تقول فيروز بتساؤل موسيقي : "قَدِيشْ كَانْ فِي نَاسْ عَالمَفْرِقْ تِنْطِرْ نَاسْ وَتَشْتِي الدُنْيَا، وَيِحْمِلُو شَمْسِيَّةْ، وَأَنَا بِأَيَّامِ الصَّحْوْ مَاحَدَا نْطِرْنِي". كأنما تمسك بيد الزمن وتستجوب مصائرنا عند مفترق الطرق، حيث يكتظ العالم بمن ينتظرون أحباء تحت المطر، حاملين مظلات الوعود، بينما تقف هي وَنَحْنُ مَعَهَا تحت شمس الوحدة، بلا ظلٍّ يُجيب نداء الانتظار.
وأنا أيضاً، يا عزيزتي فيروز، أجدني أتساءل كلما وقفتُ على مُفترقٍ من مفترقات العمر: كم مرّةً سنظلُّ نُحصي خطوات الغائبين؟ كم مرّةً سنمدّ أيدينا إلى فراغ، نلمسُ فيه صدى الوعود المعلَّقة بين الغيم والسماء؟ لقد علّمتنا أغانيكِ أن الانتظارَ ليس مجرد وقوفٍ في مكان، بل هو رحلةٌ داخل الذات، حفرٌ في جدار الزمن بحثاً عن بصمةٍ تَعِدُ باللقاء. لكنّ صدقيني كُل المفارقَ صارت متشابهة، والوجوهَ التي تلمع تحت المظلات ليست وجوهنا.
ربما نحنُ يا عزيزتي فيروز من ننسجُ من الانتظارِ وطناً مؤقتاً، نُزيّن جدرانه بأحلام اللحظةِ الأخيرة قبل أن يُغادر القطار. نرتدي الصبرَ كرداءٍ ونخبئُ تحتَه دموعَ الأسئلةِ التي لا إجابة عنها . لكن، أليس في هذا الانتظارِ المُعلَّقِ بين السماء والأرضِ نوعٌ من الجمال؟ جمالُ الذين يُصرّون على الوقوفِ رغمَ أن الريحَ تُذكّرهم بأنّ "المطرَ" قد لا يأتي، وأن "الشمسيّةَ" قد تظلُّ مطويّةً في يدٍ لا تَمُدُّها نحوهم.
عزيزتي فيروز.. ربما نلتقي ذات يومٍ على مفرقٍ ما، نرتدي نفسَ العتبِ الهادئ، ونضحكُ من سخريةِ القدر الذي جعل منّا حارسي مفارق اللقاءاتِ الضائعة. حتى ذلك الحين، سنبقى نُردّدُ سؤالَكِ المُوسيقي، ونخبئُ تحتَ أصواتنا أملًا بأنّ إنتظارنا على المفارقَ وإن طال سيجمعُنا يوماً بمن يُضيئون ظلَّنا تحت شمسِ الوحدة.
عهد النعيمي
دمشق ٢٠٢٥,٢,١٣