أَحْبَبْتُ شَخْصًا جَميعَ النّاسِ تَعْرِفُهُ
مَنْ كانَ في بَدْوِهِ أَوْ كانَ في حَضَرِهِ
الشَّمْسُ مِنْ نُورِهِ فِي الْقَلْبِ مَنْزِلُهُ
وَالْمِسْكُ مِنْ رِيحِهِ وَالشَّهْدُ مِنْ أَثَرِهِ
إِذا أُعايِنُهُ تَسْرِي الْحَياةُ بِهِ
فِي خَدِّهِ فَيَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ خَفَرِهِ
لَمّا بَحَثْتُ عَلَيْهِ لا أَراهُ سِوَى
ما قامَ بِالنَّفْسِ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ أَثَرِهِ
فَما يَهِيمُ قَلْبًا فِي الْهَوى أَبَدًا
إِلّا تَخَيَّلَهُ لا غَيْرَ مِنْ نَظَرِهِ
فَبِالْخَيالِ نَعيمُ النّاسِ أَجْمَعِهِمْ
كَمَا بِهِ الْأَلَمُ الآتِي عَلى قَدَرِهِ
إِذا عَلِمْتَ بِهَذا فَقَدْ نَعِمْتَ بِما
تَشْكُو نَوَاهُ إِذا ما غابَ فِي سَفَرِه
ومن أحوال المحبين، طائفة نظرت إلى المثال الذي في خيالها، من الموجود الذي يظهر محبوبه فيه، ويعاين وجود محبوبه، وهو الاتصال به في خياله، فيشاهده متصلاً به اتصال لطف، ألطف منه في عينه في الوجود الخارج، وهو الذي اشتغل به قيس المجنون عن ليلى، حين جاءته من خارج، فقال لها (إليك عني) لئلا تحجبه كثافة المحسوس منها، عن لطف هذه المشاهدة الخيالية، فإنها في خياله ألطف منها في عينها وأجمل، وهذا ألطف المحبة، وصاحب هذا النعت لا يزال مُنَعّماً لا يشكو الفراق، ولنا في هذا النعت اليد الطولى بين المحبين.
فإن مثل هذا في المحبين عزيز الوجود، لغلبة الكثافة عليهم، وسبب ذلك عندنا، أنه من استفرغ في حب المعاني المجردة عن المواد، فغايته إذا كثفها أن ينزلها إلى الخيال، ولا ينزل بها أكثر، فمن كان أكثف حاله الخيال، فما ظنك بلطافته في المعاني؟! وهذا الذي حاله هذا، هو الذي مكن أن يحب الله، فإن غايته في حبه إذا لم يجرده عن التشبيه، أن ينزله إلى الخيال، وهو قوله العَليقلا:
«اعبد اللّٰه كأنك تراه» فإذا أحببنا ونحن بهذه الصفة موجودا، نحب ظهور محبوبنا فيه من المحسوسات عالم الكثائف، نلطفه بأن نرفعه إلى الخيال، لنكسوه حسناً فوق حسنه، ونجعله في حضرة لا يمكنه الهجر معها ولا الانتقال عنها، فلا يزال في اتصال دائم.