ظاهر لكل ناظر فيها، ولا أنسى كلمة سمعتها من تلميذه الشيخ الفاضل مَجْد مَكِّي في حلقة جميلة مفيدة ماتعة من برنامج "أسمار وأفكار" (صفحات من حياة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة) ينقل عنه فيها عنايته بكتبه، يقول: أنا أُرَبِّي الكتاب تربية.
وسمعت الشيخ عبد الوهاب الطريري في برنامج سماء الذاكرة" يذكر قصة طريفة عن شيخه عبد الفتاح حين دخل عليه وبين يديه كتاب "الصفحات" وقد تدسَّست الأوراق الكثيرة بين صفحاته، فسأله عنها، فقال: هذه زيادات على الطبعة الماضية.
أنقل هذا من الذاكرة، والعهد بالسماع قديم. والبرنامج هذا جميل ممتع، كان متاحا على اليوتيوب ثم بحثت عنه بعد ذلك فلم أجده.
وهذه مِيزة له في عامة كتبه، يزيد فيها وينقح ويحشِّي، "حتى قيل: إن كل طبعة لكتاب من كتبه تعد بمثابة كتاب جديد" [مقدمة "الصفحات" (ص26)].
مفتاح شخصية الشيخ كما يقول صهره أحمد البراء الأميري -نقلا عن الشيخ مجد-: الجمال والإحساس المرهف.
وانتقل هذا الجمال إلى كتبه، فلا عجب أن يقول عنه ولده سلمان: "وكان ذَوَّاقة جدا في ملبسه ومشربه ومسكنه، وكتبه ترتيبا وكتابة وتأليفا" [مقدمة "الصفحات" (ص21)].
وأنا أشهد أني قلما رأيت أحدا من المعاصرين يتأنَّق في كتبه ويرتبها ويحسن إخراجها وتحشيتها والتعليق عليها وضبط ما يُشكل منها= مثل الشيخ رحمه الله.
وفيها من الإفادات والنوادر والتحقيقات والتنبيه على التصحيفات ما يَعِزُّ في غيرها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أما الكتاب الأول: فهو في أصله بحوث طُلب من الشيخ أن يكتب فيها عن ثلاثة أو أربعة من فقهاء العصر مشارَكة في مؤتمر عقدته جامعة الإمام محمد بن سعود بعنوان (فقهاء معاصرون)، فكتب الشيخ عن ستة فقهاء من أقطار مختلفة، وهم على الترتيب:
1- إمام العصر محمد أنور شاه الكَشْميري الهندي الحنفي (ت1352).
2- والعلَّامة أحمد بن محمد الزَّرْقا الحلبي الحنفي (ت1357).
3- والعلَّامة أحمد بن إبراهيم الحُسيني المصري الحنفي (ت1364).
4- والعلَّامة محمد بن الحسن الحَجْوي المغربي المالكي (ت1376).
5- والعلَّامة عيسى بن يوسف مَنُّون الفلسطيني المقدسي الشافعي (ت1376).
6- والعلَّامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ النجدي الحنبلي (ت1389).
ولطول التراجم نُشرت ترجمة واحدة منها في مجلة دارة الملك عبد العزيز، ثم رأى الشيخ أن ينشرها مجتمعة في هذا الجزء اللطيف في قريب من ثلاثمائة صفحة.
وأنفس تراجمه وأطولها: ترجمة محمد أنور شاه الكَشْميري.
هذا الرجل آية من آيات الله، ومن لم يكن له غرض في قراءة الكتاب فإني أحب له جدا أن يقرأ ترجمته، ففيها من العلم والإفادة وعلو الهمة والأخبار ما تطرب له النفوس، ولولا خشية الإطالة لنقلت بعضها.
والكتاب الثاني: قَصَره الشيخ على من جمعهم وصفُ العُزوبة والتبتل من العلماء، ولم يقصد الاستيعاب، وإنما جمع كبارهم ومشاهيرهم الذين تركوا الزواج تفرغا للعلم، ورغبة فيه، وإيثارا له على غيره من ملذات الدنيا وشهواتها.
وفيه مقدمة نفيسة حول عزوبة هؤلاء العلماء الكبار ومسوِّغها والباعث عليها، مع علمهم بفضل الزواج ومخاطر العزوبة ومتاعبها، قال فيها (ص19):
"والجواب عن حالهم هذه -والله أعلم- أنها مسلك شخصي فردي اختاروه لأنفسهم، مايَزُوا فيه ببصيرتهم الخاصة بين خير الزواج وخير العلم الذي يقومون به، فرجَح لديهم خير العلم على خير الزواج لهم، فقدموا مطلوبا على مطلوب، ولم يدْعوا أحدا من الناس إلى الاقتداء بهم في هذا المسلك، ولا قالوا للناس: التبتل للعلم أفضل من الزواج، ولا ما نحن أفضل مما أنتم فيه، ولا ذهبوا في ترك الزواج مذهب بعض الحكماء والفلاسفة القائلين بأن إيجاد الولد جنايةٌ عليه..." في كلام نفيس انظر تتمته إن شئت في الموضع المشار إليه.
28.04.202514:11
من مقروءاتي في الحرب [59]
("السُّبُل الـمَرْضية لطلب العلوم الشرعية" لأحمد سالم)
سؤال المنهجية من الأسئلة المتكررة في الساحة العلمية، وكلما تقدم الطالب في سيره وآنس من نفسه فهما وثباتا تحرر من قيوده، ومضى إلى هدفه بخطًى واثقة.
والناس في هذا طرفان ووسط:
منهم من يستغرق في هذا عمرَه، فلا يزال يسأل: ماذا أقرأ؟ ما أحسن كتاب في هذا العلم؟ وما أفضل كتاب في هذا الباب؟ حتى تتصرم أيامُه وهو يراوح مكانه.
ومنهم من يغلق هذا الباب بالكلية، ويُجرِّئ الطالب على السباحة في هذا البحر المتلاطم من غير عُدة كافية، ولا دليل ناصح.
والحق أن طالب العلم ينبغي أن يسترشد بمن يدله ويهديه إلى المسالك الرشيدة في تعلُّمه، وهذا إنما يكون في بدايات أمره، ثم إذا وَضَحت له السبيل استعان بالله وجد واجتهد حتى يُفتح له، وهو مع ذلك -مهما بلغ من العلم- لا يستغني بالكلية عن المرشد والدليل.
وهذا الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه لا يخرج عن هذا الباب، فهو مصنَّفٌ لإصلاح مناهج التعلُّم والتعليم وفق تجربة الكاتب، ووفق ما انتخبه من قراءات طويلة مركزة في أصول هذا الباب العلمية والتربوية والنفسية، على ما ذكر في مقدمته.
وعناية الكاتب بهذه السبل والمناهج قديمة، فإن النشرة الأولى للكتاب كانت قبل نحو عشرين سنة، ثم بعد خمس سنوات نشره نشرة ثانية مزيدة ومنقحة، ثم بعد خمس سنوات نشره نشرة ثالثة مزيدة أيضا ومنقحة (وهي التي بين يدي الآن، والحديث عنها)، ثم في الحرب أرسل لي أحد الأفاضل طبعة للكتاب عن عالم الأدب- 1444، وأتيحت مصورة من مدة يسيرة، وفيها زيادات ليست كثيرة عن الإصدار الأخير بحسَب ما ظهر لي ابتداء.
وقد طالعت النشرة الثانية قديما، ثم طالعت التي بعدها أول صدورها من سنوات، ثم احتجت إلى النظر في بعض المباحث ونحن في الحرب فقرأتها كاملة مرة ثانية، والله الموفق والمعين.
خطة الكتاب وغرضه كما سطرها مؤلفه:
"1- جواب عن بعض الأسئلة الشائعة عند طلبة العلم، والتي لم أجد الجواب عنها في كتاب، وقابلتني أثناء تدريسي للعلوم الشرعية.
2- إثارة الذهن بتحريك بعض الأفكار المهمة في عملية تطوير وإصلاح التعليم الديني...
3- انتخاب بعض الأفكار الجيدة المعينة على الترقي في مدارج الطلب من بعض المراجع الموجودة في الباب.
4- عرض لأشهر برامج التعلم في العلوم المختلفة في عبارة مختصرة، ثم انتخاب ما نراه الأفضل منها...
5- ذكر برامج علمية في بعض الأبواب والعلوم التي لم أر من رسم لها برامج من قبل.
6- سرد قوائم للقراءة والمطالعة في كل علم" [ص21-22].
والكتاب بعد ديباجته مقسم إلى فصلين:
الأول في مدارج الطلب، والثاني (وهو عُظْمه ومقصوده) في معارج الطلب.
تناول في الفصل الأول مسائل ومباحث مما يحتاجه طالب العلم في سيره.
ومن ذلك: كلامه عن العلوم الدنيوية النافعة وضرورة السعي في تحصيلها، والسعي في استكمال شعب الإيمان، وتحديد الهدف، واستواء المنهج، والشيخ، والدراسة النظامية، والتمذهب، والتفنن، والتخصص، وغير ذلك.
وهذا الفصل استغرق نحو مائة وعشرين صفحة (نحو خمس الكتاب)، وبإمكان القارئ أن يطالعه مستقلا عن الفصل الثاني، ففيه تنبيهات مهمة، ونقول نافعة جديرة بالنظر.
والفصل الثاني انتظم المناهج والكتب المقترحة في دراسة العلوم الشريعة مضموما إليها: الدراسات الفكرية (والكاتب لا يراها قسيمة لعلوم الشريعة، بل قسما منها)، والضروري من العلوم الإنسانية (ويؤكد على أهميتها لطالب العلم، وأنها من أبرز وجوه الاشتغال العلمي المهجور في زماننا)، وقد أحسن في عرض هذين العلمين وما انطوى تحتهما من الفروع أيما إحسان، وأبان حديثُه فيهما عن فهم ودراية واطلاع، وأشار في كل منهما إلى كتابة مستقلة له توسع فيها للراغبين في التوسع والزيادة، فجزاه الله خيرا وأحسن إليه.
ومجموع العلوم التي عرض لمناهجها وطرائقها وكتبها، وذكر جُملا صالحة في التعريف بها وأهميتها= تبلغ ثلاثة وعشرين علما سوى ما تشتمل عليه بعضها من علوم وفروع تندرج تحتها.
ورتَّب لكل علم منها طريقتين لدراسته:
الأولى: طريقة المتون: وهي كتب مختصرة العبارة، دقيقة الألفاظ، يستشرحها الطالب على شيخه، ويعين حفظها على استحضار مسائل العلم.
الثانية: طريقة الكتب المدرسية: وهي الكتب المصنفة على هيئة كتابة مبسوطة ميسرة، ولا تحتاج لشرح في الغالب.
ولكل طريقة مزايا وعيوب، وقد يصلح لطالب ما لا يصلح لآخر، وكذلك يقال في العلوم.
وجعل لكل واحدة منهما مراحل تُطوى لتحصيل العلم المطلوب بها، وقد يرى أن واحدة من الطريقتين متعينة في جميع مراحل العلم، أو في مرحلة منه.
وهذا كله بحسب تجربته وما ظهر له تعلما وتعليما، ولا يخفى أن الناس يختلفون في هذا الباب وهذه المسالك، وكلٌّ يكتب بحسب تجربته، وإن كانت ثمة أصول يكادون يتفقون عليها.
06.05.202519:12
05.05.202511:25
من مقروءاتي في الحرب [63]
("ظِلُّ النَّديم.. أوراق وأسمار شيخ العربية أبي فِهْر محمود شاكر -رحمه الله- التي لم تُنشر من قبل" لوجدان العلي)
"هنا صمتٌ طال سكوتُه، وأخبار وأحاديثُ كانت محجوبةً في بيداء الغيب، جئت بها إليك لترى بعض ما كان مستورا عن شيخ العربية العلَّامة الكبير أبي فهر محمود شاكر رحمه الله، وقد نثرتُ بين يديك بعضَ ما جمعه الصبر الدائب والحب الظامئ طيلة أربعة عشر عاما أو يزيد، عن رجل فذٍّ غاب عنا وفاتنا لقاؤه.. هذه أخباره وأسماره وبعض أوراقه العتيقة".
لقد كتب الناس كثيرا عن أبي فهر، كتبا ورسائل ومقالات أدَّوا فيها بعض حق الرجل، وهذا الكتاب الذي بين يديك حلقة في سلسلة الوفاء هذه، صاحبه أديب مبدع من عشاق شاكر، وكتابه هذا "خلاصة إصغاء ومتابعة وجمع وسؤال امتد قرابة ثلاثة عشر عاما، منذ كان في الجامعة، حريصا على النادر الذي لم يُر، والكلام الذي لم يُنشَر من قبل، والأحاديث التي أصبحت تراثا فريدا عزيزا لا يدري به أحد، إلا قليلٌ ممن سكن قلوبَهم حبُّه، وعرفوا له قدره" [ص10].
فالكتاب إذن يَجْلو الزوايا المغيَّبة في حياة شيخ العربية، ويكشف المشاهد المحجوبة في بيته وحياته، ومجالسه وأسفاره، وأسماره وأفكاره.
وفيه طرف من أخبار أصحابه وطلابه الذين يقصدون مجلسه من جنبات الأرض، وبعض كلماتهم ومواقفهم معه نثرا وشعرا.
هذا المجلس الذي كان يجلس فيه الإسلامي واليساري والشيوعي والنصراني، يَسعهم ويُفيدهم جميعا، لكن لا يأذن أن تُمسَّ الشريعة بشيء.
وفيه كذلك أحاديثه في الصحف والإذاعات، وكلماته في المحافل والمجامع مما لم يُنشر من قبل، أو نُشر فطُوي وصار كالنادر أو المعدوم.
وتضمَّن بحثا مختصرا عن منهجه في القراءة والدرس الأدبي، وخلَص فيه إلى أن التذوق هو أصل الأصول في منهجه، وما بعده إنما هو فرع عنه ومندرج تحته.
وختمه بملحق فيه نماذج من خطه وتعليقاته على الكتب، مع صور كثيرة لم تُنشَر من قبل في كتاب.
محمود شاكر أعجوبة من أعاجيب زماننا.
حفظ في الثالث الابتدائي ديوان المتنبي كله، وقرأ قبل الجامعة "الأغاني" للأصبهاني (وهو من أعظم وأجل كتب الأدب) و"لسان العرب"، وكتب كتابه عن المتنبي وهو في السابعة والعشرين بعد عزلة السنوات العشر، فكان حديثَ الناس والصحف والمجلات.
سارت حياة الرجل -كما يرى صاحبه وتلميذه الأثير محمود الطَّنَاحي- في طريقين:
الأول: طريق العلم والمعرفة.
والثاني: التنبُّه لما يحاك للأمة من مكر وكيد، وما يراد لثقافتها وعلومها من غياب واضمحلال.
واحتمل في حالتيه من العناء والمكابدة ما تنوء بحمله العصبة أولو القوة.
رجل صلب عنيد فاتك، خاض حروبا ومعارك في الدفاع عن لغة الأمة وتراثها وثقافتها وتاريخها وعقيدتها غيرَ مبال بما يلقى في سبيل ذلك.
من مشاهد العظمة في حياة الرجل: تلك الأَنَفة والشَّمَم والإباء التي اصطبغت به فلا تفارق قلمه ولسانه.
وقع له خطأ في تحقيقه على "طبقات فحول الشعراء" فجاءته رسالة في تصحيحه من مستشرق يهودي في بلادنا، فانظر تعليقه على ذلك، قال: "وكنت أخطأت بيان ذلك في طبعتي السالفة من "الطبقات"، فجاءتني من الأرض المقدسة التي دنستها يهود رسالةٌ من (م. ي. قسطر) فدلني على الصواب الذي ذكرته آنفا، فمن أمانة العلم أذكره، شاكرا كارها لهذا الذكر".
وهذا المستشرق (مائير يعقوب قسطر) أحد الذين أسسوا الجامعة العبرية في بلادنا المحتلة، وأستاذ اللغة العربية ومؤسس قسمها في الجامعة التي يسمونها (تل أبيب)، وله مشاركات في اللغة، وكان شديد الإعجاب والتقدير لأبي فهر، ومع ذلك ما جامله ولا صانعه فِعْلَ أوباش أمتنا اليوم وسفلتها وأراذلها الذين يسارعون في إخوان القردة، ويتولونهم ويمدونهم بما يقتلون به إخوانهم في فلسطين عموما وغزة على وجه الخصوص.
كان يحب طلابه ويَحنو عليهم ويسعى في مصالحهم، ولو سعى في مصلحة نفسه لكتب مئات الكتب، لكنه لم يكن أنانيا، كان ينظر في بحوث وكتب طلابه وغيرهم، ويكتب لهم عشرات الصفحات تصحيحا وتعليقا لا يبتغي بذلك شيئا.
الكلام في محمود شاكر يطول، وهذا الكتاب من نفائس ما كُتب عنه، ففيه من الفوائد والأخبار والتتبع وحسن البيان ما يشدك وتطرب له نفسك، فجزى الله كاتبه خيرا ونفع به وبارك في علمه، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الاثنين 7 ذو القدة 1446
https://t.me/DBasam
04.05.202504:15
دونك كتاب (معارج العلوم.. من الأمية إلى الإمامة)

وهذه الطبعة هي الطبعة الأولى، وثمة إثراءات في المعارج التفصيلية لكل علم في الطبعة الثانية، وعقب طباعتها وتوفرها في المكتبات يمكن نشرها إن شاء الله.
02.05.202505:23
29.04.202518:41
والكتاب في نشرته الأولى تضمن عشرين عالما، ثم نشره نشرة ثانية فزاده تعليقات هامة، وتراجم كريمة بلغت خمس عشرة ترجمة نحو ضعف الكتاب، لتستوي التراجم خمسا وثلاثين ترجمة.
ومن مشاهير العُزَّاب المترجَمين: بِشر بن الحارث (الحافي)، وهَنَّاد بن السَّري، ومحمد بن جرير الطبري، وأبو بكر بن الأنباري، وأبو عليٍّ الفارسي النحوي، وأبو القاسم الزمخشري المفسر، وأبو إسحاق الشيرازي الفقيه، ومحي الدين النووي، وأبو العباس ابن تيمية، وعز الدين محمد ابن جَماعة، وطاهر الجزائري، وأبو المعالي محمود شكري الأَلُوسي، وخليل الخالدي، وبديع الزمان النُّوْرْسي.
ومن تراجمه البديعة الحافزة الجيَّاشة: ترجمة "العالم العلَّامة، والمجاهد الكبير، والمعذَّب المبتلى الـمُرَزَّأ الصبير [الجبل]، والداعية الأمين على دينه في أشد ساعات الاضطهاد والتنكيل، العابد المتعبد، الذَّكَّار المذكِّر: الشيخ سعيد النُّوْرْسي..." [ص238].
وترجمته في نحو عشرين صفحة، لا تفوتنَّكم، فما أحوجنا إليها في هذا الزمان.
جزى الله الشيخ عبد الفتاح خير الجزاء على ما كتب وأفاد، ونفعنا بعلومه وعلوم الصالحين، اللهم آمين.
والأول منشور مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب، ط2- 1426.
والثاني عن الدار نفسها، ط4- 1416.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 1 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
27.04.202514:13
حرب غزة يوميات ومشاهدات [76]
من أبطال الحرب (2)
استيقظ صاحبنا صباح السابع من أكتوبر 2023 ليذهب إلى عمله المعتاد فما راعَه إلا أصوات الصواريخ تملأ الدنيا رعبا وكأن القيامة قد قامت.
أطلَّ من نافذته فعلم أنها الحرب. لبس ثيابه، وحزم أمتعته، وقال لأهله: "وطِّنوا أنفسكم ألَّا أراكم ثلاثة أو أربعة أشهر"، ثم مضى إلى سبيله.
كان في قلب المعركة والحدث، كلما سمع هيعة طار إليها مع رفاقه.
في اليوم العشرين من أيام الحرب بينما هو يوثِّق حدثا على الهواء وَرَدَ على زميله اتصال أربكه، ثم رنَّ هاتفُه فأسرع زميله في سحبه منه وهو على الهواء؛ فوقع في نفسه أن مكروها حدث.
ما الأمر يا فلان؟ هل وقع مكروه؟
خيرا إن شاء الله، البيت الذي فيه أهلُك قصف. وكان أهله قد نزحوا إلى الجنوب وبقي هو في الشمال على رأس عمله.
الليل أقبل، والانتقال في الظلام من الشمال إلى الجنوب مخاطرة ومغامرة.
ماذا نفعل؟ نذهب على بركة الله.
ذهبوا بالسيارة إلى حيث الأهل، فإذا بزوجته وابنه وابنته وعدد غير قليل من قرابته قد استُشهدوا تقبلهم الله، وبقية الأهل نقلوا إلى المستشفى للعلاج، وبعضهم جراحه خطيرة.
يخاطب الكاميرا بثبات ورباطة جأش: "بِنْتِقْموا منا بالأولاد، دموعنا دموعٌ إنسانية وليست دموع جبن وانهيار، فليخسأ جيش الاحتلال".
دَفن زوجته وأولاده، وفي نفس اليوم عاد إلى عمله.
ثم رجع بهم إلى غزة فورد اتصال على ابنته يهددها أنْ عودوا إلى الجنوب.
ذهبت الأم، والأب لا بد أن يواصل عمله، والأولاد... ماذا يصنعون؟
أبقاهم عنده في مكتبه، وقال لهم: المحيا محياكم، والممات مماتكم.
ثم انطلق يواصل عمله وجهاده.
قصف اليهود بعد مدة يسيرة منزله فتهدم بالكلية.
في منتصف ديسمبر 2023 ذهب رفقة زميله المصور وثلاثة من المسعفين لتغطية حدث في منطقة نائية في الجنوب بعد تنسيق وأخذ ورد.
رجعوا وتفرقوا في مسيرهم خشية أن يقع مكروه، ووقع ما كانوا يخشون، فاستهدفتهم مسيَّرة بصاروخ أودى بحياة المسعفين، وأصيب زميله المصور إصابة بليغة، وأصيب هو إصابة شديدة في يده.
ليس للوصول إلى الرفيق سبيل، وما من النجاة بُدٌّ.
تحامل على نفسه حتى وصل إلى حيث سيارة الإسعاف، هتف بهم أنْ أنقذوا رفيقي، فقالوا: لا سبيل إليه، وفي الذهاب مخاطرة كبيرة، ولا بد من تنسيق مع الجيش.
اتصلت الدنيا بالغَدَرة الفجرة لإنقاذ المصور فجاء التنسيق بعد ست ساعات، فوصلوا إليه وقد فارق الحياة تقبله الله.
حُمل صاحبنا بجراحه إلى المستشفى، وما أن بدأ يتعافى حتى عاد إلى عمله.
في السابع من يناير كان على رأس عمله في خانيونس فجاءه اتصال من رفح أن ابنك أصيب (والإصابة هنا كثيرا ما تعني الموت، لكن الناس يخادعون أنفسهم هربا من الحقيقة، وما من الحق مهرب).
ذهب إلى مكان القصف حيث السيارة التي كانت تُقلُّ ولده فإذا بها قد تفحمت، وابنه قد انتهى إلى المستشفى؛ فعلم أنه الموت، وكان الموت.
حسنا أيها الأحبة، هذه يوميات إعلامي في غزة، وهذا شيء مما وقع للإعلامي الكبير البطل أبي حمزة وائل الدحدوح.
حين زوَّرت في نفسي هذه المقالة لم أتوجه للحديث عن شخص بعينه، ولا أدري كيف هجم عليَّ بلاءُ الرجل، أسأل الله أن يلهمه الصبر، ويعظم له الأجر، اللهم آمين.
قصص الإعلاميين في غزة وأخبارهم كثيرة مؤلمة، وبعضهم وقع له أشد مما وقع لوائل، لكن شاء الله أن يَذيع في الناس خبره، ولله في خلقه شؤون.
عمل هؤلاء الأبطال ينطوي على مخاطرة كبيرة، ومغامرة جريئة، يقتحمون غمار الأخطار، ويحملون عُدَّة الموت.
كان لباس الصَّحَفي في الحروب السابقة أمان بتأمين الله له، وهو نفسه في هذه الحرب سبب لقصفه وقتله وتشريده.
إن كان في الحرب من ضحَّى فهؤلاء من أعاظم الرجال والمضحين.
يعملون في أصعب الظروف، وبأقل الإمكانات، وهم مع ذلك لا ينكصون ولا يترددون ولا يجبُنون.
أيها الأبطال، إن صدقتم وأخلصتم فأنتم والله في جهاد، ولكم أجر المجاهدين.
ثبتكم الله وحماكم، وأعانكم وتولاكم، اللهم آمين آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأحد 29 شوال 1446
https://t.me/DBasam
06.05.202519:03
إغفاءة السحر إلى صلاة الفجر" [ص197-198].
ولولا أهميةُ هذا النص وكثافته وعسر اختصاره ما نقلته بطوله.
أحبتي، هذا كتاب أحب لكل واحد منكم قراءته لنفسه وعلى أهل بيته؛ فإنه يزيد القلب حبا وإيمانا وتعظيما واتباعا لهذا النبي الأمين، وهل إلا بحبه واتباعه يحبنا الله ويبلغنا منازل الرضوان.
وقراءة سيرته في مثل هذه الأيام الشديدة التي نحياها فيها أعظم التثبيت والسكينة والسلوى.
جعلنا الله وإياكم في الدنيا من أتباعه وأنصاره، ورزقنا في الآخرة شفاعته وصحبته، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 8 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
04.05.202506:47
الذي أقصده من هذا معاشر الإخوة: أننا ينبغي أن نتعاضد في هذا الأمر، فلا خير فينا والله إن جاهر الناس بالمعاصي ونحن ساكتون متبلدون، ولو نوزع أحدنا في شيء يخصه لأقام الدنيا ولم يقعدها، ولو سُبَّ هو أو والده أو أحد قرابته لحارب الدنيا غيرَ وَجِلٍ ولا هَيَّاب.
﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 116].
فواجب على كلٍّ منا أن يقوم بما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلٌّ بحسَبه، الحاكم بيده، والعالم والداعية بدعوته ونصحه وتوجيهه، وعامة الناس بما يستطيعون، وأضعف ذلك الإنكار بالقلب، وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبةُ خردل.
وكل ذلك على ما توجبه الشريعة من غير إفراط ولا تفريط، والله الموفق والمعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بسام بن خليل الصفدي
الأحد 6 ذو القعدة 1446
https://t.me/DBasam
04.05.202504:15
30.04.202513:03
وهذه بشارة نبوية يخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأن فصول الظلم والبغي والقهر التي عانت وتعاني منها أمتُه ذاهبةٌ زائلة بإذن الله، وأن أمتنا ستتفيأ ظلال الخلافة القائمة على منهاج النبوة.
وأخبر بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم عن قتال اليهود، والانتصار عليهم في بيت المقدس آخرَ الزمان، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) [أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم].
وجاء الإخبار عن قتال اليهود آخر الزمان في أحاديث جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كابن عمر، وأبي أمامة، وحذيفة بن اليمان، وحذيفة بن أَسِيد، وسمرة بن جندَب رضي الله عنهم.
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن بقاء الطائفة المنصورة في أمته إلى قرب قيام الساعة، فقال: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) [أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) [أخرجه مسلم من حديث جابر بن سَمُرة رضي الله عنه].
وإن من الأقدار الميمونة المباركة لأهل الشام أنهم أولى الناس دخولا وأسعدُهم حظا بهذه الطائفة المنصورة المجاهدة القائمة على أمر الله، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.
وأخبر صلى الله عليه وسلم عن نزول عيسى بن مريم عليه السلام، وخروج الإمام المهدي، وقتل الدجال، والقضاء على يأجوج ومأجوج، وانكسار الروم في آخر الزمان، مما لا يتسع المقام لذكره، ويبشرُ بمستقبل هذا الدين وعلو أهله في قادم الأيام.
وإن شواهد التاريخ وحوادثه ووقائعه جاءت مؤكدة لشواهد الوحي المتقدم ذكرها، وأن أمتنا أمةٌ مرحومة منصورة، وأنها أقرب ما تكون إلى النصر والفرج عند انقطاع الحيل والأسباب، وصدقِ اللجَأ إلى الله تعالى. ولنا في بدر والأحزاب وحُنينٍ آية.
وجاءت مؤكدة كذلك على أن هذه الأمة فيها قوة مخزونة كامنة، وهي أظهر ما تكون عند اشتداد الخطوب، ونزول المحن. ولنا في حروب الصليب وغزو التتار عبرة، يومَ ظن كثير من الناس أن هذا الدين قد أفَلَت شمسه، وولى إلى غير رجعة، فإذا بشمسه تشرق من جديد، وإذا به ينتفض وينتصر ويعلو بحول الله وقوته، سنةَ الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
[الحديث عن شواهد التاريخ أصله مستفاد من "المبشرات بانتصار الإسلام" (ص41 وما بعدها) للشيخ القرضاوي].
إن هذه البشائر ليست داعية إلى الكسل والخمول والقعود بحجة أن الله مظهرٌ دينه، وناصرٌ عباده، بل هي محفِّزة لأهل الإسلام على العمل والجهاد، وتحصيل الأسباب التي تضمنتها وأشارت إليها.
وإن نصر الله لا يتنزل إلا على أمة حققت الإيمان والعبودية لله تعالى، وجاهدت في سبيله، واستقامت على أمره، وتوكلت عليه، وفوضت أمورها إليه.
فمتى حققت الأمة ذلك، وتحققت به فهي جديرة بالنصر مستحقة له، وإلا فلن نبرح في الوهم والسراب والأماني إلى أن يتداركنا المولى برحمته.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 2 ذو القَعدة 1446
https://t.me/DBasam
29.04.202510:04
حرب غزة يوميات ومشاهدات [77]
(نصيحة وبيان في الأحداث الجارية)
ليس شيءٌ أضرَّ على أهل الإسلام عند المحن والشدائد من التنازع والتدابر والاختلاف، ولئن كان الاجتماع والائتلاف مأمورا به في كل وقت فهو في هذه الأوقات آكد.
ولئن كان الاختلاف والافتراق مما جرت به أقدار الله فليس ذلك يعني الاسترواحَ إليه والرضا به، بل يجب أن ندفعه بما أمر الله تعالى به من الاجتماع والاتحاد.
وهذه النازلة والمحنة التي نحن فيها -نسأل الله أن يعجل بتفريجها- كثر فيها كلام الناس بالحق والباطل، وكان ممن تكلم وكتب ونصح وأفتى: شيخنا أبو عبد الرحمن سلمان بن نصر الداية، وكلامه معروف منتشر.
والشيخ من كبار علماء غزة ومشايخها المعروفين، وله فضل على طلبة العلم في غزة لا ينكَر ولا يُجحَد، واشتغاله بالعلم والتعليم والتدريس والفتوى لا يمارِي فيه أحد.
والظن به وبغيره من أهل العلم أنههم يَصدُرون فيما يكتبون عن علم وحسن قصد، وليس هو ممن يقتات بدينه، أو يبتغي رضا أحد من الخلق على حساب الحق، أو يتكلم تحت ضغط أو إكراه من أحد، فهو أجل في نفسه وفي نفوس طلابه من ذلك.
وهو مع ذلك بشر يصيب ويخطئ، ويعرض له ما يعرض لغيره من أهل العلم.
ولما نُشر عنه ما نشر تلقاه بعض الناس بالقبول والرضا، ورآه آخرون مجافيا للحق والصواب.
ولست هنا في مقام التأييد أو الاعتراض، وإنما أردت شيئا وراء ذلك.
كثير من الناس في هذه المسائل لا يحركهم الحق، ولا تسوقهم الأدلة، إنما يتبعون أهواءهم، وكم أضل الهوى أقواما يحسَبون أنهم على الهدى!
ولست أنكر أن فيمن وافق الشيخَ أو خالفه طائفةً من أهل الصدق والتجرد والاتباع، وكذلك فإنه قد طار بكلامه أناس لم يكن رائدهم الحق، وإنما وافق هوًى في نفوسهم، وأضغانا في قلوبهم فألبسوها لباس العلم، وما هم والله من أهله.
وليس يضر العالمَ أن يطير بكلامه أناس يتأولونه على غير وجهه، أو يحملونه على غير قصده. نعم، لا يضره ذلك، لكن ينبغي أن يكون لهذا اعتبار في نشر الكلام وطيِّه، بحسَب ما يحتف بالمسألة والنازلة.
ثم إنه قد خالف الشيخَ أناسٌ لا يُشك كذلك في علمهم وصدقهم وحبهم ونصحهم له، وأنا أشهد أن كثيرا من أبناء ومشايخ الحركة الخضراء لا يحملون للشيخ إلا الحب والتقدير والاحترام، وما أخرجهم كلامُه عن الأدب والتجمُّل، ولو شئت أن أطيل هنا لأطلت، وليس ذلك مقصودا لي، والله يحب العدل والإنصاف.
وقليل ممن خالفوه سلكوا مسالك يأباها العلم والأدب، وتأباها المروءة والشهامة؛ فعمدوا إلى الغمز واللمز، والسخرية والاستهزاء، والتشويه والإسقاط، والدخول في القصود والنيات!!
وما هكذا والله يكون الرد على أهل العلم، وبين أهل العلم.
ومن رأى خطأً فليرد عليه بالأدلة والبينات والحُجج فهذا الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض. والسب والشتم يحسنه كل أحد، ولا يُحقُّ حقا ولا يُبطل باطلا، إنما يسيء به المرء إلى نفسه.
ألا فليتق الله امرُؤٌ أطلق لسانه وأرخاه في مسلم فضلا عن أن يكون عالما.
والرد لا يمنع منه أحد إن كان بعلم وأدب وإنصاف، والكلام فيما وراء ذلك.
وإن كانت لي من كلمة أخيرة: فإني أنصح الجميع -كلٌّ بحسَبه- بتقوى الله تعالى، والكف عن التنازع والاختلاف، وتثبيت الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمدافعة بما نستطيع مع السعي في الخروج من الحرب بأقل الخسائر ما أمكن ذلك، ومحاربة الغلاء والاحتكار، ومواجهة العنف الداخلي والفوضى، وملاحقة اللصوص والخونة، والجواب عن أسئلة الناس، والقيام على إغاثتهم ورعايتهم وتوفير حاجاتهم من السكن والطعام والشراب واللباس، وتحري العدل في ذلك واجتناب الظلم والمحاباة، وسد الثغور وحراسة الحدود في كل الميادين بالقدر الممكن المستطاع.
ولا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله تعالى، والافتقار إليه، وصدق التوكل عليه.
وأنصح القادة والمسؤولين ألا يصدِّروا للحديث في أمر الحرب وما يتعلق بها إلا الحكيم الذي لا يفتن الناس ويثوِّرهم، وأن يعتبروا بما جرى من قبل، ولا يكرروا الأخطاء، فرحم الله امرءًا جب الغيبة عن نفسه.
كما وأنصح شيخنا ألا ينشر شيئا من مقالاته على العامة، وإن كانت له من نصيحة فليكتب بها إلى المسؤولين وأولي الأمر فإن هذا أقطع للشر، وأبقى للود، وأحسم لمادة النزاع والخلاف، والله يوفق الجميع للحق والصواب.
والله يعلم أني ما كتبت هذا إلا نصحا لأهلي وإخواني، وما أردت به إلا الخير، ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، وهو حسبي ونعم الوكيل.
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 1 ذو القَعدة 1446
https://t.me/DBasam
26.04.202517:17
Shown 1 - 24 of 161
Log in to unlock more functionality.